علم الكتاب المقدس

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل التاسع

وحى الإنجيل
وقانونيته

 

أولاً: وحى الإنجيل:

مقالات ذات صلة

كان
للكنيسة الأولى فى مهدها الباكر وفى سنواتها الأولى بعد القيامة وحلول الروح القدس
أربعة مصادر للتعليم والسلطان الكنسى، وهى، كما بينا فى الفصول السابقة، شخص وعمل
وتعليم الرب القائم من الأموات، وعمل الروح القدس وقيادته للرسل وإرشاده وتوجيهه
للكنيسة، وأسفار العهد القديم، خاصة ما جاء بها من نبؤات عن شخص الرب وأعماله
وتعليمه والتى شرح معناها وفسرها الرب نفسه لتلاميذه ورسله، ثم شهادة الرسل، شهود
العيان، وحملهم للإنجيل إلى كل البشرية فى العالم أجمع.

كان
الرسل هم رجال الله الذين حملوا الإنجيل، الأخبار السارة، إلى كل المسكونة وكان
الرب يقودهم ويرشدهم ويعلمهم بروحه القدوس. وكان الروح القدس يعمل فيهم وبهم
ويتكلم على لسانهم ويحثهم على الكرازة ويشهد للمسيح من خلالهم “ومتى جاء
المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد
لى. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معى من الابتداء(1)“.
وكان الرسل واعين تماما ومدركين بصورة ملموسة ومحسوسة لعمل الروح القدس فيهم فقد
أنسكب عليهم بصورة مرئية “وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة
وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على
كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما
أعطاهم الروح أن ينطقوا(2)“. وكانوا يحسون
ويلمسون وجوده فيهم أيضا من خلال الأعمال والمعجزات التى كان يعملها على أيديهم،
بل وكانوا يدركون عمله فيهم وكلامه على لسانهم بصورة تفوق الوصف، وكانوا يعلمون
جيداً أن كفايتهم فى الكرازة ليست من أنفسهم بل من الروح الساكن فيهم “ليس
أننا كفاه من أنفسنا أن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله الذى جعلنا
كفاه لأن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح(3)“.
كانوا مدركين وواثقين من عمل الروح القدس فيهم وبهم وأنهم كانوا يتكلمون به ويتكلم
هو على لسانهم، يقول القديس بطرس الرسول فى ذلك “الأمور التى أخبرتم بها انتم
الآن بواسطة الذين بشروكم فى الروح القدس المرسل من السماء(4)“.
كما لم تكن كرازتهم فقط بكلام حفظوه “لا بحكمة كلام(5)“بل
بعمل وقوة ومواهب الروح القدس، بما يعلمه الروح القدس ذاته؟ “وكلامى وكرازتى
لم يكونا بكلام الحكمة (الإنسانية) المقنع بل ببرهان الروح والقوة لكى لا يكون
إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله(6)“،
“ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذى من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا
من الله التى نتكلم بها أيضا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح
القدس(7)“.

وكان
السيد المسيح قد وعد تلاميذه بأنه سيتكلم على لسانهم بالروح القدس:

“فمتى
أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تُعطون فى تلك الساعة ما تتكلمون
به. لأنكم لست أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم(8)“،
“لأن الروح القدس يعلمكم فى تلك الساعة ما يجب أن تقولوه(9)“،
“لأنى أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها(10)“،

وكشف
لهم ما سيعمله الروح القدس فيهم وبهم ومن خلالهم، وما سيقوله بأفواههم وعلى لسانهم
وكيفية وجوده فيهم ومعهم:

“يعلمكم
كل شئ ويذكركم بكل ما قلتهُ لكم(11)“،

“فهو
يشهد لى(12)” و “يرشدكم إلى
جميع الحق(13)“،

“وأما
أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم(14)“.

كان
الرب القائم من الأموات هو المصدر الأول والرئيسى والإلهام المباشر للكنيسة وكانت
حياته وأقواله وأعماله أساس وجوهر ومحور وبؤرة ولب الكرازة. وما تنبأ به عنه
أنبياء العهد القديم كان البرهان، بالنسبة لليهود، على حقيقة كونه المسيح ابن الله
النازل من السماء والآتى إلى العالم، والبرهان بالنسبة للأمم على أن مجيئه كان
مقرراً ومحتوماً منذ الأزل وقد أعلن للأنبياء السابقين له بمئات السنين، وكان
الروح القدس يقود الكنيسة بواسطة الرسل، وكان الرسل واعين ومدركين وواثقين أن ما
يتكلمون به هو كلام الله، كلام الرب، المعطى لهم بالروح القدس، والذى حفظوه بالروح
القدس وتكلموا به فى الروح القدس، “فأوصيهم لا أنا بل الرب
فأقول لهم
أنا بل الرب(15)“، “هكذا أمر
الرب(16)“،
“لأننى تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا(17)“،
“فأننا نقول لكم هذا بكلمة الرب(18)“.

تكلم
الرسل بكلام الرب وقادهم الروح القدس فى كرازتهم وأرشدهم ووجههم وذكرهم وأوحى لهم،
وعندما كتبوا الرسائل، كتبوها بالروح القدس الذى أوحى لهم بكتابة كل ما جاء فيها،
وعندما كتبوا الإنجيل بأوجهه الأربعة ودونوا وسجلوا فيه حياة وأعمال وتعليم
المسيح، فقد كتبوه مسوقين من الروح القدس “تكلم أناس الله القديسون مسوقين من
الروح القدس(19)” فكما عمل معهم فى
الكرازة عمل معهم أيضا فى كتابة الإنجيل.

وكلمة
“مسوقين” هنا تعنى حرفياً “محمولين” أى أن الروح القدس قادهم
وحملهم أثناء الكتابة والتدوين ووجههم لاختيار أحداث وأعمال وأقوال معينة لتدوينها
وعلمهم وأرشدهم وذكرهم وحفظهم وعصمهم من الخطأ والزلل، ولذا يقول الرسول بالوحى
“كل الكتاب هو موحى به من الله(20)“،
وعبارة “موحى به من الله” فى اليونانية “ثيؤبنوستوس
Theo pneustos” وتعنى حرفياً “تنفس الله”، “نفس الله”،
“الله تنفس”. وإن كانت هذه الآية تنطبق على أسفار العهد القديم، فهى
تنطبق بالدرجة الأولى على كل أسفار العهد الجديد.

أولاً: لأن الرسل كرزوا بالروح القدس الذى عمل بهم
وفيهم ومن خلالهم وبالتالى قادهم للكتابة والتدوين وحملهم وقادهم وأوحى لهم عند
كتابة كل إنجيل وسفر ورسالة؟

وثانياً: لأن الإنجيلين سجلوا ودونوا وكتبوا ما
سبق أن قاله وعمله وعلمه وأمر به الرب نفسه والذى شاهدوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم
ولمسوه بأيديهم وعاشوه بأنفسهم وحفظوه بقلوبهم وفى ذاكرتهم وحافظوا عليه بأرواحهم،
بل وكان الرب نفسه معهم حسب وعده “وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء
الدهر”، يعمل بهم بروحه القدوس.

كان
الرسل والإنجيليون على ثقة تامة وبشكل محسوس وملموس أنهم يكرزون بالروح القدس
ويكتبون وهو مسوقين من الروح القدس، وكما أعلنوا وكرزوا بالروح القدس، فقد صرحوا
أيضا بأن ما كتبوه هو بالروح القدس، كتبوه “مسوقين بالروح القدس”، تكلم
المسيح فيهم “المسيح المتكلم فىّ(21)“.

وقد
ساوى الرسل بين ما جاء فى أسفار العهد القديم وآمنوا أنه كلام الله الموحى به وبين
ما عمله وعلمه السيد المسيح باعتباره أعمال الله وتعليم الله المتجسد وكانوا
واثقين من ذلك بصورة مطلقة، وما شهدوا به هم أنفسهم ودونوه فى أسفار باعتباره كلام
وعمل الله الذى حفظوه ووحى الروح القدس الساكن فيهم، “لتذكروا الأقوال التى
قالها سابقاً الأنبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل ووصية الرب(22)“.
وشهدوا لكل ما دونوه بالروح القدس فى كتب (أسفار) معلنين أنه كلام الله الذى
استلموه من السيد المسيح مباشرة، سواء قبل الصلب والقيامة أو بعد ذلك، سواء ما
علمه لهم وهو على الأرض بالجسد أو بعد صعوده إلى السماء بروحه القدوس، وقد كتبوه
مسوقين بالروح القدس، فهو كلام الله ووحى الروح القدس. ومن ثم يشهد القديس بطرس
لما كتبه القديس بولس بالروح قائلاً “كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضا
بحسب الحكمة المعطاة له كما فى الرسائل كلها متكلماً فيها عن هذه الأمور(23)“. ويقتبس القديس بولس عن سفر التثنية من
العهد القديم ومن الإنجيل للقديس لوقا مؤكداً بالروح القدس أن كليهما يضمان كلام
الله الموحى به وان كليهما سفران مقدسان، “لأن الكتاب (المقدس
Scrripture) يقول: لا تكم ثوراً (تث 4: 25). والفاعل مستحق أجرته (لو 7: 10)(24)“. وعبارة الكتاب يقول “تعنى، الكتاب
المقدس، واقتباسه من الإنجيل للقديس لوقا يؤكد حقيقتين، الأولى هى أن هذا الإنجيل
كان قد كتب، والثانية هى أنه كان مستخدماً ومعروفاً فى الكنيسة ككتاب مقدس وكلمة
الله. ويؤكد لنا قول القديس بولس بالروح: “تمسكوا بالتعاليم التى تعلمتموها
سواء بالكلام أو برسالتنا(25)“، “إن كان أحد
لا يطيع كلامنا (تعليمنا) بالرسالة فلاحظوا هذا ولا تخالطوه لكى يخجل(26)“، إنه، فى حياة الرسل، كانت هناك مساواة
كاملة بين كلمة الله المسلمة شفوياً والمكتوبة فى أسفار. ويؤكد القديس يوحنا أن كل
ما كتبه ودونه سواء فى الإنجيل أو الرسائل أو سفر الرؤيا هو تعليم وعمل السيد
المسيح، كلمة الله، وإعلانه الذى أعطاه من السماء وأوحى به بالروح القدس لكى ينال
من يؤمن به الحياة الأبدية:

“وأما
هذه (آيات ونصوص الإنجيل للقديس يوحنا) فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن
الله ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة بأسمه(27)“،
“الذى رأيناه وسمعناه نخبركم به
ونكتب إليكم هذه
(رسالته الأولى) لكى يكون فرحكم كاملاً(28)“،
“كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكى تعلموا أن لكم حياة أبدية
ولكى تؤمنوا باسم ابن الله(28)“.

“إعلان
يسوع المسيح الذى أعطاه إياه ليرى عبيده ما لابد أن يكون عن قريب وبينه مرسلاً بيد
ملاكه لعبده يوحنا الذى شهد بكلمة الله بشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه. طوبى للذى
يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها(30)“.

وهذا
ما يؤكد القديس بطرس أيضا بقوله بالوحى “كتبت إليكم بكلمات قليلة واعظاً
وشاهداً أن هذه هى نعمة الله الحقيقية التى فيها تقومون(31)“.

ويبدأ
الإنجيل للقديس متى بالتأكيد أنه يدون الإنجيل الذى هو حياة وأعمال وتعليم السيد
المسيح، كلمة الله “كتاب ميلاد يسوع المسيح(32)“،
وكذلك القديس مرقس الذى يبدأ بالقول “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله(33)“، كلاهما يؤكدان بهاتين العبارتين أنهما
دونا كلمة الله الموحى بها ليقرأهما المؤمنون فى كل مكان وزمان.

وهذا
ما أكده القديس لوقا أيضا بقوله “الكلام الأول أنشأته (دونته) ياثاوفيلس عن
جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذى ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح
القدس الرسل الذين أختارهم(34)“.

ثانياً:
قانونية الإنجيل (الأناجيل الأربعة وكل أسفار العهد الجديد):

كلمة
قانون هو كلمة يونانية (
Kanon) استخدمت فى العصور الأولى للمسيحية للتعبير عن الأسفار الموحى
بها سواء فى العهد القديم أو العهد الجديد وللتميز بينها، كأسفار موحى بها وكلمة
الله، وبين بقية الكتب الدينية الأخرى غير الموحى بها. وفى دراستنا هذه تعنى
بالتحديد قبول الكنيسة لكل سفر من أسفار العهد الجديد، على حدة، باعتباره كلمة،
كلام الله الموحى به، وتأكيد صحة نسبة إلى كاتبه، أحد شهود العيان، واعتراف
الكنيسة به فور تدوينه ونشره.

وكما
بينا، أعلاه، فقد قبلت الكنيسة منذ البدء ما دونه الرسل شهود العيان بالروح القدس
فور تدوينه ونشره مباشرة بفرح وبهجة وتهليل. وهذا القبول الفورى كانت له أسبابه
ومبرراته التى لا يمكن أن تنكر على الإطلاق؟

أولاً: لأن الكنيسة، كانت قد تسلمت الإنجيل شفاهة وقبل
أن يدون بأكثر من عشرين سنة وكانت تحفظ كل كلمة فيه عن ظهر قلب وتحافظ عليه
بروحها.

ثانياً: ولأن الذين سلموا الإنجيل الشفوى، الرسل شهود
العيان، هم نفس الذين دونوا الإنجيل وكتبوه بالروح القدس، وهم أيضا الذين سلموه
لها مكتوباً.

ثالثاً: كما أن أعضاء الكنيسة الذين استلموا من الرسل
الإنجيل الشفوى هم الذين طلبوا من الرسل أن يدونوا لهم ما سبق أن سلموه لهم شفاهة،
ومن ثم دون الإنجيل بالروح القدس أمامهم وبمعرفتهم فقبلوه بفرح وتهليل وحافظوا
عليه بأرواحهم.

وكان
الإنجيل (كل أسفار العهد الجديد) يقرأ فور تدوينه ونشره فى الكنائس فى اجتماعات
العبادة والتعليم، ككلمة الله ونعمته الحقيقية التى يقومون فيها، كما يقول بطرس
الرسول بالروح، وكإعلان الله وشهادة يسوع المسيح والذى يقود الإيمان به بكلامه،
بكلام الله، إلى الحياة الأبدية، كما يقول الإنجيلى والرسول، وكإنجيل ابن الله
والبشارة الأبدية للخلاص، وكتاب ميلاد وحياة وأعمال وتعليم يسوع المسيح كما يعلن
الإنجيليون الثلاثة القديسون مرقس ومتى ولوقا و”الإيمان المسلم مرة للقديسين(35)“، كما يقول يهوذا الرسول (أخو يعقوب)(36)، ووصية الرب وإعلان يسوع المسيح وإنجيله الذى هو
أساس ومصدر الإيمان المسيحى “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم
والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى الرب لكى يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل
عمل صالح(37)“، كما يقول بالروح
بولس الرسول والذى يقول لتلميذه تيموثاؤس “أعكف على القراءة والوعظ والتعليم(38)“. كان كل سفر يقرأ فى الكنائس واجتماعات
العبادة فى الكنيسة التى كتب لها أولاً ثم تنسخ منه نسخ وترسل إلى الكنائس
المجاورة، حيث كانت تتركز الكنائس المسيحية بكثافة فى آسيا الصغرى وفلسطين وسوريا
والإسكندرية وما حولها وشمال أفريقيا واليونان وروما، وكانت كل كنيسة تحتفظ بالسفر
أو الرسالة التى كتب لها أصلاً وتحتفظ بنسخ من الأسفار التى كتبت وأُرسلت للكنائس
الأخرى، يقول القديس بولس الرسول لأهل تسالونيكى:

“أناشدكم
بالرب أن تقرأ هذه الرسالة على جميع الأخوة القديسين(39)“،

ويقول
لأهل كولوسى:

“ومتى
قُرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرأ أيضا فى كنيسة اللاودكيين والتى من لادوكية
تقرأونها أنتم أيضا(40)“.

ونظراً
لأن معظم رسائل بولس كانت هى أول ما كتب من أسفار العهد الجديد فقد كانت هى الأكثر
انتشاراً فى الكنيسة وكان يوجد منها مجموعات كبيرة فى الكنائس كثيرة، وهذا ما
يؤكده القديس بطرس سنة 64م بقوله “كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس
كما فى
الرسائل كلها”. ثم جمعت الأناجيل الأربعة فى بداية القرن الثانى معاً، وجمعت
أيضا الرسائل الجامعة التى للقديسين ويعقوب وبطرس ويوحنا ويهوذا مع سفر الأعمال فى
مجموعة واحدة.

ويؤكد
سفر الرؤيا، الذى رآه القديس يوحنا الإنجيلى بالروح ودونه أيضا بالروح القدس، على
حقيقة انتشار وثبات عادة قراءة الإنجيل فى الكنائس، ويؤكد الوحى الإلهى أن سفر
الرؤيا نفسه قد أعطى بالروح القدس وكتب أصلاً للقراءة العامة: “طوبى للذى
يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب(41)“. ويتكرر فى السفر عبارة “من له أذن
للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس(42)“،
فى ختام الرؤيا يؤكد الروح أيضا أن الرؤيا قد أعطيت لتكتب وتقرأ ويحذر من الإضافة
والحذف إلى كلمة الله: “لأنى أشهد لمن يسمع أقوال نبؤة هذا الكتاب عن كان أحد
يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من
أقوال كتاب هذه النبؤة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب
فى هذا الكتاب(43)“. والوحى الإلهى
يؤكد هنا بصورة مطلقة على قداسة كلمة الله فى هذا السفر، سفر الرؤيا، وبالتالى فى
كل أسفار العهد الجديد (الإنجيل)، فقد كتبت جميعها بوحى الروح القدس ويحذر من تسول
له نفسه أن يضيف على كلمة الله أو يحذف منها بالهلاك الأبدى.

وقد
انتشرت كل أسفار العهد الجديد (الإنجيل) فى كل البلاد التى انتشرت فيها الكرازة
المسيحية، خاصة مدن أسيا الصغرى وفلسطين وسوريا ومصر وقبرص واليونان وروما، كما
وصل الإنجيل للقديس متى إلى الهند فى حياة الرسل على يد القديس توما، كما وصلت
الأسفار إلى شمال أفريقيا وانتشرت فيها بكثافة وسرعة فى حياة الرسل أيضاً، وذلك
لاحتياج الكنائس فى هذه البلاد إليها ولسهولة المواصلات فى الإمبراطورية الرومانية
التى امتدت على شواطئ البحر المتوسط فى آسيا وأفريقيا وأوربا. كما أن الإنجيل
بأوجهه الأربعة دون وكتب فى بلاد متعددة وانتشر منها إلى البلاد المحيطة حتى وصل
إلى الهند على يد القديس توما، وانتشر الإنجيل للقديس مرقس من روما والإسكندرية،
وانتشر الإنجيل للقديس لوقا من إنطاكية واليونان، وانتشر الإنجيل للقديس يوحنا من
أفسس بآسيا الصغرى وكان موجوداً ومنتشراً فى مصر بعد تدوينه ونشره بحوالى ثلاثين
سنة، مما يدل على أنه وصل إلى مصر قبل ذلك بفترة، وكانت الأناجيل الثلاثة الأولى
موجودة مع القديس يوحنا قبل تدوينه للإنجيل الرابع فأشار إلى ما جاء بها بصورة
موجزة ودون الكثير من أقوال وأعمال السيد المسيح التى لم تدون فيها، وكان الإنجيل
للقديس لوقا موجود مع القديس يوحنا قبل تدوينه للإنجيل الرابع فأشار إلى ما جاء
بها بصورة موجزة ودون الكثير من أقوال وأعمال السيد المسيح التى لم تدون فيها،
وكان الإنجيل للقديس لوقا موجود مع القديس بولس وأشار إلى وجوده مع القديس
تيموثاؤس تلميذه وأقتبس منه (أنظر 1تى 18: 5 مع لو 7: 10) قبل سنة 65م، كما كانت
رسالة القديس بطرس الثانية مع القديس يهوذا أخو يعقوب واقتبس منها (أنظر 2بط 2: 13
مع يه 17). وقد انتشر الإنجيل المكتوب أولاً على أيدى الرسل أنفسهم وفى حياتهم،
وكان القديس يوحنا الذى عاش إلى نهاية القرن الأول شاهداً على ذلك.

 

1- شهادة الآباء الرسوليين لوحى وقانونية الإنجيل (95-120م):

الآباء
الرسوليين هم تلاميذ الرسل ومساعديهم فى الخدمة وخلفاؤهم فى قيادة الكنيسة، وقد
استلموا منهم الإنجيل الشفوى (التسليم الرسولى)، “الإيمان المسلم مرة
للقديسين”، والإنجيل المكتوب، وبالتالى فقد كانوا شهوداً عياناً للرسل
وانتشار الكرازة المسيحية والمشاركين فى تأسيس الكنيسة، وحملة الإنجيل فى حياة
الرسل وبعد رحيلهم عن هذا العالم إلى كل المسكونة. هؤلاء الآباء القديسون، شهود
الرسل، وشهود انتشار الإنجيل والكنيسة الأولى، كتبوا العديد من الرسائل والكتب والتى
وصلنا جزء هام منها. هذه الكتابات وصلت إلينا سالمة وصحيحة، وقد درسها علما النقد
النصى والنقد الأدبى وعلماء المخطوطات وعلماء الكتاب المقدس وبرهنوا على مصداقيتها
وصحة مصداقية نسبها إليهم، حتى جعلوا منها مقياساً ومرجعاً يرجعون إليه للتأكد من
صحة ومصداقية أسفار العهد الجديد وتاريخ كتابة كل سفر منها ومدى إيمانهم بوحيها
وقانونيتها والنطاق التى انتشرت فيه واستخدام الكنائس فى البلاد المختلفة لها.

وترجع
قيمة هؤلاء الآباء لكونهم شهود عيان للرسل ولأسفار العهد الجديد، بل ولكونهم هم من
أوائل المؤمنين بالمسيحية وأول من حفظ الإنجيل الشفوى والإنجيل المكتوب، ولن
كتاباتهم ترجع لنهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى، أى بعد انتشار الإنجيل
بفترة كافية ولأنهم اقتبسوا من العهد الجديد أكثر من 360 مرة فى كتاباتهم الباقية
معنا(42).

وقد
برهنت كتاباتهم الباقية على عدة حقائق جوهرية على رأسها:

 إيمانهم
المطلق بأن كلام المسيح هو كلام الله باعتباره كلمة الله المتجسد.

 حفظهم
التسليم الرسولى “الإنجيل الشفوى” ومحافظتهم عليه بكل ورع.

 وجود
كل أسفار العهد الجديد، الإنجيل المكتوب، مع جميعهم وإيمانهم المطلق بأنها كلمة
الله ووحى الروح القدس.

 إيمانهم
الكامل بأن تلاميذ المسح ورسله، هم رجال الروح القدس وسفراء المسيح وأن تعاليمهم
ووصاياهم هى تعاليم ووصايا المسيح التى سمعوها منه بأنفسهم والتى تكلم بها فيهم
ومن خلالهم، وأوحى بها لهم بروحه القدوس الساكن فيهم.

وبالرغم
من أن كل واحد منهم اقتبس واستشهد ببعض الأسفار دون الأخرى فهذا لا يدل على عدم
وجود هذه الأسفار الأخرى معه لأنه لم يصلنا كل ما كتبوه فى مواضيع معينة استخدموا
فيها آيات معينة.

 

1- القديس أكليمندس الرومانى (30-100م):

أسقف
روما(43) وأحد مساعدى القديس بولس
والذى قال عنه أنه جاهد معه فى نشر الإنجيل(44)وتعرف
على الكثيرين من رسل المسيح واستمع إليهم، ويقول عنه إيريناؤس أسقف ليون أنه
“رأى الرسل الطوباويين، وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوى فى أذنيه
وتقليدهم ماثل أمامه(45)“.

هذا
القديس أشار إلى الأناجيل الثلاثة الأولى واقتبس منها على أساس أنها أقوال المسيح،
كلمة الله التى يجب أن تتبع وذلك فى رسالته إلى أهل كورنثوس:

“تذكروا
أقوال الرب يسوع كيف قال ” ويل لذلك الإنسان (الذى به تأتى العثرات) كان
خيراً له أن لا يولد من أن يكون حجر عثرة أمام مختارى، كان خيراً أن يعلق (فى
عنقه) حجر رحى ويغرق فى أعماق البحر من أن يعثر أحد مختارى(46)“.

“لنذكر
على وجه الخصوص أقوال الرب يسوع التى قالها عندما كان يعلم الوداعة وطول الأناة
لأنه تكلم هكذا: ارحموا ترحمون. اغفروا يغفر لكم. وكما تفعلون يعطى لكم، وكما
تدينون تدانون، وكما تعطفوا يظهر لكم العطف(47)“.

وفى
ف 8: 46 يقول “تذكروا ربنا يسوع القائل

ويقتبس أقوال السيد المسيح التى وردت فى متى 24: 26، لوقا 1: 17،2.

ويقتبس
عن الرسالة إلى العبرانيين قوله “الذى هو بهاء مجده
صار أعظم
من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم(48)“.

وأقتبس
فى ف 46 معظم ما جاء فى الفصل الأول من نفس الرسالة إلى العبرانيين. كما اقتبس من
الأناجيل الكثير عن أحداث الميلاد وظهور النجم وأحداث الصلب.

وإلى
جانب هذا فقد أشار إلى رسائل القديس بولس إلى كورنثوس (الأولى) وإلى أفسس وإلى
تيموثاوس (الأولى) وإلى تيطس، وإلى رسالة يعقوب ويدل محتوى رسالته على معرفة واضحة
بالإنجيل للقديس يوحنا.

ثم
يقول لأهل كورنثوس مشيراً إلى رسالة القديس بولس الأولى إليهم:

“انظروا
إلى رسالة بولس الطوباوى. ماذا كتب لكم فى بداية الكرازة بالإنجيل؟ فى الواقع فقد
كتب لكم بوحى من الروح القدس رسالة تتعلق به وبكيفا (بطرس) وأبولوس(49)“. وهو هنا يؤكد بصورة كاملة ومطلقة إيمانه
وإيمان الكنيسة الأولى بوحى وقانونية أسفار العهد الجديد. فقد تعلم ذلك من الرسل
أنفسهم الذين كانوا واثقين أنهم رجال الروح القدس.

 

2- أغناطيوس الأنطاكى (30-107م):

أسقف
إنطاكية وتلميذ بطرس الرسول والذى يقول عنه المؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى
“أغناطيوس الذى اختبر أسقفاً لإنطاكية خلفاً لبطرس، والذى لا تزال شهرته
ذائعة بين الكثيرين(50)“. وقد كتب سبع رسائل
استشهد فيها بما جاء فى الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا وما جاء فى رسائل
القديس بولس إلى كورنثوس (الأولى) وإلى فليمون وما جاء فى سفر أعمال الرسل، وكانت
آيات الإنجيل للقديس يوحنا فى عقله وقلبه وفكره ويبدو أنه كان السفر المفضل لديه
إلى جانب الإنجيل للقديس متى.

وفيما
يلى أهم ما تأثر به وأخذه عن الإنجيل للقديس يوحنا:

“يسوع
المسيح الكائن قبل الأجيال مع الآب والذى ظهر فى آخر الأجيال(51)“.

“يسوع
المسيح الذى خرج من الآب الواحد وهو معه وذهب إليه(52)“.

“يسوع
المسيح ابنه (الآب) الوحيد(53)“.

كما
أخذ منه اللقب الذى لقب به السيد إبليس “رئيس هذا العالم(54)
وتعبير “ماء حى(55)“. كما أن قوله
“الروح الآتى من الله: لأنه يعرف من أين يأتى وإلى أين يذهب” يعكس حديث
السيد المسيح مع نيقوديموس عن الروح والريح(56).

وشهد
لكل رسائل القديس بولس من جهة وحيها ووجودها كلها فى كنيسة أفسس: “وقد
اشتركتم فى الأسرار مع القديس بولس الطاهر الشهيد المستحق كل بركة
الذى
يذكركم فى كل رسائله بالمسيح يسوع(57)“.

ومن
أهم ما قاله عن الإنجيل:

“سمعت
من يقول إذا لم أجد ذلك عند الأقدمين لا أؤمن بالإنجيل. وعندما أقول لهم: أن ذلك
مكتوب، يجيبوننى: هذا هم الموضوع، الوثائق بالنسبة لى هى يسوع المسيح، الوثائق هى
صليبه وموته وقيامته والإيمان الذى من عنده(58)“.

“لكن
الإنجيل يمتلك كل شئ فائق (فوق التدبير السابق) يعنى ظهور ربنا يسوع المسيح وآلامه
وقيامته. لأن الأنبياء المحبوبين أعلنوه ولكن الإنجيل هو كمال الخلود(59)“.

ويعلق
العلامة وستكوت على الفقرة الأولى بقوله “يسوع المسيح هو جوهر كل السجلات،
وسجلاتى المقدسة (المنيعة) هى صليبه وموته وقيامته والإيمان به(60)“.

 

3- القديس بوليكاربوس أسقف أزمير (65-155م):

كان
تلميذاً للقديس يوحنا وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفاً على أزمير بآسيا الصغرى، كما
يقول اريناؤس أسقف ليون والمؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى(61)
وجيروم سكرتير بابا روما(62)، واستلم من الرسل التقليد
الرسولى. هذا الرجل كتب رسالة قصيرة (فيما بين 108-110م) استشهد فيها بآيات ونصوص
من معظم أسفار العهد الجديد (الإنجيل)، خاصة الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس
لوقا وسفر الأعمال ورسائل بولس الرسول إلى رومية و1و2 كورنثوس وغلاطية وأفسس و1و2
تسالونيكى و1و2تيموثاؤس ورسالتا بطرس الأولى والثانية ورسالة يوحنا الأولى. وقد
ذكر أيضا، مثل إكليمندس واغناطيوس، رسائل بولس الرسول كأسفار مقدسة وموحى بها:
“فلا أنا ولا أى إنسان آخر قادر أن يصل إلى حكمة المبارك والممجد بولس الذى
كان قائماً يعلم بين الذين عاشوا فى تلك الأيام، وعلم الحق بدقة وثبات، وبعد رحيله
ترك لكم رسائل إذا درستموها صرتم قادرين على أن تبنوا إيمانكم الذى تسلمتموه(63)“.

واقتبس
فى فقرة واحدة آيتين من سفر المزامير ومن رسالة بولس الرسول إلى أفسس بقوله
“كما قيل فى الكتب المقدسة: أغضبوا ولا تخطئوا (مز 5: 4)، لا تغرب الشمس على
غيظكم (أف 46: 4)(64)“. وهو فى هذا
الاقتباس يساوى بين سفر المزامير والرسالة إلى أفسس على أساس أن كليهما سفران
مقدسان وموحى بهما من الله. ويقتبس من رسالة يوحنا الأولى قوله “كل من لا
يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد، هو ضد المسيح(65)“.

 

4- الدياديكية (تعليم الرسل الأثنى عشر) (100م):

كتب
هذا الكتاب فى نهاية القرن الأول واقتبس كثيراً من الإنجيل للقديس متى وأشار إلى
الإنجيل ككل، سواء الإنجيل الشفوى أو المكتوب بقوله: “كما هى عندكم فى
الإنجيل(66)“، “كما أمر
الرب فى إنجيله(67)“، “حسب ما جاء
فى الإنجيل(68)“، “كما يقول
الإنجيل(69)“، ويقتبس من الإنجيل
للقديس متى بقوله: “لا تصلوا كما يصلى المرأوون، بل كما أمر السيد فى إنجيله،
فصلوا هكذا: أبانا الذى فى السموات
إلخ(70)” “لأن الرب قال لا تعطوا الخبز للكلاب(71)“.

ويُختتم
الكتاب بالقول “ولكن كما كُتب: سيأتى الرب ومعه القديسون” (زك 5: 14) ثم
يضيف “وسينظر العالم مخلصاً آتياً على سحب السماء” (متى 3: 24).

 

5- رسالة برنابا (حوالى 100م):

يجمع
العلماء على أن هذه الرسالة كُتبت فى نهاية القرن الأول وأن كاتبها مستقيم الرأى
(أرثوذكسى)، ويقتبس من الإنجيل للقديس متى 16: 20 باعتباره كتاب مقدس وموحى به
بقوله “كما هو مكتوب: كثيرون يُدعون وقليلون يُنتخبون(72)“.
وصيغة “مكتوب”، كما استخدمها السيد المسيح وتلاميذه عن أسفار العهد
القديم تعنى “سفر مقدس” وموحى به، ومكتوب بالروح القدس، ومعترف
بقانونيته(73)، كما اقتبس الكاتب من
رسالتى بولس الرسول الأولى والثانية إلى تيموثاؤس.

 

6- الرسالة الثانية المنسوبة لإكليمندس (بداية القرن الثانى):

يجمع
العلماء على أن هذه الرسالة المنسوبة لإكليمندس ترجع لبداية القرن الثانى، وترجع
قيمتها، فى دراستنا ههنا، لكونها معبرة عن فكر إحدى الجماعات المسيحية فى بداية
القرن الثانى الميلادى وشهادتها للإنجيل، ووحيه وقانونيته، فهى تقتبس من الإنجيل
بأوجهه الأربعة كثيراً تحت عبارات “لأن الرب يقول فى الإنجيل(74)“، “يقول كتاب مقدس آخر(75)“. ويؤكد استخدام الكاتب للفعلى المضارع
“يقول” على الإشارة للإنجيل المكتوب والذى يؤكد إيمان الكنيسة فى عصره
“بوحيه” وكونه “كتاب مقدس” أى “موحى به ومكتوب بالروح
القدس” والإيمان بأنه “سفر قانونى”. وفيما يلى بعض ما اقتبسه من
الإنجيل للقديس متى (23: 10، 5: 12، 16: 10) والإنجيل للقديس لوقا (21: 8، 3: 10،
10: 16-12).

“الذى
يعترف بى قدام الناس سأعترف به قدام أبى”، “أخوتى هم الذين يعملون إرادة
أبى” “يقول الرب ستكونون مثل حملان فى وسط ذئاب”(78).

“يقول
الرب فى الإنجيل: إذا لم تحفظوا القليل فمن يعطيكم العظيم؟ الأمين فى القليل جداً
أمين أيضا فى الكثير(79)“.

 

7- شهادة الهراطقة فى بداية القرن الثانى الميلادى:

برغم
خروج الهراطقة ككل عن الإيمان المسيحى وخلطهم للإيمان المسيحى بالفكر اليهودى غير
الموحى به، وبالفكر الوثنى، إلا أن شهادتهم لوحى الإنجيل وقانونيته لها قيمة عالية
لأن هذه الجماعات خرجت، أصلاً، عن المسيحية وكان الإنجيل وبقية أسفار العهد الجديد
هم قانونهم الأول(80) وقد بنوا أفكارهم، فى
أحيان كثيرة، على فهم خاطئ لآياته. وقد اكتشف لهم مؤخراً فى نجع حمادى أكثر من
أربعين كتاباً تمتلئ بآيات من معظم أسفار العهد الجديد، خاصة من الإنجيل للقديس
يوحنا، وكان على رأس الهراطقة الغنوسيين باسيليدس
Basilides الذى كتب،
كما يؤكد إكليمندس الأسكندرى فى فترة حكم الإمبراطور الرومانى هادريان (117-139م)
وقد اقتبس، كما يشير هيبوليتوس(81)
من الإنجيل للقديسين متى ولوقا ويوحنا ومن رسائل بولس الرسول إلى كورنثوس (الأولى)
وأفسس وكولوسى وتيموثاؤس (الأولى) ومن رسالة بطرس الأولى، ثم جماعة الأوفايتس
Ophites(82)، والذى يعنى اسمهم “عابدو
الحية” وكانوا أول من استخدموا كلمة “غنوسيين
Gnostics” وزعموا كما يقول هيبوليتوس أن عقيدتهم جاءت من يعقوب أخر
الرب، واستخدموا، كما يشير هسيبوليتوس أيضا، الإنجيل بحسب متى ولوقا ويوحنا، ورسائل
بولس الرسول إلى رومية، و1و2 كورنثوس وأفسس وغلاطية وعبرانيين، وسفر الرؤيا، وذلك
إلى جانب كتبهم الأخرى(83).

مما
سبق يتضح ويتأكد لنا أن الإنجيل بأوجهه الأربعة بصفة خاصة ورسائل بولس الرسول
وبقية أسفار العهد الجديد بصفة عامة كانت منتشرة ومعروفة فى كل البلاد التى انتشرت
فيها المسيحية وكان جميع المؤمنين يؤمنون بأنها كلمة الله الموحى بها والتى
استلموها من الرسل شهود العيان ورجال الروح القدس، وأنها أسفار مقدسة ومكتوبة
بواسطة الرسل أنفسهم والذين كتبوا مسوقين ومحمولين بالروح القدس. كما كانت منتشرة
بأعداد كبيرة وفى بلاد كثيرة وفى وسط أناس حفظوها شفوياً قبل أن يستلموها مكتوبة،
وكان الرسل، فى حياتهم، خير ضمان لوحيها والحفاظ عليها ثم صار تلاميذهم، الآباء
الرسوليين، والذين صاروا قادة للكنيسة من بعدهم، خير ضمان لوحيها والحفاظ عليها ثم
صار تلاميذهم، الآباء الرسوليين، والذين صاروا قادة للكنيسة من بعدهم، خير ضامن
أيضا لوحى هذه الأسفار، الإنجيل، وللحفاظ عليها، باعتبارهم هم أيضا شهود عيان وأول
من استلم منهم الإنجيل شفاهة ومكتوباً.

وكان
القديس يوحنا الرسول والذى عاش إلى نهاية القرن الأول الميلادى خير شاهد وضامن
لوحى الإنجيل وبقية أسفار العهد الجديد.

ويبرهن
محتوى رسالة بوليكاربوس المتأثرة كثيراً بما جاء فى الإنجيل للقديس يوحنا الذى
كُتب فيما بين 80-100م وكذلك المخطوطة التى تحتوى على جزء من هذا الإنجيل والتى
وجدت فى مصر وترجع لما بين سنة 117-135م على أن الإنجيل الذى دون فى أفسس أواخر
القرن الأول وكان منتشراً فى مصر فى بداية القرن الثانى قد انتشر بسرعة كبيرة
وبأعداد كثيرة فى وقت قصير جداً.

كما
تبرهن لنا إشارة القديس بطرس إلى رسائل بولس الرسول وكذلك اقتباس القديس يهوذا من
رسالة بطرس الرسول الثانية، وأيضا إشارة بولس الرسول إلى الإنجيل للقديس لوقا على
انتشار هذه الأسفار النسبى قبل سنة 65م وبعد صعود المسيح بثلاثين سنة فقط. ويبرهن
لنا ما كتبه آباء الكنيسة الأولون، تلاميذ الرسل ومساعديهم، على انتشار كل أسفار
العهد الجديد ووجودها فى الكنائس قبل سنة 95م أى فى حياة القديس يوحنا.

وهناك
ملاحظة أخيرة يجب أن نذكرها وهى وجود اختلاف طفيف بين بعض الآيات والنصوص المقتبسة
فى أسفارها الأصلية وفى كتابات الآباء، ويرجع سبب ذلك إلى اعتماد هؤلاء الآباء
بالدرجة الأولى على الاقتباس من الذاكرة وبسبب حفظهم للإنجيل شفوياً حتى من قبل أن
يدون فى أسفار، وكذلك تركيزهم على مضمون وجوهر النص لا حرفه ومن ثم فقد استخدموا
فى أحيان كثيرة أكثر من آية من أكثر من سفر فى فقرة واحدة.

 

2- شهادة آباء الكنيسة فيما بين 120-170م لوحى الإنجيل وقانونيته:

وفى
بداية القرن الثانى، وبعد انتقال القديس يوحنا أخر الرسل وأخر شهود العيان للمسيح
كان هناك بعض تلاميذ الرسل من أمثال بابياس لا يزالون أحياء وشهوداً لوحى الإنجيل
وقداسة أسفار العهد الجديد وانتقاله وانتشاره فى كل البلاد بكثرة وبكل دقة وأمانة.
كما كان هناك كثيرون من تلاميذ الآباء الرسوليين مثل يوستينوس والذين مثلوا
الاستمرار الطبيعى لسلسلة الشهود التى بدأت بتلاميذ المسيح وامتدت فى تلاميذهم
واستمرت فى تلاميذ تلاميذهم. وكان القرن الثانى الميلادى غنى جداً بهؤلاء، فقد شهد
أوله تلاميذ الرسل وشهد آخره تلاميذ تلاميذ الرسل وخلفاؤهم والذين كان لهم أيضا
تلاميذ وخلفاء امتدوا واستمروا فى القرن الثالث من أمثال إكليمندس الأسكندرى.
وهؤلاء جميعاً كانوا شهوداً أمناء “للإنجيل الشفوى والمكتوب”.

وقد
شهد القرن الثانى الميلادى، خاصة الفترة من 120-170م وما بعدها انتشاراً واسعاً
للمسيحية فى بلاد كثيرة، هذا الانتشار عبر عنه يوستينوس الشهيد (100-165م) فى
بداية تلك الفترة بقوله “لا توجد سلالة واحدة من البشر سواء كانت بربر أو
إغريق، سواء كانت ساكنة خيام أو بدو متجولين بينها مصلين ومقدمى قرابين شكر لا
يقدمون صلواتهم باسم يسوع المصلوب(84)“.
كما عبر عنه العلامة ترتليان (145-220م) فى أواخر تلك الفترة بقوله فى الدفاع الذى
أرسله للإمبراطور الرومانى وحكم الإمبراطورية “نحن نملأ كل مكان بينكم المدن
والجزر والحصون والقرى والأسواق والمعسكر والقبائل والجماعات والقصر ومجلس الشيوخ
والساحة العامة، ولم نترك لكم شيئاً سوى معابد آلهتكم(85)
هذا الانتشار تبعه انتشار واسع للإنجيل المكتوب فقد كان من الضرورى أن يكون لدى
هذه الفئات والجماعات نسخاً كثيرة جداً تفى بحاجة هذه الجماعات فى كل البلاد
والشعوب وتفى بحاجة الكنائس التى تأسست فيها للإنجيل المكتوب وكل أسفار العهد
الجديد، وذلك إلى جانب حصول كثير من قادة هذه الجماعات من أساقفة وقسوس وشمامسة
وفضلاً عن القادرين من الشعب على نسخ كثيرة أيضا. وهذا يبرهن على أن نسخ الإنجيل
انتشرت فى تلك الفترة لا بالمئات فقط ولا بالألوف فقط بل بعشرات الألوف، وذلك تحت
عناية وإرشاد الروح القدس وأمام وتحت إشراف تلاميذ الرسل وخلفائهم.

هذه
الفترة أيضا شهدت تجمع أسفار العهد الجديد فى مجموعات رئيسية مثل تجمع الإنجيل
بأوجهه الأربعة معاً ورسائل بولس، التى كان لها السبق فى ذلك، معاً، وسفر الأعمال
والرسائل الجامعة معاً، وهكذا.

 

(1) بابياس أسقف هيرابوليس (60-130):

هذا
الرجل يقول عنه إيريناؤس(86) وجيروم(87) أنه كان تلميذاً للقديس يوحنا ورفيقاً
لبوليكاربوس(86)، وكان أسقفاً لهيرابوليس
فريجيه بآسيا الصغرى، وقد جمع التقاليد الشفوية من أفواه الرسل، مع أنه يعترف
أيضاً، كما يقول يوسابيوس القيصرى(88)
“أنه تقبل كلمات الرسل ممن تبعوهم ولكنه يقول إنه هو نفسه كان أحد المستمعين
إلى أريستون والقس يوحنا”، وقد وضع كتاباً من خمس مقالات قبل سنة 130م فى
“تفسير أقوال
Logia الرب”. وما وصلنا مما كتب عنه يؤكد معرفته بالإنجيل
للقديس متى والقديس مرقس والقديس يوحنا. وقد اقتبس من الإنجيل للقديس يوحنا، بحسب
ما نقل عنه إيريناؤس ضمن فقرة طويلة قوله “قال الرب فى بيت أبى منازل كثيرة(89)“.

وقال
عن الإنجيل للقديس متى: “وهكذا كتب متى الأقوال
Logia الإلهية
باللغة العبرية (اللهجة الآرامية) وفسرها كل واحد على قدر استطاعته(90)“.

وقال
عن الإنجيل للقديس مرقس “إن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقة،
ولو من غير ترتيب كل، ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع للرب ولا
أتبعه، ولكنه فيما بعد
كما قلت أتبع بطرس الذى جعل تعاليمه مطابقة لأحتياج سامعيه، دون أن يقصد
بأن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها، ولذلك لم يرتكب أى خطأ إذ كتب
على هذا الوجه ما تذكره. لأنه كان يحرص على أمر واحد: أن لا يحذف شيئاً مما
سمعه، وأن لا يقرر أى شئ خطأ(91)“.

ويرجع
فضل بابياس فى أنه كان أول مفسراً أرثوذكسى لأقوال الرب وأول من يذكر لنا أحتياج
الكنيسة لمثل هذا التفسير، وأول من يذكر لنا أسماء مدونى الإنجيل بالاسم، وإن كان
غالبية الآباء والعلماء لا يتفقون معه فى قوله أن مرقس “لا سمع الرب ولا
أتبعه” بل على العكس تماماً، إذ يذكره بعضهم كواحد من الرسل السبعين، ويؤكد
الغالبية العظمى أنه كان أحد الذين عاينوا الرب وأتبعه فى البستان، فهو الشاب الذى
كان يتبعه وهرب عارياً وقت القبض عليه وكان منزل والدته “مريم أم يوحنا
الملقب مرقس”(92) هو المنزل الذى حل فيه
الروح القدس على التلاميذ ومقر الرسل فى أورشليم ويرى كثيرون أنه المنزل الذى عمل
فيه السيد الفصح مع تلاميذه. وسنعود لدراسة هذا الموضوع فى الفصل التالى.

 

(2) يوستينوس الشهيد (100-165م):

آمن
بالمسيحية وكرس حياته للدفاع عنها، فى بداية القرن الثانى، وقد بقى لنا من كتاباته
دفاعين عن المسيحية وجهها للإمبراطور الرومانى أنطونيوس بيوس (138-161م) والسانتوس
الرومانى(93)، وحوار مع تريفوا
اليهودى. وقد شهد فيهم للإنجيل بأوجهه الأربعة وأقتبس منه وأستشهد به أكثر من مئة
مره (59 متى، 3 مرقس، 25 مرقس، 25 لوقا، 6 يوحنا) إلى جانب إشاراته لسفر الأعمال
ورسائل بولس الرسول إلى رومية وكورنثوس (الأولى)، وغلاطية، وتسالونيكى (الثانية)،
ورسالتا بطرس الأولى والثانية وسفر الرؤيا. كما شهد لسفر الرؤيا شهادة قوية بقوله
إنها كتبت بواسطة أ؛د رسل المسيح هو القديس يوحنا “كان يوجد بيننا رجل اسمه
يوحنا، كان أحد رسل المسيح الذى تنبأ برؤيا أعلنت له”(94).
وكانت معرفته بالإنجيل للقديس يوحنا واضحة جداً، وقد أستشهد بآياته ست مرات على الأقل
إلى جانب استخدامه لتعبير الكلمة “لوجوس _
Logos
التى أخذه من مقدمة الإنجيل كما أن استخدامه لهذا الإنجيل ككل واستخدامه للمقدمة
بصفة خاصة واضح للعيان، وإن كان قد استخدم جوهر الإنجيل، استخداماً عقيدياً اكثر
منه تاريخياً. يقول العلامة الإنجليزى وستكوت بعد دراسة مستفيضة فى 67 صفحة مليئة
بالأدلة والبراهين “يبدو إذاً إنه ثابت من الدليل الخارجى والداخلى إن
استخدام يوستينوس للإنجيل للقديس يوحنا فوق كل تساؤل، وإن كان هذا يرجع كما بيننا
تواً لخصائص الإنجيل الرابع”(95).

وقد
أشار للإنجيل بأوجهه الأربعة أكثر من سبع عشرة مره باعتباره “مذكرات
الرسل” أو “المذكرات”: فيقول “لأن الرسل سلموا لنا فى
المذكرات التى دونوها والتى تسمى أنا جيل”(96)،
“لأنه فى المذكرات التى أقول أنها دونت بواسطة رسله والذين اتبعوهم (مسجل) أن
عرقه سقط كقطرات دم عندما كان يصلى”(97)،
“وعندما ظهر نجم فى السماء عند ميلاده كما هو مسجل فى مذكرات رسله، أدرك
المجوس من العربية العلامة بهذا وآتوا وسجدوا له”(98).

وقد
أشار مثل معاصريه وسابقيه وبقية أسفار العهد الجديد باعتبار أنها إعلان الله ووحيه
وعمل روحه القدوس “وكما علمنا الذين سجلوا كل ما يختص بمخلصنا يسوع المسيح
الذين صدقناهم (آمنا بهم) إنه عن طريق أشعياء ايضاً الذى تناولناه الآن أعلن روح
النبوة إنه سيولد كما صرحنا من قبل”(99).
ويقول فى حواره مع تريفوا “لأنه كما آمن إبراهيم بصوت الله وحسب له ذلك براً
ونحن بنفس الطريقة آمناً بصوت الله تحدث لنا بواسطة رسل المسيح وأعلن لنا بواسطة
الأنبياء حتى الموت لأن إيماننا تبرأ بكل ما فى العالم”(100).

وهنا
يقول بوضوح إن الله كلمنا بواسطة رسله كما كلمنا سابقاً بواسطة الأنبياء، وهذا
الصوت الذى كلمنا به الله من خلال الأنبياء ومن خلال رسل المسيح نؤمن به حتى
الموت. ثم يقول لنا عن انتشار الإنجيل وقراءته فى اجتماعات العبادة فى كل الكنائس
“وفى اليوم الذى يدعى الأحد يجتمع معاً كل الذين يعيشون فى المدن أو فى الريق
فى كل مكان واحد وتقرأ مذكرات الرسل (الأناجيل) أو كتابات الأنبياء بحسب ما يسمح
الوقت، وعندما يتوقف القارئ يعلم الرئيس وينصح بالعمل بهذه الأمور السارة”(101). وهنا ايضاً يؤكد المساواة الكاملة بين أسفار
أنبياء العهد القديم ككلمة الله الموحى بها وبين الأناجيل الأربعة أيضاً ككلمة
الله.

وفى
الفصل المئة من حواره مع تريفوا محتوى الإنجيل فى قوله “ولأننا نجد أنهُ
مكتوب (مُسجل) فى مذكرات رسله (الأناجيل) انه ابن الله، ولأننا ندعوه الأبن، فقد
أدركنا أنه ولد من الآب قبل كل الخلائق بقوته وأرادته
وصار
إنساناً من العذراء لكى يدمر العصيان الذى نتج بسبب الحية، بنفس الطريقة..”(102).

 

(3) تاتيان السورى (110- 172م):

كان
تلميذاً ليوستينوس الشهيد، ولكنه انحرف بعد ذلك. هذا الرجل جمع فيما بين (166-
170م) الأناجيل الأربعة فى كتاب واحد أسماه “دياتسرون” أى الرباعى وقد
انتشر فى سوريا بغزارة حتى أن ثيودريت وجد حوالى (سنة 420م) أكثر من 200 نسخة فى
كنائسه ب
Cyus بسوريا واستبدالها بالأناجيل الأربعة(103).
ويبدأ هذا الكتاب بمقدمة الإنجيل للقديس يوحنا “فى البدء كان الكلمة..”
وينتهى أيضاً بخاتمه الإنجيل للقديس يوحنا “وأشياء آخر كثيرة صنعها
يسوع..”. ويعتبر هذا الكتاب ذو قيمة عالية وثمينة لشهادته للإنجيل بأوجهه
الأربعة، كما كانت تنظر إليه الكنيسة الأولى.

 

(4)- الوثيقة الموراتورية (قانون موراتوى)، (170م):

هذه
الوثيقة وجدت فى المكتبة الأمبروسية
Ambrosian بميلان سنة 1740م ونشرها العالم الإيطالى موراتورى Muratori فدُعيت بأسمه. وهى قائمة بأسفار العهد الجديد مع تعليق على كل
منها وترجع إلى سنة 170م، كما يجمع العلماء. وقد كتبت فى روما أصلاً باليونانية ثم
ترجمت إلى اللاتينية العامية. وبرغم أن سطورها الأولى مفقوده إلا أنه من الواضح
أنها تتكلم عن الإنجيل للقديس متى، ويتبقى سطر واحد عن الإنجيل للقديس مرقس يقول
“الذى فيه كان حاضراً وهكذا دونه”. وفيما يلى نص الوثيقة:

“كتاب
الإنجيل الثالث، الذى بحسب لوقا. هذا الطبيب لوقا بعد صعود المسيح (قيامته)؟ حيث
أخذه بولس معه كخبير فى الطريق (التعليم)، دونه بأسمه حسب فكره. مع إنه لم ير الرب
فى الجسد، ولأنه كان قادراً على التحقق منه، فقد بدأ يروى القصة من ميلاد يوحنا.

رابع
الأناجيل هو الذى ليوحنا (واحد) من الرسل. عندما حثه تلاميذه وأسقافته قال: صوموا
معى من اليوم من اليوم ولمدة ثلاثة أيام وما يعلن لكل واحد فلنقوله بعضنا لبعض.
وفى نفس الوقت كُشف لأندراوس، أحد الرسل، أن ما ينجح (يفحص) الكل فيه، يجب أن يدون
يوحنا كل شئ بأسمه. ولذا فعلى الرغم من وجود أفكار متنوعة تعلم فى الأناجيل ككل
(أى الأربعة) إلا أن هذه الأمور لا تسبب اختلافا لإيمان المؤمنين، لأن كل ما فى
جميعها أعلن بالروح الواحد.

كل
سجلوا مُعلن فى الكل: ما يختص بالميلاد وما يختص بالآلام وما يختص بالقيامة، وما
يختص بالأحاديث مع التلاميذ، ما يختص بمجيئه الأول محتقر فى تواضع، الذى تم،
والثانى ممجد فى قوة ملوكية، الذى سيأتى، فما العجيب إذا فى أن يورد يوحنا نقاط
خاصة فى رسالته ايضاً، فهو دائماً صادق مع نفسه، إذ يقول هو نفسه “الذى
رأيناه بعيوننا وسمعناه بآذاننا ولمسته أيدينا تكتبه لكم”. فهو نفسه يعترف
هكذا يعترف أنه ليس شاهد عيان وأذن فحسب، بل كاتب أيضاً لكل عجائب الرب بالترتيب.

ولكن
أعمال كل الرسل مكتوبة فى كتاب واحد. فقد لخص لوقا للعزيز ثاؤفيلس الأمور العديدة
التى حدثت فى حضوره
“.

ثم
تتحدث الوثيقة بعد ذلك عن رسائل بولس الرسول عدا الرسالة إلى العبرانيين. وتتكلم
عن رؤيا يوحنا ورسالة يهوذا ورسالتين ليوحنا.

وتؤكد
لنا هذه الوثيقة عدة أمور:

إيمان
الكنيسة بوحى أسفار العهد الجديد وكتابتها بالروح القدس.

إيمان
الكنيسة بأن أسفار العهد الجديد هى أسفار مقدسة، موحى بها من الله.

تميز
تماماً فى آخرها بين الكتب الموحى بها والكتب المزيفة بقولها “لأنه لن يخلط
الخل مع العسل”(104).

وعلى
الرغم أن المخطوطة لا تذكر الرسالة إلى العبرانيين وكذلك إحدى رسائل يوحنا ورسالتا
بطرس ورسالة يعقوب، فهذا لا يدل على عدم الإيمان بقانونيتهم ووحيهم، لأن المخطوطة
لم تذكرهم مطلقاً لا بين الكتب القانونية ولا بين الكتب الأبوكريفه، كما أن معظم
آباء الكنيسة فى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى ذكروهم واقتبسوا منهم
واستشهدوا بهم وشهدوا لهم. يقول العلامة وستكوت أن عدم ذكر هذه الرسائل قد يرجع
لوجود فجوه أو شق فى المخطوطة، وعلى أية حال فهذه الرسائل مستشهد بها جيداً وبدرجه
كافية فى مصادر أخرى(105).

 

(5) كتابات قادة الهراطقة الغنوسيين:

أ-
مارسيون
Marcion الذى كتب سنة (140م) أو ما قبل ذلك. كان هذا الرجل أول من
كتب قائمة بقانون لأسفار العهد الجديد لم تضم سوى الإنجيل للقديس لوقا مختصراً،
فقد حذف منه قصة ميلاد المسيح وسلسلة نسبه، ثم عشر من رسائل بولس الرسول هما على
الترتيب، الرسالة إلى غلاطية، وإلى كورنثوس (1و2) وإلى تسالونيكى (1و2)، وإلى أفسس
(التى دعيت لاوديكيه) وإلى كولوسى وإلى فيلبى وإلى فليمون. وحذف بقية الأسفار ولم
يعترف إلا برسوليه بولس الرسول(106).

ب-
فالنتينوس
Valentinus(107) (حوالى 140م). استشهد
بالإنجيل للقديسين متى ولوقا ويوحنا والرسالة إلى رومية وإلى كورنثوس الأولى وإلى
عبرانيين ورسالة يوحنا الأولى واقتبس من الرسالة إلى أفسس باعتبارها كلمة الله
وسفر مقدس. وقد برهن اكتشاف الكتاب الابوكريفى المسمى بإنجيل الحقيقة والذى يتبع
بعض العلماء إلى فالنتينوس على استخدام الكتاب والكاتب للأناجيل الأربعة وسفر
الأعمال وسفر الرؤيا ورسائل بولس الأربعة عشر، وهذا، فى نظر العلماء، يبرهن على
وجود هذه الأسفار، جميعاً فى روما فى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى.

ج-
هيراكليون
Heracleon تلميذ فالنتينوس: والذى يذكر كأول من فسر العهد الجديد (عدا
تفسير بابياس المفقود)، وكان كأهل جيله يؤمن بأن كل أسفار العهد الجديد هى أسفار
إلهية وموحى بها من الله وقد أشار إلى الإنجيل للقديس متى ورسائل مختلفة لبولس
الرسول.

وهناك
الكثيرون غير هؤلاء من الهراطقة الغنوسيين الذين اقتبسوا من كل أسفار العهد الجديد
واستشهدوا بها كأسفار مقدسة وموحى بها من الله، وكان كل منهم يستشهد بأسفار معينة
مثل السيمونيين الذين استشهدوا بالرسالة الأولى لكورنثوس كسفر مقدس وموحى به.

 

3- شهادة آباء الكنيسة فى نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث:

هذه
الفترة من تاريخ المسيحية تعتبر فترة حاسمة فى تاريخ قانون العهد الجديد، فهى
الفترة التى انتشرت فيها جميع أسفار العهد الجديد فى كل مكان دخلت فيه المسيحية
سواء فى الإمبراطورية الرومانية أو خارجها، كما أنها الفترة التى كان فيها الإنجيل
المكتوب هو المرجع الأول للمسيحية بعد رحيل الرسل وتلاميذهم وأن كان تلاميذ
تلاميذهم وخلفائهم كانوا ما يزالون أحياء فى هذا العالم.

 

(1)- ايريناؤس (120-202م) أسقف ليون:

كان
إيريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حالياً) هو أحد تلاميذ تلاميذ الرسل وخلفائهم
وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، فقد شاهد واستمع لتلاميذ الرسل،
خاصة بوليكاربوس الذى استمع إليه ورآه فى شبابه، ويقول عنه “أنه إلى الآن لم
يزل ثابتاً فى مخيلتى نوع الاحتشام والرصانة الذى كان يتصف به القديس بوليكاربوس
مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهية التى كان يعلم
بها رعيته وأبلغ من ذلك كأنى اسمع ألفاظه التى كان ينطق بها عن الأحاديث التى تمت
بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلى وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على
الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التى تعلمها وتسلمها منهم(108)“.

وقد
كتب مجموعة من الكتب “ضد الهراطقة” دافع فيها عن المسيحية وأسفارها
المقدسة واقتبس منها حوالى 946 اقتباساً منها 532 من الإنجيل بأوجهه الأربعة و713
من رسائل بولس الرسول الأربعة عشر و112 من بقية أسفار العهد الجديد(109). وأكد على وجود الإنجيل بأوجهه الأربعة
وانتشاره فى كل مكان حتى الهراطقة:

“الأرض
التى تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون
من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها(110)“.

وقدم
لنا إيمان جيله بوحدة الإنجيل ووجوده فى أربعة أوجه أو زوايا أو مداخل: “ليس
من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل مما هى عليه لأنه حيث يوجد أربعة أركان
Zones فى العالم
الذى نعيش فيه أو أربعة أرواح (رياح) جامعة حيث انتشرت الكنيسة فى كل أنحاء العالم
وأن “عامود وقاعدة”(111)
الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة، فمن اللائق أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود
وتحى البشر من جديد، وذلك يوضح أن الكلمة صانع الكل، الجالس على الشاروبيم والذى
يحتوى كل شئ والذى ظهر للبشر أعطانا الإنجيل فى أربعة أوجه ولكن مرتبطين بروح واحد(112)“.

ثم
يشير إلى جميع أسفار العهد الجديد باعتبارها رسولية، فقد كتبها “الإنجيليون
الرسل(113)” بالروح القدس،
ويقول إن الإنجيل رسولى، فقد كتبه الرسل وموحى به لأن الرسل تسلموه من المسيح ذاته
ودونوه بالروح القدس: “وهكذا وببساطة وبدون اعتبار للأشخاص سلم الرسل للجميع
ما تعلموه هم أنفسهم من المسيح. وهكذا وبدون اعتبار للأشخاص فعل لوقا أيضاً وسلم
لنا ما تعلمه منهم، كما يشهد هو نفسه بقوله: كما سلمه لنا الذين كانوا منذ البدء
شهود عيان وخدام للكلمة(114)“.

ويشرح
لنا كيف سلم الرسل الإنجيل شفاهة وبعد انتشاره سلموه لنا مكتوباً فى أسفار مقدسة:

“لقد
تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذى سبق أن نادوا به للجميع
عامة، ثم سلموه لنا بعد ذلك، حسب إرادة الله، فى أسفار مقدسة ليكون أرضية وعامود
إيماننا
فقد كانوا
يمتلكون إنجيل الله، كل بمفرده، فقد نشر متى إنجيل مكتوب بين العبرانيين بلهجتهم
عندما كان بطرس وبولس يكرزان ويؤسسان الكنائس فى روما. وبعد رحيلهما سلم لنا مرقس،
تلميذ بطرس ومترجمه، كتابه ما بشر به بطرس. ودون لوقا، رفيق بولس، فى سفر الإنجيل
الذى بشر به (بولس)، وبعد ذلك نشر يوحنا نفسه، تلميذ الرب والذى أتكأ على صدره،
إنجيلاً أثناء إقامته فى أفسس فى آسيا الصغرى(115)“.

ويبرز
تعيين المسيح للرسل والسلطان الذى أعطاه لهم هو سلطانه هو ذاته ومن ثم فكلامهم هو
كلامه: “لأن رب الكل أعطى لرسله قوة الإنجيل ومن خلالهم عرفنا الحق، الذى هو
عقيدة ابن الله، وقد أعلن لهم الرب أيضا: الذى يسمع منكم يسمع منى والذى يرزلكم
يرزلنى ويرزل الذى أرسلنى(116)“.

ويصف
الرسل بأنهم تلاميذ الحق، الذى هو المسيح، وأنهم فوق كل بهتان: “والرسل أيضا
لكونهم تلاميذ الحق فهم فوق كل بهتان(117)“.

ويقول
أن ما كرز به بولس الرسول ودونه فى رسائله فقد تكلم به وكتبه بالروح القدس الساكن
فيه: “ونكتشف من أمثلة كثيرة أيضا أن الرسول (بولس) يستخدم بصورة متكررة
بترتيب متحول فى جملته بسبب سرعة أحاديثه ودافع الروح الذى فيه(118)“.

 

(2)- إكليمندس الأسكندرى (150-215م):

مدير
مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذ العلامة بنتينوس ومعلم كل من العلامة أوريجانوس
وهيبوليتوس، وكان واسع المعرفة بالأدب والفلسفة ودارساً للأسفار المقدسة، ويصفه
يوسابيوس القيصرى بأنه “كان متمرساً فى الأسفار المقدسة(119)“،
وينقل عن كتابة وصف المناظر
Hypotyposes” أنه استلم التقليد بكل دقة من الذين تسلموه من الرسل، فقد
كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول عن نفسه انه “التالى لخلفاء
الرسل”(120)، “ويعترف بأن
أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أن يكتب من أجل
الأجيال المتعاقبة التقاليد التى سمعها من الشيوخ الأقدمين(121)
وذلك باعتباره أحد خلفائهم. وينقل عنه يوسابيوس قوله عن معلميه الذين استلم منهم
التقليد “وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقى للتعليم المبارك،
المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، إذ كان الابن يستلمه
عن أبيه (وقليلون هم الذين شابهوا آباءهم)، حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على
هذه البذار الرسولية(122)“.

ويبين
لنا وحدة أسفار الكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد، ككلمة الله بقوله
“لدينا كمصدراً للتعلم: الرب، وكل ما كتب بواسطة الأنبياء، والإنجيل، والرسل
المطوبين(123)“.

 

واقتبس
واستشهد بجميع أسفار العهد الجديد، حسب ما جاء فى مجموعة “أباء ما قبل نيقية
ANF(124)، حوالى 1433 مرة، منها
591 مرة من الإنجيل بأوجهه الأربعة و731 مرة من رسائل بولس الرسول و111 مرة من
بقية أسفار العهد الجديد، ولم يترك سفراً واحداً لم يستشهد به أو يقتبس منه.

ويقول
عن تدوين الأناجيل الأربعة كما ينقل عن يوسابيوس القيصرى:

“وفى
نفس الكتاب أيضاً يقدم إكليمندس تقليد الآباء الأولين عن ترتيب الأناجيل على الوجه
التالى: فيقول آلهتكم الإنجيلين المتضمنين نسب المسيح كتبا أولاً. وكانت مناسبة
كتابة الإنجيل بحسب مرقس هكذا: لما كرز بطرس بالكلمة جهاراً فى روما. وأعلن
الإنجيل بالروح، طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدون أقٌواله لأنه لازمة
وقتاً طويلاً وكان يتذكرها، وبعد أن دون الإنجيل سلمه لمن طلبوه. ولما علم بطرس
بهذا لم يمنعه من الكتابة ولا شجعه عليها. وأخر الكل لما رأى يوحنا أن الحقائق
الخارجية قد دونت بوضوح فى الكتب كتب إنجيلاً روحياً بعد إلحاح من أصدقائه واستبدالها
من الروح القدس(125)“.

وقال
عن الرسالة إلى العبرانيين إنطاكية “من كتابة بولس، وأنها كتبت إلى
العبرانيين باللغة العبرية، ولكن لوقا ترجمها بدقة ونشرها إلى اليونانيين، ولذا
فإنه فى هذه الرسالة نفس أسلوب التعبير الذى فى سفر الأعمال. ويرجح بان كلمتى
“بولس الرسول” لم توضعا فى مقدمة الرسالة لأنه إذ أرسلها إلى العبرانيين
المتحاملين عليه والمتشككين فيه كان حليماً فى أنه لم يشأ أن ينفرهم منذ البداية
بذكر اسمه(126)“.

 

(3)- العلامة ترتليان (145-220م):

من
قرطاج بشمال أفريقيا، ويقول جيروم أنه “يعتبر رائداً للكتبة اللاتين”،
وترجع أهميته هنا فى شهادته لأسفار العهد الجديد التى اقتبس منها واستشهد بها أكثر
من 7000 (سبعة آلاف) مرة شملت كل أسفاره، بل إنه لا يوجد فصل واحد فى الإنجيل
بأوجهه الأربعة لم يقتبس منه.

 

ويؤكد
على آلهتكم وحى الأناجيل ورسوليتها نابع من أن من دونوها هم رسل المسيح والآباء
الرسوليين رفقاء الرسل وتلاميذهم، فيقول “أن كتاب العهد الإنجيلى هم الرسل
الذين عينهم الرب نفسه لنشر الإنجيل إلى جانب الرجال الرسوليين الذين ظهروا مع
الرسل وبعد الرسل
يوحنا ومتى اللذان غرسا الإيمان داخلنا، ومن
الرسوليين لوقا ومرقس اللذان جدداه لنا بعد ذلك(128)“.

ويصف
رسل المسيح بالمعلمين فى مدرسة المسيح: “كيف نعرف الآن جوهر الأسفار المقدسة
أفضل من مدرسة المسيح ذاتها؟ الأشخاص الذين اختارهم الرب نفسه كعلماء، حقاً،
ليكونوا متعلمين تماماً فى كل شئ وتعينوا لنا ليعلمونا فى كل الأمور الأساسية، إذ
كشف لهم ما هو محتجب فى لغته
لبطرس ويوحنا ويعقوب وبعد ذلك
لبولس”.

ويقول
عن وحى أسفار العهد الجديد: “الأسفار المقدسة مرتبة بإرادة الله بمثل هذه
الطريقة(130)“. ويقول عن قراءتها
فى الكنائس “ونحن نتقابل سوياً كاجتماع وجماعة مصلين
ونحن نجتمع
لنقرأ أسفارنا المقدسة(131)“.

 

(4)- هيبوليتوس (170-235م):

كاهن
بروما اقتبس واستشهد بأسفار العهد الجديد أكثر من 1300 مرة وأشار إلى قراءتها فى
الاجتماعات العبادية العامة(132)
كما أشار إلى قداستها ووحيها وكونها كلمة الله(133).

 

(5)- العلامة أوريجانوس (185-245م):

تلميذ
وخليفة إكليمندس الإسكندرى، وقد فسر جميع أسفار العهد القديم والعهد الجديد وقابل
الأسفار الإلهية لكل من العهدين(134)،
وقال أن كل ما تكلم به الأنبياء فى أسفار العهد القديم قد تكلم به المسيح بواسطتهم
قبل التجسد، وأن ما تكلم به رسل المسيح هو كلام المسيح الذى تكلم به من خلالهم بعد
صعوده إلى السماء “وبكلمات المسيح لا نعنى تلك التى تكلم بها عندما صار
إنساناً وحل بالجسد، فقد كان المسيح قبل ذلك الوقت كلمة الله الذى تكلم فى موسى
والأنبياء
وبعد صعوده
إلى السماء تكلم فى تلاميذه كما تكلم بواسطة بولس الذى قال: أنتم تطلبون برهان
المسيح الذى يتكلم فى(135)“.

ويقول
عن وحى وقانونية الإنجيل بأوجهه الأربعة: “بين الأناجيل الأربعة، وهى الوحيدة
التى لا نزاع بشأنها فى كنيسة الله تحت السماء، عرفت من التقليد أن أولها كتبه
متى، الذى كان عشاراً، ولكنه فيم بعد صار رسولاً ليسوع المسيح، وقد أُعد للمنتصرين
من اليهود ونُشر باللغة العبرانية. والثانى كتبه مرقس وفقاً لتعاليم بطرس، الذى فى
رسالته الجامعة يعترف به أبناً قائلاً: تسلم عليكم التى فى بابل المختارة معكم،
وكذا مرقس ابنى(136).
والثالث كتبه لوقا،وهو الإنجيل الذى أقره (أشرف عليه) بولس، وكتب من أجل المنتصرين
من الأمم. وأخر الكل الإنجيل الذى كتبه يوحنا(137)“.

 

(6)- المؤرخ الكنسى يوسابيوس القيصرى (264-340م):

أسقف
قيصرية وأحد أعضاء مجمع نيقية الذى انعقد سنة 325م. وترجع أهمية كتاباته لكونه
أقدم المؤرخين المسيحيين، وهو نفسه يعتبر حجة فى تاريخ الكنيسة فى عصورها الأولى
وكان واسع الإطلاع فى كتب الآباء والتى كان لديه منها الكثير جداً واستقى معلوماته
منها، ولذا فقد جمع فى كُتبه أهم ما كتبه آباء الكنيسة من نهاية القرن الأول إلى
بداية القرن الثالث. وقد نقل لنا الكثير من أقوال الآباء فى الأناجيل وبقية أسفار
العهد الجديد. ويكتب لنا عن وحى وقانونية الأناجيل الأربعة كما يلى:

“أولئك
الرجال العظام، اللاهوتيين حقاً، أقصد رسل المسيح، تطهرت حياتهم وتزينوا بكل فضيلة
فى نفوسهم، ولكنهم لم يكونوا فصيحى اللسان. وكانوا واثقين كل الثقة فى السلطان
الإلهى الذى منحه لهم المخلص، ولكنهم لم يعرفوا
ولم يحاولوا أن يعرفوا كيف يذيعون تعاليم معلمهم بلغة فنية فصحى، بل استخدموا فقط
إعلانات روح الله العامل معهم وسلطان المسيح الصانع العجائب الذى كان يظهر فيهم،
وبذلك أذاعوا معرفة ملكوت السموات فى كل العالم، غير مفكرين كثيراً فى تدوين
الكتب.

وهذا
ما فعلوه لأنهم وجدوا معونة فى خدمتهم ممن هو أعظم من الإنسان. فبولس مثلاً الذى
فاقهم جميعاً فى قوة التعبير وغزارة التفكير، لم يكتب إلا أقصر الرسائل رغم انه
كانت لديه أسرار غامضة لا تحصى يريد نقلها للكنيسة، لأنه قد وصل حتى إلى مناظر السماء
الثالثة، ونقل إلى فردوس الله وحسب مستحقاً أن يسمع هناك كلمات لا ينطق بها
لأن متى
الذى كرزوا أولاً للعبرانيين كتب إنجيله بلغته الوطنية، إذ كان على وشك الذهاب إلى
شعوب أخرى وبذلك عوض من كان مضطراً لمغادرتهم عن الخسارة التى كانت مزمعة أن تحل
بهم بسبب مغادرته إياهم(138)“.

“أضاء
جلال التقوى عقول سامعى بطرس لدرجة أنهم لم يكتفوا بأن يسمعوا مرة واحدة فقط ولم
يكونوا قانعين بالتعليم غير المكتوب للإنجيل الإلهى، بل توسلوا بكل أنواع التوسلات
إلى مرقس أحد تابعى بطرس، والذى لا يزال إنجيله بين أيدينا، لكى يترك لهم أثراً
مكتوباً عن التعاليم التى سبق أن وصلتهم شفوياً. ولم يتوقفوا حتى تغلبوا على
الرجل، وهكذا سنحت له الفرصة لكتابة الإنجيل الذى يحمل اسم مرقس(139)“.

“أما
لوقا فهو نفسه فى بداية إنجيله يبين السبب الذى دعاه إلى كتابته
ودون فى
إنجيله وصفاً دقيقاً لتلك الأحداث التى تلقى عنها المعلومات الكاملة، يساعد على
هذا صداقته الوثيقة لبولس وإقامته معه، ومعرفته لسائر الرسل(140)“.

“وبعد
آلهتكم نشر مرقس ولوقا إنجيلهما يقولون أن يوحنا الذى صرف كل وقته فى نشر الإنجيل
شفوياً، بدأ أخيراً يكتب للسبب التالى: أن الأناجيل الثلاثة السابق ذكرها إذ وصلت
إلى أيدى الجميع، وإلى يديه أيضاً، يقولون أنه قبلها وشهد لصحتها، ولكن كان ينقصها
وصف أعمال المسيح فى بداية خدمته(141)“.

 

(7)- القديس أثناسيوس الرسولى (296-373م):

بابا
الإسكندرية العشرون والمسمى بالرسولى لدفاعه البطولى عن جوهر الإيمان المسيحى
ومواجهته لكل خصوم عقيدة مساواة الأبن للآب فى الجوهر. وترجع أهمية قانونه للأسفار
المقدسة الموحى بها لأنه يمثل جميع كنائس العالم فى ذلك الوقت، إذ كان معترفاً به
من جميع الكنائس التى كانت قد وصلت إلى مرحلة من اليقين الكامل والمطلق بقانونية
كل أسفار العهد الجديد كما هى بين أيدينا. وهى كالآتى:

“الأناجيل
الأربعة التى بحسب متى ومرقس ولوقا ويوحنا. بعد ذلك أعمال الرسل والرسائل (المسماة
بالجامعة)، وهى سبع، واحدة ليعقوب وأثنتان لبطرس، وثلاث ليوحنا، وواحدة ليهوذا.
وإلى جانب هؤلاء يوجد أربعة عشر رسالة لبولس كتبت بالترتيب التالي. الأولى لروما
وأثنتان لكورنثوس وواحدة لغلاطية وأخرى لأفسس، ثم واحدة لفيلبى، وواحدة لكولوسى،
وأثنتان لتسالونيكى والتى للعبرانيين، وأثنتان أيضا لتيموثاوس، وواحدة لتيطس
وأخيراً التى لفليمون، وإلى جانب هؤلاء رؤيا يوحنا(142)“.

 

(1)
يو 26: 15،27

(2)
أع 2: 2-4

(3)
2كو 5: 3،6

(4)
1بط 12: 1

(5)
1كو 17: 1

(6)
1كو 4: 2

(7)
1كو 12: 2،13

(8)
متى 19: 10،20، مز 11: 13

(9)
لو 11: 12

(10)
لو 15: 21

(11)
يو 26: 14

(12)
يو 26: 15

(13)
يو 13: 16

(14)
يو 17: 14

(15)
1كو 10: 7،12

(16)
1كو 14: 9

(17)
1كو 23: 11

(18)
1تس 5: 5

(19)
2بط 21: 1

(20)
2تى 13: 3

(21)

(22)
2بط 2: 3

(23)
2بط 5: 3،16

(24)
1تى 18: 5

(25)
2تس 15: 2

(26)
2تس 14: 3

(27)
يو 31: 20

(28)
1يو 3: 1،4

 

(30)
رؤ 1: 1-3

(31)
1بط 12: 5

(32)
متى 1: 1

(33)
مر 1: 1

(34)
أع 1: 1،2

(35)
يهوذا 3

(36)
يه 1

(37)
2تى 6: 3،17

(38)
1تى 3: 4

(39)
1تس 27: 5

(40)
كو 16: 14

(41)
رؤ 3: 1

(42)
رؤ 7: 2،11،17،29،6: 3،13،22

(43)
رؤ 18: 22،19

(42)
ANF vol. 1 pp. 585-586

(43)
يوسابيوس ك3 فى15

(44)
فى 3: 4

(45)
Adv. Haer. b. 3: 31

(46)
أكليمندس 7: 46،8 مع متى 16: 18، 24: 26، مر 42: 9، لو 2: 17

(47)
أكليمندس 1: 13،2

(48)
أكليمندس 2: 36 مع عب 3: 1،4

(49)
أكليمندس 1: 48-3

(50)
ك 3 ف 2: 36

(51)
مغنيسية 1: 6

(52)
مغنيسية 2: 7

(53)
مقدمة رومية

(54)
رومية 1: 7

(55)
رومية 13: 7

(56)
يو 6: 3-8

(57)
أفسس 12

(58)
فيلادلفيا 2: 8

(59)
فيلادلفيا 2: 9

(60)
Insp. & Can.
P. 205

(61)
ك3 ف 1: 26، ك4 ف 3: 14

(62)
مشاهير الرجال ف 17

(63)
ص 2: 3

(64)
بوليكاربوس 1: 12

(65)
بوليكاربوس 1: 7 مع 1يو 2: 2،3

(66)
الدياديكية 3: 15،4

(67)
الدياديكية 2: 8

(68)
الدياديكية 3: 11

(69)
الدياديكية 3: 15

(70)
الدياديكية 2: 8

(71)
الدياديكية 5: 9

(72)
برنابا 14: 4 مع متى 16: 20

(73)
أنظر متى 5: 2؛ 4: 4،7،10؛ 13: 21؛ 24: 26؛ مر 10: 12؛ لو 46: 19؛ 44: 24؛ يو 17:
2؛ 24: 10؛ أنظر أيضا كتابنا التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا ص 40.

(74)
2
Clem. 8: 5

(75)
Ibid 2: 4

(78)
Ibid 5: 2

(79)
Ibid 8: 5

(80)
أنظر كتابنا “إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح” ف 6

(81)
Refut Her. 7: 14 See

(82)
See Ire. Ag. Haer. 1: 30

(83)
See Refut. Her. 6: 1 and Ire. Ag.
Haer. 7: 8, 14 and ANF vol. 5 pp. 106, 107

(84)
Dial. 117

(85)
Apology 37

(86)
Adv. Haer. B. 5: 33

(87)
مشاهير الرجال ف 18

 

(88)
ك 3 ف 1: 39

(89)
ANF Vol. 1 p. 154 مع يو 12: 14

(90)
يوسابيوس ك3 ف 16: 39

(91)
ك 3ف 15: 39

(92)
أع 12: 12.

(93)
يوسايبوس ك4 ف18.

(94)
Dial. 81

(95)
Insp. And Can.

(96)
I Apol. 97 – Dial. 103.

 

(98)
Dial. 106.

(99)
I Apol. 33.

(100)
Dial. 119.

(101)
I Apol. 67.

(102)
Dial. 100.

(103)
ANF Vol.Xp.39 and Haer. Fab. 1: 20.

(104)
N.T. Apoc. Vol. Pp 43,44.

(105)
Insp. And Can.
205
.

(106)
أنكر مارسيون جوهر الإيمان المسيحى وأمن بعده آلهه، قال عنه يوستينوس فى دفاعه
الأول أنه “جعل تلاميذه يؤمنون بإله آخر أعظم من الخالق، وجعل الكثيرين فى كل
أمة بمساعده الشياطين يتكلمون بتجاديف وأن ينكروا إن الله خالق الكون”
I Apol. 25 وقال عنه إيرناؤس “إنه بتر الإنجيل الذى بحسب لوقا وحذف منه
ما يختص بميلاد المسيح ونسبه… وأقنع تلاميذه أنه هو نفسه أعظم قيمة من أولئك
الرسل الذين سلموا لنا الإنجيل، وقد مزق رسائل بولس الرسول حازفاً كل ما قاله
الرسول عن كون الله خالق العالم”.
Ire. Ag. Haer. 1: 21

(107)
See Ire. Ag. Haer. 1: 1 أعتقد بوجود سلسلة من الآلهة.

(108)
الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا
Ag. Haer. 3: 3,4

(109)
أنظر كتابنا “إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح” ص 41و42

(110)
Ag. Haer. 3: 11,8

(111)

(112)
Ibid 3: 11,8

(113)
Ibid 1: 8, 2: 2, 2: 35

(114)
Ibid 3: 14,2.

(115)
Ibid 3: 1

(116)
Ibid preface

(117)
Ibid 3: 5,1

(118)
Ibid 3: 7,2

(119)
Eus 5: 1

(120)
ك 6 ف 13

(121)
ك 6 ف 8: 13

(122)
ك 5 ف 5: 11

(123)
Srom. 7: 16

(124)
ANF. Vol. 2 pp. 625-629

(125)
ك 6 ف 5: 14-7

(126)
ك 6 ف 2: 14،3

(129)(128)
Ag. Marcion 4: 2Imps. And Can. 240

(130)
On prescr. Ag. Her. 9

(131)
Apol. 39

(132)
ANF Vol. 5: 251

(133)
Ag. One Noe. 9-14

(134)
De princ. 4: 1

(135)
Ibid preface and ANF Vol. 4: 239 مع 2كو 13: 3

(136)
1بط 13: 5

(137)
ك 6 ف 25

(138)
ك 3 ف 24

(139)
ك 2 ف 15

(140)
ك 3 ف 24

(141)
السابق

(142)
NPNF Vol. P. 552

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى