اللاهوت النظري

تأثير الفلسفة اليونانية على تعليم الإنجيل والفكر المسيحي



تأثير الفلسفة اليونانية على تعليم الإنجيل والفكر المسيحي

تأثير
الفلسفة اليونانية على تعليم الإنجيل والفكر المسيحي

هل
من تأثير للفلسفة اليونانية على تعليم الإنجيل وعلى الفكر المسيحي بوجه عام؟؟

يذهب
بعض أساتذة الفلسفة اليونانية، إلى أن تعليم الإنجيل عن ” الكلمة ” –
” اللوغوس ” – يرد إلى أصول في الفلسفة اليونانية، وكذلك يقول البعض
بتأثير أفلوطين على الفكر المسيحي بوجه عام، فماذا يقولون وما هو الرأي الصحيح؟

تقول
الدكتورة أميرة حلمي، في معرض حديثها عن نظرية فليون في اللوغوس: ق أثرت هذه
النظرية في العقيدة المسيحية، وظهرت آثارها في إنجيل يوحنا. وهو الإنجيل الرابع
الذي يرجح أن يكون قد كتب في القرن الثاني الميلادي، وتأثر كاتبه بفيلون، وان ذهب
بعض المؤرخون الآخرين إلى العكس من ذلك إذ يرون ان فيلون هو الذي تأثر بالإنجيل
الرابع.

مقالات ذات صلة

وفى
حديثها عن الغنوسية تقول:

يقال
أنها (أي الغنوسية) أثرت أيضا في إنجيل يوحنا وهو الإنجيل الذي أدخل في المسيحية
فكرة اللوغوي “. أما الأناجيل الثلاثة الأولى (متى ومرقس ولوقا) وهى المسماة
ال
Synoptic أي لا تفاقها مع بعض في الصورة العامة للمذهب، فتميل إلى البساطة
في تقديمها للعقيدة، وتميل في تصويرها للمسيح إلى صورة المسيح الإنسان، في حين
يؤكد الإنجيل الرابع، وهو إنجيل يوحنا، الجانب الإلهي الميتافيزيقي. ولعل ما ساد
هذا الإنجيل من أسرار ومن نزعة صوفية هو الذي قربه الى نفوس المصريين فى عصر ثقلت
عليه أعباء الحياة حتى هربوا منها يلتمسون الأمن والسلام فى نظم الرهبنة والأديرة
المنتشرة في الصحارى، بل يقال أن إنجيل يوحنا كتب في الاسكندرية. وقد وجدت شخصيات
كثيرة ادعت المسيحية وينطبق اسم الغنوسية على تفكيرها، ومن أهمهم ماركيون
Marcion وباسيليدس Basilide وفالنتينوس Valentinus. ولقد عاش الأخيران بالاسكندرية وعلما بها خلال القرن الثانى
الميلادى. ويعتمد مذهبهم على فكرة الغنوسيس
Gnosis
أو المعرفة الصوفية التى تهدف الى الخلاص من العالم الحسي والاتحاد بالله.

وفى
حديثها عن الأفلاطونية الجديدة، أشارت إلى أن تأثيرها امتد في أنحاء العالم
اليونانى والروماني، ثم بعد ذلك عزت العالم المسيحي.

وفى
الزعم بتأثير الفلسفة الرواقية على الفكر المسيحي، كتب الدكتور عثمان أمين يقول:

+
لم يخطر على بال أحد ممن كتبوا عن الرواقية أن ينازع في أن بينما وبين المسيحية
فوارق كثيرة وعميقة. غير أننا إذا رجعنا إلى آراء بعض الباحثين وجدنا منهم من يرى
في المذاهب الرواقية ” تمهيدا للإنجيل “، بل لقد ظهر باللغة الألمانية
كتاب ذهب فيه صاحبه إلى أبعد من هذا، فقرر أن الرواقية أصل المسيحية، وجعل هذه
العبارة نفسها عنوان كتابه.

+
ومن المشهور لدى الباحثين في الإلهيات المسيحية، أن رسائل بولس الرسول هي في
لهجتها ومضمونها قريبة الشبه برسائل ” سنكا ” ومقالات ” ابكتيتوس
“. وتعليل ذلك ما هو معلوم من نشأة بولس الرسول ببلاد طرسوس في وسط شاعت فيه
الأفكار الواقية.

+
ثار بين الناظرين في تعاليم المسيحية، جدل كثير حول مسألتي ” الكلمة ”
” والروح القدس ” وأصلهما ولكن بعض الباحثين قد لاحظ أن استعمال
اللفظتين لم يكن جديدا، بل كان شائعا فى المدرسة الرواقية خلال العهود المسيحية
الأولى ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقطع بأنهما لفظان رواقيان أصيلان، فذلك أمر
عسير، بل نكتفي هنا بأن نذكر أن النظرية المسيحية التي تذهب إلى أن الله واحد
ومتعدد في وقت واحد، هي نظرة تمت إلى الفلسفة الرواقية بسبب وثيق. نعم أن عقيدة
” الثالوث المقدس ” المعروفة رجع في تخطيط أصولها إلى بولس الرسول،
ولكننا نلاحظ أن هذه الأصول مبسوطة فيما كتب ” سنكا ” لأول عهده
بالكتابة، إذ نراه يقول: شيئان يصحباننا أينما توجهنا: نصيبنا في السماء ذات
النجوم من فوقنا والأرض من تحتنا، ثم حقنا من النزعات الأخلاقية التي في صدورنا
وتلك من نعم القوة العظمي التي أبدعت الكون. وهذه القوة نسميها تارة ” الله
المسيطر ” وتارة ” الحكمة اللاجسمانية ” التي تخلق جليل الأعمال،
وتارة أخرى نسميها ” الروح الإلهية ” التي تجوس خلال الأشياء عظيمها
وحقيرها ”

وتحدث
أيضا الدكتور على سامي النشار (في كتابه: هيراقليطس فيلسوف التغير) عن تأثير
الفلسفة اليونانية في الإنجيل، فقال:

ظهر
الأثر الهيراقليطي واضحا في فيلون فيلسوف اليهودية الكبير، فقد اخذ بفكرة اللوغوس
كما وضعها هيراقليطس. وقد أثر فيلون فى القديس يوحنا الإنجيلي أثرا كبيرا. بل ا
المقارنة الدقيقة بين إنجيل يوحنا وبين أقوال فيلون، وبالتالي أقوال هيراقليطس،
لتثبت كيف سيطر هيراقليطس واتباعه الرواقيون على القديس يوحنا وإنجيله، وبهذا نص
إلى أكبر أثر لهيراقليطس فيمن بعده، وأعني المسيحية ممثلة في يوحنا. كأن فيلون
قريب العد من المسيحية وقد بشر بأغلب مذاهبها. ث أتى القديس يوحنا فاعتنق آراء
هيراقليطس. أن نظرية هيراقليطس في اللوغس أقرب ما تكون إلى عقيدة الحكمة أو المسيح.
بل أنهم ذهبوا إلى أنه كان مسيحيا قبل المسيح نفسه. ولقد بدأ القديس يزحنا إنجيله
كما هو معروف ” في البدء كان الكلمة (اللوغوس)، كل به كون وبغيره لم يكن شئ
مما كون. فيه كانت الحياة “. وهذا تعبير هيراقليطي أخذه يوحنا الإنجيلي من
هيراقليطس حقا أن يوحنا حاول بعد ذلك يصبغ نظرية هيراقليطس بصبغة مأخوذة من فيلون،
فقال: والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ” أن انه أضفي على نظرية
اللوغوس مسحة خاصة. ولكن حتى هذه المسحة خاصة لا تختلف أبدا عن نظرية هيراقليطس في
اللوغس. وان اللوغس عند هيراقليطس ” هو حقيقة أيضا مطلقة فوق التغير المحسوس
” وهو العلم التعيني فى جوهر الأوحد ” ولم يقل يوحنا بأكثر من هذا،
ويستمر أثر هيراقليطس فى المسيحيين الأول، فنرى القديس يوستينوس (103 – 167) يعرض
لفكرة اللوغوس أو ” الكلمة في ألفاظ رواقية، أو بمعني أدق فى ألفاظ هيراقليطس.
ومن الخطأ نقول بأنه يختلف عن هيراقليطس بأن اللوغوس عند هيراقليطس مبدأ مادى
منبثة فى العالم متحد به، وعنده هو موجود روحى مفارق للعالم مسيطر عليه تجسد
البشرية من نير الخطية، كما كان عند يوحنا الإنجيلي شخصا تاريخيا تجسدت فيه الكلمة.
ان هيراقليطس يذهب أيضا إلى القول بأن الكلمة منبثة في الآراء المتغيرة ولكنها
أيضا مفارقة، كما ان هيراقليطس كان يذهب أيضا إلى أن الكلمة تجسدت فيه هو. فالمذهب
المسيحي في الكلمة، إنما هو كل تفسير واضح مؤكد للمذهب الهيراقليطس. وانتقل أثر
هيراقليطس خلال الرواقية في كل من اكليمنضس الاسكندري (150 – 217) كما اثر أكبر
الأثر في اوريجين الاسكندري (158 – 254) ص 273 – 275.

وزعم
أيضا ول ديورانت، فى حديثه عن صله فلسفة هيراقليطس بالمسيحية، ان مفهوم الكلمة
(اللوغوس) عند هيراقليطس هو فى اللاهوت المسيحي، الكلمة الإلهية أو الحكمة المجسدة
التي يخلق الله بها الأشياء عنها ويحكمها (ول ديورانت: حياة اليونان ص 268 – 269).

وأشار
رسل أيضا الى ما يزعم من تأثير الفلسفة اليونانية على تعليم الإنجيل، فقال:

قد
أكد بحق ” العميد انج ” فى كتابه النفيس عن أفلوطين ما تدبر به المسيحية
له، فهو يقول: أن الأفلاطونية جزء من البناء الحيوي للاهوت المسيحي، فلن تجد فلسفة
أخرى – في رأيي – تستطيع أن تقترن بذلك اللاهوت دون أن يحدث بينهما تعارض. وهو
يقول: انه يستحيل استحالة مطلقة أن تفصل الأفلاطونية عن المسيحية دون أن تمزق
المسيحي تمزيقا. وهو يذكر لنا أن القديس اوغسطينوس يتحدث عن فلسفة افلاطون فيصفها
بقوله: أنها أصفي وأشرق ما في الفلسفة كلها. ويصف افلوطين بقوله: انه رجل عاش
أفلاطون في شخصيه حياة ثانية ولو قد عاش أكثر قليلا مما عاش لأمكنه أن يغير كلمات
قليلة وعبارات قليلة فيصبح مسيحيا. وفى رأى العميد إنج، أن القديس توما الاكوينى
اقرب إلى أفلوطين منه إلى أرسطو الحقيقي. ويقول رسل: كان الجانب العقلي في ديانة
أفلاطون هو الذي أدى بالمسيحية – وخصوصا بصاحب إنجيل القديس يوحنا – أن يوحد بين
المسيح واللوغوس (أي الكلمة).

وفى
إنكار أن يكون كاتب الإنجيل حسب القديس يوحنا، هو الرسول يوحنا ابن زبدى تلميذ
السيد المسيح، والإدعاء بأن كاتبه هو أحد فلاسفة مدرسة الإسكندرية، كتب الدكتور
شيلى في كتابه: مقارنة الأديان – المسيحية – الجزء الثاني، مايلى:

لهذا
الإنجيل أهمية خاصة في دراسة، ذلك لأن الإنجيل الذي نص صراحة على ألوهية السيد
المسيح، لا يقوى أن يكون حجة في هذا الباب. وهناك استدلال آخر يقلل من قيمة هذا
الإنجيل أو يزيلها تماما. ويلزم لإيضاح هذا الاستدلال أن نعود إلى الوراء، لنتذكر
ما سبق أن قلناه من أن مدرسة الإسكندرية هي مصدر التثليث بألوهية المسيح. وفى ضوء
هذا نسير في الاستدلان الشائع أن هذا الإنجيل كتب يوحنا الحواري الذي كان يحبه
المسيح ويصطفيه. ولكن هذا الشائع لا أساس له من البراهين. وكثير من كتاب المسيحية
يؤكدون أن هذا الإنجيل لابد أن يكون من كتابة يوحنا آخر لا علاقة له بيوحنا
الحواري. وقد ورد في دائرة المعارف البريطانية ما يلي: أما إنجيل يوحنا فإنه لا
مريه ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه به معارضة اثنين من الحواريين يهدم بعضهما بعضا،
وهما القديسان يوحنا ومتي. وقد أدعي هذا الكاتب المزور في متن كتابه انه هو
الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها وجزمت بأن الكاتب
هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب قصدا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا. ولا
يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسب
إليه. وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك
الرجل الفلسفي الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني، بالحوارى يوحنا صياد الجليل،
فإن أعمالهم تضيع عليهم لخبطهم على غير هدى. ومن يكون ذلك الرجل الفلسفى الذى ألف
هذا الكتاب ونسبه الى يوحنا؟ الإجابة سهلة فالتأليف الفلسفي روح مدرسة الاسكندرية.
وعقيدة التثليث عقيدة مدرسة الاسكندرية. وآذن فالأستاذ استدلن على حق حينما قال ان
كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة الاسكندرية.

وزعم
الأستاذ أحمد عبد المنعم، في كتابه عن المسيحية، أن بولس الرسول أنكر الأناجيل
الأخرى ونادى بإنجيل جديد، انه اتخذ مصادره لهذه الديانة الجديدة من دراسته
للفلسفة اليونانية، فقد كان الفلسفة اليونانية وأراد أن يرضي فلاسفة اليونان
والدولة الرومانية. فكانت مصدرا من مصادر دينه. وكذلك كان يدرس ديانة الوثنين في
آسيا وغيرها، وحصل على كثير من كتبها، وكان يريد أن يرضي هؤلاء جميعا.

 

وفى
مقابل هذه المزعم التي تحاول أن تنتظر إلى الديانة المسيحية كديانة بشرية،أو كمذهب
فلسفي استقى عناصره من الفكر اليونانى السابق عليه أو من البيئة الثقافية التي
سادت عصر الإنجيل، نشر إلى آراء بعض الباحثين، من أساتذة الفلسفة أو من الكتاب
اللاهوتين، الذين لهم نظرة مخالفة، ويؤكدون أوجه الاختلاف بين الفكر المسيحي
والفلسفة اليونانية، مما يدعم أصالة التعاليم المسيحية كتعاليم إلهية مصدرها
السماء وليس الأرض.. يقول الأستاذ يوسف كرم في كتابه:

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى