علم الانسان

الخطية والناموس والفداء والإنسان الجديد والسر المكتوم



الخطية والناموس والفداء والإنسان الجديد والسر المكتوم

الخطية
والناموس والفداء
والإنسان
الجديد والسر المكتوم

الطبيعة
البشرية الترابية خليقة مادية ساقطة تتَّصف بالسالبية. والسالبية في الطبيعة
الترابية تقوم على أساس العدمية بالنهاية، أي الموت والفناء، لأنها طبيعة مخلوقة
سقطت خارج الله الثابت وحده والدائم الأبدي. وهي وإن كانت تستمد وجودها من الله،
لكنها أخفقت في أن تعيش تحت طاعته فأخرجها الله من حضرته وسلَّمها لبلاء الزمن.

وصفات
السالبية تقوم على أساس التعدِّي لتحيا، فلكي تعيش يلزمها أن تتغذَّى، والتعدِّي
يعتمد على القوة الغضبية التي تظهر في الافتراس. فالإنسان يفترس الثور والخروف
والحمامة ليأكلها، ويفترس السمكة أيضاً ليأكلها، بل ويفترس النبات ليأكله ليتغذَّى
وإلاَّ يموت وينتهي إلى العدم.

والافتراس
هو تعدِّي حياة على حياة أخرى، أي أن السالبية لا تعيش إلاَّ بالقتل. ويشمل
التعدِّي كل المناقص الأخلاقية من خيانة وتربُّص ومخاتلة وسرقة وكذب وقتل.

أول
علاج قدَّمه الله للطبيعة البشرية الساقطة لضبط السالبية فيها هو الناموس الذي
رتَّبه الله مع موسى، وهو القانون الأخلاقي ليرتقي بالإنسان ليحدَّ من سالبيته
ويقرِّبه نحوه إن أطاع.

والناموس
طبيعته روحية، ويقوم على العدل، وغاية أعمال الناموس في مقاصد الله هي توعية
الإنسان والكشف عن الأعمال السالبية: “بالناموس معرفة الخطية” (رو 20: 7)،
“بل لم أعرف الخطية إلاَّ بالناموس” (رو 7: 7). وهكذا بالناموس دخل
القانون الروحي حياة الإنسان ليكشف مدى سالبيته ويضبطها.

ويقول
عنها بولس الرسول: “الناموس روحي، وأما أنا فجسديٌّ مَبيعٌ تحت الخطية”
(رو 14: 7). وهذا يعتبر أقصى حالة إذلال للإنسان حينما يُستعبد للخطية، وذلك بسبب
بُعده المباشر عن الله الذي هو القوة الإيجابية العظمى.

والسالبية
هنا داهمت الإنسان من جراء انجذابه لقوى أخرى سالبية وهو الشيطان، حينما أطاعه
وأكل من الشجرة التي حرَّمه الله أن يأكل منها. لذلك يقول بولس الرسول: “لأني
لست أعرف ما أنا أفعله (الخطية)، إذ لست أفعل ما أُريده، بل ما أُبغضه فإيَّاه
أفعل” (رو 15: 3). وهذا تعبير مرير لخضوع الإرادة لإيحاء الشيطان وسطوته.

هنا
الناموس فضح الأعمال السلبية أي الخطية التي للطبيعة البشرية الترابية والإرادة
المنحرفة معها، ولم يفضحها وحسب؛ بل وضعها تحت حكم العدل، فكل تعدٍّ صارت له عقوبة
أو موت.

وبذلك يكون الناموس قد أكمل العمل الذي وضعه الله له، أي
الحكم على الأعمال السلبية أنها في نظر الله، بحسب عدل الناموس، خاطئة جداً
ويتحتَّم أن يدرك الإنسان ذلك. ولكن الحكم على الخطية أنها خاطئة جداً بالناموس في
نظر الله هو تحصيل حاصل أنها تستحق الموت. وهكذا أقنع الله الإنسانَ أن الموت الذي
يموته هو عقاب عادل. وهذا يعني أن الطبيعة التي اتَّسمت بالسالبية ينبغي أن لا
تعيش.

وهكذا وقف الناموس يُنادي بحتمية تغيير الطبيعة البشرية
الترابية. كما ويشير إشارة سرِّية بليغة بحتمية خلقة جديدة للإنسان تخلو نهائياً
من السالبية أي الخطية حتى يتوفَّر لها البقاء والحياة أمام الله.

وهكذا
انتهى الناموس إلى نقطة حرجة جداً وهي: لكي نتخلَّص من الخطية يتحتَّم تغيير
الطبيعة البشرية الترابية من الأساس لأنها واقعة بطبيعتها تحت عقوبة الموت. الأمر
الذي صرخ منه بولس الرسول حينما أدرك هذه الحقيقة: “ولكني أرى ناموساً آخر في
أعضائي يُحارِب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. وَيْحِي
أنا الإنسان الشقي! مَنْ يُنقذني من جسد هذا الموت؟” (رو 23: 7و24). هنا صرخة
بولس الرسول ليست من أجل الخطية، بل من “جسد هذا الموت”أي الطبيعة
البشرية السالبة. وهنا بولس الرسول يتطلَّع ليس للخلاص من الخطية بل الخلاص من
“جسد الموت”أي الطبيعة الخاطئة، وإلى جسد آخر أي طبيعة أخرى لا تعمل فيها
الخطية.

ولكن
من سياق أنين بولس الرسول نجد أنه لا يشتكي فقط من الجسد الخاطئ المحكوم عليه
بالموت، الذي سمَّاه جسد الموت، بل وأيضاً من انحياز إرادته وراء الجسد الخاطئ إذ
يقول: “لستُ أفعل ما أُريده، بل ما أُبغضه فإيَّاه أفعل” (رو 15: 7).
إذن، ليس الجسد وحده، بل ومعه الذات البشرية التي تربَّت مع الجسد وآخت سلبيته
وشاركته في عمل الخطية، بل وصارت الذات البشرية ضليعة في صفات التعدِّي ومناقص
القوة الغضبية وتنفيذ كل مخطَّطاتها. وهكذا هو يصرخ من جسد هذا الموت، ومن إرادة
الذات المشتركة معه في كل تعدٍّ.

هنا
الفصل واضح بين السالبية، أي عمل الخطية كفعل، وبين الطبيعة البشرية الساقطة ومعها
الذات البشرية المسئولة. فالتركيز الذي يسلِّط عليه القديس بولس في طلب الإنقاذ
ليس الخطية، بل أنا والطبيعة التي فيَّ: “مَنْ ينقذني من جسد هذا الموت”
ولكن صرخة بولس الرسول ليست جديدة على الله، بل كانت معروفة لديه هناك في الأزمنة
الأزلية وقبل تأسيس العالم، حينما شرع الله في خلقة الإنسان فجعل هذه الخلقة في
نهايتها أي في كمال نضوجها بمنأى عن شكوى بولس الرسول هذه، حينما جعل أساس الخلقة
أن تكون متَّحدة بطبيعة فائقة منزَّهة عن السالبية والخطية، طبيعة ابنه الكلمة
المتجسِّد، متخطِّية مناقص الخلقة الترابية الأولى. وهذا استطاع بولس الرسول نفسه
أن يكتشف أصوله الأولى في السرِّ المكتوم فيقول: “إذ سبق فعيَّننا للتبنِّي
بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرَّة مشيئته” (أف 5: 1). كما اكتشف أن اختيارنا كان
من البدء منذ الأزل وهو في المسيح أيضاً: “كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم،
لنكون قدِّيسين وبلا لوم قدَّامه في المحبة” (أف 4: 1). فصورة خلقة الإنسان
في ذهن الله منذ الأزل هي أن يكون قدِّيساً أي بلا أدنى شائبة خطية؛ وبلا لوم، أي
بمنأى عن أي انحراف وفي حالة محبة كرباط من الله.

وهكذا كان اختيار خلقتنا بالأساس أن تكون طبيعتنا متَّحدة
بالمسيح على أساس الفداء المرصود قبل الزمن وقبل الخليقة الترابية كما لمحها بطرس
الرسول بشفافيته الرائعة في قوله: “عالمين أنكم افتُديتم.. بدم كريم، كما من
حَمَلٍ بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن
قد أُظْهِرَ في الأزمنة الأخيرة من أجلكم” (1بط 18: 120).
فالفداء واقع أزلي في تدبير الله.

لذلك
واضح جداً أن كل ما حدث للخليقة الأولى الترابية من مناقص كان واقعاً تحت خط
الفداء الذي وُضِعت خطوطه قبل الخليقة الترابية نفسها. فبمجرد أن سقط آدم، دخل هو
وذريته تحت العد التنازلي لظهور الفادي في ملء الأيام.

لذلك
حرصت الأناجيل أن تضع خيطاً سرِّيًّا يربط بين المسيح وآدم، كما صنع القديس لوقا
في إنجيله، فهو لم يتتبَّع المسيح حتى آدم إلاَّ لكي يكشف تحقيق الفداء لوعد الله
بمَنْ سيسحق رأس الحية. كذلك القديس متى نجده يربط بين المسيح وإبراهيم أول مَنْ
أخذ الوعد من ذرية آدم بمجيء النسل الذي تتبارك به كل ذرية آدم! وهذا أيضاً ليس
جزافاً، بل لكي يربط بين الوعد بالبركة وبين الفداء الذي ستتم فيه كل بركات الله
لكل الأمم كوعد الله لإبراهيم.

أما
المسيح فقد كشف عن الفداء الذي وضع خطته الأولى منذ الأزل مع الآب يوم أن ارتفع
على الصليب ليُكمِّل الفداء بذبيحة نفسه. أما أول تصوير للفداء قاطبة، فكان على فم
الله في مخاطبة الإنسان الساقط عن نسل يأتي يسحق رأس الحية: “هو يسحق رأسكِ،
وأنت تسحقين عقبه” (تك 15: 3). وقد تمَّ على الصليب بأن سحق المسيحُ الشيطانَ،
وإن كان الثمن سَحْق العقب كناية عن موت الجسد.

وأعجب
ما يُقال هو إن هذا الفداء الذي احتوى الإنسان وهو في أردأ حالاته كان مجاناً، إذ
لم يطلب الله من الإنسان الساقط إلاَّ الإيمان بالفداء الذي تمَّ: “متبرِّرين
مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح.. بالإيمان بدمه” (رو 24: 3و25)

وبولس
الرسول يحكي كيف اختاره الله ليكشف له عن سر المسيح أي سر الفداء، الأمر الذي بحسب
تعبيره كان مكتوماً ومخفياً منذ الأزل، مختوماً عليه ضمن أسرار خلاص الله للإنسان
قبل إنشاء العالم:

+
“لي أنا أصغر جميع القديسين، أُعطيت هذه النعمة، أن أُبَشِّر بين الأمم
بغِنَى المسيح الذي لا يُستقصَى، وأُنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ
الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح” (أف 8: 3و9)

+
“الذي في أجيال أُخَر لم يُعَرَّف به بنو البشر، كما قد أُعلن الآن لرسله
القديسين وأنبيائه بالروح” (أف 5: 3)

+
“وللقادر أن يُثبِّتكم، حسب إنجيلي والكرازة بيسوع المسيح، حسب إعلان السر
الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية” (رو 25: 16)

+
“التي صرتُ أنا خادماً لها، حسب تدبير الله المُعطَى لي لأجلكم، لتتميم كلمة
الله. السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال، لكنه الآن قد أُظْهِرَ لقديسيه،
الذين أراد الله أن يُعرِّفهم ما هو غِنَى مجد هذا السر في الأمم، الذي هو المسيح
فيكم رجاء المجد” (كو 25: 127)

+ “نتكلَّم بحكمة الله في سرٍّ: الحكمة المكتومة، التي
سبق الله فعيَّنها قبل الدهور لمجدنا” (1كو 7: 2)

وهكذا
في استعلان جريء واضح قدَّم لنا القديس بولس من مواهب الله عليه مفردات هذا السر
الذي كان مكتوماً في الأزلية، مرافقاً لتدبير الله في خلقة الإنسان وسَبْق علمه
بالسقوط الذي ستعانيه الخلقة الترابية، وكيفية المعالجة بالفداء والارتقاء
بالطبيعة البشرية
لتحتل مركز البنوية لدى الله، وترث مع المسيح ما لله! وقد
سمَّاه بولس الرسول: “غِنَى المسيح الذي لا يُستقصَى” (أف 8: 3)، بمنح
الشركة فيه والذي عبَّر عنه أنه “المسيح فيكم رجاء المجد” (كو 27: 1)

وبتعبير آخر يكشف بولس الرسول عن عدم اعتماد الله على أي
قدرات للإنسان في تدبير خلاصه ودعوته: “الذي خلَّصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا
بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل
الأزمنة الأزلية” (2تي 9: 1). على أن قصد الله في منحنا دعوة مقدسة
لقبول خلاص
مذهل مجاني، انكشف تماماً عندما بذل ابنه على الصليب ليخلِّص كل مَنْ يؤمن به: “وإنما
أُظهِرَت الآن (مقاصد الله ونعمته) بظهور مخلِّصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت
(أي ألغى كل مناقص الخليقة الترابية الأولى) وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل
(أي منح الحياة الأبدية والخلود للإنسان الجديد)” (2تي 10: 1). وهكذا انكشف
السر المكتوم منذ الأزل بإعطاء الإنسان الحياة الأبدية والخلود!

إذن، فصراخ بولس الرسول: “مَنْ ينقذني من جسد هذا
الموت” كان مسموعاً ودخل في تدبير الله منذ الأزل ووُضِعَ له الحل الذي عثر
عليه بولس الرسول في الحال، إذ ردَّ على نفسه: “أشكر الله بيسوع المسيح..
إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع(
[1])
(رو 25: 7؛ 1: 8)

وهكذا
أصبح صراخنا من جسد هذا الموت مرفوضاً ومحسوباً أنه إنكار وتجاهل لِمَا أكمله الله
منذ الأزل وأتمَّه المسيح على الصليب وأُعطِيَ لنا مجاناً، إذ لَمَّا تجسَّد ابن
الله الكلمة كان القصد المباشر في تدبير الله الأزلي هو منحنا خليقة جديدة لحياة
جديدة فيها الشكر والفرح وليس الأنين والشكوى. وبطرس الرسول يهتف في المقابل: “قد
وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة
الإلهية” (2بط 4: 1). وقد اتفق كبار الشُّرَّاح في أن المواعيد العُظمى
والثمينة هي اشتراكنا في استعلان المسيح ومجده.

ولكن
نطلب أن ينتبه القارئ، إذ ليس كما فات على كثيرين من رجال الكنيسة في العصور
القديمة أن التجسُّد كان مقصده الوحيد غفران الخطايا، بل كان مقصده الحقيقي كما
أوضحنا هو إعطاء خليقة جديدة، ميلاد من الروح عِوَض ميلاد من الجسد، يسمو بطبيعته
عن مناقص الخلقة الترابية الأولى بخطاياها.

ونعيد
القول والتنبيه أن التوقُّف عند غفران الخطية الذي شغل الكثيرين من رجال الكنيسة
في العصور القديمة كعمل أساسي لتجسُّد المسيح يُعتبر انتقاصاً خطيراً من قصد الله
الأساسي في إرسال ابنه وتجسُّده الذي كان بالأساس هو إعطاء البشرية خلقة جديدة
بالروح من جسد المسيح المُقام: “ولدنا ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من
الأموات” (1بط 3: 1)، أي إعطاء البشرية جسداً جديداً هو جسد المسيح القائم من
بين الأموات: ” وأما أنتم فجسد المسيح”(1كو 27: 12)،
“وإيَّاه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده” (أف 22: 1و23).
وبمعنى واضح أن بخلقتنا جديداً من جسد المسيح “لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن
عظامه” (أف 30: 5)، نكون قد أخذنا تأميناً أبدياً من السقوط والانحراف والموت:

+ “الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة، من أجل محبته
الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح، بالنعمة أنتم
مخلَّصون (مجاناً)، وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويَّات في المسيح
يسوع، ليُظْهِرَ في الدهور الآتية غِنَى نعمته الفائق، باللطف علينا في المسيح
يسوع” (أف 4: 27)

ونحن
هنا نحاول بكل الجهد أن نلفت نظر القارئ على التركيز في عملية التجسد التي أكملها
المسيح بالقيامة من بين الأموات كأعلى مرحلة تكشَّف سرها الأعظم لتلاميذه في
العليَّة، حينما أراهم يديه ورجليه قائلاً: “انظروا يديَّ ورجليَّ: إني أنا
هو. جُسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما تَرَوْنَ لي. وحين قال هذا
أراهم يديه ورجليه” (لو 39: 24و40)

ما
معنى هذا؟ معناه أن قيامة المسيح تمَّت بذات الجسد وذات الشخص “إني أنا هو”، إنما
بحالة فائقة تُرى أو لا تُرى حسب قوة الإيمان وانفتاح البصيرة. وهذا يعني أن
قيامتنا في جسد المسيح هي قيامة روحية بجسد جديد من لحمه ومن عظامه، لأن جسده
الجديد هو نحن! هو الكنيسة!! “لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في
الله” (كو 3: 3)، فقيامتنا مخفية في جسد المسيح. وهذا هو منتهى قصد الله
ونعمته منذ قبل تأسيس العالم: أن نأخذ خلقة روحية جديدة مقرّها السماء لا الأرض: “وأقامنا
معه، وأجلسنا معه في السماويَّات” (أف 6: 2)، وهذا ما يستعلنه لنا بطرس
الرسول في قوله: “شركاء الطبيعة الإلهية!!” (2بط 4: 1)

لذلك
نقول إن عدم التعرُّف على قصد الله من تجسُّد ابنه وما صار لنا بقيامته من بين
الأموات بسبب انشغالنا الخاطئ بالتركيز على غفران الخطايا، ضيَّع علينا التمسُّك
بأهم منجزات التجسُّد والفداء والقيامة من بين الأموات، وهي الخليقة الجديدة
للإنسان في جسد المسيح المُقام من بين الأموات ونحن فيه؛ كما ضيَّع علينا حالة
الفرح الدائم الذي وعد به المسيح عندما نكتشف وضعنا بعد قيامته من بين الأموات
الذي مصدره بكل تأكيد خلقتنا الجديدة ومقرُّها الجديد في السماء: “ولا ينزع
أحد فرحكم منكم” (يو 22: 16)، “الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية
لرجاء حي، بقيامة يسوع المسيح من الأموات” (1بط 3: 1)

ففرحتنا
الأولى والعُظمى يتحتَّم أن تكون أننا صرنا خليقة جديدة بإنسان جديد يحيا قيامة
المسيح ويترقَّب الوطن السمائي ورؤية المسيح: “أمسك بالحياة الأبدية التي
إليها دُعيِتَ..” (1تي 12: 6)

(20
أغسطس 1998)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى