علم الانسان

تكوين العادة



تكوين العادة

تكوين
العادة

الأنبا
مكاريوس الأسقف العام وأسقف المنيا

الفهرس

1 مقدمة عن تكوين العادات

مقالات ذات صلة

2 كيف تتكون العادة؟

3 هذه هي العادة

4 التكرار وتكوين العادات

5 خطورة العادة

6 أمثلة للعادة

7 خطورة العادات العامة والمشتركة

8 بعض العادات المفيدة والإيجابية

9 كيف نتخلص من العادة الضارة؟

10 العادة الجيدة والملل

 

1- مقدمة عن تكوين العادات

“فليس
لنا عادة مثل هذه ولا لكنائس الله” (1 كو 11: 16).

لا
يوجد أصعب من تكوين العادات الرديئة, فيه تتسلل إلي أعماق الإنسان وتختلط بوجدانه
وخلايا جسمه وتصبح مع الوقت جزءا لا يتجزأ منه، ومن ثم فمتي أراد التخلص منها فإنه
يواجه صعوبات جمة وقد لا يستطيع، وفي هنا يقول القديس باسيليوس الكبير (العادة
المتأصلة تكتسب قوة الطبيعة) ويقول مار اسحق (الأنواع أيضا والعادات التي عتقت في
الإنسان تكمل “تصير” له موضع الطبع).

 

و
الخطورة تكمن في أن بعض العادات قد تتسبب في تهديد خلاص النفس، إذا لم يكن لدي
الإنسان الإفراز والتمييز بين ما هو جيد وما هو ردئ، وبين ما يوافق وما لا يوافق
(كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شئ) (1 كو 6: 12)، (كل الأشياء تحل لي لكن
ليس كل الأشياء توافق، كل الأشياء تحل ولكن ليس كل الأشياء تبني) (1 كو 10: 23).

 

2- كيف تتكوَّن العادة؟

تتكون
العادة في غفلة من الإنسان، فبينما هى يسلك بطريقة يكتشف مع الوقت أنه أصبح أسيرا
لبعض المواعيد والعادات تجذبه إليها اجتذابا، وفي البداية يكون ذلك برضي منه وربما
دون تضرر، وقليلا قليلا تجد تلك العادات لها فيه موضعا مع الوقت، ورسوخا في
الوجدان ونصيبا في الجهد، فعندما يتعرض الإنسان لآلام شديدة إثر جراحة في المستشفي
وإثر حادث أليم ويضطر الأطباء عندئذ إلي حقنه بالمورفين مثلا، فإن ذلك يكون بمثابة
مسكن في البداية، أما تكرار الحقن فإنه يشكل بالنسبة له عادة تسللت في غفلة منه
بحيث لا يستطيع بعد ذلك الاستغناء عنه بل يصبح في حالة يرثي لها متي حل موعد
الجرعة.

 

وهذا
هو ما يسمي بالإدمان حيث يطرأ التغيير الكيميائي علي خلايا الدم في جسم الإنسان
الأمر الذي يحتاج إلي خطة طويلة المدي في سبيل العلاج بل قد يؤدي الأمر إلي الموت
متي حاول المريض الإنقطاع فجأة عن تعاطي المخدر، وهذا بعكس التعود حيث العلاج إلي
قوة إرادة تسندها نعمة.

 

و
قد تتكون العادة من خلال التقليد والتأثر بالآخرين، فإذا ما قلد المخدوم في مدارس
الأحد خادمه في وضع يديه أثناء الصلاة مثلا، فإن ذلك يصبح عادة لديه ولربما رافقته
بقية حياته، وما يقال عن وضع اليدين عند الصلاة يقال أيضا عن طريقة الكلام والسير
وتسريحة الشعر.. الخ، ويمكننا الاّن ملاحظة أن كثيرا من عادتنا التي أصبحت جزءا من
شخصياتنا، يرجع مصدرها إلي التقليد (المحاكاة) في سن مبكر.

 

ومن
بين أسباب تكوين العادة، الربط بين موعد وتصرف وبين شخص وتصرف، بحيث متي حل الموعد
ووصل الشخص إلي المكان وتقابل مع ذلك الشخص أتي سلوكا بعينه، فهناك من الناس ما أن
يستيقظ من نومه حتي يتجه بطريقة محسوبة بدقة إلي المطبخ ثم يتناول إناء تحضير
القهوة ليضعه تحت صنبور المياه ثم يضع فيه بعضا من اللبن والسكر، كل ذلك بكميات
محسوبة بدقة، ثم يشعل النار تحت الإناء، ما أن يتم تحضيرها حتي يحملها (ربما في
سآمة وملل) إلي كرسيه، يجلس ليرتشفها، وربما دون وعي ولذة، بل ودون الحاجة أصلا
إلي القهوة، بل ربما يتركها حتي تبرد دون أن يمسسها، كل ذلك يتم بطريقة محسوبة،
نفس عدد الخطوات.. نفس عدد الحركات.. وربما لو صور عدة لجاءت متطابقة!!!

 

3- هذه هي العادة

قال
لي أحد رجال الأعمال، أن مكتبي لا يخلو من فنجان قهوة إما ملآن وإما فارغ، والساعي
يحضر ليحمل القديم ويضع الجديد، وفي كثير من الأوقات لا أشرب القهوة التي يحضرها،
ولكن المهم أن تكون امامي، إنني أضطرب إذا لم يكن أمامي فنجان من القهوة!!! ومن
هنا فإنه يربط بين وجود القهوة ونجاح العمل.. والتركيز في العمل.. يربط بين وجودها
وصفاء ذهنه.. بين وجودها وخلو رأسه من الصداع.. بين وجودها واكتمال الصورة أمامه..
واستكمال واستيفاء شروط العمل والإنتاج.. هذه هي العادة.

 

وما
يقال عن القهوة يقال عن التدخين، فهوذا شخص لا يقدر أن ينام قبل أن يدخن سيجارة..
ولا يقدر أن يشرب الشاي دون سيجارة.. ولا يقدر أن يقوم من فراشه قبل أن يدخن.. الخ،
هنا الربط بين العادة الرديئة وبعض السلوكيات مثل التفكير والنوم والاستيقاظ
وغيرها..أو الفتاة التي لا تستطيع أن تخرج من بيتها دون الوقوف أمام المرآة لساعة
وبعض ساعة، حتي يتحول الماكياج جزءا من شخصيتها، بحيث تشعر أنها شخصية مختلفة دون
ذلك!!!

 

ولعل
أهم وأخطر الأسباب التي تسهم في تكوين العادة، طريقة التربية، حسبما يعود الأب
والأم طفلهما، إما علي عادات رديئة وإما علي عادات جيدة، فأم تعلم طفلهم إلا ينام
قبل أن يصلي ولسنوات طويلة، فإذا ما كبر وبلغ سنا كبيرة فإنه لن يستطيع مطلقا أن
ينام قبل أن يصلي، وهكذا العادات الصحية مثل غسل الوجه ونظافة الأسنان وترتيب
السرير..الخ.

 

يروي
أحد الأطباء أن زميلا له إذا ما أراد أن يستريح في نوبة (نوبتجيته) لا يمكنه ذلك
ما لم يركع بجوار السرير رافعا يديه نحو السماء مثل طفل برئ ليصلي، وبعد ذلك يخلد
إلي النوم، ولا شك أن تلك هي عادة قد أكتسبها منذ طفولته فصارت جزءا من شخصيته.

 

وهكذا
نجد أن من أعتاد علي الجلوس في حجرة مرتبة، كل شئ فيها منظم، فإنه لا يقدر مطلقا
أن يجلس فيها وهي غير نظيفة ومحتوياتها مبعثرة، ولا يستطيع الذهاب إلي مدرسته قبل
أن يمشط شعره، كذلك تعويد الطفل علي شكر كل من يقدم له شيئا (أو تعويده علي عدم
قبول أي شئ دون تصريح منه).

 

و
يقال أن الطفل عندما يبلغ السابعة من عمره، يكون قد تكون نفسيا، بحيث تكون البنية
الأساسية لشخصيته قد أرسيت، وما يأتي بعد ذلك يكون بمثابة إضافة وقشورا سطحية أيضا
يقال أن ضمير الإنسان يتكون ما بين سن الرابعة والثامنة.

 

1-مع
ملاحظة عدم إلغاء شخصية الطفل بسبب اتكاله المستمر عليهم.

حيث
أن كل ما أرسي في وعيه الباطن علي أنه صواب، سيكون حمله علي التخلي عنه بعد ذلك
والعكس صحيح، ومن هنا تقع المسئولية الكبيرة علي المربيين، فالطفل يكون بين أيديهم
عجينة هينة لينة طيعة وإليهم يرجع الفضل وتقع المسئولية في اكتساب الطفل للعادات
أيا كانت.

 

في
هذا الإطار يقوم الشيوخ والمدربون في الحياة الرهبانية باستلام المبتدئين ليغرسوا
فيهم المبادئ الرهبانية والعادات النسكية والديرية، حيث يكون المبتدئ مثل طفل في
الحياة الرهبانية يمكن بسهولة أن تسجل علي صفحة قلبه كل ما هو ضروري ليعينه في
المسيرة الرهبانية، وأذكر أن الراهب المبتدئ يعلمونه منذ اليوم الأول أن يستبدل
بعض التعبيرات العلمانية بأخري رهبانية، مثل أخطأت بدلا من آسف، الله يعوضك بدلا
من شكرا, سلام بدلا من صباح الخير ومساء الخير.. وما إلي ذلك من عادات مثل كيفية
التعامل مع من يكبره واّداب الحديث بصفة عامة والسلوك في قلايته، فأن الراهب يتدرب
في البداية علي الجلوس في القلاية، وربما كان ذلك صعبا في البداية ولكنه قليلا
قليلا يعتاد ذلك بحيث أنه مع الوقت يجد صعوبة في الخروج منها.

 

4- التكرار وتكوين العادات

وقد
تتكون العادة أيضا بسبب التكرار المنظم، وعلي الإنسان أن يلاحظ نفسه، وعليه أن
يكسر هذا التكرار حتي لا يصبح عبدا له، يقول مار اسحق “لا تترك عادة تتأسس
فيك وتزيد الأفكار بغير قيام”. والقصتان التاليتان تشرحان لنا كيف أن العادة
المتأصلة تشبه الطبع:

 

(1)
في بهو القصر: سأل أحد الملوك وزيره إن كان الأدب يغلب الطبع أم العكس، فأجابه
الوزير بأن الطبع يغلب الأدب لأن الأول أصل والثاني فرع وكل فرع يرجع بالطبع إلي
أصله، أما الملك فإذا أراد تحدي الوزير أحضر مجموعة من القطط تمسك كل منها شمعة
أمام ذهول الوزير، الذي طلب مهلة من الملك ليتدبر هذا الأمر، وفي الموعد التالي
أمر الملك بإحضار القطط وهي ممسكة بالشموع ونظر إلي الوزير الذ فاجأ الحضور بإخراج
فأر من بين ملابسه، وما أن رأته القطط يجري في المكان حتي ألقت الشموع وأسرعت
تطارده حتي كاد المكان يحترق، وعندئذ قال الوزير أنظر أيها الملك كيف غلب الأدب
ورجع إلي أصله، وفي هذا يكمل قول الشاعر (..إذا رام التخلق جاذبته طبائعه إلي
العهد القديم).

 

(2)
النسر الصغير: ويروي عن أحد المزارعين أنه عثر علي فرخ نسر خارج لتوه من البيضة
فحمله ووضعه بين الطيور الأليفة في الحظيرة مع صغار الدجاج والبط وقليلا قليلا كان
ينمو ويقتات بذات الحبوب التي يقتاتون بها، فلما نبت ريشه وأشتد جناحاه أخذه
المزارع ووقف فوق ربوة وهتف فيه قائلا: ” أنت نسر فهيا إلي العلا” ثم
قذف به إلي أعلي فأنطلق عاليا محلقا في الفضاء وراح يبعد ويبعد حتي اختفي..

 

5- خطورة العادة

مشكلة
العادة عندما تتأصل في الإنسان، أنها تتحول إلي طبع، تشكل وتساهم في تشكيل الشخصية،
وتختفي وراء السمات العامة لتلك الشخصية، يقول مار اسحق ” تخوَّف من العادات
أكثر من الأعداء، أن من يربي عنده عادة، هو مثل إنسان يشعل نارا بكثرة الوقود،
وذلك لأن قوة الاثنين تتقوَّم بالمادة، أما العادة فإنها إذا ما طلبت مرة ولم
تجبها إلي طلبها، فإنك تجدها في وقت أخر ضعيفة أما إن صنعت لها ما طلبته فإنها
تتقوي في الثانية أكثر مما سلف وما يقال عن الطعام يقال عن الكلام، فالشخص الثرثار
والنمام والمترهل، هؤلاء هم أشخاص تكونت فيهم مثل تلك العادات دون أن ينبههم أحد،
سواء في المنزل والكنيسة والمجتمع، ويلفت نظرهم وهنا تأتي أهمية النصح المخلص من
الاّخرين تجاه ما يرونه من عادات ليست حميدة وهكذا تسهم العادة في تكوين الشخصية،
يقول مار اسحق “العادات تشجع الاّلام والأعمال تؤسس الفضيلة”.

 

و
تكمن خطورة العادة أيضا في أنها تحرم الإنسان من عمل الخير، فقد يمنع التدخين شخصا
ما من التناول لأنه لا يقدر أن يمتنع عن التدخين لبعض ساعات وعندئذ يمتنع عن
التناول!!! ويمنعه ذلك من الصوم الأنقطاعي عموما، وقد يمنعه اعتياده علي عدم
الأستيقاظ مبكرا من التناول أيضا!! وهكذا تحرم العادة السيئة من النمو الروحي.

 

وقد
يفقد الإنسان مصداقيته في المجتمع بسبب عاداته الرديئة والتي لا تجد قبولا لدي
الآخرين، وقد يفقد وظيفته بل قد لا يستطيع الحصول عليها أصلا بسبب ذلك بل قد تتسبب
العادة في اقتراف الخطايا، يقول الأب مكسيموس المعترف “قد تخطئ بسبب قوة
العادة وقد تخطئ بسبب نزوة مفاجئة، في الحالة الثانية لم يتعمد الإنسان اختيار
الخطية، ولكن ذلك يختلف كثيرا عن الإنسان الذي يخطئ بسبب تسلط العادة، حيث كان
يخطئ بالفكر قبل الفعل”.

 

وقد
تتسبب العادة في الأضرار بالصحة مثل العادة الشبابية ومعاقرة الخمر وغيرها، والجسد
نفسه وزنة من الله يجب أن نحسن استخدامها، بل نقوت هذا الجسد ونربيه (أف 5: 29)
وهكذا يمكن أن يهلك إنسان بسبب تأصل العادات الرديئة، وتشترك في تحديد مصيره، يقول
الأب يوحنا الدمشقي ” الإلتصاق بالأمور المادية يولد شهوة وبهجة في الشخص
الواقع تحت هذا الرباط، مما يظهر عدم جدوي الاشتياقات الروحية عندما يتحكم فيها
الهوي، وإذا اكتسبت بعض العادات الصغيرة اليد العليا من خلال هذا الرباط الغير
محسوس، وذلك الإنسان الذي يغلب من هذا لا يدرك بالحس ويكون غير قابل للتقويم فهو
ممسوك بقوة من الشهوة المخبأة في هذا الرباط، إلي أن يعينه الله ويفلت منه”.

و
المثل الصيني الشائع يقول:

ازرع
فكرا تحصد قولا

ازرع
قولا تحصد عملا

ازرع
عملا تحصد عادة

ازرع
عادة تحصد خلقا

ازرع
خلقا تحصد مصيرا

 

يقول
القديس أرسانيوس: (بادر باقتلاع الحشيشة الصغيرة التي هي التواني وإلا تأصلت وصارت
غابة كبيرة)

 

ويقول
الأب بطرس الدمشقي: “فالعادة إذا رسخت استمدت من الطبيعة قوتها وأما إذا لم
تمدها بشئ فهي تضعف وتتلاشي شيئا فشيئا، والعادة حسنة كانت أم سيئة يغذيها طول
الوقت كما يغذي الوقود النار، ولهذا علينا أن نتوخي الخير ونعمله بكل قدرتنا حتي
تتكون العادة، وعندئذ تعمل من تلقاء ذاتها ولا عناء في مجريات الأمور هكذا فاز
الأباء في الأمور الكبيرة عبر الأمور الصغيرة”.

 

و
يقول أيضا ” إن الله يسبغ علي أولاده الخير ولا يحجبه عنهم ضعف الإيمان وسوء
النية والعادة الرديئة، ولو أنعم علي الإنسان بشئ من نور المعرفة لاجتهد في تدمير
العادة القبيحة ولو نوي ذلك في قلبه لأقبلت النعمة تعمل وتجاهد معه، ولكن الرب
يقول أن قليلين هم الذين يخلصون (لو 13: 23، 24) فالمنظورات تبدو عذبة ولكنها في
الواقع مرة، الكلب الجريح يلحس (خطامه) ويجد في ذلك عذوبة تلهيه عن وجعه ولكنه لا
يدري أنه يلعق دمه، كذلك الشره يأكل ما يعود بالأذي علي نفسه وجسده ولكنه لا يأبه
للضرر الذي يجلبه علي ذاته، وهكذا كل المستعبدين لأهوائهم مصابون بمرض اللاشعور،
إنهم بوسعهم بلا شك أن يتوبوا ولكن العادة تجتذبهم ثانية، ولذلك يقول الرب ملكوت
الله يغضب (متي 12: 11) لا بالطريقة الطبيعية بل بالتغلب غلي عادة الشهوات فلو كان
الملكوت يؤخذ بالطريقة الطبيعية لما دخله أحد.. وهكذا شيئا فشيئا تعمل العادة من
تلقاء ذاتها سواء للخير أم للشر. ولو لم يكن الأمر كذلك لما نجا لص يوما بينما
الواقع أن لصوصا كثيرين غمرهم النور، فأنظر كم هو طويل ذلك الطريق الفاصل بين اللص
والقديس ولكن حيث عكزت العادة تغلبت النية..”.

 

يقال
أن أحد الفلاسفة أراد أن يجرب إن كانت التربية والتمرين يمكنها تغيير الطبع
والعادة المتأصلة فأخذ خنزيرا وحممه بالماء وطوق عنقه بطوق من الذهب ووضع عليه
ثمين الثياب ثم سار به في الشارع النظيف فسار معه في هدوء وطاعة ولكنه حالما أبصر
مستنقعا من الماء الضحل حتي أفلت من الفيلسوف وراح يتمرغ فيه مسرورا، وأعاده
الفيلسوف إلي ما كان عليه من نظافة وسار به فكرر الخنزير ما فعله.. انه يشبه
الخاطئ الذي يتوب ثم يعود إلي الخطية “كلب عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة إلي
مراغة الحمأة” (2 بط 2: 22) وحينئذ لا ينفع سوي أن يتحول الطبع إلي نعمة.

 

6- أمثلة للعادة

تتكون
العادة فى بساطة شديدة كما أسلفنا ولو كان الأنسان ُيدرك كم ستكلفه فى النهاية
لأنتبه وأحتاط، ولكن العادة تأتى فى شكل سلوك عابر ونزوة سريعة وخطأ غير مقصود.

يقول
مار اسحق ” كل عادة إذا سلمت لها بأختيارك تصبح لك فى النهاية سيدا? تسير
قدامه مضطرا? بغير أختيارك”.

 

العادة
الشبابية:

و
قد ُسميت عادة لأنها تحولت مع الوقت الى ضرورة ملحة، رغم أستياء الإنسان من العادة
الشبابية، وتنتقل هذه العادة الى الأنسان من خلال خبرة رديئة سرية عن طريق صديق
غير مخلص، وفى المرة الأولى وقع بعد حرب عنيفة وظل يعانى كثيرا من تعب الضمير
والشعور بالأثم وقد يحرمه ذلك من مواصلة الصلاة وقراءة الكتاب المقدس لفترة، وفى
المرحلة الثانية سقط بعد حرب ليست بذات الدرجة من العنف، وفى المرة الثالثة وقع
فيها بدون حرب، وفى الرابعة أثار هو الحرب على نفسه وسعى الى الخطية، وفى الخامسة
سقط بدون لذة، وفى السادسة دون شعور.

 

قال
شيخ ” لا يوجد شئ أصعب من العادة الرديئة، إذ يحتاج صاحبها فى سبيل قطعها الى
زمان وتعب كثير، أما التعب فهو فى متناول الكثيرين، ولكن الزمان الذى يحتاج إليه
فما أقل من قضاه حتى النهاية، لأن أكثر أصحابها أختطفهم الموت قبل تمام قطعها،
والله وحده هو الذى يعلم كيف سيدينهم”

 

التدخين:

كيف
تعلم المدخن التدخين؟ لقد شجعه البعض على مشاركتهم فى سيجارة، وتمنع فسخروا منه
وفى أول محاولة أحتقن وجهه وسعل كثيرا وضحكوا منه كثيرا، وفى المرة التالية تشجع
ولم يسعل وفى المرحلة الثالثة لم يبد عليه أى تأثر، ثم أصبح بعد ذلك يطلب بنفسه
منهم، وقليلا قليلا بدأ يشترى هو واحدة وأثنين ليدخنها خلسة، ومع الوقت صار يشترى
علبة كاملة يخفيها فى ملابسه والآن هو مدخن كبير يدخن علنا كمن يقوم بعمل جاد وهام،
ولا تكفيه علبتين فى اليوم ويعرف عنه أصدقاؤه ذلك وكذلك أسرته.

 

و
اليوم يود لأسباب صحية ومالية التخلى عن التدخين فلا يعرف ويحاول معه المخلصون
بطرق مختلفة فلا يفلحون وينصحه الأطباء ببعض البدائل فلا يقدر، بل أعترض أهل
الفتاة التى يود تزوجها – على ذلك، معتبرين أن التدخين ليس من شيمة المستقيمين،
وها هو يعانى الذل ّ ولا يستطيع منها إفلاتا؟! ويقولون الآن أن متوسط عمر الأنسان
بين غير المدخنين هو تسعة وستون عاما بينما ينخفض الى ستين بين المدخنين (حسب
أحصائية فرنسية حديثة).

 

و
ما يقال عن التدخين يقال عن القهوة وعن تعاطى المخدرات والمنبهات، تلك التى تتسّلل
الى خلايا الجسم فلا يستطيع الإنسان منها فكاكا، وكذلك اعتياد بعض الأماكن مثل
صالات الديسكو وبارات الخمر والديفيليهات (عروض الأزياء) ودور السينما والمسارح
وما الى ذلك.

 

هل
تعرف كيف بدأت عبادة التماثيل إن ذلك يشرحه لنا سليمان الحكيم فى سفر حكمة سليمان،
فقد توفى أحد الفتيان وكان أبوه يحبه كثيرا أكثر من العادة ومن ثم أستدعى أحد
النحاتين وطلب إليه أن يصنع له من كتلة من الخشب تمثالا يشبه أبنه، الذى لا يقدر
على الحياة بدونه، ففعل المثال أما الأب المسكين فقد كان يضع كل يوم أمام تمثال
أبنه ما كان يحبه من ألوان الطعام والشراب ويضع فوقه كذلك ما كان يرتديه من ملابس
وهو ما يزال حيا، وفى كل صباح يمطره بالقبلات ويربت على كتفه كثيرا، وقد أستمر فى
ذلك لسنوات طويلة، ومن ثم فقد قام أولاده بتقليده فصارت عادة فى تلك الدار، وهكذا
أصبح فى الدار إلها..!! إنها العادة تستمد قوتها من محبة الشخص لها وأستعبادها
إياه فتصبح إلها!. (راجع حك 14).

 

و
يرد فى سفر الملوك الثانى عن الأقوام الذين جاء بهم ملك أشور ليسكنوا فى السامرة
أن كل منهم بدأ فى عبادة الآلهة التى كان يعبدها فى البلد التى سبى منها وكانوا من
خمس بلاد هى: بابل، كوث، عوا، حماه، سفروايم، لأنها صارت عادة هناك “كانوا
يتقون الرب ويعبدون آلهتهم كعادة الأمم التى سبوهم من بينهم” (2 مل 17: 33)
والخطورة تكمن هنا فى أنهم اتقوا الرب إله إسرائيل خوفا من السباع التى هاجمتهم
ومع ذلك فإنهم لم يستطيعوا التخلى عن عبادة الأصنام.

 

قال
أب (الذى أعتاد الخطية يشبه كلبا أعتاد على شحومات اللحامين “بقايا
الجزارين” فكلما نهروه عاد أيضا وكلما طردوه رجع فى إلحاح ويظل هكذا حتى
يقتلونه مكانه) هكذا تؤدى العادة ليس الى عبادة الأصنام بل الى الموت الجسدى مع
الموت الأدبى للخطية.

 

7- خطورة العادات العامة والمشتركة

هناك
أيضا عادات مشتركة بين الناس، وما كان يصنع فى ظروف خاصة ولبعض الوقت صار عادة
ثابتة لها قوة القانون، مثل أعتياد الناس على الولائم والأسراف فيها، فإذا ما
تغيرت الأحوال وقلت الموارد وجد الناس أنفسهم مضطرين الى أتمام نفس العادات مهما
كلفهم ذلك، إما خوفا من التشاؤم وهى فكرة ساذجة، وإما تحسبا لأنتقادات الآخرين وهو
ما يجب ألا يعول عليه كثيرا، مثل ما يرافق الأعياد من بعض المأكولات وبعض المظاهر،
مما يشكل عبئا ثقيلا على البعض حيث يكلفهم ما لا طاقة لهم به، ويقال أن المبالغ
التى أنفقت على الحلوى فى إحدى المناسبات الشعبية فى العام الماضى تجاوزت
الخمسمائة مليون جنيه (نصف مليار) وقد يستدين البعض فى سبيل الظهور بمظهر من لم
يكسر العادة، أضف الى ذلك عادات شراء الملابس الجديدة فى الأعياد مما يرهق من ليس
فى وسعهم ذلك..ألخ

 

لا
سيما تلك العادات البغيضة التى تصاحب مشروعات الزواج وما أكثرها وما أثقلها وما
أحوجنا الى الوقوف فى وجهها والتخلص منها.

 

علينا
أن نتعلم ألا نربط بين بهجة العيد وبعض المظاهر السطحية من طعام وملابس، بل لتكن
بهجة الأعياد من خلال إسهام ذلك العيد فى خلاصنا وفى مدلولاته الروحية ومن خلال
خدمة الفقراء والمحتاجين لكى نشركهم معنا فى الفرح بالعيد، إذ ننتقل بذلك من البعد
الإجتماعى الى البعد الروحى، ويرد فى بستان الرهبان أن أحد الآباء وُجد وهو يعمل
فى قلايته فى يوم ذكرى أحد الشهداء وكان عيد سنوى فعاتبه أحد الرهبان قائلا (هل
يجوز لك أن تعمل ونحن اليوم نحتفل بعيد الشهيد) فأجابه (أن ذلك الشهيد قد تكبد من
أجل المسيح آلاما كثيرة أفما ينبغى أن أتعب قليلا من أجل خلاص نفسى).

 

لقد
شهد الجيل السابق مظاهرا كثيرة مؤسفة فى مناسبات أعياد القديسين والشهداء
(الموالد) مما كان يفقد تلك الأعياد بهجتها الروحية ومحتواها النسكى والخلاصى مما
حدا بالكنيسة الى التصدى لمثل تلك العادات البغيضة، فقد أصدر البابا كيرلس الخامس
قرارا? يمنع بعض مظاهر زيارة القبور وغيرها.. ومازالت الكنيسة تبذل المزيد من
الجهد لتوعية الشعب بكيفية الأحتفال بالأعياد بطريقة روحية، ويقول قداسة البابا
شنوده الثالث أن الأحتفال بالمناسبات المقدسة يجب أن يتم بطريقة مقدسة أيضا.

 

8- بعض العادات المفيدة والإيجابية

يقول
مار اسحق ” رباطات النفس هى العادات التى يعتادها الأنسان إن كانت بالجيد
وبالردئ: هكذا يمكن للعادات الحسنة أن تسهم فى خلاص النفس وكما قلنا فيما سبق فإنه
بالإمكان تلقين الأطفال العادات الجيدة، مثل الأستيقاظ المبكر والصلاة كأول عمل
نقوم به فى اليوم، واعتياد الشكر والمصالحة والترحيب والتفاهم والتشجيع وحب
الآخرين والكرم معهم والتأدب فى الحديث وما الى ذلك من عوائد جيدة تسهم فى إعداد
شخصية روحية مستقرة ومؤثرة فى كنيسة اللة وفى المجتمع، ويذكر الكتاب المقدس بعضا
من هذه العادات، مثل عادة السيد المسيح أن يمضى الى الجبل ليصلى (لو 39: 22)
وعادته فى أن يعلم الشعب (مر 10: 10) وعادة التلاميذ أن يمضوا الى جوار النهر
ليُصلوا (أع 16: 13).

 

9- كيف نتخلَّص من العادة الضارة؟

هناك
مبدأ فى الحياة النسكية يقول أن أفضل طريقة لذلك هى شفاء الضد بالضد!! وقلنا فيما
سبق أنه فى المسيح يسوع لا يستحيل شئ وبالتالى لا يصعب شئ، بل أن الإرادة القوية
المسنودة بالإتضاع مع عمل النعمة، من شأن ذلك أن يعيننا فى التخلص من أى عادة سيئة
(أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى فى 4: 13).

 

يقول
الأب ثيؤدوروس الناسك: “تظهر المعرفة الطبيعية المتعلقة بالفضائل والعادات
المضادة لها فى نوعين، النوع الأول هو المعرفة النظرية، عندما يفكر الأنسان فى ذلك
فى حين يفتقر الى الخبرة بل قد لا يكون متأكداً فى بعض الأحيان مما يقوله، والآخر
هو عملى حيث تكون تلك المعرفة مؤكدة بالخبرة، وعلى هذا تكون واضحة وجديرة بالثقة
دون شك، وفى ضوء هذا تظهر بعض معوقات للعقل فى سبيل أقتناء الفضيلة، مثل الميل
الطبيعى للعادة والذى يقاوم الفضيلة بطبيعته، وبالممارسة الطويلة ينجذب العقل
لأسفل جهة الأرضيات، ومثل تأثير الحواث المثارة والتى تجذب العقل إليها..

 

و
يقول الأب لوقيوس: “توجعت معدتى مرة وطلبت طعاما فى غير أوانه، فقلت لها: موتى
مادمت قد طلبت طعاما فى غير أوانه، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك إياه فى
أوانه”.

 

فالأمر
إذن يحتاج الى المواجهة مواجهة النفس بضعفاتها مع القناعة الداخلية بضرورة محاربة
تلك العادة ومواجهة هذه، وقد تحتاج بعض العادات الى الحل القاطع بينما يناسب البعض
الآخر التدرج، فبعض العادات مثل السرعة فى الكلام تحتاج الى التدرب على القراءة
بصوت عال فى مكان منفرد، بينما عادة مثل التدخين تحتاج الى القطع، وقد لا يرضى
الإنسان بقطعها طواعية فى حين يضطر الى ذلك مع المرض ومع التقدم فى السن حيث تحرم
الشيخوخة أصحابها من متابعة عاداتهم والأستمرار فيها، قال أحدهم) ها قد بلغت
الستين من عمرى.. إن شهيتى تجاه بعض الأطعمة مثل الحلوى والمرطبات لم تنقص، ولكن
قدرتى على ضبط النفس تجاهها قد ازدادت).

 

يقول
الأب دوروثيئوس الناسك: “إن النفس الواقعة تحت سيطرة بعض العادات هى قادرة
أيضا على التغلب على تلك العادات، إنها قبل تكوين العادة قد إنخدعت بالجهل، لذا
يجب على الأنسان أن يسعى الى المعرفة الحقيقية لجوهر الحياة ومن ثم يحث إرادته جهة
الصلاح محتقرا كل الأشياء العالمية موقنا من فنائها، لأنه ماذا تساوى تلك الأمور
بالنسبة لهدفنا الحقيقى؟”.

 

إنّ
عادة مثل التلصص بالنظر أثناء السير والوقوف.. يناسبها القطع والبتر لا التدرج،
يقول الأب نيلوس ” أننا لن ننتفع شيئا إذا ظللنا منجذبين للخلف مستمرين فى
التفكير فى الأشياء العالمية، مثل امرأة لوط، حيث ننظر الى كل ما تركناه حيث نعلن
بذلك تمسكنا، فهى نظرت الى الخلف فتحولت الى عمود ملح، وظلت الى اليوم مثال الى
عدم الطاعة (تك 26: 19) إنها تمثل قوة العادة التى تجذبنا الى الخلف ثانية بعد أن
نكون قد حاولنا أتخاذ موقف للزهد”.

 

بينما
عادة مثل الشراهة فى الطعام والتى تؤدى الى السمنة المفرطة، فإنه يناسبها التدرج
من خلال الرجيم (نظام غذائى يتسم بالتدّرج). وإن كان هذا يختلف قليلا عن شهوة
الطعام الطارئة والتى تحتاج الى يقظة، قال أب “إن بطناً أنْتُهِرَت من صاحبها
ألا تأكل خبزاً، لا تطلب لحماً”. ويقول مار اسحق: “سلاح الآلام والفضائل
هو تغيير العوائد والخاصيات، فالعوائد تطلب ما يقدم لها وهى رباطات النفس،
وبالسهولة تقتنيها وبصعوبة تنحل منها”.

 

إن
الجسد مستعد دائماً للتكيّف والتأقلم مع ما يقرره الإنسان، فإذا كانت إرادة
الإنسان قوية استطاع أن يضبط الجسد والذى سيكلل معه في المجد أيضاً، إن المعدة
كعضو في الجسم على سبيل المثال، مستعدة للانكماش والاتساع وذلك بحسب كمية الطعام
التى يدفعها الإنسان إليها، فهى مع النساك تصغر شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى ما يوازى
معدة طفل صغير، عندما مرض الأب عبد المسيح الحبشى وذهب إلى الطبيب، أقر الأخير بأن
معدة الأب عبد المسيح قد أصبحت مثل معدة طفل في الثالثة من عمره، وهكذا تعتاد على
كمية ضئيلة من الطعام ليشعر بعدها بالشبع.

 

يقول
القديس أولوجيوس لتلميذه: “يا بنى عَود نفسك إضعاف بطنك بالصوم شيئاً فشيئاً
لأن بطن الإنسان إنما يشبه زقاَ فارغاً فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته، كذلك
الأحشاء التى تحشى بالأطعمة الكثيرة، ان أنت جعلت فيها قليلاً ضاقت وصارت لا تطلب
منك إلا القليل”.

 

ويرد
في سيرة القديس موسى الأسود، أنه عندما دخل إلى الدير كان طعامه ما يوازى خروف
كامل، وقد استخدم الآباء التدرج معه بطريقة عجيبة، فقد جاءه الآباء بفرع كبير من
شجرة واتفقوا معه على أن يقدَمون له طعاماً يومياً بما يساوي في وزنه ذلك الفرع،
ومع الوقت وبعد عدة سنوات أصبح الفرع يابساً جداً فخف وزنه ونقص طعامه نقصاناً
متوالياً مع الوقت، ومما هو معروف عنه أنه كان من أشهر النساك فى البرية.

 

ومن
بين العادات الجيدة التي يتعلَمها الراهب فى بداية حياته هى صلاة يسوع (ياربى يسوع
المسيح إرحمنى أنا الخاطىء) حيث يتمّ التدرَب عليها من خلال “سبحة”
يحملها في يده، على أن يردد هذه الصلاة مرة واحدة مع كل حبة يحركها من حبات السبحة،
ففى اليوم الأول ولمدة عدة شهور يتمم سبحة كاملة (33 حبة) وبعد ذلك يرددها عدة
مرات (يكرر السبحة الواحدة عدة مرات) ومع الوقت تزداد عدد المرات، حتى تتردّد
تلقائياً مع حركات التنفس، وفى اختبار الراهب لورانس لهذه الصلاة أصبح يرددها مع
كل شهقة وكل زفرة، بحيث يقول شطرة “يارب يسوع المسيح” مع الشهقة وكأنه
بذلك يقتبل المسيح داخله، ثم يقول شطرة “ارحمني أنا الخاطىء” مع الزفرة،
وكأن المسيح بذلك يطرد الخطية من داخله، وبذلك يتعلم الراهب صلاة يسوع من خلال
التعود، بحيث تصبح جزءً لا يتجزأ منه. إنها عادة جيدة تقدس الفكر والوقت والحواس.

 

يروى
شخص رافق أحد المرضى في المستشفى عند احتضاره، حيث كان سن ذلك المريض قد قارب
الثمانين، وكانت له عادات ثابتة صارت وكأنها أعضاءً في جسده.. فقد كان يستيقظ عند
السابعة فيمضى من توه إلى الحمام، وعند الثامنة تكون إبنته قد أعدت له فنجاناً من
الشاى، وكان مأسوراً لعادة التدخين أيضاً أكثر من معاناته من تلف الرئتين وضعف
القلب وضيق التنفس فيجلس فوق أريكة خشبية فى بهو الدار يشرب الشاى ويدخن، وكان عند
الرابعة عصراً يخرج إلى أملم بيته يجلس على الأريكة يرفع قدمه ويثنيها بينما يترك
الأخرى طبيعية، ممسكاً بسيجارته، فإذا ما انتهى منها طوح بعقبها بعيداً. وعندما
دخل في الغيبوبة ووضع تحت العناية المركزة ولمدة ثلاثة وأربعة أيام، حدث ما يعد
عجيباً، لقد كان يتبرز لا إرادياً عند السابعة صباحاً بالتمام، أما عند الثامنة
فقد لوحظ أن يده تتحرك بطريقة ترددية نحو فمه، أما عند الرابعة عصراً فقد ارتفعت
قدمه وانثنت تلقائياً بينما راحت يده تتحرك نحو شفتيه عدة مرات بعدها ألقى بيده
بكل قوة كمن يرمى عقب السيجارة.. هكذا العادة..

 

ويمكننا
التخلص من العادات السيئة عن طريق استبدالها بأخرى جيدة، يقول الأب ديودورس
الفوتيكى ” هؤلاء المبتدئون فى طريق القداسة يبدو لهم طريق الفضيلة صعباً،
وهو وإن كان يبدو هكذا لأن طبيعتنا البشرية منذ الطفولة قد اعتادت الطرق الرحبة
للشهوات الجسدية ولكن أولئك الذين اجتازوا أكثر من نصف الطريق يجدون أن طريق
الفضيلة سهل لأن العادات الرَديئة عندما تواجه بأخرى جيدة من خلال عمل النعمة فهى
تتلاشى بعدم تذكر الشر، وبعد هذا تعبُر النفس بفرح إلى كل طرق الفضيلة، ولهذا
عندما يضعنا الرب على أول طريق الخلاص فهو يقول (ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى
يؤدى إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه مت 14: 7) ولكن هؤلاء الذين قبلوا
تعاليمه بقوة يقول لهم “نيرى هين وحملى خفيف” (مت30: 11)، إذاً فى بداية
الجهاد يجب أن نسلك بتغصب حسب قول السيد المسيح “منذ أيام يوحنا المعمدان إلى
الآن ملكوت الله يغصب والغاصبون يُختطفون” (مت 12: 11) وعندما يرى الله
غيرتنا ومحبتنا وجهادنا يُمنحنا الإرادة والفرح من أجل الطاعة.

 

يقول
الأب بطرس الدمشقى “العادة المتأصلة طويلاً يكون لها قوة الطبيعة ولكن إذا لم
تفسح لها الطريق فإنها تفقد قوتها وتتلاشى تدريجياً، سواء أكانت جيدة أم رديئة إذ
أن الوقت يغذيها مثلما يغذى الوقود النار فلذلك على قدر إستطاعتنا يجب أن نزرع
ونمارس ما هو جيد حتى تصبح عادة متأصلة تمارس تلقائياً وبدون جهد، وهكذا من خلال
النصرة على العادات البسيطة انتصر الآباء في المعارك الكبيرة.

 

10- العادة الجيدة والملل

يجب
الانتباه إلى أن تكرار العادة الجيدة دون فهم قد يؤدى إلى الملل والسآمة مما يدفع
الإنسان إلى التحايل عليها للتخلص منها، ويحدث هذا كثيراً مع الطقس، فالطقس هو وضع
الإيمان والعقيدة في قالب حركى ولكل حركة طقسية بُعد روحى ولاهوتى، فإذا ما فقد
العابد هذا البُعد تحولت الليتورجية إلى طقس، مجرد ترتيب (كلمة طقس جاءت من اللفظة
اليونانية تاكسيس وتعنى ترتيب) وبذلك يفقد محتواه اللاهوتى وبالتالى حلاوته
وتأثيره، ولذلك يقول الكتاب (رتلوا بفهم) ليس ذلك فقط بل إن الطقس يجب أن يكون
متفقاً مع روح الكتاب المقدس وقد وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين لأنهم أبطلوا
وصية الله بسب عاداتهم وطقوسهم “وأنتم أيضا لماذا تتعدون وصية الله بسبب
تقليدكم” (مت 3: 15).. لأنكم تركتم وصيّة الله وتتمسكون بتقليد الناس.. حسناً
رفضتم وصيَّة الله لتحفظوا تقليدكم.. “مبطلين كلام الله بتقليدكم الذي سلمتموه”
(مر 13،9،8: 7).

 

إن
العادة الجيدة تحتاج دوماً إلى تفّهم – تحتاج لاُن يكون الهدف منها واضحاً على
الدوام، وفى كل مرة تمارس. ويعاتب مُعلمنا بولس الرسول اليهود المتنصرين، في
رسالته إليهم، على ذلك قائلا “غير تاركين اجتماعنا كما لقومُ عادة بل واعظين
بعضناً بعضاً وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يَقْرُبُ” (عب 25: 10) ويبدو أن
أولئك العبرانيين قد حافظوا على الشكل الخارجى فقط بينما راح المحتوى نفسه منهم.

 

وهكذا
كثيراً ما نحتفظ بالتركيب الخارجى للعبادة والعادة بينما يهرب منا الدافع الحقيقى
خلفها. ومن هنا أيضاً يرى الكثير من الآباء والمرشدين أنة لا مانع – بين آن وآخر –
أن يعاد صياغة التدبير الروحي للشخص حتى يتسنى له الإفلات من المسلك الناتج عن
عادة فقدت مضمونها. بل أنه من الضروري أن تتغير العادة ليس بسبب الملل فحسب وإنما
من أجل أن الشيطان يرصد عادات الإنسان وسلوكياته الثابتة ومنها يتعرف علي تدبيره
وأفكاره وشخصيته، روى لي أحد الرهبان في دير ما أنه اعتاد لفترة أن يغسل يديه عقب
عودته من العمل ومن ثمَ يدخل إلي مخدعه ليبدأ في الصلاة من الأجبية، ولكنه في كل
مرة حالما يبدأ الصلاة يظهر ما يعوقه عن إتمامها، مثل مناداة آخر له من الخارج،
وشعوره بصداع شديد وتذكر ما قد نسيه، وهنا انتبه أنه ولربما قد رصد الشيطان تلك
العادة فربط فيما بين غسل الأيدي والصلاة، ومن هنا راح يحاربه في كل مرة ليمنعه من
الصلاة، ولكن الأب تدارك ذلك، فقد بدأ يصلي قبل غسل اليدين!! ودفعه أخرى يغسل يديه
دون أن يصلي ويغير مواعيده عموماً، حتى نجا من مكيدة إبليس وحرمه من النيل منه.

 

يقول
الأب نيلوس الناسك (ماذا يعنى القانون الكنسى الذى يأمر أى شخص عند دخوله إلى
الكنيسة ألاَ يعود – بعد الانتهاء من الصلاة – من نفس الباب الذى دخل منه بل يخرج
مباشرة من الباب المقابل بلا تغيير الاتجاه [تقليد قديم]، إن ذلك يعنى أن نستمر في
الطريق المؤدية إلى القداسة ولا نسمح لأى شكوك بأن تثينا بالعادات القديمة فيما قد
تركنا خلفنا، لا يُمكنا التقدم ونحن مُنجذبين إلى الاتجاه الخلفى نحو خطايانا
القديمة، من المؤسف أن تُقيّدنا قوة العادة ولا تسمح لنا بالنهوض إلى المكانة
السامية التى كانت لنا، لأن العادة تُغيّر السلوك وهذا بدوره يتغير إلى ما قد يسمى
ب”الطبيعة الثانية”، ومن الصعب تغيير الطبيعة الثانية. والتحولّ عنها
ومع أنها يمكن أن تُذعن قليلاً للضغط إلاَ أنها تعود سريعاً وتفرض نفسها، أنها
يمكن أن تتزعزع وتُجبر على إفساح الطريق ولكنها لا تتغير بصفة دائمة، إلاَ بجهد
طويل، علينا أن نُتابع خطواتنا متخلين عن عاداتنا الرذيلة ونعود إلى وضعنا الأول
عندما أقبلنا على الحياة مع الله.

 

وهكذا
وفى اختصار شديد فإن العادات تنشأ من التكرار المنظم، سواء في الصغر وفي غفلة
أثناء الكبر، والأمر يحتاج إلى يقظة مستمرة، فإن بعض العادات الضارة قد تهدد خلاص
النفس، بينما تسهم العادات الجيّدة في النمو الروحي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى