علم المسيح

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل الثانى

حتمية الألم
والصليب

 

1.
التدبير الأزلى

مقالات ذات صلة

2. حتمية الألم
والخلاص

3. الم المسيح
وصلبه فخر الرسل والشهداء

 

“تدبير
الفداء”

 يقول
الرسول بولس بالوحى لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً
تحت الناموس. ليفتدى الذين تحت الناموس”(1)
وقال أيضاً: “إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذى بذل نفسه لأجلنا لكى
يفدينا من كل إثم”(2).

 

وقال
السيد المسيح نفسه:

العالم،
إذ رأت المشورة الإلهية أن الإنسان الذى سيخلق سوف يخطىء ولا خلاص له من عقوبة
الخطية إلا بالتجسد الإلهى وإحتمال الألم والموت نيابة عنه لأنه “معلومة عند
الرب منذ الأزل جميع أعماله”.(7)
وهكذا عندما رأه يوحنا المعمدان فى بداية خدمته صرخ قائلأ: “هوذا حمل الله
الذى يرفع خطية العالم”(8).

 

والقديس
بطرس يقول لرؤساء اليهود:

“هذا
(يسوع المسيح) أخذتموه مسلما بمشورة الله وعلمه السابق وبأيدى آثمة صلبتموه
وقتلتموه”(9).

إنه
يقول لهم على الرغم من أنكم قد صلبتم المسيح وقتلتموه بأيديكم الأثيمة إلا أنكم لم
تفعلوا سوى ما قررته المشورة الإلهية التى حتمت هذا بحسب علم الله السابق. وهذا
ماقاله السيد المسيح نفسه ليهوذا:

“إن
ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن وبل لذلك الرجل الذى به يسلم ابن
الإنسان”(10).

وقال
القديس بطرس الرسول: “دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم”,

 

1- التدبير الأزلى:

وقد
استخدم آباء الكنيسة منذ البدء تعبير “التدبير” للإشارة إلى خطة الفداء
الأزلية بدم المسيح وللإشارة إلى “تدبير الفداء” الأزلى. وقد ورد تعبير
التدبير مرتين فى الرسالة إلى أفسس:

“تدبير
ملء الأزمنة”(12).

“تدبير
السر المكتوم”(13).

وذلك
للتعبير عن تدبير الله الأزلى للفداء والخلاص الذى تم بآلام المسيح وسفك دمه وموته
على الصليب. كما استخدم هذا التعبير القديس أغناطيوس الأنطاكى تلميذ بطرس الرسول:

“لأن
إلهنا يسوع المسيح قد حبلت به مريم بحسب تدبير الله… ولد وأعتمد ليطهر الماء
بألامه”(14).

“التدبير
الذى بدأت بالكلام عنه والخاص بالإنسان الجديد يسوع المسيح، القائم على الإيمان
ومحبته وآلامه وقيامته”(15).

قال
القديس كيرلس الاسكندرى تعليقاً على قول السيد المسيح لتلاميذه:

“أنه
ينبغى أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل
وفى اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً: “حاشاك يارب.
لا يكون لك هذا”(16).

“تذكروا
كيف لم يحتمل بطرس نبؤة المسيح عندما سبق وأخبره بموته على الصليب… ولم يفهم
التلميذ طريق الله السرى فى التدبير”(17).

وقال
أيضاً: ولكنه بعد أن أكمل تدبير فدائنا واحتمل الموت على الصليب وقام حياً وأعلن
أن طبيعته اسمى من الموت”(18).

وهذا
التدبير هو ما أعلنه الكتاب بصورة شاملة فى قوله:

“الذى
إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياًلله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة
عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت وموت
الصليب”(19).

وقوله
أيضاً:

“فكم
بالحرى يكون دم المسيح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب… فإذ ذاك كان يجب أن
يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم ولكنه الآن قد أظهر مرة عند أنقضاء الدهور
ليبطل الخطية بذبيحة نفسه”(20).

 

2-حتمية الألم والخلاص:

إن
ألم المسيح وموته حسب تعبير الكتاب “أمر محتوم” “أمر حتمى”
“كان ينبغى” “كان يجب” كن محتوماً ومقرراً فى خطة الله
الأزلية للفداء “قبل تأسيس العالم” “معروفاً سابقاً قبل تأسيس
العالم”.

والسيد
المسيح لم يخف هذه الحقيقة منذ بداية خدمته الجهارية عن تلاميذه، بل علم بها أمام
اليهود مراراً، كما أعلنها الوحى الإلهى المقدس للسيدة العذراء مريم عند ختان
المسيح فى طفولته فى قول سمعان الشيخ لها “وأنت أيضاً يجوزفى نفسك سيف”(21).

ظل
السيد المسيح يعلن هذه الحقيقة التى لا مفر منها حوالى ثلاث سنوات وثلث مدة خدمته
الجهارية على الأرض، كما عاد وأوضحها لهم تفصيلاً بعد القيامة.

وهذه
أهم إعلانات السيد المسيح عن آلامه وموته على الصليب وقيامته:

1-
فى بداية خدمته وعند تطهيره للهيكل للمرة الأولى، طلب منه اليهود أن يعطيهم آية
تبرهن على سلطانه وكانت آيته لهم:

“أنقضوا
هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه” وكان هو يقصد ليس الهيكل الذى يصلى فيه
اليهود إنما هيكل جسده. ولكن اليهود لم يفهموا مغزى قوله وحتي تلاميذه لم يفهموا
ذلك إلا بعد قيامته من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام
الذى قاله يسوع”(22).

2-وعندما
كان يعلم نيقوديموس عن حقيقة الولادة الجديدة وكيفيتها وسر الفداء أعلن آلامه
وبذله ذاته بالموت على الصليب لإتمام الفداء بصورة رمزية قائلاً:

“وكما
رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية.لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى
لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(23).

ووجه
الشبه بين الحية النحاسية وصلب المسيح (تعلقه على الصليب) هو أن الذين نظروا إلى
الحية النحاسية من الذين لدغتهم الحيات شفوا، والخطاه الذين ينظرون إلى المسيح
المصلوب ويؤمنون به تغفر لهم خطاياهم بجراحاته وآلامه ودمه ويشفوا من لدغة إبليس
“الحية القديمة”(24).

“لأنه
هو سلامنا الذى جعل الإثنين واحد ونقض حائط السياج المتوسط أى العداوة ومبطلاً
بجسده ناموس الوصايا… ويصالح الإثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب قائلاً
العداوة به”(25).

3-
بعد أن شفى المجنون الأعمى والأخرس، قال له الكتبة والفريسيون:

“يا
معلم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له
إلا آية يونان النبى. لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا
يكون ابن الإنسان فى بطن الإرض ثلاثة أيام وثلاثة ليال”(26).

أراد
منه اليهود آية أو معجزة ليبرهن بها على سلطانه الإلهى. فكانت آيته لهم هى آلامه
وموته ودفنه فى القبر ثلاثة أيام ثم قيامته من الموت فى اليوم الثالث. ولم تكن هذه
آية لعصرهم فقط بل كانت آية لكل جيل وعصر.

4-
بعد أن أشبع خمسة آلاف رجل ومن كان معهم من نساء وأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين،
أرادوا أن يجعلوه ملكاً،فقال لهم:

“أنا
هو خبز الحياة” “أنا هو الخبز الذى نزل من السماء إن أكل أحد هذا الخبز
يحيا إلى الأبد. والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى ابذله من أجل حياة
العالم” ثم أضاف “الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان
وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه”(27) والإشارة واضحة فى أقواله هذه إلى آلامه وسفك
دمه وتقديم جسده على الصليب.

5-
بعد أن أعلن بطرس الرسول، بالروح القدس، عن حقيقة لاهوت المسيح فى قيصرية فيلبس:
“أنت المسيح ابن الله الحى”(28).
كان يتملك التلاميذ أعتقاداً بأن المسيح سيبقى إلى الأبد ولن يموت كما كان يعتقد
اليهود(*). يقول الكتاب:

“من
ذلك الوقت ابتداء يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغى أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً
من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفى اليوم الثالث يقوم” ولما أرتاع
بطرس من هذا الكلام الخطير قال منتهراً “حاشاك يارب” فقال له السيد
المسيح “أذهب عنى يا شيطان. أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله بل بما
للناس”(29).

6-
بعد أن تجلى السيد على الجبل وكشف عن حقيقة لاهوته بصورة ملموسة، بصورة عملية
مرئية، ظهر معه موسى وإيليا يتكلمان معه وكان الحديث بينه وبينهما عن خروجه المقرر
منذ الأزل والعتيد أن يكمله بالألم على الصليب فى أورشليم. وفيما هو نازل أوصى
تلاميذه الثلاثة الذين شاهدوا التجلى
يوحنا ويعقوب ابنى زبدى وبطرس قائلاً: ” لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان
من الأموات “(30).

” ابن الإنسان
أيضاً سوف يتألم “(31).

7-
وأثناء تردده فى الجليل ” كان يعلم تلاميذه ويقول لهم: ابن الإنسان يسلم إلى
أيدى الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم فى اليوم الثالث”(32).

وهذا يعنى أن تعليمه
هذا كان متكرراً أثناء تردده فى الجليل.

8-
ولما “تقدم بعض الفريسيين قائلين له أخرج وأذهب من ههنا لأن هيرودس يرير أن
يقتلك. فقال لهم أمضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أخرج شياطين وأشفى اليوم وغداً
وفى اليوم الثالث أكمل. بل ينبغى أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن
يهلك نبى خارجاً عن أورشليم”(33).

مشيراً
إلى موته فى أورشليم.

9-
وبعد أن فتح عينى المولود أعمى وخلق له عينين من طين قال:

“أنا
هو الىالراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف… وأنا أضع نفسى عن
الخراف”(34).

مشيراً
بذلك إلى تقديم ذاته على الصليب. ثم أشار إلى حقيقة أن الموت على الصليب قد قبله
هو بذاته ولم يفرض عليه, إنما قبله بإرادته حسب التدبير الأزلى للفداء, فقال:

“لأنى
أضع نفسى لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها منى بل بل أضعها أنا من ذاتى. لى سلطان أن
أضعها وسلطان أن آخذها أيضا”(35).

10-
وعندما أختلف تلاميذه على الجلوس عن يمينه أو يساىه قال لهم:

“ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل
نفسه فدية عن كثيرين”(36)

11-
وفى الطريق آلى أورشليم للمرة الأخيرة:

“أخذ
الإثنى عشر أيضاً وأبتدأ يقول لهم عما سيحدث له. ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن
الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم
فيهزأون به يجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم”(37).

وهذا
إعلان تفصيلى بكل ما سيحدث له.

12-
“وفيما كان يسوع فى بيت عنيا فى بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه إمرأة معها
قارورة طيب كثيرة الثمن فسكبت على رأسه وهو متكئ” فأنزعج البعض لذلك فقال لهم
يسوع مشيراً إلى موته:

“إنها إذ سكبت هذا الصيب على جسدى إنما
فعلت ذلك لأجل تكفينى(38)

13-
بعد دخوله الانتصارى الأخير لأورشليم روى لليهود مثل الكرامين ليكشف لهم من خلال
المثل كيف أنهم طردوا وقتلوا الأنبياء الذين أتوا قبله وكيف أنهم سيقتلوه هو أيضاً
برغم معرفتهم بأنه “ابن صاحب الكرم” ولما سمعوا المثل عرفوا أنه قاله
عليهم”(39).

14-
طلب أناس يونانيين من فيلبس أن يروه (يسوع) فقال لتلاميذه:

“أتت
الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض
وتمت فهى تبقى وحدها, ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير… وأنا إن أرتفعت عن الأرض
أجذب إلى الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت”(40).

والآية
الأخيرة هى تعليق للقديس يوحنا الإنجيلى شارحاً لقول السيد مشيراً عن موته.

15-
قبل الفصح بيومين قال لتلاميذه:

“تعلمون أنه بعد
يومين يكون الفصح وإبن الإنسان يسلم ليصلب”(41)

16-
وأثناء تناول الفصح كان كل كلامه يشير إلى حتمية الفداء بتقديم نفسه على الصليب
فقال لهم:

“الحق
أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمنى”(42)
ثم أضاف مؤكداً حتمية آلامه وموته قائلاً: “ان ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب
عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذى به يسلم ابن الإنسان”(43)

ثم
بدأ يصنع العشاء الربانى: “وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى
التلاميذ وقال: خذوا كلوا. هذا هو جسدى. وأخذ الكأس وشكى وأعطاهم قائلاً أشروا
منها كلكم. لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة
الخطايا”(44)

17-
وبعد العشاء الربانى وفى الطريق إلى بستان جثسيمانى إذ خرج وهو عالم بكل ما سيأتى
عليه وأن ساعته قد جاءت, قال لتلاميذه مؤكداً من جديد حتمية آلامه وموته على
الصليب مثل الأشرار, بل ويضيف هذه المرة أنه سيصلب مع الأشرار مشيراً إلى ما جاء
عنه فى سفر نبؤة إشعياء النبى:

“أقول
لكم أنه ينبغى أن يتم فى أيضاً هذا المكتوب وأحصى مع أثمه. لأن ما هو من جهتى له
أنقضاء”(45).

18-
وعندما جاء جنود الهيكل وخدام اليهود إلى البستان للقبض عليه كان بإمكانه أن يخرج
من بين أيديهم دون أن يمسوه كما فعل من قبل عدة مرات, ولكن لأن ساعته قد جاءت لذلك
أسلم نفسه لهم بإرادته مع أنه لما كشف لهم عن ذاته وقال لهم “أنا هو… رجعوا
إلى الوراء وسقطوا على الأرض” ثم أسلم نفسه لهم. ومنع بطرس أن يدافع عنه
بالسيف بل وشفى أذن العبد التي قطعها بطرس بسيفه”(46).

19-
وبعد القبض عليه ومحاكمته وصلبه وقيامته من الأموات فى اليوم الثالث قال الملاك
لمريم المجدلية ومريم الأخرى:

“أنى أعلم أنكما
تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لكنه قام كما قال”(47)

ولما
ظهر السيد المسيح لتلاميذه “أراهم يديه وجنبه”(48)
وكذلك قال لتوما فى المرة التالية “هات أصبعك إلى هنا وأبصر يدى وهات يدك
وضعها فى جنبى”(49)

وقال
لتلميذى عمواس “أيها الغبيان والبطيئا القلوب فى الإيمان بجميع ما تكلم به
الأنبياء. أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده”(50).

وقال
لتلاميذه جميعاً مذكراً إياهم ومفسراً لكل ما سبق أن قاله عن آلامه وموته:
“وقال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لأبد أن يتم جميع
ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا
الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى
اليوم الثالث. وأن يكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم”(51).

وهكذا
كانت إعلانات المسيح صريحة واضحة عن آلامه وموته على الصليب وقيامته. والملاحظ فى
كثير من الأمثلة التى ذكرناها أن الإعلانات عن آلامه وموته كانت تأتى مباشرة بعد
مواقف تجلى فيها مجده وكشف فيها عن لاهوته مثل إعلان بطرس أنه “ابن الله
الحى” وبعد تجليه على الجبل وبعد إشباع الجموع وبعد خلق عينان للمولود أعمى.
ففى الأوقات التى كان فيها واضحاً أنه الإله القدير كان يؤكد على حتمية آلامه
وموته وقيامته وأنه تجسد وقبل هذه الآلامات تدبيرياً، فقد كانت آلاماً تدبيرية
إختيارية محتومة منذ الأزل فقد “أفتقر وهو غنى لكى تستغنوا بفقره”(52).

وفى
هذا يتغنى القديس أغريغوريوس النيزينزى (325-389م) قائلاً:

“الذى
كان قبل كل العوالم، غير المرئى وغير المدرك, غير المجسم، بدء البدء، نور من نور،
أصل الحياة والخلود… جاء إلى صورته وأخذ جسداً لأجل جسدنا ووحد نفسه بروح عاقلة
مطهراً شبه بشبه، وصار إنساناً مثلنا فى كل شئ ما عدا الخطية… الموجود بذاته جاء
إلى الوجود… الواهب الغنى أصبح فثر لأنه أتخذ فقرنا ناسوتياً لأتخذ أنا غنى
لاهوته. مالئ الكل أخلى نفسه من مجده إلى حين كى أشترك أنا فى ملئه”(53).

 

3- ألم المسيح وصلبه فخر الرسل والشهداء

وهكذا
بعد أن كشف الكتاب عن حتمية ألم المسيح وصلبه وموته لفدائنا وأن المسيح أحتمل
الخزى والعار لا لشئ إلا لفادينا “أحتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس عن يمين
عرش الله”(54). وحول الصليب من علامة
خزى وعار وجهالة وعثرة إلى علامة مجد وفخر:

“إن
كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله”(55)

“أما
من جهتى فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح”(56).

“ونحن
نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عشرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهوداً
ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله”(57).

 

ويقول
القديس بولس لأهل كورنثوس:

“لأنى
لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً”(58).

وهكذا
صارت آلام المسيح وصار موته وقيامته علامة فخر ومجد للمسيحيين ولأن المسيح
“رب المجد”(59) تمجد بناسوته، كإنسان
بالألم والصليب مع كونه الإله القدير.

فهو
يقول لتلاميذه:

“أما
كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده”(60).

والقديس
بطرس يشير إلى إعلان روح المسيح، الروح القدس، للأنبياء الذى:

“سبق
فشهد (للأنبياء) بالآلام التى للمسيح والأمجاد التى بعدها”(61).

وما
أروع هذا النشيد الذى أوحى به الروح القدس وتغنى به القديس بولس والكنيسة الأولى:

“الذى
إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً (معادلاً) لله لكنه أخلى نفسه
آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى
الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم لكى تجثو باسم يسوع كل
ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو
رب لمجد الله الآب”(62).

 

 

(1) غل 4: 4

(2) تى 13: 2

(7) أع 18: 15

(8) يو 29: 1

(9) أع 23: 2

(10) متى 24: 26

(12) أف 10: 1

(13) أف 9: 3

(14) رسالته إلى أفسس 20: 18

(15) إلى أفسس 1: 20

(16) متى 21: 16 و 22

(17) آلام المسيح وقيامته فى الإنجيل للقديس يوحنا
ص71.

(18) المرجع السابق ص 100.

(19) فى 6: 2 8.

(20) عب 14: 9 و 26.

(21) لو 35: 2

(22) يو 18: 2 – 22

(23) يو 14: 3 16 مع عدد 8: 21 و 9.

(24) رؤ 9: 12.

(25) أف 14: 2 16.

(26) متى 38: 12.

(27) يو 48: 6 58.

(28) متى 21: 16 23.

(*) يو 34: 12 “فاجابه الجمع نحن سمعنا من
الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد”.

(29) متى 21: 16 23.

(30) متى 19: 17.

(31) متى 12: 17.

(32) مر 30: 9 32.

(33) لو 31: 13 – 33

(34) يو 11: 10، 15.

(35) يو 18: 10.

(36) متى 27: 20 و 28.

(37) مر 33: 10 و 34.

(38) متى 6: 26 12.

(39) لو 19: 20 16.

(40) يو 20: 12 33.

(41) متى 33: 26.

(42) يو 21: 13.

(43) متى 21: 26 و 24.

(44) متى 26: 26 28.

(45) لو 37: 22 مع إش 1: 53.

(46) يو 40: 18 11.

(47) متى 6: 28 و 7.

(48) يو 20: 20.

(49) 27: 20.

(50) لو 25: 24 و 26.

(51) لو 44: 24 47.

(52) 2كو9: 8.

(53) On
The Son: 19

(54) عب 2: 12.

(55) 1كو18: 1.

(56) غل 14: 6.

(57) 1كو 23: 1.

(58) 1كو 2: 2.

(59) 1كو 8: 2.

(60) لو 26: 24.

(61) 1 بط 11: 1.

(62) فى 6: 2 – 11

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى