علم الانسان

المفهوم المسيحى لعلم النفس



المفهوم المسيحى لعلم النفس

المفهوم
المسيحى لعلم النفس

مفهوم
الإنسان فى نظر المسيحية:


إن الروح الإنسانية قد خلقت على صورة الله ومثاله ” الروح او النفس جوهر روحى
وهى نسمة من الله “.


الروح الإنسانية هى شعاع من روح الله ينير باطن الإنسان ويرشده إلى تقويم سلوكه
على الطريق إلى الخلود.


لأن من الناس يعرف أمور الإنسان إلا الروح الذى فيه. هكذا أيضا أمور الله لا
يعرفها أحد إلا روح الله. (1 كو 2: 11).


لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله. (رو 8: 14)

تكوين
الإنسان فى المسيحية:


الإنسان عالم صغير يشمل النفس والجسد والروح والقلب والفكر والغرائز والضمير
والإرادة والحياة.


فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده (مز 8: 4)


لأن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون
ما لا تريدون (غل 5 – 17).


والغرائز تخضع لإرادة الإنسان يوجهها ويضبطها أو العكس والضمير يرقب ويشرع ويقضى
ويدير والعقل جبار يحتوى فكر لا يصمت يتدرج فى مستواه ليصل إلى عنان السماء
وأحيانا يتدنى إلى الماديات والجسديات. والقلب ينبض مشاعر وأحاسيس ترق وتحنو
أحيانا وتشتد وتقسو أحيانا فتحوله إلى وحش كاسر.


وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند
مجئ ربنا يسوع المسيح (1 تس 5 – 23)


إنما أقول أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد (غل 5 – 16)


المناهج النفسية من النظرة المسيحية:


تدعو المسيحية إلى الجمع بين المنهج الذاتى أو التأمل وبين المنهج التجريبى أو
تقيم السلوك الخارجى كثمرة للفكر الذاتى، وكثيراً ما نرى خطوات المنهج العلمى
مطبقة بكل دقة.


وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تك 1 – 26). فالصورة هى الفكر الداخلى.
يقول بولس الرسول: البر والقداسة الحق أما الشبه فهو السلوك الخارجى النابع من
نقاوة القلب (الباطن) والذى يتميز بالحكمة وحسن التصرف.

–أكد
السيد المسيح أن كل ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن ينجسه (مر 7 – 18)


لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل (مر 7 – 21).


مثال الأبن الضال (لو 15 – 17) (رجع إلى نفسه وقال أقوم وأذهب إلى أبى).


فالسلوك هنا سبقه التفكير والتفكير سبقته عملية التأمل الذاتى.


جربوا أنفسكم هل انتم فى الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع
المسيح هو فيكم أن لم تكونوا مرفوضين. (2كو 13 – 5).


لذلك أنا أيضاً أدرب نفسى ليكون لى دائماً ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس (أع
24 – 16)


الاعتراف: تؤكد على فحص الذات من الداخل وتطهيرها من الخطايا ليكون السلوك سليما


المسيحية: تحقق المنهج الموضوعى أو التجريبى – ومن منكم وهو يريد يبنى برجا لا
يجلس أولا ويحب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله (لو 14: 24) وهنا يطبق خطوات البحث
العلمى: الإحساس بالمشكلة – تحديدها – فرض الفروض لحلها – اختبار صحتها – استبعاد
الأخطاء – الإبقاء على الصحيح.


مثال: (مت 14: 14) ” أعطوهم أنتم ليأكلوا ” معجزة إشباع الجموع.


(مت 1 – 5) ” أذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة “.


(مر 6 – 30) ” أخبروه بكل شئ – كل ما فعلوا وما عملوا ” أى لما عادوا
ناقشوا ما حققوه من نتائج.

 

تطبيقات
روحية:

المنهج
التجريبى:


استخدام السيد المسيح هذا الأسلوب قبل أن يكتشفه العلماء بمئات السنين فى معالجة
الأمور وطرح الأمثال:


فى مثل العشر عذارى الحكيمات والجاهلات حلل القضية إلى عناصرها الأولى حيث استعدت
الحكيمات وأخذن مصابيحهن وعلى العكس لم تقلدهم الجاهلات.


بدأ ترتيب الخطوات حيث نعسن كلهن ونمن حيث أبطأ العريس واستيقظن عند وصوله وطلبت
الجاهلات من الحكيمات أن يعطهن من زيتهن حتى لا تنطفئ مصابيحهن وفشلن.


استكملت الخطوات بالوصول إلى النتائج حيث أن الحكيمات نلن سعادة وبهجة الإحتفال مع
العريس وأغلق الباب.

المنهج
الذاتى:


يستخدم هذا المنهج التأملى فى سر الاعتراف حيث يسبر الإنسان أعماق ذاته ليتعرف على
نقاط الضعف والقوة وخطاياه وعاداته المسيطرة على سلوكه (الخطايا الخفية الظاهرة)
ويسردها لأب الاعتراف فيحصل على الراحة النفسية والغفران وإكتمال الشفاء (إن
اعترفتم بخطاياكم فهو أمين وعادل حتى يغفرها لكم ومن يكتم خطاياه لا ينجح)


ويعتبر كبار الملحدين والعلماء والأطباء العالميين أن جلسة الاعتراف أقوى وأرقى من
جلسات التحليل النفسى والتراعى الطليق أو حتى أسلوب التنويم المغناطيسى.


ولقد أثبتت التجارب والاحصاءات التى أجريت على أعداد كبيرة من مختلف الجنسيات
والأعمار أنه من الصعب ومن النادر أن يمرض أو يشكو نفسيا. الإنسان المملوء من نعمة
المسيح ويعيش فى حقل الكنيسة ويواظب على التقرب من الأسرار المقدسة ويكون بعيدا عن
أى مرض أو توتر نفسى حيث يداوم على اللجوء إلى طبيب الأرواح والنفوس الرب يسوع
الذى يناديه: أنا هو الرب شافيك.


وأيضا ذكرت كلمة لا تخف 365 مرة فى داخل الكتاب المقدس بعدد أيام السنة.

 

من
هو الإنسان؟.

+
من هو هذا الإنسان الذى استدر عطف الله ولطفه إلى هذا الحد؟

+
من هو الإنسان الذى فتحت له السماء ذراعها لتنقذه وتأويه؟

+
من هو الإنسان الذى أخذ المسيح شكله وصار فى الهيئة كإنسان؟

+
من هو الإنسان الذى حوى غير المحوى وصار له سماء ثانية فى شخص عذراء.

الإنسان
مخلوق سماوى
، متغرب على
الأرض. رحلته تبدأ من السماء
، وتختتم فى السماء، مرورا
بالأرض. فدائرة الرحلة العظيمة
، يوجد فى قطرها نقطة تسمى الأرض.

حين
خلق الله الكائنات الأخرى. كونها بكلمة: وقال الله ليكن نور فكان نور
، وقال الله
ليكن جلد.. وكان كذلك
، وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا فأخرجت الأرض
عشبا وبقلا
، وقال الله
لكن أنوار فى جلد السماء فكان كذلك
، وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس
حية
، وقال الله
لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها.. وكان كذلك. (تك 3: 1
، 6، 7، 11، 14، 20، 24)

ولكن
حين خلق الله الإنسان
، لم يشرك معه فى الخلقة شيئا آخر، ولم يوكل
أمر خلقته إلى أخر ” وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة
حياة فصار آدم نفسا حية
، وغرس الرب الإله جنة عدن شرقا، ووضع هناك
آدم الذى جبله ” (تك 2: 7
، 8) ففى خلقة الله للإنسان، جبله من
الأرض ترابا. ونفخ فيه ليحيا هذا التراب ويتحرك ووجد كائن حى. (أع 17: 28)

فقد
أسند الرب للأرض إخراج الحيوانات والنباتات
، وللمياه
إخراج الزحافات. وللسماء إخراج الطيور. أما الإنسان فخلقه هو بذاته من غير أن يعهد
بكائن آخر به. وعمل لا كائنا حيا فقط إنما يكون كائنا خالدا خلود نفخة الله.

من
هنا بدأ الإنسان رحلته (السماء)
، وإلى الله يختم الإنسان رحلته (السماء).
فقد خرج من عند الله وأتى إلى العالم
، وأيضا يترك العالم
ويذهب إلى الله. ” فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذى
أعطاها ” (جا 7: 12).

قالوا
أن الإنسان سمى إنسانا لأنه سريع وكثير النسيان. فقد ينسى ما ينبغى عليه تذكره
، ويتذكر ما
يستحسن نسيانه
، فمن كلمة
نسيان وردت كلمة إنسان (أش 49: 15, تث 32: 18
، فى 3: 14، يع 1: 24)

كتب
حكيم هذه المقولة الحكيمة: أذكر اثنين
، وانسى اثنين. أذكر
الله والموت
، وأنسى
إساءات الناس لك وحسناتك للناس.

وقالوا:
إن كلمة إنسان فى اللغة اليونانية تنطق هكذا أنثروبوس
ANTHROPOS
ومنها جاء علم الانثروبولوجى أى علم الإنسان وهذه الكلمة تعنى حرفيا: الناظر إلى
أعلى فهذه سمة من السمات التى ينفرد بها الإنسان دونا عن بقية الكون والكائنين فى
الكون.

بينما
تشق النخلة ى عباب السماء
، إذ نجد قيدها وفروعها ترنو إلى الأرض
التى جاءت منها وإليها تعود
، ورغم أن النسر ينخر فى علوه الشاهق
بالجو العميق
، إلا أن
عينيه محملقتان فى الأرض. ولأجل هذا نجد كل حيوانات الأرض تسير على أربع وأكثر من
أربعة أرجل حتى إلى الأرض تحن عياه وتنظر مقلتاها فالزرافة صاحبة أطول عنق يرتفع
إلى العلو
، إلا أن
عينيها لا تنظران إلا إلى الأرض.

أما
الإنسان فنصبه الله على قدمين لا أكثر
، واستقام له ظهره
بأسلوب رأسى لا بالطريقة الأفقية التى اعتدنا رؤيتها فى كل الكائنات الأخرى. ورغم
هذا حفظ توازنه واتزانه مقاوما كل جاذبية الأرض له. إذ خلقه الله مرفوع الهامة
منصوب القامة على الرأس شاخص العينين إلى أعلى لا إلى أسفل كبقية أترابه الذين
معهم يعيش ومثلهم يموت. لأن الإنسان مخلوق سماوى
، رحلته تبدأ
من السماء حيث نفخة الله وتختتم فى السماء
، حيث سكنى
الله
، وأن تغرب على
الأرض حيث عناية الله ورعايته.

فكل
الحيوانات والطيور تنبطح فوق الأرض
، والإنسان ينتصب عليها، لأن منها
سيأخذ نقطة انطلاقه نحو السماء التى هى موطنه وإن غابت عنها بالجسد وإن تغرب منها
فى الأرض ولعل بهذه الصورة الأفقية للكائنات. والرأسية للإنسان. سيتكون منظر
الصليب الذى هو خشبتان متعارضان ومتلاصقان.

إذن
فمن هو الإنسان؟

وبماذا
يتميز ويتسم؟

 

عزيزى
الإنسان: أنت الوحيد فى الكون كله:

1-
أنت الوحيد فى الكون كله الذي تفعل الخطيئة وباقى الكائنات لا تفعل الخطيئة أن
تفعل الخطأ

2-
لأنك أنت الوحيد فى الكون كله الحر، وبقية الكائنات مقيدة مصيره لا مخير ه

3-
إذ أنت الوحيد فى الكون كله الملك العقل، وبقية الكائنات لا تملك عقلا بل غريزة

4-
وعقلك نابع من روحك العاقلة، فأنت الوحيد فى الكون كله الذي بك روح وبقية الكائنات
نفوس لا أرواح.

5-
لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذي سيدان ويحاسب، وبقية الكائنات لن تدان ولن
تحاسب.

6-
فأنت الوحيد الذي سيقوم من الموت ليدان، وبقية الكائنات تموت ولا تقوم.

7-
من أجل هذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد وبقية الكائنات مؤقته موقوته، لا خلود
لها

هذه
هى ملامحك الجليلة أيها الإنسان، إذ تبدأ حياتك هنا جنباً إلى جنب مع الحيوانات

(تك
1: 26)، وتختتم حياتك فى السماء مع الملائكة (مت 3: 39، 49، 25: 31، مر 8: 38، لو
9: 26، 1 تى 5: 21، رؤ 3: 5، عب 12: 22) لذا أطلقوا عليك ألقاباً حيوانية قالوا
عنك فيها أنك حيوان ناطق حيوان متطور حيوان اجتماعى ضاحك، كما أطلقوا على حفنه من
أترابك البشر مسمى: البشر السماويون أو الملائكة الأرضيون ذلكم هم آباؤنا كوكبة
البرية وكواكبها الذين أثروا ثرى مصر وبراريها بثروات ثورات حياتهم الروحية
الثرية.

فأنت
يا عزيزى وحيد فى أمور كثيرة.

تعال
نتصفحها واحدة تلو الواحدة:

أولاً:
أنت الوحيد فى الكون كله الذي تفعل الخطيئة وباقة الكائنات قد تفعل الخطأ ولكن لا
تفعل الخطيئة:

الخطأ..
والخطيئة. الخطأ كل شئ جانب الصواب أما خطيئة فهى التعدى وكسر الوصية

(1يو
3: 4) الإنسان يشارك الكائنات كلها فى عمل الخطأ وينفرد عن جميعها فى اقتراف
الخطيئة. فالخطية صناعة بشرية وإنتاج آدمى وإخراج إنسانى لا اشتراك للكائنات
الأخرى فيه

(يو
8: 7، 26، 7: 46، 16: 8، رو 5: 18، 1كو 6: 18، 1يو 1: 7، 1يو 3: 4).

لا
توجد الخطيئة بعيداً عن عالم البشر، فالكذب والشتيمة والقسم وكلام الهزل والتجديف
والارتداد والزنى والسرقة والقتل وحب ما للغير وشهادة الزور والبغض.. ألخ كلها
وجدت لقدميها مستقرا فى عالم الإنسان، ولم تجد راحة لها فى بقية العوالم.

و
إن كنا نجد فى عالم الحيوانات الركل والرفس والنطح والنفث والعض والخطف والفحيح
والافتراس. إلا أن هذه كلها لا تنجم عن تعدى وخطية والإنسان هو الوحيد الذي يخطئ
دونا عن بقية كائنات الكون والكائنين فيه.

لذا
لم يرسل الله دينا ولا نبياً ولا رسولا ولا كتابا لعالم آخر غير عالم الإنسان، ولم
يأت لخلاص الحيوانات، لأنه جاء ليخلص البشر، ولا يوجد ما يسمى خطاة فى عالم آخر
غير عالم البشرى. ولربما لهذا اختار الرب يسوع أن يولد فى حظيرة وسط الكائنات التى
لم تفعل الخطية لأنه قدوس القديسين. (دا9: 49 مع لو 2: 6، 7).

و
لذا لم يطالب الله حيواناً بتوبة، ولم يؤسس لهم سراً لها ولم يناشدهم الرجوع
والعودة كما ناشد الإنسان وطالبة. كما لا نجد فصيلة من فصائلهم تنتمى إلى دين دون
دين آخر، أو ترتد عن دين إلى دين آخر فلا دين لغير الإنسان، ولا ضمير فى غير
الإنسان.

لقد
أتقن الإنسان الخطية استطاع تأديتها بكل مهارة، وذكاء، حتى اخترع بها وفيها أمورا
عديدة قامت روح الإنسانية العظيمة واستراحت الخطية فى أحضانه ووجدت لها مقراً
ولقدميها مستقرا

فأنت
الوحيد الذي تطالب بالتوبة والعودة لأحضان الملك، لأنك أنت الوحيد الذي تخطئ دون
بقية الخلائق الأخرى شاركتها فى فعل الخطأ ولم تدانيك فى فعل الخطية.

ثانياً:
أنت الوحيد الذي تخطئ لأنك أنت الوحيد الحر فى الكون كله، وبقية الكائنات مصيره لا
مخيره لا مختاره:

لم
يسلب الله منك الحرية كما سلبها من كل الكائنات، فأنت حر فى أن تحبه وأن تكرهه،
وأن تقبله وأن توليه ظهرك وترفضه أن تخلص إليه، وأن تمقته. أن هناك أموراً فى
الإنسان لا حرية له فيها. وهى تلك التى تكتب بطاقته الشخصية: كأسمه ونوعه وتاريخ
ميلاده ومسقط رأسه وتاريخ وفاته وكيفيتها ومكانها وأسم أمه وأبيه وعائلته ولونه
وسحنته.. الخ كل هذه الأمور، لا دخل لك فيها،، أنها مفروضه عليك وأنت مجبر عليها.
أما بقية سلوكيات حياته فهو حر فيها لا إجبار عليها، لأن الله لا يعطيه الأبدية
على حساب الحرية. فقد تركه يرتع فى الحرية وإن أغاظه بها وأحزنه.

و
لكن ثق عزيزى أن حريتك هذه مرهونه بوجودك فى هذا الجسد، فبعدما تتركه تفتقد كل
مميزات الحرية التى عشت عليها قبلا فلا الجسد أضحى حراً ولا الروح، فليس من حق
الروح العودة إلى الجسد ثانية، ولا تقرير مصيرها واختياره كما كانت لها هذه الفرصة
قبل خروجها من البدن. والجسد بعد الموت يشئ قبلما يشيع، فتؤول ملكيته إلى الحكومة
التى لها أن تصدر أمرا بدفئه أو لا تصدر. إذن فالحرية التى بها أنت تفتخر على بقية
الكون وتسود، هى حرية وقتيه تنتهى بانتهاء حياتك من الأرض، وخروج روحك من الجسد.
ومع هذا فأنت الوحيد الحر فى الكون كله لذا أنت الوحيد الذي تخطئ فى الكون كله،
لذا أنت الوحيد الذي تتوب فى الكون كله راجع (لو4: 17، رو8: 21، 1كو 10: 28، 2 كو
3: 17، غلا5: 1: 3، 1بط 2: 16، 19).

لو
تأملنا إلى جمل كبير يسوقه طفل صغير، وإلى فيل ضخم يمتطيه أطفال فى سن غضه، لرأينا
السيد (الطفل) كما شاهدنا العبد والمملوك (الحيوان) وخضوع المملوك لمالكه، نراه فى
خضوع الجمل والفيل لطفل من عالم البشر أن الكون كله مصير وأنت الوحيد فى الكون
مخير فلا تستخدم الحرية فرصة للجسد، ولا ترتبك بنير العبودية.

ثالثاً:
ولأنك أنت الوحيد الحر فى الكون كله، فلأنه أنت الوحيد العاقل وبقية الكائنات تملك
الغريزة ولا تملك العقل:

أن
لكل كائن مخا وغرائز بما فى ذلك الإنسان، فقد شاركت الكائنات بالمخ، وبأربعة عشرة
غريزة. ولكن الغريب أن الكائنات الأخرى تسيرها الغرائز لا العقل الذي يحكم الإنسان
ويسيره فقد زاحمها فيما نملك وانفرد عنها بالعقل الذي لا تملك ورغم هذا فإننا
كثيراً ما نظلم الحيوان حين نصف الإنسان فى حالات ضعفه أنه يسلك كالحيوانات، وحين
نصف غرائزه بأنها الغريزة البهيمية وشهوته بأنها الشهوة الحيوانية، وذلك لأن
الحيوان فى معظم غرائزه يكون أعف من الإنسان. فلا يأكل إذا كان شبعاناً، وتمتنع
أنثاه عن مجانبة ذكرها إذ تحمل منه ولا يشرب إلا إذا كان حقاً ظمأناً.

شاهدت
فيلماً علمياً يحكى كيف يصطاد الإنسان الزرافه، فمجموعة من الشباب تركب عربة خاصة
وحمل حبالا تلقيها بطريقة معينة فتلتف حول رقبتها فتقع بين أيديهم أسيرة ذليلة
مستسلمة فيلقون عليها الأيدى، وبسجن حديدى متنقل يحبسونها وأمامها يقفون لالتقاط
الصور التذكارية. ولقد أعجبنى جداً تعليق المذيع الذي قدم هذا الحدث حين قال: انظر
كيف استطاع العقل أن ينتصر على القوة.

وقفت
مرة أمام صورة ميلاد المسيح، فوجدت أن هناك اختلافاً كبيراً بين يوسف ورجل اليوم،
ومريم وامرأة اليوم فى الملبس والأثاث والإمكانيات الحضارية المتاحة. إلا أنى لم
أجد إختلافاً بين حيوان القرن الأول وحيوان القرن العشرين فحيوان الأمس هو حيوان
اليوم لا اختلاف فيه ولا خلاف عليه.

ذلك
لأن الحيوان يبدأ من حيث بدأ سابقه، أما الإنسان فيبدأ من انتهى سابقه. ولقد ظن
البعض أن الدين ضد العقل
، والعقل ضد الدين، إلا أن
المصالحة التى وضعها أوغسطينوس تحل المشكلة حين قال: الإيمان يسبق العقل والعقل
يسبق الإيمان وأنى أؤمن لكى أتعقل.

ولقد
مدح داود أبيجابل الكرملية زوجة نابال لأجل عقلها بقوله: مبارك عقلك (1 صم 25: 32)
وزم سليمان المرأة الجميلة العديمة العقل واصفا إياها بأنها خزامة عنه عقله (دا 2:
14
، 4: 34) أما
الرب يسوع فأحب الشاب الغنى لأنه أجابه بعقل وقال لست بعيدا عن ملكوت الله (مر 12:
34) حتى العبادة طالبنا أن تكون عقلية وبفهم (رو 12: 1) راجع (تث 22: 29
، مز 94: 8، هو 4: 14، ام 6: 32، جا 7: 25، رو 14: 5)

إن
نظرة واحدة إلى الأبدية. نخرج منها بهذه الحقيقة.

إن
الأبرار سيشكرون الله على أرواحهم التى خلدوا وعاشوا خالدين وذاقوا جمال السماء
وهبة الخلود
، أما
الأشرار إذ يوجدون فى سعير جهنم ونارها
، سيحسدون الحيوانات على
الفناء الذى ألوا إليه وانتهوا فيه
، ويتمنون لو أن لهم ذات المصير الذى لهذه
الكائنات.

رابعاً:
ولأنك أنت الوحي العاقل فى الكون كله
، فلأنك أنت الوحيد الذى
توجد فى روح وبقية الكائنات تمتلك النفس.

أنت
كبقية كائنات الكون تحيا بالنفس
، ولكنك تنفرد عنها بالروح العاقل فالروح
التى فيك محرومة بقية الحيوانات منها
، والنفس التى فيهم
تشاركهم فيها وتزاحمهم. وهم إذ تخرج نفوسهم
، يعودون إلى
ترابهم مثلك تماما
، فحادثة واحدة لكليكما، وإلى موضع
وذهب كلاكما. (جا 2: 14
، 3: 19، 9: 2).

فالموت
الذى يصيبهم يصيبك
، ونتاج الموت الذى يحدث لهم يحدث لك ولكنك بعد
الموت لك خلود. اما هم بعد الموت ففانون. إذن فالنفس البشرية هى علة حياة الإنسان
، أما الروح
الآدمية فهى علة عقله وعلة خلوده. وهاتان السمتان لا توجدان فى كائن آخر أيا كان.

أنت
واحد فى ثالوث
، وثالوث فى
واحد
، إذا أنت
بدن
، ونفس وروح
روحك هى علة عقلك لأنها نفخة العقل الأعظم الله خالق السموات والأرض ما يرى وما لا
يرى
، فالعقل
الذى فيك علته الروح التى جبلها الله فى داخلك جاء فى المزمور قوله: ابن آدم تخرج
روحه
، فيعود إلى
ترابه حينئذٍ تهلك كافة أفكاره وجاء فى سفر الجامعة التراب يرجع إلى التراب الذى
أخذ منه أما الروح فتعود إلى الله الذى أعطاها. (جا 12: 7
، مز 146:
4).

فعالم
الأرواح إذن هو عالم أشترك فيه الإنسان مع الملائكة
، الذين
خلقهم الله أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14 مع
عد 27: 26
، مز 104: 29
أم 16: 2).

وكما
اشترك الإنسان مع الحيوان فى الجسم فى حياته الأرضية وتآلف معهم وعاش
، يشارك
الملائكة بروح فى العالم الآتى بعد قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى.

لقد
خلق الله الملائكة أرواحا بلا جسد. وخلق الله الحيوانات أجسادا ذات نفوس بغير روح.
أما الإنسان فخلقه الله جسدا ذا نفس بروح عاقلة. فهو مثلث الخواص: جسد
، نفس، روح. وهذا
ما قاله الرسول بولس فى رسالته للتسالونيكيين: إله السلام يقدسكم بالتمام ولتحفظ
نفوسكم وأجسادكم وأرواحكم (1 تس 5: 23).

خامسا
ً: لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سوف تدان
، وبقية
الكائنات لن تدان ولن تحاسب.

لأن
الله لم يسع إلا لخلاص الإنسان. لذا فلن يدين غير الإنسان. لن يحاسب. الدب الذى
أكل أطفال أليشع
، ولن يجازى الأسد الذى افترس بلعام. ولن يدين
الحصان الذى علق بالبطمة ابشالوم
، ولن يكافئ الأتان التى نطقت موبخة نبيا
والتى رأت ما لم يره الناس ولن يقتنص من الحيات التى لدغت شعبا بأكمله وقتلته
، ولا من
ذباب وبعوض أهلك أرض مصر
، ولا من فئران ضربت قربة بيت شمس، لن يحاسب
حيوانا ولن يدين حشرة ولن يجازى طيرا.

قد
تفعل الحظر مشاركا حيوانك فيها
، ووقتئذٍ سوف تقف وحدك تدفع عنها الثمن
أما هو فقد أفلته فناؤه وأنت سقطت فى شركة أنت الوحيد المدان فى الكون كله
، ورغم أن
بقية الكائنات قد تشاركك الخطأ وتترك لك الخطيئة
، أن تدان
على كليهما
، أما هى فلا
تدان على شئ منهما فالدينونة للبشر فقط دون بقية الخلائق.

لذا
احتلت فكرة الدينونة كل صلواتنا الليتورجيا. ففى القداس الباسيلى نقول: ورسم يوما
للمجازاة هذا الذى يأتى ليدين المسكونة بالعدل ويعطى ويجازى كل واحد حسب أعماله
وفى قداسنا الأغريغورى نقول: أظهرت لى إعلان مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين
الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله. وفى قداسنا الكيرلسى نقول: وظهورك الثانى
هذا الذى تأتى فيه لتدين المسكونة بالعدل وتعطى وتجازى كل واحد وواحد كما عمله إن
كان خيرا وإن كان شرا. وفى كل هذه الصلوات وقلوب الحناجر صارخة مدوية إن كرحمتك
ولا كخطايا.

فالله
هو الديان (مز 50: 6
، 1 صم 24: 15) ديان الأرض كلها (مز 94: 2) الذى
يصنع عدلا (تك 18: 25) والإنسان سيقف وحيدا أمام الله مدانا (لو 19: 22
، دا 7: 10)
فى يوم الدين (مت 10: 15
، 11: 22، 12: 36، 41، مر 6: 11، لو 11: 31، 2 بط 2: 9، 3: 7، ايو 4: 7، 17) وكما
لن يدان من غيره كذلك لن يدان غيره.

سادسا:
ولأنك الوحيد الذى ستدان
، لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى
سيقوم كى يدان:

الحيوانات
والطيور والنباتات إذا ماتت لا تقوم
، أما أنت عزيزى تموت ثم
تقوم
، لأن لك
قيامة بعد الموت حيث ينتظرك يوم عظيم هو يوم الدينونة. فرغم أنك تموت كبقية
الكائنات إلا أن بقية الكائنات لن تقوم نظيرك لأن لا دينونة لها تنتظرها بالقيامة
للبشر فقط
، والقيامة
لأجساد البشر دون أرواحهم لأن أرواحهم لم تمت. الذى مات فيهم أجسادهم.

حيث
قال السيد المسيح لمريم سيقوم أخوك
، قالت له أنا أعلم أنه سيقوم فى اليوم
الأخير
، ولم تكن
تدرى أن القيامة قائمة قبالها لأن المسيح هو القيامة (يو 11).

فالإنسان
والحيوان يرقدان معا (جا 12: 7) ولكن لن يقوما معا فالقيامة للإنسان فقط لا
لكليهما
، أما الموت
فاللإثنان.

وآنئذ
لن يكون هناك حيوانات وطيور ونباتات بل سيكون هناك عالم الأرواح كورة الأحياء إلى
الأبد عالم الملائكة.

سابعا:
ولأنك تقوم بعد الموت لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد. وأما بقية الكائنات
والكائنين بالكون مؤقتة وموقوتة:

 

كل
ما تراه حولك ومعك فإن لا محالة باستثناء أنت الكائن الوحيد فيه الخالد بدأت رحلتك
التى انطلقت فيها من السماء مع الحيوانات، وأخيرا ختمتها مع الملائكة، بارا كنت أم
شريرا.. فالأبرار سيحيون فى الملكوت بعد الفردوس مع الملائكة الأبرار، والأشرار
إبليس وملائكته.

لا
نستطيع أن نطلق على الإنسان مصطلح الأبدية، لأن الأبدية إحدى صفات الله وحده، ولكن
يمكن أن نسمى الإنسان بصفة الخلود. فالخلود هبه ومنحه وهبها الله للمخلوقات
العاقلة ومنحها لعالمى الأرواح: الملائكة والبشر فكما نزلت بجسدك ضيفاً على عالم
الحيوان وترأست عليه وتملكت، تنزل فى عالم الملائكة شريكاً لهم فى الملكوت. وهذا
يتضح من مقولتى يوم الدينونة:

تعالوا
إلى يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم (مت25: 34).

اذهبوا
عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته (مت 25: 41).

إذن
حياة الإنسان ليست موقوته ومؤقته كنظيرة الحيوان ونظرائة فى بقية الكون، لأنه
يختتمها هنا لكى يبتدئها هناك وينهيها هنا كى يواصلها فى عالم آخر أكثر رحاباً
وسعه وجمالا وبهاء.

جاء
فى كلمات رب المجد يسوع ” إن لم تكونوا أمناء فى ما هو للغير فمن يعطيكم ما
هو لكم ” (لو16: 12) ولقد أعتاد أن يأتمنوا الإنسان فى ما هو ليس له عندما
يرونه أميناً فيما له. ولكن كلام الرب يسوع هنا يقلب الموازين، فإن وجدك الله
أميناً فيما هو للغير (الأرض الحياة الحاضرة، العالم المال) يعطيك ما هى لك
الملكوت الأبدية (مت25: 34) إذن فنحن غرباء فى أرض مررنا عليها وعبرنا فى رحلتنا
التى نقطة البداية والنهاية فيها واحدة وهى السماء.

 

لماذا
الإنسان؟

إن
الإنسان يعرف كل الكائنات الأخرى بما فيها ذاته..

ولا
تعرفه أى من الكائنات الأخرى.

ليس
الإنسان هو الكيان المادى الذى يحوى الجسد والجسم فقط.. إن الإنسان أعمق من هذا
بكثير.

وإن
كان جسم الإنسان قد أجهد العلم وأتعب العلماء فى اللهث وراءه
، والسعى
وراء نحو كشف مكنونات دواخله
، لكنه رغم هذا ليس هذا كله هو الإنسان
كله..

الإنسان
أعمق من كل هذا بكثير..

يتساوى
الإنسان مع الحيوان فى المادة ولكنه يختلف عن جميعها فى أشياء كثيرة
، يحس بها
الإنسان فى داخله.

إن
الإنسان هو من أضعف الكائنات على الأرض بجسه هذا حيث أن أصغر الميكروبات يمكن أن
ينتصر عليه
، ولكن
الإنسان هو الذى يخضع الجبال لسلطته
، ويقوى على كل قوى فى
هذا الكون القوى العظيم.

لقد
أستطاع الإنسان أن يكشف أغوار الكون بما فيه من مخلوقات غير عاقلة
، وأخرى
كائنات جامدة.. اما هذا الكون كله بكل ما فيه لا يتسنى له أن يعرف الإنسان.

استطاع
الإنسان أن يعرف كل كائن على الكون وبعضا من المكونات فيه. ولكن من ذا الذى استطاع
أن يعرف الإنسان وأن يفهمه
، فالإنسان هو الوحيد الذى يعرف كل
الكائنات الأخرى ويعرف أيضا ذاته
، أما كل الكائنات لا تعرفه.

الله
كذلك
، يعرف كل
الكائنات التى فى الكون بما فيها الإنسان وبما فيها ذاته أيضا
، لكن الكون
كله بكل ما فيه بما فيه الإنسان
، لا يمكن أن يصل إلى معرفة ذات الله.

لقد
استطاع الإنسان بالمعطيات البسيطة التى اكتنفه أن يعرف أن الله موجود وأنه واحد
، الكون
يتسنى له أن يقدم للإنسان الأدلة الدامغة على أن الله موجود وفى مقدوره أيضا أن
يظهر للإنسان وحدانية الله. لذا لسنا نحن محتاجين إلى رسالة من السماء أو وحى ينطق
لنا بهاتين الحقيقتين. فنحن فى استطاعتنا معرفتها إذا أحسن الإنسان الإرهاف إلى
بواطن نفسه
، وأحسن
الرنو بالصبر إلى مكنونات وأسرار الكون العظيم التى تنطق بوجود خالق:

هذا
العوالم لفظ أنت معناه: كل يقول إذا استنطقته الله

إن
الإنسان يعرف الحيوان معرفة كبرى وكاملة
، ويعلم ما لا يعلمه
النبات عن ذاته
، ويدرك
الطير والحشرة ويفهم ما تفهمه أى من هذه الكائنات عن نفسها.

ولكن
هذه الكائنات كلها لا تعرف الإنسان الذى يعرفها..

فإن
كانت بجمعها وجميعها هذا لا يمكن لها معرفة ذاتها أو ذواتها
، فهل يمكن
لها أن تعرف من هو الإنسان وما هو؟

أكتشف
الإنسان أمورا كثيرة واخترع أمورا كثيرة
، وترقى من حال إلى حال
فإنسان العصر الحجرى يختلف عن إنسان العصر البخارى
، ويختلف عن
كليهما إنسان عصر البترول
، وعن الجميع يرتقى إنسان عصر الكهرباء، أما إنسان
عصر الذرة والإلكترونات فهو يفوق جميعهم ولسنا ندرى ماذا سيأتى بعد.

أما
الحيوان فلا ترقى ينتظر أن يأتى منه.

إن
الإنسان يبدأ من حيث انتهى سالفه
، اما الحيوان فيبدأ من بدأ سابقه.

إن
أى تطور لعالم الحيوان نابع من الإنسان
، فالإنسان هو الذى
يطوعه إذ يدربه أو يروضه أو يهذبه أو يدخل عليه عالم الميكنة أو.. إلخ

لقد
استطاع الإنسان أن يستعيض عن الحيوان بوسائل كثيرة فاستعاض عن الأغنام والدواب
والإبل بالمركبات والعربات. واستعاض عنه بأمور أخرى كثيرة. أما الإنسان فهو ضرورة
لا يستغنى عنها الحيوان ولا النبات ولولا الإنسان لأنقرض كل هؤلاء.

إن
طبيبا واحدا له أن يعالج كل النباتات وكل الحيوانات وكل الطيور
، أما جسم
الإنسان فلكل جزء منه طبيب وتطبيب
، ولولا الإنسان لما عولج الحيوان، فإنه لا
يستطيع أن يشكو أو أن يشخص حالته
، والإنسان هو الذى يقوم بهذا الدور
الغائب.

فالإنسان
يعرف ذاته أو بعضا منها.. ويعرف كل الكائنات الأخرى أو بعضا منها.. ولكن ليس لهذه
الكائنات أن تعرفه.

فالله
يعرف ذاته حق المعرفة.. ويعرف الكائنات الأخرى حق المعرفة.. ولكن ليس لأى من هذه
الكائنات بما فيها الإنسان أن تعرف الله على طبيعته فلاهوته لا يستطاع النظر إليه
والتفكير فيه كقول القديس كيرلس الكبير. قال رب المجد يسوع مخاطبا الآب السماوى:

وهذه
هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته (يو
17: 3)


أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتنى من العالم. كانوا لك أعطيتم لى وقد حفظوا
كلامك ” (يو 17: 6)


أيها الأب البار أن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت

أرسلتنى
وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به أتكون أنا فيهم ” (يو
17: 25
، 26)

وقال
عن الآب السماوى فى موضع آخر:

فنادى
يسوع وهو يعلم فى الهيكل قائلا تعرفوننى وتعرفون من أين أنا ومن نفسى لم آت بل
الذى أرسلنى هو حق الذى أنتم لستم تعرفونه أنا أعرفه لأنى منه وهو أرسلنى(يو 7: 28
، 29)

هب
أنك رأيت حيوانا يمكن له أن يعرف الإنسان ويدرك طبيعته ويمكن له أن يشرحها ويقدمها
للناس أو الكائنات الأخرى ويمكن أن يقدم الأدلة والتعليل على هذا الكائن الأعظم
” الإنسان ” فماذا أنت قائل عنه؟

لابد
وأنك تقول عن هذا الحيوان أنه صار إنسانا لأنه استطاع أن يفهم الإنسان وأن يعيه
ويدركه.

وهكذا
الأمر يا عزيزى بالنسبة للإنسان مع الله
، لو أن الإنسان استطاع
أن يدرك الله فى لاهوته
، وفى طبيعته اللاهوتية، يعرف الله
على حقيقة طبيعته لأضحى الإنسان إلها.

إذ
لو عرف الحيوان طبيعة الإنسان لما ظل حيوانا بل يصبح إنسانا
، هكذا أيضا
لو تجرأ الإنسان فى المعرفة حتى أنه يحلق أو يحدق فى شمس اللاهوت.

جاء
فى سفر أيوب المقدس قوله:

فاسأل
البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك. أو كلم الأرض فتعلمك ويحدثك سمك البحر. من لا
يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا الذى بيده نفس كل حى وروح كل البشر (اى 12:
7 – 10).

وقال
لسان العطر ما بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى شعب كورنثوس: ” لأنه مكتوب
سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء أين الحكيم
، أين
الكاتب. أين مباحث هذا الدهر. ألم يجهل الله حكمة هذا العالم. لأنه إذ كان العالم
فى حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة.
لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس (1 كو 1: 19 – 25)

لقد
أراد الإنسان أن يتوصل إلى معرفة الله بالعقل فقط. فضل بعيدا وأضل عقله
، وشرد فى
غياهب المعرفة الخاطئة
، فكما قلنا ليس فى مقدور العقل سوى أن
يصل بالإنسان إلى معرفة أمرين فى الله هما:


وجود الله وبعض من صفاته.


وحدانية الله.

حتى
أن الناس أحيانا يقولون ” الله عرفوه بالعقل “. الله لا يعرف بعقل
الإنسان المحدود
، إذ لا يمكن لهذا المحدود أن يتسع ليحوى غير
المحدود الأبدى الذى لا أول له ولا آخر.

قال
رب المجد يسوع ” أجاب يسوع إن كنت أمجد نفسى فليس مجدى شيئا. أبى هو الذى
يمجدنى الذى تقولون أنتم أنه إلهكم ولستم تعرفونه. وأما أنا فأعرفه. وأن قلت أنى
لست أعرفه أكون مثلكم كاذبا. لكنى أعرفه واحفظ قوله (يو 8: 55)

عندما
ظهرت الوثنية كانت صورا لبعض من الصفات الموجودة فى الخالق وتحولت هذه الصفات إلى
ألوهية عبدها البشر وصارت المنحوتات معبودات
، ذلك لأن
الإنسان سلم قيادته ليد العقل فضل ضلالا شاسعا
، فمنهم من
رأى فى الله صورة معطى الخيرات فعبد نهر النيل
، ومنهم من
رأى فى الله الصرامة فعبد النار
، ومنهم من تخيل فى الله الوجود الكامل فى
كل مكان فعبدوا الشمس
، ومنهم من رأى فى العزلة عن كل الكائنات المادية
فعبدوا رموزا وضعوها فوق شواهق قمم الجبال
، ومن ثم
تطورت العبادة الوثنية وأصبحت لها فلسفاتها ومدارسها.

أما
معرفة الله الكاملة والتامة فلن تكون فى هذا العالم حيث لا تحتمل طبيعتنا الضعيفة
القاصرة أن تكتشف الله بكل جوهره
، ولكنها ستمنح لنا فى الدهر الآتى.


أننا الآن ننظر فى مرآه فى لغز
، اما حينذاك فسنراه كما هو، الآن نعرف
يعض المعرفة أما حينذاك فسأعرف كما عرفت ”

قال
القديس يوحنا الحبيب:


أكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب.. كتبت إليكم أيها الأباء لأنكم قد
عرفتم الذى من البدء ” (1 يو 2: 13
، 14)

أرأيت
إذن يا عزيزى لماذا كان الإنسان على صورة الله ومثاله؟ إن الإنسان يعرف كل ما فى
الكون بما فيه ذاته وأى منها لا يعرف الإنسان
، هكذا الله
يعرف كل كائن حى حتى الإنسان وبما فيه ذاتها وأى منها لا يمكن التوصل إلى معرفة
كنهته أو طبيعته.

سلطته
على الكون والكائنات فى الكون:

عندما
خلق الله الإنسان قال الكتاب المقدس:


وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا
، فيتسلطون
على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات
التى تدب على الأرض ” (تك 1: 26)

للإنسان
سلطة عظيمة على هذا الكون العظيم والكائنات فى الكون
، فصبى صغير
يمكن له أن يقود جملا ضخما
، وجسم ضئيل يشق طريقا فى جبل عظيم

لقد
صدق فى هذا القديس غريغوريوس الثيئولوغوس عندما قال: ” خلقتنى إنسان محب
للبشر.. وضعت يدك على وكتبت فى صورة سلطانك ووضعت فى موهبة النطق.. أظهرت لى طبيعة
الحيوان وعرفتنى شوكة الموت “

ولقد
نجدد وعد الله للإنسان بسلطته على الكائنات التى فى الأرض مرة أخرى مع نوح حيث قال
الكتاب المقدس: ” وبارك الله نوحا وبنيه وقال اثمروا وأكثروا فى واملوا الأرض
ولتكن خشيتكم ورهبتكم على مل حيوانات الأرض وكل طيور السماء مع كل ما يدب على الأرض
وكل اسماك البحر قد دفعت إلى كل دابة حية لكم طعاما فأثمروا أنتم وأكثروا وتوالدوا
فى الأرض وتكاثروا فيها ” (تك 9: 1 – 3
، 7).

فى
الكائنات الأخرى قوة تتضاءل أمامها قوة الإنسان لكن فى الإنسان عقلا تنهزم أمامه
قوة الكائنات الأخرى. فغالبا ما ينتصر العقل على القوة فالقطار العظيم يقوده سائق
صغير ضعيف
، ضئيل أمام
إحدى مكوناته
، والمصنع
الكبير يدين بالفضل إلى العقل الإنسان الذى لا يملأ جسمه ركنا من أركانه.

لقد
الإنسان بعقله أن يسيطر على الطبيعة كلها وأن ينتصر على المعوقات التى وقفت أمام
طموحه.

ارأيت
إذن يا عزيزي كيف أن العقل الذى أتاه الإنسان فى دياجير الوثنية فى رحلة عن الله
، هو الذى به
تثبت قوة الإنسان وتحكمه فى الطبيعة وسلطته على كل كائن فى هذا الكون وكل مخلوق فى
هذه الخليقة لأن الإنسان هو ملك هذه الخليقة
، وهو
كاهنها.

فالإنسان
بعقله هو سيد هذه الطبيعة غير العاقلة
، ولكنه يخطئ إذا أسلم
القيادة الروحية واللاهوتية لهذا العقل.

فقد
استطاع الإنسان أن يمتطى الهواء ويتنقل عبر الرياح والأثير ويلقى بثلقه فوق نعومته
، واستطاع أن
يمخر الماء ويعبر به بين شط وآخر وبلدة وأخرى
، واستطاع أن
يكثف المياه المالحة ويجعل منها مياه عذبة صالحة للرى والإرتواء
، استطاع أن
يختزن الشمس ويحفظ طاقتها الحرارية ليستخدمها فى الحركة والحرارة
، واستطاع أن
يخرج جذوة نار من ماء
، إذا يفصل الإكسجين المختلط الأيدروجين فى ذراته، واستطاع أن
يحول مجرى الأنهار ويمدها طولا ويوسعها عرضا.

زاحم
الإنسان الطيور فى الجو
، الأسماك فى العمق وتسلط على كل شئ كوعد
الرب القائل له (تك 1: 26
، 9: 1 – 2، 7).

لقد
استثمر الإنسان النار المحرقة المفنية القاضية المخسرة
، وجعل منها
الطاقة التى بها تسير العربات والطائرات والقطارات والصواريخ والسفن والآلات
، واستثمر
البخار فلم يعد يلقيه فى الجو ويبعث به فى الهواء ويبعث به نحو الطبيعة
، بل جعل منه
قوة دفع هائلة
، واستثمر
حتى الفضلات لرفع مستوى الأداء فى عوالم مثل عالم النبات.

قاوم
الجاذبية الأرضية وارتفع فوقها وتغلب عليها
، وبدلا من
أن يظل القمر دائما يعلو هامته
، ارتقاه وغيرهم، قاوم حدة
الشمس وقسوة البرودة
، واستطاع الإنسان أن ينتصر حتى على هذه الطبيعة، فعاش فى جو
الصيف وهو فى الشتاء وجو الشتاء وهو فى الصيف.

سخر
البرق لحمل وسائله وأفكاره وعواطفه وخلجات قلبه
، وبث برامجه
المرئية والصوتية وسخر سم الحية الزعاف ليحوله من داء إلى دواء وعلاج.

حول
صفراء الأرض إلى سمراء
، وأخذ من الأرض قدر ما استطاع، وضاعف من
إنتاج الحيوان وسلالته.. إلخ.

 

وحسنا
قال الشاعر:

فى
الإنسان طاقات اقتدار آه لو عرف كيف تدار

أه
لو عرف الإنسان ذاته لأتى فى الأرض بكبرى معجزاته

لقد
حاول العلماء أن يصنعوا بديلا عن عقل الإنسان
، فرأوا أنهم
يحتاجون إلى حجرات ناطحة سحاب لكى تقوم بجزء مما يقوم العقل البشرى العظيم.

 

الإنسان
تاج الخليقة وملكها

عندما
تجسد السيد المسيح له المجد، (يو1: 13) أخذ جسد إنسان (1تى3: 16)، صائراً فى
الهيئة كالناس (فى2: 8) قدم بهذه الطبيعة الإنسانية التى أتحد بها. أعظم مثل
للإنسان وكم ينبغى أن يكون.

و
كقول القديس أثناسيوس الرسولى فى كتابة تجسد الكلمة، وفى معرض حديثه عن الله الذي
خلق الإنسان على صورته (تك9: 6) ومثاله قال: فإذا تلطخت الصورة بالأقذار والأدران
فيلزم إذن مجئ صاحب الصورة الأصلى ليصلح الصورة التى فسدت ويرجعها إلى أصلها
الطبيعى.

لذلك
فإن كنا نرى فى المسيح يسوع، الله الظاهر فى الجسد (رو9: 1-5) فإننا نرى الإنسان
أيضاً فى المسيح فهو كامل فى لاهوته يقدم لنا الله بغير نقصان، وكامل أيضاً فى
ناسوته يقدم لنا الإنسان فى أكمل كمال. إذن ففى المسيح وعلى هذه الصورة الجديدة على
مرأى البشرية ومسامعها، والتى مرت عشرات القرون قبلها لم ترها، يبنى الإنسان
الجديد لذا فلا غرابة أن داعى السيد ” بكر كل خليقة ” (رؤ1: 5) أو
” بداية خليقة الله ” (رؤ3: 14) فهو بكر الخليقة ورأسها وبدايتها
ونهايتها (رؤ21: 6، 22: 12، 1: 8) من خلال هذا المعنى.

و
هنا نتساءل كيف يكون الإنسان تاج الخليقة المنظور وملكها.. وذلك من خلال

الأسلوب
الذي خلق الله به الإنسان؟

أ‌-
عندما خلق الله بقية الخلائق، لم يتكلف فى هذه الخلقة أكثر من كلمة نطقها، وبهذا
المنطوق تكون كل ما هو كائن.. فخلق الله النور بكلمة (تك 1: 3) وكذلك الشمس والقمر
(تك1: 14) وخلق الله المياة بكلمة (تك1: 6) وفصلها عن بعضها البعض بكلمة (تك 1: 9)
وخلق منها كل الزحافات ذات النفس الحية بكلمة (تك1: 20) وخلق الطير والحيوان
والوحوش بمجرد كلمة نطقها (تك1: 2، 24) أما عندما خلق الله الإنسان استعان فى
خلقته بتراب الأرض وثراها (تك2: 7، 3: 19 ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار نفسا حية
(تك2: 7).

ب‌-
قيل بعد كل خلقه قام بها الله لكل مخلوق ” ورأى الله ذلك أنه حسن ” (تك
1، 10، 12، 21، 35) ولكن عندما خلق الإنسان ” رأى الله كل ما عمله فإذا هو
حسن جداً ” (تك1: 31) فبخلقة الإنسان أكتمل جمال كل خليقة خلقها الله.

ج-
لم يخلق الله بعد خلقته للإنسان شيئاً آخر، وترك العالم يأنس بقوانينه الطبيعية
التى وضعها الله فيه، فكان ناموس الخليقة فيه التدرج الصاعد، حتى أكتمل سموه
بالإنسان تاج الخليقة، الذي خلق بعدها ليكون سيداً لها، والذي جاء تالياً لها
ليكون رأسا لجميعها، لذلك عند خلقه الله للجلد وللشمس، وللقمر ووحوش الأرض والدواب
استخدم الله تعبير (عمل) ولم يستخدم تعبير (خلق الله) (تك1: 7، 16، 25) ذلك لأن
الله قام بعمل هذه أشياء أخرى سبق خلقها (تك1: 3).

فالخلةة
هى إيجاد من العدم، أما العمل فهو إيجاد من خلقة. أما عندما خلق الله الإنسان
استخدم التعبيرين معاً ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الإنسان
على صورته على صورة الله خلقه (تك1: 26، 27) ذلك أن الإنسان كجسد مأخوذ من الأرض
التى خلقها قبلاً (تك1: 1) ولكنه ككيان روحى عاقل مأخوذ من الله (تك2: 7) فهو
المعمول والمخلوق معاً.

د-
من أول تعامل بين الله وبين مخلوقه الإنسان، تخاطب معه بأسلوب الجمع، ولم يحدثه
بأسلوب المفرد كواحد من مجموعة خلائق، أو بأسلوب المثنى كما يقضى التحدث مع شخصين
رجل وامرأة ولكننا نجد الله يقول لهذا الكائن ” فخلق الله الإنسان (بأسلوب
المفرد) على صورته الله خلقه بأسلوب المفرد أيضاً) ذكراً وأنثى خلقهم (هنا نجد
نقطة التحول ليس من الفردانية للمثنى بل للجمع) وباركهم الله وقال لهم أثمروا
وأكثروا وأملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل
حيوان يدب على الأرض. وقال الله أنى أعطيتكم كل بقل يبرز برزاً على الأرض لكم يكون
طعاماً ” (تك1: 27 – 30) قيل هذا عن الإنسان قبل جبله (تك2: 7) فالله يتعامل
مع الإنسان كبشرية أو يتخاطب مع آدم فى صورة الإنسانية الكاملة. لذا:

ذ-
فالمسيحية محقه فى الاعتقاد بأن خطيئة آدم لم تضيره هو وحده ذلك لأنه تمثيل
للبشرية كلها، وإنما تعدته إلى كل نسله (رو5).

ه-
عندما خلق الله حواء. لم يحتاج إلى أن يكرر ما صنعه مع آدم (تك2: 7) ولكنه جبلها
من آدم وذكر السفر خمسة أفعال لهذا الحدث العجيب ” أوقع، أخذ، ملأ، بنى، أحضر
” وذلك فى قوله: فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه
وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم
(تك2: 21، 22).

و-
لقد أدى الله دوره كخالق فى بدء الخليقة، أو قل قبل أن توجد خليقة، ويذكر الكتاب
المقدس هذه المقولة الجبارة ” فاستراح الله من جميع أعماله الذي عمل الله
خالقاً ” (تك2: 3) ورسم الله أن تتكرر هذه الخلائق، من خلال الناموس الطبيعى
الذي وضعه فى كل منها، لذلك لا يأخذ الإنسان جسده من أبيه وأمه ويأخذ نفسه أو روحه
من مصدر آخر، إنما يأخذ الكيان الإنسانى كله من مصدر واحد الا وهو الأب والأم حسب
القانون الخلقى الطبيعى الذي حدده ” أثمروا وأكثروا وأملأوا الأرض ”
(تك1: 28) ذكر نفس الكلمات على مسامع نوح وبنيه الثلاثة (تك9: 1) فبحسب هذا الأمر
الصادر يتسنى للإنسان التوالد من الإنسان بالكيان الإنسانى الكامل دون أدنى نقصان،
ومن غير أى زيادة. ونفس هذه الكلمات تكررت فى مسامع المخلوقات الأخرى غير العاقلة
” وقال الله اتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبرز برزاً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمر
كجنسه بذره فيه على الأرض ” (تك 1: 11 – 13) ” فخلق الله التنانين وكل
ذوات الأنفس الحية وكل طائر.. وباركها الله قائلاً أثمرى وأكثرى وأملائ المياة فى
البحار وليكثر الطير على الأرض ” (تك 1: 21، 22).

ز-
يتضح من كلمات الوحى الإلهى مدى سلطان الإنسان على كل ما فى الكون أيضاً ذلك لأنه
تاج الخليقة وملكها. قال الله مخاطباً الإنسان ” أثمروا وأكثروا وأملأوا
الأرض ” (تك2: 28).

فالإنسان
هدف والأرض وسيلة وخادم وقال: ” وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير
السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض ” (تك2: 28) وكرر نفس الكلمات وعلى مسامع
نوح وبنيه الثلاثة ” لتكن رهبتكم وخشيتكم على كل.. ”

(تك
9: 2) هذا الكلام يعنى أنه لو تمردت عليكم الأرض أخضعوها ولو أبت أرغموها ولو
تكبرت أذلوها فالإنسان وحده يحول صفراء الأرض إلى سودائها، ويغير فى مجرى مياهها،
ويكثف فى ملوحته، ويضاعف من عطائها بما يصل إليه من علم وبحث ودراسة فشواهق جبالها
قد وضعت لا لننقيها بل لنرتقيها.. وقوله تسلطوا على.. وعلى.. وعلى.. هذا يدل على
سلطة الإنسان عما يساويه، وعما يفوقه وعما يدانية فى الكون كله. فله سلطة على سمك
يطأه، وطير يحلق فوقه، وحيوان يشاركه حياة الأرض ولعله إلى هذا السبب قدام الله
الخليقة كلها للإنسان كى يطلق على كل منها ما شاء من أسماء.

ح-
تحدث الله مع الأنسان فى خلقته فقال ” أنى أعطيتكم كل بقل.. وكل شجر لكم يكون
طعاماً.. ولكل حيوان الأرض أعطيت كل عشب أخضر طعاماً ” (تك1: 29، 30) ثم قال
الله لنوح الأب الثانى للجنس البشرى كله بعد آدم ” كل دابة حيه تكون لكم
طعاماً كالعشب الأخضر دفعت لكم الجميع غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه ”
(تك9: 3، 4) لماذا لم يتحدث الله فى باقى احتياجات الإنسان؟ أن الإنسان يحتاج إلى
الهواء أكثر من احتياجه إلى كليهما. لذا لم يملكالله الهواء لأحد، ولم يجعل الله
الإنسان يدفع عرق الجبين مقابلاً نظيره.

ط-
أن هناك أمورا جديدة ظهرت فى قاموس الإنسان، ولم نسمع عنها من قبل مثل: الشوك
والحسك (تك 3: 18) والموت (تك 3: 19 مع تك 2: 17، 3: 4) فلم يخلق الله شوكاً
وحسكاً يوم أن خلق جميع النباتات فى اليوم الثالث (تك1: 12 – 14) ولكنه خلق بعدئذ
إذ عاشت الأرض بدونه مدة طويلة من الزمان كنتيجة من نتائج دخول الخطية إلى الكيان
البشرى أما الموت فقد دخل إلى العالم بحسد إبليس وإذ يقضى على الإنسان فى حياته
المعاصرة ويوقف خلوده لذا رأى الله أن يعطيه هذا الخلود بعد تصفية كاملة لجسد هذا
الموت، بالموت، ومن ثم بالقيامة أيضاً التى فيها تتغير هذه الأجساد وتتجمد. فالموت
شئ يصيب الجسد فقط ولا يقترب من الروح، لذا فالقيامة هى قيامة للأجساد وليست قيامة
للأرواح التى لم تمت قبل ذلك فأيهما يكلف الرب أكثر؟: خلقه من تراب الأرض الذي كان
عدما.

ظ-
حيث لم يكن الإنسان شيئاً، أم إعادة الإنسان إلى الوجود بعد أن صار شيئاً، وإن كان
قد تناثر أو ذاب فى أشياء أخرى. لذا فأمال الكنيسة فى القيامة أنها تجديد للخليقة
وبداية لخليقة جديدة وبأسلوب آخر كان الله يود أن تكون الأرض عليه يوم خلق الله
الإنسان ولم يساعده الإنسان فى تحقيق ما يربو إليه، ولم يحقق الإنسان لله أمانته
التى كان الله يريد تحقيقها فلا غرابة أن كان كتابنا المقدس يسخر من الموت ويدعوه
نوماً، وكنيستنا تلقيه رقاداً وتسميه انتقالا فالقيامة هى جعلت من الموت نوماً
ورقاداً واضطجاعاً وهجعه.

أن
هناك من يموتون أجنة فى بطون أمهاتهم، وهم بهذا خرجوا من الحياة قبل أن يدخلوها،
وهناك من يحيون أعمار طوال، وأكبر الناس عمراً ” متوشالح ” كان يحمل إسم
الموت فى أسمه، فكان أسمه يعنى ” محب الموت ” وهؤلاء يختمون حياتهم عكس
ما ابتداؤها وينتهى بهم المآل إلى الفراش الذي رقدوا عليه رضعاً بلا أدنى حراك.

ى-
لأول مرة فى خلقة الإنسان نسمع تعبيراً جديداً ” وجبل الرب الإله آدم تراباً
من الأرض.. ووضع هناك – فى الفردوس – آدم الذي جبله ” (تك 2: 7، 8) فقد سمعنا
كلمة خلق، عمل، فصل، قال، رأى، جعل، بارك الله.. الخ أما كلمة جبل تعنى خلقة
الإنسان من عنصر خالد ألا وهو الله، وعناصر قابلة للانحلال أى الأرض (تك2: 7)
وحينئذ أضحى فى الإنسان شيئان.. فبه العقل، وفيه المادة.. فيه الروح وفيه الجسد
فيه الطبيعة الملائكية بروحه والحيوانية بجسده فيه الخير وفيه الشر فيه الحب وفيه
الكراهية.. الخ. فيه كل الطاقات رغم أن كل البشر الموجودين فى حياتنا الحاضرة قد
تناسلوا من شيت البار الأبن الثالث لآدم.

لم
يأمر الله الطبيعة أن تأتيه بآدم مثلما أمرها أن تأتيه ببقية المخلوقات، فلم يأتمن
على خلقته شيئاً، إنما خلقه بيده مستعيناً بمعطيات الطبيعة التى سبق أن أودعها
إياها ولم يخلقه من العدم كخلقته للطيور، وأن كان الذي جبل منه الإنسان كان أولاً
عدما ولم يخلق بعده وأن كان قد خلق كل الخليقة قبله ” وأكملت السموات والأرض
وكل جندها (تك 2: 1) لذا نرى فى الإنسان هذه الازدواجية فى كل حياته.

أنت
لا تأمن إلى إنسان إلا فى مرحاتى الطفولة والكهولة، وما بينهما تخافه وتخاف منه
بسبب أنه فى المرحلة الأولى لا يكون العالم قد طبع بصماته عليه، وفى الأخيره يكون
قد تخلص من أكثرها، وما الكهولة إلا طفولة متأخرة فى حياة الإنسان

قال
أحد الأدباء: ينزل الإنسان إلى الأرض وقد بلغ طوله 50سم أو أقل يغادر العالم وقد
صار طوله 150سم أو يزيد.. كل هذا الصراع الذي يحياه فى العالم من أجل متر واحد
يضاف إلى قامة جسده.

إن
حياة الإنسان فى الدهرين الحاضر والآتى تمر فى مراحل ثلاثة: مرحلة عاشها روح فى
جسد وهى مرحلة الحياة الحاضرة، ومرحلة ثانية عاشها جسد بلا روح وروح بلا جسد وهى
مرحلة الحياة الأخرى، أما المرحلة الثالثة فيحياها روح فى جسد نورانى ممجد. وهذه
هى الحياة الأخرى.

أن
الزمن مع الإنسان يحاكيه ليريه الموت والخلود، فالنهار يبدأ طفلاً رقيقاً نسميه
عليل، ثم يشتد عود عند الظهيرة فيصير شاباً يافعاً، أم فى وقت الضحى فيضحى النهار
رجلاً ناضراً مكتملاً، ولكنه لا يلبث أن يشيخ فى. الغروب ويصيبه الكهول والعجز، ثم
يغيب فى المساء ليعود من جديد بصورة ناضرة غير تلك التى اختتم بها.

أن
الأبله والمتخلف قد توقف وجودهما فى الحياة وأن كان لم تتوقف حياتهما فهما يحيان
فى الحياة كمستهلك وليس كمنتج فلا تستطيع أن تضيف عليه الكثير.. مثل هذا دخل وخرج
إلى زمن الحياة وأبوابه مغلقة.

أن
الإنسان من يوم أن يولد وحتى اليوم الذي فيه يموت، يقضى ما يزيد عن ثلث عمره
نائماً، إلا أن روجه العاقلة الخالدة لا تنام وأمورا أخرى فى جسمه مثل عقله وقلبه
وباقى من أجهزته. فالنوم فى الإنسان للجسد أو لبعض منه ولكن لا تستفيد منه الروح
المخلوقة على صورة الله الذي وصف بأنه لا ينعس ولا يغفل ولا ينام.

هذا
الكائن العظيم الذي يقوى عما هو أعظم منه، وينتصر عما يتفوقه، إلا أن أقل الكائنات
حجماً ينتصر عليه ويهزمه ويذله، ويضحى عاجزا أمام جرثومة أو ميكروب لا تراه عين
مجرة. فلا تبصر بدون مكبر.

 

الارتقاء
والتطور والبحث عن الكمال:

 الله
هو أمس واليوم وإلى الأبد (عب13: 8) سواء على مستوى الزمن الماضى (أمس) أو الحاضر
(اليوم) أو المستقبل القريب والبعيد (إلى الأبد)، إذا ليس الله يحد الزمن.

 فالله
ليس له ماضى، ولا يترقب مستقبلاً، إنما الله – الحياة – يحيا فى حاضر متصل ليس له
صيف وشتاء وخريف إنما الله – السرمدى – يحيا فى ربيع دائم ليس لله شروق وغروب إنما
الله – النور يحيا فى شروق مستمر كما أنه ليس له طفولة وكهوله ذلك لأنه ليس للأيام
أن تؤثر فيه، ولا للشيخوخة أن تهاجمه، ولا للأزمنه أن تعترية.

 إذن
ليس لله تطور وارتقاء، فالله الذي عاصر الإنسان الأول هو هو بذاته إله هذا القرن،
وإله كل الدهور، وإلى الأبد. وكما أنه ليست هناك معرفة تضاف إليه، كذلك ليست هناك
أيام تزاد على سنيه، وليست هناك قامة تعلو فوق قامته. الله لا يخضع للتطور.. بمعنى
أنه لا زيادة تلحق به، ولا نقصاً يؤثر فيه.

 حتى
الدين أيضاً لا يخضع للتطور، فالمسيحية التى استلمها بطرس وبولس هى التى يعيشها
المسيحيون الآن، رب تطور يكون فى الأداء والأسلوب وليس فى المعتقد والفكر،
فالسفينة التى أقلت بولس ليست كالطائرات ووسائل النقل الموجودة فى عالمنا هذا،
وإدخال الاكتشافات الحديثة صوتية ومرئية ومسموعة إلى عالم الدين إنما هو نموذج عن استفادة
الدين من التطور الذي حققه الإنسان، بل وغالباً ما يكون مرجع كل هذه الاكتشافات
والاختراعات إلى حفنة من رجال الدين والرهبنة.

 أما
الإنسان فدائم التطور، دائم الارتقاء..

 فإنسان
القرن العشرين عصر الذرة والإلكترونيات، يتفوق عن إنسان عصر الكهرباء، وهذا يسمو
عن إنسان عصر البترول، وذلك يسمو عن إنسان العصر الحجرى.. أن ما عد ارتقاء وتطور
فى عصر حسب بديهيا فيما بعده، ومع هذا فنحن ندين بالفضل الكبير لكل من وضع لبنة فى
جدار تطور الإنسان.

 وأصبح
الآن يخشى على الإنسان من ديمومة التطور والنمو والارتقاء، إذ لأنه لا يجد شيئاً
لم يتوصل إليه،، يحاول الآن أن يدمر نفسه بنفسه تحت قناع التحضر والارتقاء والتطور
والنمو والتمدين.. بحيث أصبح لا يخشى على الإنسان إلا من الإنسان، ذلك لآن ”
كل طبع للوحوش والطيور والزحافات والبحريات يذلل وقد تذلل للطبع البشرى ” (يع
3: 7).

*
علم معرفتك:

هذا
النمو وذلك التطور استفاد منه الإنسان فى معرفة الله، فبينما كان يعبد ألهه متعددة
متباينة ومختلفة، اقتصر الأمر على عبادة أسرة مكونه من ثلاثة ألهه فيهم الأم والأب
والابن، (إيزيس وحورس وأوزوريس)، ثم ابتكر عبادة ألهين لكل منهما تخصصه واختصاصاته
فهذا النور والخير والحياة والحب، وذلك للظلمة والشر والموت والكراهية. أطلق على
أحدهما ارموزد، والآخر اهريمان.. ثم هداه فكره إلى أن الله لا يمكن إلا وأن يكون
واحدا فنادى بالشمس المعبود الأعظم والأوحد ولقب كل الشعب باسمه (رع) ويرجع الفضل
فى هذا للملك (إخناتون) فى وسط صعيد مصر (تل العمارنة). حتى جاء الوحى الذي كان
أصدق من عبر عن الله، ليهدى الإنسان بعد ما أضله فكره وأتاهه عقله.

إذن
فليس التطور لدى الإنسان مقتصراً على ما فى الكون من أسرار استطاع اكتشاف بعضها
واستثمارها، إنما التطور أيضاً لديه حتى فيما يخص معرفة الله إذ غابت هذه الصورة
البهية وسط دياجير الوثنية.

لأنه
ليس لها قيامة.

و
ليس لها عالم آخر أو حياة آخره

إذ
ليس فيها روحاً.

أن
عين الحيوان ونظره قد يكون أكبر من الإنسان، وقد يضرب المثل بصبر الجمل ووفاء
الكلب وإيثار الحمل وجلد الأتان وطاعة كل هذه بلا فحص ولا معارض.. ورغم كل هذه
المعطيات فهى لا تتفوق على الإنسان.

أن
الغزال قد يحس بوقوع الزلازل قبل أن تهتز له فرائس الإنسان ولكن رؤية الغزال
للإنسان مخيفة له لذا تراه يعدو هارباً من أمام الإنسان مطارده.

و
لولا الإنسان لانقرض الحيوان وانتهى من عالم الوجود، فهو الذي يحافظ بقاء نوعه..
والكائنات التى انقرضت فى غيبة الإنسان أو انشغاله ولم يستفد منها إبان وجودها،
استثمر أجسامها بعد موتها واستخرج من هذه الجثث البالية البترول الذي يعتبر شيئاً
أساسياً فى حياته.

لقد
ربط الإنسان العالم كله بشبكة واحدة تنقل عبر أثيرها بين جوانبه الشاسعة الواسعة.

لقد
استطاع الإنسان أن ينظم مملكته ومملكة الحيوان: فالأسد وإن دعى ملك الغابة فإن
قوته وبطشه وشراهته وشراسته هى التى فرضت عليه وعلى الغابة كلها ملوكيته.. أما
الإنسان وإن دعى ملك الكائنات وملك الخليقة فإن عقله هو الذي فرض على الخليقة ذلك.

و
أن كان الإنسان قد صنع العقل الإلكترونى (
COMPUTER) الذي فى مقدوره
أن

ينتج
أضعاف ما ينتجه العقل البشرى، لكنه مدين فى الفضل لوجوده لعق الإنسان لأنه أوجده
واخترعه، ولأنه لا يستطيع أن يعمل بدونه، فى حين أن للعقل البشرى أن يعمل من غير
الالتجاء لمعونة العقول الإلكترونية.

 أن
التطور فى عالم الحيوان، هو نمو فى جسمه، فهو ازدياد يضاف إلى ثقله ووزنه، أو كبر
يضاف إلى طوله وعرضه.

*
بين الموت والقيامة:

يفقد
الإنسان هذا النمو بالموت فالطفل الذي مات من عشرات السنين لم يصر رجلاً بعد،
والرجل الذي قضى فى قبره ردحاً من الزمن لم يتكهل ولم يشخ بعد. فلا نمو للإنسان
بعد الموت.

 كان
الموت عقوبة للإنسان الذي أخطأ، فأصبح يعانى من افتراق الروح عن الجسد

(تك3:
19) إذ خلق الإنسان لكى يحيا إلى الأبد كالملائكة التى لا يصيبها الموت (تك3: 22،
2: 6).. قال القديس باسيليوس الكبير: ” والموت الذي دخل إلى العالم بحسد
إبليس هدمته بالظهور المحيى الذي لأبنك وحيد الجنس “.

 لذا
صار خلاص الإنسان يكتمل بيوم القيامة العامة، التى يعود الإنسان إلى حياة الأبد.
فالقيامة العامة، أو قيامة الأموات، أو قيامة الأجساد هى تكملة رحلة الخلاص التى
بدأها السيد له المجد بصليبه، لكى تقف البشرية لتدان أمام الله وقد تكاملت صورتها
جسدا وروحاً.

 لذا
ففى مزيد من شغف التطور قال الرسول بولس ” لعلى أبلغ إلى قيامة الأموات، ليس
أنى نلت أو صرت كاملاً، ولكنى لعلى أدرك الذي لأجله أدركنى أيضاً المسيح يسوع
” (فى 3: 11، 12) ففى مقولته هذه أرانا أن الإنسان دائم التطور فى معرفة الله
وأيضاً حتى فى بلوغ قيامة الأموات.

 هنا
يختلف الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى التى ليس لها رجاء سوى فى هذه الحياة
الحاضرة، فالإنسان يترجى حياة الأبد، ليستكمل بالأبدية وفى الأبدية رحلته التى
بدأها عندما ارتطمت قدماه بالأرض.

*
أظهرت لى طبيعة الحيوان:

 وإذا
كان الإنسان يسمى (الناظر إلى أعلى) (
Anthropos) فهو بهذا يقدم صورة مختلفة عما نراه فى باقى الكائنات الأخرى،
فلا كائنات آخر ينظر إلى أعلى غيره ولو ارتفعت قامته وامتدت هامته.

 

كيف
يكون الإنسان تاج الخليقة؟

أولاً:
الإنسان يشبه الله فى الروحانية.

ذلك
أن الله روح كما يقول رب المجد يسوع المسيح ” والرب هو الروح ” كما يقول
الوحى على فم الرسول بولس فالإنسان خلق على صورة الله ومثاله لأن الله خلق فيه
روحاً من عنده ونفخ فيه الله الله نسمة حياة فصار الإنسان نفساً حية ” ويقول
النبى ذكريا فى نبوته ” يقول الرب باسط السماء ومؤسس الأرض وجابل روح الإنسان
فيه ” ويقول النبى أشعياء ” الرب خالق السموات وناشرها باسط الأرض مع ما
ينبت منها ” الذي فى يده نفس كل حى وأرواح البشر أجمعين ” ” لكن فى
البشر روحاً ” يقول روح الله هو الذي صنعنى ونسمة القدير أحيتنى ”
” لذلك سمى الله بأبى الأرواح كما يقول الرسول بولس أفلا نكون بالحرى خاضعين
لأبى الأرواح فنحيا ” ” كما يدعى إله أرواح جميع البشر “.

ثانيا:
الإنسان يشبه الله فى العقل والحكمة.

فالله
كلى الحكمة وأما الإنسان فله بعض الحكمة لأن فيه روحا عاقلة ترشده فى الصواب والحق
والخير يقول سفر أيوب ” لكن فى البشر روحا ونسمة القدير تعقلهم “. ويقول
الحكيم سليمان ” تعقل الإنسان يبطئ غضبه ”

وذلك
يمكن أن يوصف الإنسان بالحكيم. وجاء فى سفر أيوب ” الذى رفعنا على بهائم
الأرض علما وعلى طيور السماء حكمة “.

ثالثاً:
الإنسان يشبه الله فى الحرية.

فكما
كان الله حرا يتصرف كما يشاء.. ولا يجد من يمنعه أو يقول له ماذا تفعل؟.. كذلك خلق
الله الإنسان حرا مثله وله أن يريد ويفعل ما يريد.

رابعا:
الإنسان يشبه الله فى الخلود وعدم الفناء.

كل
شئ فان
، جمادا كان
أو نباتا أو حيوانا
، ولكن الإنسان وحده نمن بين الكائنات الأرضية
الذى يخلد ولا يموت
، وهو خالد بروحه لا بجسده لأن الجسد أيضا فان
وقابل للموت الفساد والتعفن والتحلل وهو موعود أما بالحياة الأبدية وأما بالعذاب
الأبدى وقد أقام الله له شجرة الحياة التى يأكل منها فيحيا إلى الأبد.

خامسا:
الإنسان يشبه الله فى القداسة ومحبة الحق والبر.

وهذا
ينطبق أسا على روح الإنسان لا على جسده لأن الجسد من حيث هو مخلوق من تراب فينجذب
طبيعيا إلى الترابيات والحسيات والماديات وأما الروح فلأنها من الله وقد نفخها فى
آدم بعد أن جبله تراب من الأرض فهى بطبيعتها روحانية ومقدسة وطاهرة وسامية وهذا
واضح من الصورة التى يقدمها لنا سفر التكوين عن آدم فى طهارته وقداسته الأولى فقد
كان هو وامرأته عريانين (وهما لا يخجلان) ومعناه أن فكر الإنسان الأول كان طاهرا
، ولكنه
بالخطيئة تدنس بعد ذلك وعلما أنهما عريانان فأخذا من أوراق التين وصنعا لهما مآزر
وقال سفر الجامعة يصف آدم قبل السقوط ” الله صنع الإنسان مستقيما ” وقال
عنه بولس الرسول أنه ” خلق الإنسان على مثاله الله فى البر وقدساه الحق
” ولم يفقد الإنسان قداسته لا بالخطيئة ولكن مخلصنا ردنا إلى الصورة الأولى
بعمل الفداء وخلقة الإنسان الجديد التى تتم فى المعمودية المقدسة وتصان بممارسة
التوبة اليومية ووسائط الخلاص
، وعلى رأسها سر التقوى وهو سر التناول.

سادسا:
الإنسان يشبه الله فى استعداده للعمل بلا توقف وفى أنه بروحه لا ينام.

فإذا
كان الجسد لأنه مركب من تراب الأرض يحتاج إلى الراحة والتعويض عن التعب بالنوم فإن
الروح لا تتوقف عن العمل ولا تنام نهارا ولا ليلا فالفكر لا يتوقف عن التفكير لحظة
واحدة وإذا أراد أن يتوقف عن التفكير فلا يستطيع بحال ما وفيما يظن الإنسان أنه
يضبط نفسه عن مواصلة التفكير بجد ذاته يواصل التفكير فى كيف يضبط نفسه عن
التفكير!!

وفى
أوقات النوم يتخدر الجسد وتخمد حركة الأعضاء ولكن الروح مع ذلك تظل متيقظة صاحية
ويقظتها دائمة تظهر فى الأحلام إذ الأحلام دليل على يقظة الروح وأنها لا تهدأ ولا
تنام ثم أن الروح تواصل أثناء الجسد التفكير فيما كان الإنسان مشغولا بع قبل النوم
أو فى الأمانى والرغبات والمطامع التى يصبو الإنسان إلى تحقيقها.

وقد
قال مخلصنا ” أما الروح فنشيط وأم الجسد فضعيف ” وأما أن الروح فى
نشاطها وعملها المتواصل بلا توقف شبيهة بالله فلأن الله لا ينعس ولا ينام. وقد قال
مخلصنا ” أبى وأنا أعمل ” أم أن الله استراح ى اليوم السابع من عمله الذى
عمله فليست الراحة هنا بمعنى التوقف عن العمل لكنها بمعنى الفراغ من عمل الخليقة
الأولى على أن الله يخلق من جديد فى كل يوم كائنات جديدة من نباتات وحيوانات وبشر
هو يرعى كل خلائقه ويحفظها لأنه ضابط الكون
، وعصفور
واحد منها يسقط على الأرض من غير إذنه وقد عرفنا أنه لا يزال حتى الآن يقوت
العصافير والغربان وطيور السماء.

سابعا:
الإنسان يشبه الله فى سيادته على الطبيعة وسائر المخلوقات وحق التصرف فيها

الواضح
من سفر التكوين أن الله خلق آدم سيدا على المخلوقات وأعطاه سلطانا على تدبيرها
وسيادتها والتصرف فيها على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى جميع كل
الدبابات الدابة على الأرض فخلق الله الإنسان على صورته وعلى صورة الله خلقه ذكرا
وأنثى خلقهم وباركهم الله وقال اثمروا وأكثروا واملأوا الأرض واخضوعها وتسلطوا على
سمك البحر وعلى طير السماء وعلى جميع الحيوان الداب على الأرض.. ويقول صاحب
المزامير عن الإنسان ” كللته بالمجد والكرامة سلطته على أعمال يديك وأخضعت كل
شئ تحت قدميه الغنم والبقر كله وبهائم الصحراء أيضا وطير السماء وسمك البحر السائر
فى سبل البار.

ويقول
يشوع بن سيراخ ” خلق الرب الإنسان من الأرض وأعاده إليها جعل لهم وقتا وأياما
معدودة وأتاهم سلطانا على كل ما فيها ألقى رعبه على كل ذى جسد وسلطة على الوحش
والطير ” وكعلامة على سيادة آدم على المخلوقات وبينه على تسلطه من الله
عليها. منحة الله امتياز تسميتها بأسماء وقد صارت الحيوانات بالاسم الذى أطلقه
عليها آدم ” وجبل الرب الإله من الأرض جميع حيوانات البرية وجميع طير السماء
وأتى بها ليرى ماذا يسميها فكل ما سماه آدم من نفس حية فهو أسمه فدعا آدم جميع
البهائم وطير السماء وجميع حيوانات البرية بأسماء ” وقد جاء فى صلاة الحجاب
بقداس القديس باسيليوس قوله ” أيها الرب إلهنا.. الذى كون كل شئ يحكمته
وبحكمتك خلقت إنسانا ليكون رئيسا على المخلوقات التى منعتها من قلبك ويسوس العالم
بقداسة وبر..”

على
أن آدم الإنسان الأول خلق أيضا رئيسا وسيدا على امرأته حواء وخضوعه لمشورتها ولم
يفلح اعتذار آدم فى ذلك لأنه أولا وقبل كل شئ هو المسئول الأول أمام الله وقال
لآدم لأنك سمعت صوت امرأتك فملعونة الأرض بسببك بمشقة تأكل منها طول أيام حياتك
، وشوكا
وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الصحراء بعرق وجهك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض التى
أخذت منها

ووبخ
الرب حواء على مخالفتها وعرفها بسيادة آدم عليها وقال للمرأة ” لأكثر مشقات
حملك بالألم تلدين البنين
، وإلى بعلك تنقاد أشواقك وهو يسود عليك.

ولهذا
يقول يشوع بن سيراخ: ” غضب ووقاحة وفضيحة عظيمة المرأة التى تتسلط على
رجلها.. أن تسلك طوع يدك تخزيك أما أعدائك ” ويقول أشعياء النبى منددا بما
صار إليها سوء أحوال بنى إسرائيل ” هى أولاد والنساء يتسلط عليه ” وجاء
فى سفر الحكمة الأزلية قائلا ” هى التى حفظت أول من جبل أبا للعالم لما خلق
وحده وأتته قوة ليتسلط على الجميع ” وعلى هذا خلق أدم ليكون سيد المخلوقات
جميعها وليكون سيدا لحواء أيضا ” ولهذا قال الكتاب أيضا ” لتخضع النساء
لرجالها كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح هو رأس كل شئ “. وقد
أوصى الكتاب المقدس الرجال بأن يحبوا نساءهم ولكنه أوصى النساء بالخضوع لرجالهن فى
كل شئ كما تخضع الكنيسة للمسيح وكخضوع الجسد للرأس ومما يقول أيضا ” وكذلك
أنتن أيتها النساء أخضعن لرجالكن كما كانت سارة تطيع إبراهيم وتدعوه سيدها “.

وفى
هذه السيادة على الجميع الخلائق يشبه الإنسان الله فى سيادته كخالق على كل الطبيعة
، وللإنسان
بصفة عامة
، والرجل
بصفة خاصة شرف أيما شرف أن يكون ظل الله على الأرض
، فى حكمة
وتسلطه على كل الموجودات.

ولهذا
كله تشرف آدم لا ليصبح سبيها بالله فقط بل بأن يتبناه الله وينسب إلأيها ويسمى من
قبيل التبنى باين الله.

هكذا
جاء فى إنجيل القديس لوقا والإصحاح الثالث وهو يسرد النسب الملكى لربنا يسوع
المسيح من حيث الجسد ويبدأ من يوسف بن هالى على ما كان يظن ويصعد فى سلم النسب
” أنوش بن سميث بن آدم بن الله “.

وآدم
لا يسمى ابن الله إلا بالتبنى ومن حيث أنه قد خلق على صورة الله ومثاله وهو فى هذا
رمز إلى مخلصنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد بالطبع لا بالوضع
، وبالحقيقة
لا بالتبنى.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى