اللاهوت المقارن

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل العاشر

الاختيار

89- المؤمنون والمُختارون

تأتى فكرة (الخلاص في لحظة)، من الاعتقاد بأن
المؤمن يخلص لحظة إيمانه. ولا يمكن أن يهلك بعد ذلك: والأعتقاد بأن المؤمن لا يهلك،
هو خلط بين كلمة (مؤمنين) وكلمة (مختارين)، كما لو كانتا كلمة واحدة!

 

ونحن نقول إن كان كل المختارين مؤمنين، ولكن ليس
كل المؤمنين مختارين، لأنه لا يجوز أن يرتد المؤمن ويهلك..

 

وهنا لا يكون المؤمن قد خلص فى لحظة إيمانه.
وإنما يخلص إذا ثبت في حياة الإيمان طول عمره. فهو ليس في حالة واحدة باستمرار. قد
تمر عليه أوقات ضعف أو فتور، أو أوقات سقوط وانهيار. وقد يرتد. وقد قال الكتاب:

 

(أما البار فبالإيمان يحيا. وإن ارتد لا تسر به
نفسى) (عب 10: 38) ويفهم من هذه، احتمال أن يرتد المؤمن..

 

وقص الارتداد في الكتاب كثيرة، مثل قصة ديماس
(2تى 4: 10) وكالذين قال عنهم القديس بولس: (لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مراراً،
والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح) (فى 3: 18)

 

كذلك النبوءات عن الارتداد كثيرة، مثلما ورد فى
(1تى 4: 2، 2 تس: 3) ومثال الارتداد أيضاً الغصن الذي لم يصنع ثمراً، وقطع والقى
في النار (يو 15: 6) وقول الرسول: (أما اللف فلك، إن ثبت في اللطف. وإلا فأنت
أيضاً ستقطع) (رو 11: 22).. إلخ

 

والسيد المسيح قال لبطرس: (هوذا الشيطان طلبكم،
لكى يغربلكم كالحنطة ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك) (لو 22: 31، 32) إذن
كان إيماناً معرضاً للفناء! وإنه لا شك للذين يظنون أنهم نالوا الخلاص في لحظة،
وصاروا من المختارين. ولن يرتدوا..!

هنا ونناقش موضوع المختارين فى ضوء الفهم
اللاهوتى:

 

90- هل الله اختار؟

ما معنى (الاختيار) عند المعتقدين به؟ هل معناه
أن الله اختار أناسا ليكونوا أبراراً ولهم النعيم! وما فضلهم في ذلك؟! واختار
أناساً ليكونوا أشراراً ولهم الجحيم! وما ذنبهم في ذلك؟! أو ليس من حقناً أن نقول:

 

1 الاختيار بهذا المعنى، يعنى محاباة للأبرار
وظلماً للأشرار.

وحاشا لله أن يكون هكذا. فالله (ليس عنده
محاباة) (أف 6: 9). (بل في كل أمة: الذي يتقيه ويصنع مقول عنده) (أع 10: 35) وعن
هذا المعنى قيل: (كل من يدعو باسم الرب يخلص) (رو 10: 13) وهناك قاعدة وضعها
الرسول، وهى:

 

2 الله يحب الجميع وهو: (يريد أن جميع الناس
يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون) (1تى 2: 4)

وحينما أرسل ابنه الوحيد إلى العالم، أرسله لأنه
أحب العالم كله، فبذلك ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن به) (يو 3: 16) وبذلك
كان كفارة (ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً) (1يو 2: 2)

الله لا يريد أن أحد يهلك. بل قيل عنه إنه: (لا
يشاء موت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا) (33: 11)

 

3 بل حتى إن كان الله قد حكم على خاطئ بالموت،
ورجع هذا الخاطئ عن خطيئته وتاب، يرجع الله عن حكمه، فلا يموت الخاطئ بل يحيا.

وهو نفسه يقول في ذلك: (إذا قلت للشرير موتاً
تموت. فإن رجع عن خطيته وعمل بالعدل والحق.. فإنه حياة يحيا، لا يموت) (خر 33: 14
16) (تارة أتكلم عن أمة بالقلع والهدم والإهلاك، فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها
عن شرها، فأندم على الشر الذي قصدت أن أصنعه بها) (إر 18: 7، 8) وهكذا فعل الله
بالنسبة إلى مدينة نينوى (يون 3)

 

4 وإن كان هناك اختيار، فلماذا إذن الوصايا؟
ولماذا إذن الكتب المقدسة، وألنبياء والرسل والانذارات؟

ولماذا جعل في كنيسته (البعض مبشرين، والبعض
رعاة ومعلمين.. لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح) (أف 4: 11) ما لزوم وما فائدة كل
هؤلاء إن كان المختارون معروفين، والمرذولون معروفين..؟ ولماذا أرسل الله أناساً
لخدمة المصالحة كبولس الرسول الذي يقول: (وأعطانا خدمة المصالحة.. نسعى كسفراء
للمسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله) (2كو 5: 18 20)

 

5 وإن كان هناك اختيار، فلماذا إذن يتعب الشيطان

لماذا يتعب في اغراء الصديق، بينما هو مختار، لن
يرتد ولن يهلك، وقد خلص خلاصاً لا رجعة فيه. ما الجدوى إذن من محاربته؟! ولماذا
يتعب الشيطان في إسقاط الذين لم يخترهم الرب، المرذولين الذين هم هالكون هالكون
بدون حرب؟!

 

6 وما جدوى مع ما قاله مع ما قاله الرسول عن
الحروف الروحية (أف 6)

ما دام هناك مختارون ومرذولون، فما لزوم القتال
إذن، والمصير معروف؟! ألا نستيع أن نقول في صراحة تامة:

إن عقيدة الاختيار، تعطى يأساً للخطاة، وتراخيا
للابرار!!

 

7 ثم ما موقف النعمة هنا ممن يهلك؟ وما
مسئولياتها؟

مادام الاختيار محتوم، ومن جانب الله، وهذه
إرادته؟ ما الذي تفععله إذن وبلا جدوى..!

 

8 وإن كان هناك اختيار، فما معنى الثواب
والعقاب؟ وما علاقة هذا بعدل الله وبمحبته وبصلاحه؟

كيف يختار الله إنساناً للعقاب، ثم يعاقبه؟ أين
العدل في هذا؟ بل أين المحبة أيضاً، إن كان الله يختار أناساً للعذاب الابدى؟
ويكون هو الذي اختارهم لهذا!! بل هل يتفق هذا مع صلاح الله: ان يختار أناساً
ليكونوا أشراراً؟! حاشا..

 

9 ومبدأ الاختيار هذا، لا يتفق مع حرية الإرادة.

لقد خلق الله الإنسان حراً هو الذي يختار مصيره.
وهكذا قال له: (انظر: قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر.. قد جعلت
قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة. فاختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك) (تث 30: 15،
19)

 

10 إذن الاختيار قد جعله الله في يد الإنسان:

 

91- الاختيار في يد الإنسان

بامكان الإنسان أن يكون من المختارين، أولا يكون:

 

فإن صار من غير المختارين، فمعنى هذا انه بسلوكه
لم يرد أن يكون مختاراً..

 

وهوذا الله يعاتب أورشليم ويقول لها: (يا
أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن
أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك
لكم خراباً) (مت 23: 37، 38)

 

هنا الله يريد، والبشر لا يريدون. إذن الخراب
ليس سببه إرادة الله، وإنما رفض الإنسان لإرادة الله الحيرة.

 

هوذا الرب يعاتب اليهود الذين رفضوه ويقول لهم:

 

(لا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة) (يو 5:
40)

 

أليس هذا ما قاله عن دينونة الرذولين، ليس لأن
رذلهم ولم يخترهم. وإنما (هذه هى الدينونة: ان النور جاء إلى العالم. وأحب الناس
الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة) (يو 3: 19)

 

11 لم يرفضهم النور، إنما هم الذين رفضوه..

وفى هذا قال الإنجيل عن السيد المسيح: (إلى
خاصته جاء، وخاصته لم تقبله.. وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا
أولاد الله، أى المؤمنين باسمه) (يو 1: 11، 12) وهنا نرى أن القبول أو الرفض، أتى
من جانب الإنسان وليس من جانب الله.

 

الله واقف على كل باب يقرع. والإنسان يفتح أو لا
يفتح.

 

وهو يقول للكل: (إن سمع أحد لصوتى، وفتح الباب،
أدخل إليه وأتعشى معه) (رؤ 3: 20) إن فتح أحد، أى أحد.. الفرصة معروضة على الجميع..

 

12 إن الله يعرض. ويتوقف الأمر على إرادة
الإنسان:

وهكذا يقول الرب: (إن أراد أحد أن يأتى ورائى،
فلينكر نفسه ويحمل صليبه..) (مت 16: 24) (إن أردت أن تكون كاملاً، إذهب بع كل مالك
واعطه للفقراء..) (مت 19: 21) (من أراد أن يخلص نفسه، يهلكها. ومن يهلك نفسه من
اجلى، فهذا يخلصها) (لو 9: 23، 24)

 

13 في هذه الآيات، إرادة من الإنسان، وعمل
يناسبها..

الله يشرح الطريق المؤدى إلى الاختيار. والإنسان
حر يختاره أو لا يختار. قد يكون الطريق صعباً، ولا يسلك فيه الإنسان.. كأن يرفض أن
ينكر ذاته ويحمل صليبه، أو يرفض أن يعطى أمواله للفقراء، أو يرفض أن يهلك نفسه
ليخلصها. او يرفض أن يدخل من الباب الضيق المؤدى إلى الحياة (مت 7: 14) وهنا تقف
أمامنا الآية الرهيبة التي تقول:

 

(العريس مستعد. وأما المدعون فلم يكونوا
مستحقين) (مت 22: 8).

 

يخيل إلى أن في هذه الآية التعبير الصادق في
موضع الاختيار وعدمه: العرس مستعدة. والرب يرسل عبيده للمدعوين. ولكنهم يرفضون،
ويقول عنهم الكتاب: (لكنهم تهاونوا. ومضى واحد إلى حقله، وآخر إلى تجاربه) (مت 22:
3 – 5) بل يقول بالأكثر: (فلم يريدوا أن يأتوا) (مت 22: 3) هل نقول إذن أن الله
اختار أناساً للحياة الأبدية، أم نقول:

 

الله دعا الجميع إلى عرسه. والبعض (لم يريدوا أن
يأتوا) حقاً يقول الله للمريض (أتريد أن تبرأ) (يو 5: 6).

 

14 الإنسان هو الذي يقرر مصيره في الحياة. وعلى
أعماله تتوقف أبديته ولذلك يقول الرسول: (لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد
فساداً. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية) (غل 6: 8) أتراه يزرع للجسد،
ويقول إن الله لم يخترنى؟‍‍‍!

 

92- اعتراضات والرد عليها

1 يعترضون بأن الله اختار يعقوب دون عيسو، من
بطن أمه. وقال لها (فى بطنك أمتان.. وكبير يستعبد لصغير) (تك 25: 23) كما هو مكتوب:
(أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو) (رو 9: 12، 13)

 

ولا شك ان هذا الاختيار مبنى على علم الله
السابق. فهو كان يعلم ماذا سيكون عليه يعقوب بكامل إرادته، وكيف سيكون عيسو بكامل
إرادته (زانيا ومستبيحاً) (عب 12: 16) ولن يبالى بالبكورية بل سيبيعها بأكلة عدس
ويحتقرها (تك 25: 34) ولكن الله في كل ذلك لم يدفع عيسو إلى طريق الهلاك. ولم يرغم
يعقوب على عمل الخير. وهذا الاختيار المبنى على سابق علم الله، يوضحه القديس بولس
الرسول بقوله:

 

(الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم) (رو 8: 29)

 

فالله يعرف ما سوف تعمله خلائفه في المستقبل
بكامل إرادتها، وكيف ستكون شخصيتها وسلوكها. وبناء على هذا، يختار الشخص المناسب
للعمل المناسب. وقد يهبه المواهب التي تساعده على ذلك كما حدث مع يوحنا المعمدان،
وأرمياء النبى ويعقوب، الذين أختارهم من بطون أمهاتهم، ومنحهم مواهب..

 

على أن هناك أشخاص آخرون منحهم الله مواهب
وهلكوا..

 

حتى الشيطان نفسه كان من أصحاب المواهب، وبدأ
حسناً كرئيس ملائكة ثم أهلك نفسه. ولم يختره الله للشر، بل هو حول نفسه إلى شيطان..
ويهوذا اختاره الرب ضمن الاثنى عشر، واستامنه على الصندوق، وكان يجلس قريباً منه
على المائدة.. ولكنه خانه وأهلك نفسه..!

مبدأ الفرص إذا كان محتاجاً للكل. والبعض اتيحت لهم
الفرصة والاختيار وأهلكوا أنفسهم.

 

2 يعترضون بقول الكتاب: (ما أعده الله للذين
يحبونه) (1كو 2: 9) وحسناً أن الآية هنا تقول: (للذين يحبونه) وليس (للذين يحبهم)
فبناء على ما في قلوب هؤلاء المحبين لله من مشاعر مقدسة، قد أعد الله لهم ذلك
النعيم الابدى

 

3 يعترضون بقول الكتاب: (ليس لمن يشاء، ولا لمن
يسعى، بل الله الذي يرحم) (رو 9: 16)

 

ولعل هذه الآية تذكرنا بآية أخرى على نسقها
تماماً وهى: (أنا غرست وأبولس سقى، لكن كان ينمى.. إذن ليس الغارس شيئاً، ولا
الساقى، بل الله الذي ينمى) (1كو 3: 6، 7) وطبيعى أن الله لا ينمى الفراغ، إنما
ينمى ما قد غرس وسقى.. وبنفس الوضع (ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي
يرحم)

 

والله يرحم من؟ يرحم الذي يشاء، الذي يسعى. ولكن
مشيئة الإنسان وحدها لا تكفى، وسعيه لا يكفى، بدون رحمة الله. تماماً كما أن الغرس
والسقى وحدهما لا يكفيان بدون الله الذي ينمى..

 

إذن ليس معنى الآية أن الله يرفض المشيئة
المقدسة والسعى المقدس. ويرحم من لا يشاء ولا يسعى، كلا طبعاً. إنما الأهمية
الكبرى تعى لعمل الله معنا، حتى لا يفتخر أحد بأعماله..

 

4 يعترضون بعبارة: (ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا
صنعتنى هكذا؟) (رو 9: 20)

وطبيعى ان الإنسان لا يقول لخالقه: (لماذا
صنعتنى هكذا؟) فليكن كما يكون، صاحب مواهب كثيرة، أولا مواهب له.. ولكن ليس لهذا
تأثير على أبديته وخلاصه..

 

وقد يكون اناء هوان على الأرض، ويكون مصيره
الابدى عكس هذا، كما كان لعازر المسكين. ولكن لا يمكن أن تعنى (إناء للهوان) أن
يكون اناء للشر، لأن الخزاف العظيم لا يمكن أن يصنع آنية للشر. فالشر ليس الله
مصدره.

 

5 ومع ذلك كثيراً ما جعل الله بعض الناس آنية
كرامة على الأرض، وهم غيروا مصائرهم بصفة دائمة أم مؤقتة:

 

فشاول البنيامينى حل عليه روح الرب فتنبأ، وصار
رجلاً آخر (1صم 10)، وأخذ المسحة المقدسة من صموئيل النبى، ولكنه حول نفسه إلى
إناء هوان بارادته، لما استقل عن الله وخالفه، ففارق روح الرب شاول (1صم 16).

 

وبلعام كان آنية للكرامة، وتنبأ نبوءات عن السيد
المسيح، وكان موضع إكرام الملوك (عد 22 – 24) ولكنه حول نفسه آنية للهوان، لما وقع
في الضلالة، ونصح بلاق أن يلقى معثرة أمام الشعب (رؤ 2: 14)

 

وشمشون جعله الله آنية وحل عليه روح الرب وكان
يقوده (قض 13) ولكنه حول نفسه إلى آنية هوان في فترة معينة وفقد كرامته وكسر نذره
(قض 16) وأخيراً عاد آنية للكرامة وحسب مع رجال الإيمان (عب 11: 32)

6 أرى البعض كانوا مختارين، فليسمعوا إذن قول
الرسول:

(لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا
دعوتكم واختياركم ثابتين) (2بط 1: 10)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى