اللاهوت العقيدي

سادساً: التذكار



سادساً: التذكار

سادساً: التذكار

‘An£mnhsij

عقيدة تذكار موت الرب
سجلها بولس الرسول كوصية للرب استلمها بولس من الرب (عن التلاميذ) وسلمها لأهل
كورنثوس كما استلمها، أن يصنع المؤمنون “ذكر موت الرب” على كل عشاء إفخارستي، ومن هنا التزمت كل ليتورجيا بعد أن
تذكر هذه الوصية داخل التأسيس أن تعود
بعد التقديس على الخبز والخمر، وتشرح
هذا التذكار شرحاً خاصاً معدِّدة كل أعمال الرب وليس موته فقط. أمَّا
الصيغة العامة في التذكار التي سادت في كل الليتورجيات فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 بادئة
تربط حاضر الكلام بسابقه، مثل بادئة التأسيس.

2 تذكار
كل الأعمال الخلاصية التي أكملها الرب من موت وقيامة وصعود وجلوس، والمجيء الثاني.

3 تقريب
القرابين.

 

1 البادئة

[“فالآن
بالموت”
يا الله الآب ضابط الكل الذي لابنك الوحيد …]

يُلاحَظ أن
هناك تقليدين بخصوص هذه البادئة: فالتقليد الإسكندري يبدأ بكلمة
“الآن
nàn”، والتقليد
السرياني ومعه التقليد البيزنطي يبدأ ب [“لهذا” أو “لذلك” نذكر]:

قداس
قوانين الرسل (كليمندس):

هوذا نحن
متذكرون

memnhmšnoi
t£nun

وباسيليوس:

فإذ نحن
متذكرون

Memnhmšnoi
oân

وكذلك
القديس يعقوب (طقس سرياني وطقس بيزنطي).

أمَّا
يوحنا ذهبي الفم:

ونحن بما
أننا متذكرون

memnhmšnoi
to…nun

 

وفي
الحقيقة هذه البادئة عموماً سواء في الطقس الإسكندري أو السرياني أو البيزنطي تأتي
رداً أو استجابة على أمر سابق يتطلب هذه الموافقة، فإذا التفتنا إلى آخر جملة
سابقة نجدها هي بعينها وصية المسيح “اصنعوا هذا لذكري” مضافاً إليها “تبشرون
بموتي”. فلأن الليتورجيا في الشرق اعتبرت أن هذا
“أمر إلهي”([1])،
لذلك جاء المرد كأنه موافقة أو استجابة مستعدة. فالتقليد الإسكندري
يرد على ذلك مخاطباً الله الآب نفسه قائلاً: [الآن (أو “ها الآن”) بموت ابنك …
نبشِّر]، والتقليد السرياني والبيزنطي يرد قائلاً: [لذلك (أو “أيضاً”) ها نحن
متذكرون أو ذاكرون.]
([2])

ولكن من
جهة تركيب المقدِّمة لغوياً ومنطقياً يختلف التقليد الإسكندري عن التقليد السرياني
والبيزنطي:

فالتقليد
الإسكندري من جهة التذكار ممثلاً قديماً في طقس أنافورا القديس مرقس الرسول يبدأ
بكلمة: “الآن بموت
nàn tÕn q£naton” أي يأتي ذكر “الموت”
بدون إضافة في بادئة الكلام بوضوح. وللأسف لا يمكن الاحتفاظ في الترجمة العربية
بكلمة “الموت” في مبدأ الجملة، إلاَّ إذا تجاوزنا عن النحو قليلاً هكذا: [الآن
بموت
ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلِّصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح نبشِّر يا الله الآب
ضابط
الكل …].
ولكن مجيء حادث
“الموت” الخلاصي
في بداية التذكار كبادئة الكلام كان له أعظم الفضل في حفظ التقليد الإسكندري من
إضافات تسبقه أي تسبق الموت كالآلام مثلاً كما جاءت في التقليد السرياني والبيزنطي.
وهكذا بقي التقليد الإسكندري وخصوصاً في مرد الشعب [
“بموتك” يا
رب نبشِّر]
حافظاً للتسلسل الفكري والمنطقي في
الأنافورا، إذ بعد أن ينتهي الكاهن من قوله
[لأن كل مرة
تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون “بموتي”

(وتعترفون بقيامتي
مضافة)
وتذكرونني (إلى أن أجيء
مضافة)] يرد الشعب مستجيباً مباشرة
[آمين “بموتك يا رب نبشِّر!!
tÕn q£naton] ثم
يلتقط الكاهن نفس المرد من فم الشعب ويخاطب الله الآب
[الآن “بموت”
ابنك نبشِّر!!].

من هنا كان
اهتمامنا ببحث هذه البادئة للتذكار لعظم أهميتها من جهة الحِفاظ على التقليد
الإسكندري وروحه المنسجمة مع سياق الأنافورا. لأن الطقس السرياني والبيزنطي خرجا
عن هذا التسلسل المنطقي للتذكار في هذا الحوار المبدع المنحصر في الأمر الإلهي
المحدد
بتذكار موته والاستجابة المحددة لهذا
التذكار.
فالليتورجيا البيزنطية للقديس باسيليوس تأتي هكذا: [لأنكم كل مرة
تأكلون هذا الخبز وتشربون هذه الكأس،
تخبرون بموتي
(وتعترفون بقيامتي): فإذ نحن متذكرون أيها السيد
آلامه الخلاصية، وصليبه المحيي ودفنه ثلاثة أيام …
]. وهكذا
ضاع التسلسل وجاء الرد مخالفاً لحدود الأمر: فالأمر
يقول “تخبرون
بموتي ولكن الرد يأتي على ذلك: “نعم متذكرون
آلامه!!
”.

أمَّا
ليتورجية يوحنا ذهبي الفم فينقطع هذا التسلسل نهائياً إذ لا ينتهي التأسيس
(التقديس على الخبز والخمر) بوصية الرب “اصنعوا هذا لذكري”، فيأتي التذكار رداً
على غير سؤال وكأنه من فراغ هكذا: [هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يُهرق عنكم وعن
كثيرين لمغفرة الخطايا: ونحن بما أننا
متذكرون هذه
الوصية
وكل الأمور التي جرت من أجلنا الصليب والقبر …]، وهكذا يخفق تقليد
القديس يوحنا ذهبي الفم في ربط الاستجابة
ل“وصية التذكار” بأمر الوصية نفسه لأن الأمر نفسه
غائب!

 

2
موضوع التذكار: ذكر أعمال الرب الخلاصية

التذكار
وعلاقته الأساسية بالتأسيس

مقارنة بين
نصوص الطقس الإسكندري في مواجهة

تقليد الرسل
لهيبوليتس

 

ليتورجية
تقليد الرسل لهيبوليتس أوائل القرن الثالث

أنافورا
سيرابيون منتصف القرن

الرابع

بردية دير
البلايزه

مخطوطة من
القرن

الخامس أو السادس

 تمثل طقس
القرن الثالث

رقوق
مانشستر

مخطوطة

من القرن

الخامس أو
السادس

أنافورا
القديس مرقس (برايتمان) مخطوطة

من القرن

 الثالث
عشر

وتمثل
الطقس الحديث

[عندما تصنعون هذا تصنعون ذكري]

 

 

 

 

 

 

[هذا
اصنعوه لذكري]

 

 

[هذا
اصنعوه لذكري]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[كل مرة تأكلون من هذا الخبز
وتشربون

من هذه الكأس

تبشرون
بموتي

 

وتذكرونني]

[لأن كل
مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من
هذه الكأس

تبشرون
بموتي

وتعترفون
بقيامتي]

 

[لأن كل
مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من
هذه الكأس

تبشرون
بموتي

وتعترفون
بقيامتي

تذكرونني إلى أن أجيء]

 

 

مرد الشعب:
([3])

 

مرد الشعب:

 

 

 

 

 

 

 

 

[بموتك يا رب نبشِّر وبقيامتك نعترف

 

 

 

 

[بموتك يا رب نبشِّر وبقيامتك
المقدَّسة
وصعودك إلى السموات نعترف

 

 

ونتضرع
إليك
]

 

نسبحك
نباركك نشكرك يا رب ونتضرع إليك
يا إلهنا]

 

 

 

الكاهن:

الكاهن:

[لذلك
نحن نصنع ذكر
موته،

 

 

 

وقيامته،

 

([4])

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هكذا نحن
أيضاً نصنع
مثال موته هذا
الخبز مثيلاً للجسد المقدَّس والكأس مثيل الدم

(4)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(4)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بموت

ابنك الوحيد، ربنا وإلهنا

ومخلِّصنا

نبشِّر

وبقيامته وصعوده

إلى
السموات،

وجلوسه
عن يمينك
([5])،

 

وننتظر
ظهوره الثاني،

 

الممجَّد،

 

الذي
يأتي فيه
ليدين المسكونة بالعدل ويعطي كل واحد كأعماله خيراً أو شراً

 

 

فيما نحن
نبشِّر
بموت ابنك الوحيد ربنا وإلهنا
ومخلِّصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح ونعترف بقيامته المقدَّسة وصعوده إلى السموات

وجلوسه
عن يمينك أيها الآب

وننتظر
ظهوره الثاني الآتي من السموات
المخوف المملوء مجداً في انقضاء الدهور

هذا الذي
يأتي فيه
ليدين المسكونة
بالعدل ويعطي كل واحد كأعماله إن كان خيراً وإن كان شراً

 

 

 

 

مرد الشعب:

 

 

 

 

 

 

 

 

كرحمتك
يا رب ولا كخطايانا

 

 

 

الكاهن:

الكاهن:

نقدِّم
لك

الخبز
والكأس]

 

 

 

 

 

 

 

أنت الذي
وضعنا أمامك قرابينك مما لك

أنت الذي وضعنا أمام مجدك المقدَّس قرابينك مما لك يا أبانا القدوس.

ملحوظة:

(أ) [ما هو
مكتوب بالبنط الثقيل] مميزات خاصة انفرد بها التقليد الإسكندري عن تقليد القديس
باسيليوس.

(ب) [ما هو خطه مائل] النصوص المشتركة بين الطقس البيزنطي والطقس القبطي
المأخوذ عن
البيزنطي.

من هذا
الجدول يتضح أمامنا درجة نمو الأنافورا في هذا الجزء الهام وهو التذكار، ولم يكن
القصد من التوسُّع في التذكار إلاَّ إيفاءً بوصية الرب العزيزة جداً “اصنعوا هذا
لذكري”. ويُلاحَظ أن التقليد الرسولي الذي يقدِّمه هيبوليتس ليس هو طقساً يُمارس
ولكن نصاً يُقتبس منه. هكذا نبه هيبوليتس نفسه، أنه هنا إنما يضع النموذج أو
البذرة التي يمكن أن يصنع منها أي أسقف أنافورا تقليدية. على أن طقس الإسكندرية له
مميزاته الأُولى التي من نفس زمن هيبوليتس.

 

أهم ما
يميز التذكار في التقليد القبطي ويجعله متسلسلاً مع منطق الأنافورا هو وجوده داخل
صميم التأسيس كما سبق وأشرنا أعلاه، فمجيء التذكار بعد التأسيس في التقليد
الإسكندري هو امتداد عضوي حيوي، فالتأسيس في التقليد الإسكندري هو الوحيد الذي
ينتهي بكلمة “وتذكرونني
ereteniri mpameui وقد انتقل هذا التقليد بحرفه إلى أنافورا كل من القديس
باسيليوس والقديس غريغوريوس (الطقس القبطي).

وأول تذكار في تأسيس
ظهر في الأنافورا القبطية، ظهر في بردية دير البلايزه، إنما في صورته الطبيعية
الأصيلة التي تتمشَّى فعلاً مع منطق الأنافورا، إذ يأتي كمرد للشعب وليس
كصلاة للكاهن. فالكاهن إذ ينتهي في التأسيس
بإلقاء الأمر والوصية [تبشرون بموتي تذكرونني] ينطق الشعب هاتفاً ومردداً [بموتك
يا رب نبشِّر].

ويُلاحَظ
أنه بالرغم من أن الأنافورا حسب التقليد القبطي هي بالدرجة الأُولى موجهة للآب
نفسه، إلاَّ أنه هنا يخرج التقليد الليتورجي الإسكندري عن التزامه ويخاطب الابن
مباشرة، لأن الوصية جاءت على فم الكاهن منطوقة وموجهة من فم المسيح “تبشرون بموتي
… تذكرونني
”. هذه هي أول صيغة للتذكار رسمية، وقد ظهرت في الكنيسة القبطية
في بردية دير البلايزه (تمثل طقس القرن الثالث). حيث تقول [بموتك يا رب “نبشِّر”
وبقيامتك “نعترف” ونتضرع إليك].

وقيمة
التذكار في هذا المرد تظهر أكثر لو عرفنا أن الصيغة التي حضت عليه في نفس بردية
دير البلايزه التي تأتي في نهاية التأسيس لا تحمل إلاَّ الأمر بالبشارة بموت
الرب فقط مع تذكاره،
هكذا [كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون
بموتي وتعترفون بقيامتي تذكرونني
]. فالأمر هنا يتضمن البشارة والتذكار، هذا ما
حددته الأنافورا، وهو نفسه ما فهمه الشعب فجاء المرد يتضمن البشارة والتذكار إنما
بصورة اعتراف علني يخص الشعب. ويُلاحَظ أن مجيء أول صيغة للتذكار هكذا بصورة مرد
للشعب يؤكد أن الفعل الذي تحمله الوصية “تبشرون” بموتي “تذكرونني”
إنما يأتي بصيغة الأمر. هذا واضح في النص القبطي للنسخة البحيرية للأنافورات
جميعاً، إذ
يأتي الفعل بصيغة المستقبل الثالث التي
تُستخدم للأمر (أو التمني) وهي نفس الصيغة المستخدمة في الوصايا العشر.

ereteniwi]% ereteneromologin% ereteniri mpameui

ولكن
يُلاحَظ في التحليل اللغوي أن هنا حرف
e ساقط للتسهيل النطقي لأن المستقبل الثالث يلزم أن يُكتب هكذا ereteneiwi]. أمَّا النسخة الصعيدية لأنافورا القديس باسيليوس (أوائل القرن
الرابع) فيأتي فيها هذا الفعل في المضارع الثاني من واقعه في الكتاب المقدَّس باللهجة الصعيدية
etetnta]eoei] mpamou وترجمته الحرفية: [هو
موتي الذي تبشرونه]
([6]).

وهكذا
يحتفظ لنا التقليد القبطي بإحساس أن “التذكار” إلتزام ليتورجي إذ يقدِّمه لنا
بصورة “أمر” إلهي نافذ المفعول إلى ما شاء الله لأنه يأتي في صيغة المستقبل
الدائم مشدِّداً على كلمة “تذكرونني” إذ يضيف إليها (فيما بعد زمنياً) كلمة [إلى
أن أجيء].
وهذا يؤكد بصورة لا تقبل الشك أن التقليد الإسكندري كان منذ البدء
على وعي تام بهدف الأنافورا عامة وغاية التأسيس خاصة أنه طقس تذكاري
بالدرجة الأُولى أو على وجه الأصح “تذكاري إعلاني”. وحينما يورد الطقس كلمات
التذكار في صميم التأسيس مشدِّداً عليها بعد الخبز ثم بعد الكأس “اصنعوا هذا
لذكري” فهو يريد أن يرسخ في وعينا أن التذكار ليس هو منطوقاً لفظياً يتم بالصلاة
أو بالتسبيح فقط بل هو حقيقة تلتحم فينا بالأكل من الخبز (الجسد) والشرب من
الكأس (الدم): [كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون
بموتي تذكرونني].

إضافة “القيامة” مع
الموت في التذكار:

وحينما أضاف المرد (في بردية دير البلايزه) “الاعتراف بالقيامة” مع البشارة
بالموت كانت هذه الإضافة حتمية، لأن الرب ليلة العشاء كان منحصراً في موته
فصحه الأبدي فكان “الجسد” وكان “الدم” هما موضوع العشاء الفصحي عشاء
الخروف المذبوح، وبالتالي انحصر طلب “التذكار” في موضوع هذا الموت، فكان طبيعياً
أن تضيف الكنيسة بعد قيامته من الأموات تذكاراً لهذه القيامة أيضاً.

ولكن كانت
إضافة القيامة إلى “تذكار الموت” بداية سلسلة جديدة من الإضافات الأخرى كالصعود
والجلوس والمجيء الثاني وأخيراً الدينونة.

 

تاريخ نمو
التذكار في أنافورا القديس مرقس

(الطقس
القبطي)

 

(أ) إضافة
الصعود:

لمَّا بدأت
أنافورا القديس مرقس (الطقس القبطي) تكون مقطعاً خاصاً “للتذكار” بعد “التأسيس”
بدأت من هذا المرد الوارد في بردية دير البلايزه المعتبر جوهر التذكار في
الأنافورا الأُولى
([7])
[بموتك يا رب نبشِّر وبقيامتك نعترف ونتضرع إليك]. وأول إضافة ظهرت في الطقس
رسمياً وبصورة محددة وصلتنا من إحدى رسائل القديس كيرلس الكبير سنة 412م حيث وضح
فيها عملية التكوين والنمو إذ بدأ فيها ذكر
“الصعود”
بعد القيامة، ولكن لم تكن قد نضجت بعد إذ لم يُذكر فيها الجلوس عن يمين الآب، إذ
يأتي التذكار هكذا [لأننا نبشِّر بموت يسوع المسيح ابن الله الوحيد

حسب الجسد
ونعترف بقيامته من الأموات وصعوده
إلى السموات]
([8]).

ومن المعروف والمحقق تاريخياً أن القديس كيرلس الكبير بابا الإسكندرية هو
الذي أدخل مردات الشماس (والشعب) في أنافورا القديس مرقس الرسول وذلك بحسب ما
سجلته لنا مخطوطة مصباح الظلمة للعالم أبو البركات بن كبر قسيس كنيسة المعلقة في
القرن الثالث عشر. كذلك من المعروف أن أول مَنْ سجَّل “الصعود” في التذكار داخل
الليتورجية هي ليتورجية كليمندس (قوانين الرسل
الكتاب الثامن). إذاً، فقد بدأ القديس كيرلس الكبير
الاقتباس من الطقس السرياني.

ولا يفوتنا هنا أن نسجِّل أن بدخول “الصعود” في “التذكار” في
أيام القديس كيرلس سنة 421م وعدم وجود ذكر للصعود في التذكار في بردية دير
البلايزه يثبت لنا أن زمن هذه الأنافورا هو ما قبل ذلك التاريخ. كذلك وبنفس
الطريقة نستطيع أن نحقق زمن رقوق مانشستر التي تنقل لنا طقس أنافورا القديس مرقس
الرسول حرفياً، فبسبب وجود
“الجلوس عن
يمين الآب”
ضمن التذكار يَثبُتُ لنا أن زمن هذه الأنافورا هو بعد زمن القديس
كيرلس الكبير.

 

(ب) عدم
إمكانية إضافة “الآلام” إلى التذكار

في أنافورا
القديس مرقس الرسول (الطقس القبطي):

كان بسبب
احتفاظ الأنافورا العتيقة “بالتذكار” ممثلاً في مرد الشعب الذي مطلعه “بموتك يا رب
نبشِّر
tÕn q£naton” أن ظلت هذه البداية محفوظة بالتسليم وغير قابلة لأفعال سابقة
عليها، وبذلك حبست التذكار في أفعال يمكن أن يزاد عليها بعد فعل الموت مثل فعل
القيامة … إلخ، ولكن لا يمكن أن يسبقها

كالآلام

وهكذا ظلت هذه البداية
tÕn q£naton هي الهادية والمرشدة والحارسة لأصل التقليد القبطي في “التذكار”
في مفهوم “الموت” أصلاً ثم ما يتبعه، فبقي التذكار في الطقس القبطي في كافة
بردياته ورقوقه ومخطوطاته القديمة والحديثة حتى اليوم ممثلاً في أنافورا القديس
مرقس الرسول (الطقس القبطي) يخلو تماماً من ذكر الآلام والصلب والقبر، أمَّا طقس
الأنافورا الباسيلي (الطقس القبطي) فقد نقل عن البيزنطي وفقد طابعه القبطي في هذا
المجال. وأمَّا أنافورا القديس غريغوريوس (الطقس القبطي) فوقف وسطاً، إذ لم يذكر
الآلام ولكنه أضاف بعد “الموت” “القبر ثلاثة أيام”، الذي كان أول مَنْ أضافها هو
القديس باسيليوس في ليتورجيته.

(ج) إضافة
“الجلوس” عن يمين الآب و“المجيء الثاني” و“الدينونة”:

أول ظهور
لهذه الأعمال الثلاثة
“الجلوس” و“المجيء الثاني”
و“الدينونة”
جاء في رقوق مانشستر (القرن السادس). ولكن
يُلاحَظ أن التذكار بدأ يأخذ صفة المخاطبة الرسمية “لله الآب ضابط الكل” بعد أن كان مرد الشعب تخاطبياً مع المسيح رأساً
[بموتك يا رب نبشِّر وبقيامتك نعترف ونتضرع
إليك].

ثم نجد
درجة أخرى في التطور في صياغة التذكار من جهة التشديد على الصفات الإلهية
والخلاصية للمسيح من بعد زمن القديس كيرلس الكبير نتيجة الصراعات العقائدية وخاصة
فيما يخص
“الموت”. فبينما نجد في مرد القديس كيرلس
الكبير صفات المسيح محدودة في المونوجينيس (حسب التقليد الإسكندري العتيق): “لأننا
نبشر “بموت” يسوع المسيح
“ابن الله الوحيد”

“حسب الجسد” …”، نجد في
رقوق مانشستر أن هذه الصفات تنمو لتصبح: [بموت ابنك الوحيد
ربنا
وإلهنا ومخلِّصنا وملكنا كلنا
يسوع المسيح]. كما يُلاحَظ أن “المجيء
الثاني”
وُصف “بالمجد” فقط
دون أن يذكر أنه “مخوف”، كذلك فإن
“الدينونة” انصبَّت على
[“يدين المسكونة بالعدل” ويُعطي كل واحد حسب أعماله “إن
خيراً أو شراً”]
. وهذه سوف ندرسها بالتفصيل بالمقارنة مع الطقس
السرياني البيزنطي الذي أخذت عنه أنافورا الإسكندرية.

ومن بعد
زمن رقوق مانشستر لم يصلنا عن التذكار إلاَّ ما هو مسجَّل في مخطوطة القرن الثالث
عشر لبرايتمان، حيث لا نجد زيادات إلاَّ في أمور طفيفة، وما ترتب على ذلك من إدخال
“الخوف والرعدة” لأول مرة في مردات الشماس في الأنافورا المصرية.

الأصول
الأُولى للتذكار التي أخذت منها وأخذت عنها أنافورا الإسكندرية:

صيغة
“التذكار
anamnesis، في
ليتورجية
قوانين الرسل (كليمندس):

إن أساس التركيب في “التذكار” كصيغة اعترافية كاملة ظهرت في الطقس السرياني
منقولة عن صيغة اعتراف مستخدمة في الكنيسة الأنطاكية سنة 341م كان يتلوها المعمدون
بالفعل، وقد قام “ليتزمان” بتحقيق هذه الوثيقة وموازاتها كلمة كلمة مع طقس التذكار
في ليتورجية كليمندس (قوانين الرسل). وهي تسجل لنا ممارسة الليتورجية في بطريركية
أنطاكية في القرن الرابع
([9]). فوجود التطابق يفيد أن الليتورجيا أدخلت هذا الاعتراف
بترتيبه ولغته، ولذلك أخذ
التذكار صورة اعتراف عام
وهو كالآتي:

[(أ) ولذلك
إذ نحن نتذكر (1)
،
آلامه، وموته (2)
، وقيامته
من بين الأموات (3)
، وعودته
إلى السموات (4)
، وظهوره الثاني الآتي (5)،
الذي يأتي فيه بمجد وقوة (6)
، ليدين
الأحياء والأموات (7)
، ويجازي
كل واحد بحسب أعماله (8)
،

(ب) نقدم لك يا إلهنا وملكنا (9)، ما هو
بحسب “تأسيسه
Institution di£taxin (10)-،: هذا الخبز وهذه الكأس (11)،

(ج) مقدمين
الشكر (12)
، بواسطته، لأنك حسبتنا مستحقين
(13)
،
أن نقف أمامك لكي نقدم لك ذبيحتنا (14)
،
(لكي نكهن لك).]
([10])

هذا
التذكار
([11])
الوارد في ليتورجية قوانين الرسل (المنسوب لاكليمندس) يُعتبر في الحقيقة المنبع
الذي أخذت عنه كل ليتورجيا ما يوافقها.

أمَّا
الهيكل العام بالنسبة “للتذكار” في وضعه الأولي فيبدو واضحاً في ليتورجية التقليد
الرسولي لهيبوليتس قبل أن تملأه ليتورجية قوانين الرسل (كليمندس) بهذه الصيغة
المطولة للاعتراف المستخدم آنئذ في المعمودية.

 

“التذكار”
في هيبوليتس:

[(أ) لذلك
نذكر موته وقيامته،

(ب) نقدِّم
لك الخبز والكأس،

(ج) نشكرك
إذ جعلتنا مستحقين أن نقف أمامك ونخدمك ككهنة].

وبالرغم من
أن هذه تعتبر أكثر الصيغ اختصاراً وشمولاً إلاَّ أننا بحسب اعتقادنا نعتبر أن
الصيغة الواردة في بردية دير البلايزه حسب طقس الإسكندرية أقدم من هيبوليتس، لأنها
مسجَّلة في وضعها البدائي كمرد طبيعي للشعب على وصية الرب، فلم تكن الليتورجية آنئذ
قد انتبهت لتجعل للتذكار وضعاً مستقلاً داخلها.
ولكن على أي حال تشترك
هاتان الصيغتان
في القدم والأصالة الرسولية بلا
نزاع.

القديس باسيليوس يضيف أعمالاً وأوصافاً جديدة على “التذكار” الوارد في
“قوانين الرسل”:

 (أ) ببحث ليتورجية القديس باسيليوس في الطقس البيزنطي يتضح لنا أنه أضاف
ثلاثة أعمال
على الأعمال الواردة في الطقس
الأنطاكي في تذكار ليتورجية قوانين الرسل (كليمندس)، وبفحص هذه
الأعمال الثلاثة وجدها ليتزمان أنها موجودة أيضاً في
قانون الاعتراف للمعمدين في الطقس
الأنطاكي، ولكن أغفلتها ليتورجية قوانين الرسل ولم تسجلها عندها، فقام القديس
باسيليوس بإضافتها على
التذكار في ليتورجيته. وهذه الأعمال هي [صليبه
المحيي، وقبره ثلاثة أيام، وجلوسه عن يمين الآب]
([12])
وواضح أن الأنافورا الإسكندرية أخذت منه العمل الثالث فقط أي “الجلوس عن يمين
الآب”.

(ب) كذلك
أضاف القديس باسيليوس وصف “المخوف” على صفات
“المجيء
الثاني”.
وهذه الصفة أدخلتها أنافورا الإسكندرية مع أنها غريبة عن الروح
القبطية.

(ج) كما
أضاف جملته المشهورة ذائعة الصيت في كل الليتورجيات [نقدِّم لك ما هو لك من الذي
لك]. وهذا الاصطلاح حير كثيرين من الباحثين واعتبروه لغزاً وأحجية شعرية، ولكنه في
الحقيقة يحمل معنى طقسياً عميقاً. وقد قام العالم كوكن ببحث هذا الاصطلاح بإسهاب
دون أن يصل في الحقيقة إلاَّ إلى هذا السؤال المحيِّر “وليس لدينا أي مستند يقدر
أن يعطينا جواباً لهذا”. ولو أن كوكن تقارب كثيراً مع الحقيقة عندما أفصح عن أن هذا
التقديم يشمل مفهوم إفخارستيا متكاملة قبل ميعادها أي قبل التقديس بالروح القدس.

أمَّا
شرحنا لهذا الاصطلاح فهو كالآتي:

الاصطلاح
من مقطعين:
المقطع الأول:
“من الذي لك”،
والثاني “ما هو
لك”.

المقطع الأول:
يشير إلى الخبز والخمر في وضعهما البسيط قبل أن يصيرا إفخارستيا إذ
يحسبان كما يقول القديس إيرينيئوس أنهما “
من
الخليقة”، فهما “من الذي لله”.

المقطع الثاني: “ما هو لك”،
فهذا يشير إلى الإفخارستيا بعد التقديس (إتمام طقس تقديم الحمل) أي بعد أن صارا ما
هو للمسيح، والمسيح هو لله الآب، فهنا
أي بعد التأسيس والخبز مقدَّم على أنه جسد المسيح والخمر على أنه دم
المسيح، يقف الكاهن ويقرِّب هذه (القرابين) الذبيحة للآب باعتبارها جسد المسيح،
ودمه اللذين كانا قبل التقديس من خبز وخمر (من خليقته): “نقرِّب ما هو لك من الذي
لك”. أمَّا أنافورا القديس باسيليوس (الطقس القبطي باللهجة

الصعيدية) في بردية القرن الرابع فتذكر بالتحديد بعد “قرابينك” فتقول:
[ete nai ne peioeik mn
peipothrion
] “الذي هو
هذا الخبز وهذه الكأس”
دون ان تذكر “من الذي لك”. وهنا
يلزم الإشارة أن الطقس القبطي لم يأخذ بهذا الاصطلاح إلاَّ بعد القرن السادس،
فرقوق مانشستر تخلو أيضاً من هذا الاصطلاح
([13]).

(د) ثم
أضاف أيضاً القديس باسيليوس على اصطلاح التقديم السالف قوله (بحسب ترجمة الروم): [نقدمها
لك على كل شيء ومن جهة كل شيء
kat¦ p£nta kaˆ di¦ p£nta].

وهذا
اصطلاح لم يأخذ به التقليد الإسكندري ولم يدخل أنافوراتها الأُولى كما تسجله كل
بردياتها ورقوقها. ولكن دخل ضمن أنافورا القديس باسيليوس (قبطي) وأنافورا القديس
غريغوريوس (قبطي) المأخوذين عن الطقس البيزنطي، ولكن بصيغة أخرى مخالفة [على كل
حال ومن أجل كل حال وفي كل حال]. وهذه قريبة جداً من تلك الواردة في صلاة الشكر
الصغرى التي تقال كإفخارستيا على الكأس في تقديم الحمل. لذلك نستطيع أن نفهم
معناها في ضوء أن الإفخارستيا هي صلاة شكر، وأن الذبيحة فيها هي أيضاً ذبيحة شكر
نقدمها لله بواسطة المسيح على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال، عربون الرضى
والحمد والتسبيح.

(ه) عند
ذكر تقديم الذبيحة على كل شيء ومن جهة كل شيء يتوقف التذكار
anamnesis
عند القديس باسيليوس في الطقس البيزنطي ليقدم الشعب مرد التسبيح هكذا [نسبحك.
نباركك. نشكرك يا رب ونتضرع إليك يا إلهنا.]([14])

فمن أين
أتى القديس باسيليوس بهذا المرد؟

حقيقة هذا
المرد وأصله يتركز في كلمة
“مقدمين الشكر”
التي وردت قبل التقديم في هذا المكان من التذكار في ليتورجية قوانين الرسل. فقد
قام القديس
باسيليوس برفع هذه الكلمة من مكانها الأصلي (من التذكار كما هو مسجل في ليتورجية
قوانين الرسل
الطقس الأنطاكي) وحولها في
ليتورجيته الخاصة (الطقس البيزنطي) إلى مرد تسبيح للشعب تعبيراً عن هذا الشكر. أي
بدل أن يقول الكاهن
“مقدمين الشكر”، جعل الشعب
يقدم هذا الشكر بالفعل على هيئة تسبيح.

وماذا حصل للطقس
القبطي؟

الطقس
القبطي في أنافورا القديس مرقس لم يأخذ بهذا المرد في هذا المكان بالذات وإن كان
استخدمه في مكان آخر أسبق.

أمَّا الطقس القبطي في أنافورا القديس باسيليوس المأخوذ عن أنافورا القديس
باسيليوس الطقس البيزنطي فأخذ بهذا المرد وأدخله فعلاً في هذا المكان من التذكار
مع حذف الجزء الأخير منه. ولكن ظهر تعارض شديد بين هذا المرد وواقع الحال. وقد
حاول الطقس القبطي أن يتدارك الموقف بالنظر إلى تقليد الإسكندرية الأصيل لأنه
بينما تكون الذبيحة موضوعة على المذبح، والكاهن يلح بتوسل لحلول الروح القدس أصبح
هنا السجود (وليس التسبيح) أمراً حتمياً حسب الذوق والروح القبطية، لذلك تدارك
الطقس القبطي هذا الموقف وجعل الشماس يأمر [اسجدوا لله بخوف ورعدة]
وطبعاً هذا غير وارد في الطقس البيزنطي عند
القديس باسيليوس. ولكن وبالرغم من ذلك ظهر التعارض واضحاً في الطقس القبطي لأنه
بينما يأمر الشماس
بالسجود بخوف
ورعدة،
إذا مرد الشعب يقول: [نُسبِّحك، نباركك!!!]

أمَّا في
طقس أنافورا القديس مرقس (القبطي) فقد احتُفِظَ هنا في هذا الموقف بمرد قاطع
ومناسب جداً [كرحمتك يا رب ولا كخطايانا] رداً على الكاهن عند ذكر الدينونة مباشرة
[هذا الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل ويعطي كل واحد كأعماله إن خيراً او
شراً]. أمَّا بعد ذكر تقديم القرابين [أنت الذي وضعنا أمام مجدك القدوس قرابينك]
فجعلت الشماس يأمر بالسجود:
دون تسبيح!! (انظر
الخولاجي المطبوع)

ولكي يظهر
واضحاً أمام القارئ هذا التقليد الإسكندري الأصيل المبدع نقدِّم هذا الجدول:

 

الجزء الأول
من التذكار
anamnesis

مقارنة بين القداس
الباسيلي (البيزنطي) والباسيلي (القبطي)

والقديس مرقس (التقليد
الإسكندري)

 

القداس
الباسيلي

(الطقس
البيزنطي)

القداس
الباسيلي

(الطقس
القبطي)

أنافورا
القديس مرقس (القداس الكيرلسي) التقدليد الإسكندري

فإذ نحن
متذكرون أيها السيد

 

ففيما
نحن نصنع ذكر

 

فالآن يا الله
الآب الضابط الكل فيما نحن نبشر

آلامه
الخلاصية
وصليبه المحيي ودفنه ذا الثلاثة أيام

آلامه المقدسة

 

وقيامته
من بين الأموات وصعوده إلى السموات

 

وقيامته
من بين الأموات وصعوده إلى السموات

بموت ابنك
الوحيد ربنا
وإلهنا ومخلِّصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح
ونعترف بقيامته المقدسة وصعوده إلى السموات.

وجلوسه
عن يمينك أيها الآب

وجلوسه
عن يمينك أيها الآب

وجلوسه
عن يمينك أيها الآب

ومجيئه
الثاني

وظهوره الثاني الآتي من السموات

وننتظر
ظهوره الثاني الآتي من السموات

المجيد
الرهيب

المخوف
المملوء مجداً

المخوف
المملوء مجداً في انقضاء الدهر

 

 

 

 

هذا الذي
يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل ويعطي كل واحد كأعماله إن كان خيراً وإن كان
شراً

 

 

يقول الشعب:

 

 

كرحمتك يا
رب ولا كخطايانا

التقريب:

التقريب:

التقريب:

التي لك
مما لك

نقرِّب
لك

أنت الذي
وضعنا أمام مجدك القدوس

نقدمها
لك

قرابينك
من الذي لك

قرابينك مما لك يا أبانا القدوس

على كل
شيء ومن جهة كل شيء

على كل
حال ومن أجل كل حال وفي كل حال

 

 

الشماس:

الشماس:

 

اسجدوا
لله بخوف ورعدة

اسجدوا
لله بخوف

الخورس:

الشعب:

 

إياك
نسبِّح إياك نبارك إياك
نشكر يا رب

نسبِّحك
نباركك نخدمك
نسجد لك

 

الكاهن:

الكاهن:

الكاهن:

لأجل هذا
أيها السيد

ونسألك
أيها الرب إلهنا

نسأل
ونطلب

ملحوظة:

(أ) [ما هو
مكتوب بالبنط الثقيل] مميزات خاصة انفرد بها التقليد الإسكندري عن تقليد القديس
باسيليوس.

(ب) [ما هو
خطه مائل] النصوص المشتركة بين الطقس البيزنطي والطقس القبطي المأخوذ عن البيزنطي.

1
واضح من هذا الجدول أن القديس باسيليوس (القبطي) خرج عن
التقليد القديم الإسكندري وذكر “الآلام”
وأسقط
“الموت”.

2
وواضح من هذا الجدول لماذا احتفظت أنافورا القديس مرقس (الطقس القبطي) بمرد الشعب
“كرحمتك يا رب ولا كخطايانا” في هذا الموضع بالذات، لأن التلاوة السابقة التي
تنتهي عندها تذكر الدينونة بحسب الأعمال، فطبيعي أن يكون المرد هو لطلب الرحمة.
ولكن لأن كلاً من القداس الباسيلي (الطقس البيزنطي) والطقس القبطي أسقط ذكر
الدينونة، فأصبح المرد هنا بلا معنى لذلك سقط عن الطقس.

3
التقليد الإسكندري الأصيل والقديم جداً يتميز بأنه لا يُقرّب القرابين بصيغة
المضارع بل يذكرها في الفعل الماضي

قُدِّمت ووُضعت وسبق وضعها
مؤكداً
أنها
قُربت في السابق. وهذا له علاقة جوهرية ومعنى خطير
بالنسبة للأنافورا كلها، كما سبق وأوضحنا لأن طقس
“تقديم
الحمل”
هو رفع قرابين.

4
الطقس البيزنطي أجاز التسبيح في موضع التقريب، أمَّا الطقس الإسكندري الأصيل في
أنافورا القديس مرقس فلم يجز ذلك بل إذ رأى الذبيحة مقدَّمة لله الآب، ونحن بصدد
المجيء وذكر الدينونة وبصدد طلب حلول الروح القدس، يطلب الشماس من الشعب
“السجود
بخوف”.
أمَّا في قداس القديس باسيليوس (القبطي) الذي يقتبس هنا من الطقس
البيزنطي مباشرة فقد تدارك الموقف وجعل مع
التسبيح
السجود بخوف ورعدة.
فبدأ الوضع متعارضاً نوعاً ما، إذ
صار مع السجود
بخوف ورعدة تسبيح
وترتيل؟

5 – كذلك من
المهم أن نشير إلى كيفية اقتباس نداء الشماس عن قول الكاهن في الكلام عن المجيء
الثاني المخيف أو المخوف، إذ صار من المناسب طقسياً وعملياً أن ينادي الشماس
بالسجود “بخوف ورعدة” في هذه اللحظة وطبعاً هذا النداء مأخوذ
أصلاً عن قول القديس باسيليوس من جهة المجيء الثاني أنه مخيف لأنه هو أول مَنْ وصف
هذا الوصف.

6 ولكن
المرد الذي أدخلته أنافورا القديس مرقس الرسول (الطقس القبطي) بعد ذكر الدينونة
بحسب الأعمال: “كرحمتك يا رب ولا كخطايانا” هو مقتبس من ليتورجية القديس
يعقوب الطقس السرياني حيث يأتي فيها ضمن التذكار وضمن كلام الكاهن إذ يقول: “ونحن
نتوسل أن تعاملنا لا كخطايانا ولا تجازنا بآثامنا بل كرحمتك”. هذا
التقطته الأنافورا القبطية من فم الكاهن ووضعته في فم الشعب، وهذا في الحقيقة أوقع
وأكثر شمولاً. كما نلاحظ أن هذا المرد نفسه أخذته أنافورا القديس باسيليوس (الطقس
القبطي) في موضع موازٍ قبل التأسيس، أي قبل التقديس على الخبز وسيأتي الكلام عنه
في حينه.

والذي نريد أن ننبه
عليه هنا هو وضوح كيفية تكوين مردات الشعب ونداءات الشماس، فهي إمَّا مستوحاة من
كلام الكاهن، كما هو واضح في مرد [كرحمتك يا رب ولا كخطايانا]، أو مأخوذة عنها كما
هو حادث في نداء الشماس [اسجدوا لله بخوف ورعدة]، أو مرفوعة نهائياً من كلام
الكاهن ومحولة إلى هتاف للشعب مثل تحويل قداس القديس باسيليوس قول الكاهن “نشكرك أو نقدم لك الشكر في التذكار” إلى “نسبِّحك. نباركك. نشكرك يا رب ونتضرع
إليك يا إلهنا”. وقد جاء هذا المرد مأخوذاً عن الطقس البيزنطي حرفياً في كل
الأنافورات المستعملة الآن في الكنيسة القبطية في نهاية التأسيس وبداية التذكار
عند قول الكاهن “لأن كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون
بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن آجيء”. ولكن موضعه هنا مقبول جداً وصحيح
تماماً لأن الموقف موقف قيامة وتذكار دائم حتى المجيء!! فهو يستحق التسبيح حقاً.

7 كذلك من
جهة وصف الدينونة على نمط كتابي كما جاء في سفر الأعمال (31: 17)
[ليدين المسكونة بالعدل]، نجد أن أنافورا القديس مرقس الرسول (الطقس القبطي)
تحذو حذو ليتورجية القديس يعقوب (الطقس السرياني)، بينما نفس أنافورا
القديس مرقس (الطقس البيزنطي) تأخذ وصفاً آخر للدينونة اقتبسته من ليتورجية
القديس يعقوب (الطقس البيزنطي) [ليدين الأحياء والأموات ويعطي كل واحد كنحو
أعماله]. وهذا أيضاً مطابق لما جاء في ليتورجية كليمندس (قوانين الرسل).

وهنا يلزم التنبيه أن
الشكل الأولي القديم لليتورجية القديس يعقوب الرسول كان شبيهاً إلى درجة كبيرة
بليتورجية كليمندس (قوانين الرسل الكتاب الثامن)، قبل أن تتأثر
ليتورجية القديس يعقوب الرسول ويعاد صياغتها على الأساس الباسيلي([15]).

والملاحَظ
أيضاً أن أنافورا القديس غريغوريوس (الطقس القبطي) خرجت عن الطقس الإسكندري واقتبست
هذا الوصف عن الطقس البيزنطي وقالت [ليدين الأحياء والأموات].

8 والملاحظ بالنسبة للطقس القبطي في موضوع التذكار كما تكشفه لنا
المخطوطات العتيقة، أن التقليد يشدِّد عليه كوضع متميز. ففي المخطوطات يهتم
النسَّاخ بوضع صليب
قبل البدء في التذكار وذلك قبل كلمة tÕn q£naton المشهورة. وليس هنا فقط في هذا الموضع يهتم التقليد
القبطي بالتأكيد على أهمية التذكار، بل وأيضاً في صميم التأسيس عند قول الكاهن: [لأن
كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشِّرون بموتي …]. فإن عند
أول كلمة
“لأن كل مرة Ós£kijنجد الناسخ يضع صليباً ثم يشدِّد على أول حروف الكلمة بأن
يجعلها حرفاً كبيراً (
Capital) مشيراً إلى بداية هامة في نظر التقليد الكهنوتي، وهذا واضح
للغاية في رقوق مانشستر وفي بردية دير البلايزة … وهذا بالتالي يؤكِّد ما سبق أن
قلناه من أن التقليد القبطي يشدِّد على التذكار سواء في التأسيس أو في مبدأ حلول
الروح القدس، تأكيداً على أن الأنافورا في أهم أجزائها هي تذكارية بالدرجة الأولى،
وهذا يعتبر على حد قول (كوكن) أنه وضع فريد ينفرد به الطقس القبطي
([16]).

 

3 – “التقريب” أو
“التقديم”

ذكرنا أن التذكار
ينقسم إلى ثلاثة أقسام (صفحة 672):

أولاً: بادئة التذكار.

ثانياً: موضوع التذكار.

ثالثاً: التقريب.

والآن نأتي إلى الجزء
الثالث:

هنا اختلاف جوهري بين
التقليد الإسكندري الأصيل، وبين التطور الشهير الذي حدث في الليتورجيا السريانية
والبيزنطية الناتج من ضياع مفهوم الأنافورا ككل.

فالطقس
الإسكندري الأصيل لا يقول “بتقديم” جديد للقرابين أي مرة أخرى
هنا، فأنافورا القديس مرقس الرسول (الطقس القبطي) لا تذكر هنا إطلاقاً أنها تقرب
الآن قرابين، ولكنها تقول [أنت الذي “وضعنا” أمام مجدك القدوس قرابينك مما
لك يا أبانا القدوس]. هنا كلمة “وضعنا” لا تفيد التقديم كما أنها لا تفيد
أي فعل أو أي عمل في الحاضر أي في هذه اللحظة، بل “وضعنا هنا”
تفيد لغوياً ومعنوياً: “أنت الذي سبقنا فوضعنا أمامك”. فهو عمل يختص بإجراء
سابق هناك في “تقديم الحمل”.

لقد أربكت هذه الكلمة
بما تفيده من إجراء تقديمي كل العلماء والباحثين، لأنها تأتي في جميع الليتورجيات
السريانية والبيزنطية بمعنى “التقديم” في الحاضر
prosfšromšn
soi
“نقدِّم”
لك أو “نقرِّب لك”. هكذا جاءت في ليتورجية قوانين الرسل (كليمندس)، وفي ليتورجية
القديس يعقوب، وجاءت في ليتورجية القديس باسيليوس (الطقس البيزنطي) وليتورجية
القديس يوحنا ذهبي الفم
prosfšrontej. فالسؤال الذي طرح
نفسه وحيَّر العقول
إذ لا
جواب له على الإطلاق
هو كيف
يصير تقديم من جديد هنا؟

ولكن شكراً
للطقس الإسكندري وللتقليد القبطي الذي أبقى على مفهوم هذا الوضع بإعطائه هنا الكلمة
الصحيحة بالمعنى الصحيح العميق
proeq»kamen (أي وضعنا سابقاً) وهي هنا
بحسب أبحاث كوكان
لغوياً في
الماضي
aorist.

وبالبحث وراء أصول أخرى
لهذه الكلمة تكون ذات تقليد قديم، وجد في أنافورا أثرية للقديس باسيليوس، وهي
مخطوطة باللغة القبطية (اللهجة الصعيدية) منذ بداية القرن الرابع، النص القبطي
الصعيدي المطابق حرفياً لهذه الكلمة اليونانية وهي
ean]r `pkw erai                  ومعناها
حرفياً “التي سبق أن وضعناها أمامك”.

وهكذا
يزداد التقليد الإسكندري وضوحاً وفهما أن هنا ليس تقديم ولا تقريب، ولكن تذكير
الآب “بوضعها السابق أمامه”، وهذا ما تزال تفصح عنه أنافورا القديس مرقس بكل دقة
حتى إلى يومنا هذا بدون تحريف: [أنت الذي وضعنا أمام مجدك القدوس قرابينك مما لك
يا أبانا القدوس].

وللقديس
أثناسيوس الرسولي إشارة في قوانينه عن الإفخارستيا بخصوص أصل ومعنى
“مما
لك”

القانون السابع والثمانون:

[فالله
يطلب منَّا سبباً لكي نخلص، وهو لا يحتاج إلى قرابين لأن داود يقول في سفر الملوك:
» منك الجميع ومن يدك أعطيناك «(1أي 13: 29). وبالحقيقة أن كل الأشياء الكائنة هي له.] (مخطوطة
النوموكانون)

كذلك يقول
القديس أثناسيوس الرسولي في موضع آخر:

[يقول الرب:
» تقدماتي هي عطاياي «(عد 2: 28 ترجمة سبعينية). أي أن الذي تقدمون
لي هو أصلاً عطيتي لكم …] (الخطاب الفصحي الخامس)

وليست هذه
هي أول مرة تذكر فيها أنافورا القديس مرقس (الطقس القبطي) هذا الاصطلاح أي
“الوضع
السابق للقرابين”
، لأن هذا الاصطلاح يتكرر ثلاث مرات:

(أ) ففي
موقف موازٍ بل ومساوٍ تماماً لهذا الموقف قبل التأسيس (تقديس القرابين) عند طلب
حلول الروح القدس للبركة والتقديس على الخبز والخمر، تقول الأنافورا: [قرابينك هذه
المكرمة
المبدوء بوضعها أمامك هذا الخبز وهذه الكاس].
وترجمتها القبطية توضح هذا المعنى بصورة أدق مؤكدة إلى طقس “تقديم الحمل” السابق،
ثم محاولة مشددة لنفي أي فهم أن هنا تقديماً جديداً.

(ب) كذلك
أيضاً إذ يتكرر الوضع ونحن بصدد طلب حلول الروح القدس مرة أخرى تعود الأنافورا
وتطبق نفس الكلام والتعبير لكي تنفي أن هنا تقديماً جديداً. وتشير إلى كرامة ما
سبق أن تمَّ بالتقديس السابق وتحفظ حقّ فاعلية الطقس الأول (طقس تقديم الحمل).

(ج) أمَّا
في المرة الثالثة والأخيرة فيأتي هذا الاصطلاح في نهاية استدعاء الروح القدس بعد
التأسيس هكذا: [علينا نحن عبيدك وعلى هذه القرابين التي لك
المكرَّمة
السابق وضعها أمامك
].

والآن نوجز
هذه المواضع الثلاثة التي أتى فيها هذا الاصطلاح الهام في أنافورا القديس مرقس
(الطقس القبطي) في الجدول الآتي:

قبل
التأسيس

 في حلول
الروح القدس الأول

بعد
التأسيس

وقبل حلول
الروح القدس الثاني

في

حلول الروح
القدس الثاني

قرابينك
هذه المكرمة
المبدوء بوضعها
أمامك. هذا الخبز وهذه الكأس.

أنت الذي
وضعنا أمام مجدك القدوس قرابينك مما لك يا أبانا
القدوس.

علينا
وعلى هذه القرابين المكرمة التي لك
السابق
وضعها أمامك
على هذا الخبز وعلى هذه الكأس.

أمَّا
اتفاق الطقس السرياني والطقس البيزنطي في القول هنا بصيغة المضارع (الحال الواقع)
“نقدم لك”، فهو إن لم يكن تجاهلاً بما تم من التقديس في طقس التقديم الأول فهو على
الأقل تجاهل بما تمَّ في التقديس عند تلاوة التأسيس. ولكن في عرفنا أن هذا ليس
تجاهلاً بقدر ما هو جهل بالطقس وعمقه واتساعه وفنه العالي. لأنه بحسب ملاحظتنا أنه
منذ بداية التغيير الكثير والاقتباسات التي بلا حد التي حدثت في القرن الثالث بين
الطقوس المتعددة وحشر الصلوات والاقتباسات في غير مواضعها، كل ذلك أضعف معالم
التقليد القديم وضيَّع حدوده.

ولكن
الحقيقة التي لا تقبل الشك أن كلاًّ من الطقس السرياني والطقس البيزنطي أهمل تماماً
ومنذ القرن الرابع “طقس التقديم العملي” الأول الذي كان على نمط سر العشاء الأخير،
واستعاض عنه تماماً بالليتورجيا إن لم يكن من جهة الإجراء فمن جهة العقيدة والفهم
الطقسي، فاعتبر أن طقس التقديم لا وجود له إلاَّ بالشكل حيث يوضع الخبز والخمر على
المذبح لتجرى عليهما إجراءات شكلية لا علاقة لها بالتقديس. فلما مات مفهوم التقديم
باعتباره تقديساً للقرابين، سهل بعد ذلك استخدام كلمة “نقدم لك” بالفعل المضارع،
وأصبح من الممكن وضعها في أي مكان بلا خوف ولا حذر.

ولكن
بالرجوع إلى جميع الأنافورات المصرية القديمة بكل بردياتها ورقوقها ومخطوطاتها
التابعة لتقليد الإسكندرية والممثلة في طقس أنافورا القديس مرقس الرسول، لا نجد
إلاَّ كلمة
proeq»kamen أي “السابق وضعها” عند التعبير عن “التقديم” إلاَّ في موضع واحد
وهو في صلاة الإفخارستيا (في مقدمة الأنافورا)

المحسوب أنها جزء لا يتجزأ من تقديم الحمل، عندما يقول [هذا (المسيح) الذي بواسطته
نشكر
“ونقرِّب” لك … هذه “الذبيحة
الناطقة”
وهذه الخدمة غير الدموية] حيث كلمة نقرِّب prosfšromen هنا لا تأتي بمعنى تقديم
الخبز والخمر
ولكن “تقريب
ذبيحة”
تامة ناطقة وذلك إشارة بليغة إلى ما تم في طقس تقديم الحمل. فهنا في
الواقع تقريب التقديم أو
The
prosphora of the prosphora
،
أي تقريب الذبيحة التي تمَّ تقديمها!

وهذا
المعنى يزداد وضوحاً وتأكيداً في أنافورا سيرابيون عندما يقول: [هكذا نحن أيضاً إذ
نصنع مثال موته
“نقدم” هذا الخبز
ونتضرع إليك أن بهذه
“الذبيحة”
تتصالح معنا …]. وهذا تقوله أنافورا سيرابيون قبل طلب حلول اللوغوس ليصير الخبز
جسداً والخمر دماً للكلمة بل وقبل أن تكمل تلاوة التأسيس!

وبناءً على
ذلك فإن هذا الاصطلاح “القرابين السابق وضعها أمامك” يفصح عن معنى واحد للأنافورا
كلها: أنها هي عبارة عن رفع هذه القرابين (السابق وضعها وتقديسها) إلى الله الآب!
هذا هو المعنى اللاهوتي والخلاصي الذي كان يفهمه تماماً واضع أنافورا سيرابيون عند
قوله:
[نقدِّم هذا الخبز ونتضرَّع إليك أن بهذه الذبيحة
تتصالح معنا …
]. أمَّا التأسيس، وأمَّا حلول الروح القدس فهو
لتأكيد هذه الحقيقة
أي
التقديس الذي تمَّ في طقس رفع الحمل

وبلوغ تحقيقها على كل المستويات عملاً وطقساً وشرحاً وإعلاناً وسرًّا وتناولاً!

 

مقدِّمة
الاستدعاء

أو مضمون
التضرُّع

 

يختتم
التذكار في صيغته الأُولى المختصرة

“بالتضرع”
كما وردت في بردية دير البلايزه في أول مرد يحويها [بموتك يا رب نبشِّر وبقيامتك
نعترف
“ونتضرَّع إليك”]. هذه الكلمة “ونتضرع إليك” هي
بادئة للدخول في طلب حلول الروح القدس. فلمَّا تحول هذا المرد إلى صلاة تذكارية
مطولة، لم يَفُت على القديس باسيليوس واضعها أن ينهيها أيضاً
“بالتضرُّع”.
فبعد أن يذكر الموت والقيامة والصعود والجلوس والمجيء الثاني والدينونة ثم المرد
الذي أدخله ضمن هذا التذكار، يعود في النهاية ويختم “بالتضرع”. ولكن ليس بكلمة
واحدة كما في المرد الوارد في بردية دير البلايزه “ونتضرع إليك”، بل بصلاة أيضاً
مطولة، إذ يأخذ من كلام الكاهن الوارد في ليتورجية قوانين الرسل (كليمندس) قوله
[لأنك
حسبتنا مستحقين أن نقف أمامك لكي
نقدِّم لك ذبيحتنا]. ويربط القديس باسيليوس بين “التضرع إلى الله” كما يطالب به
التذكار وبين أن الله يحسبنا مستحقين للوقوف أمامه وقت حلول الروح القدس، ويضع
صلاة أخرى مطولة مستوحياً كلماتها من قول القديس بولس الرسول في رسالته إلى تيطس 3:
5و6
» لا بأعمال في برٍّ عملناها
نحن بل بمقتضى رحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه
بغنى علينا بيسوع المسيح
«

وهكذا
تحولت كلمة “ونتضرع إليك” إلى “صلاة تضرع” تمهيداً لحلول الروح القدس في ليتورجية
القديس باسيليوس.

وهكذا تبدأ
سلسلة الإضافات على نمط ليتورجية القديس باسيليوس، وأول ليتورجية تأثرت بهذه
الصلاة التضرعية هي ليتورجية القديس يعقوب الرسول فيما بعد القرن الرابع، وأضافت
عليها عبارات خشوعية أكثر تضرُّعاً وإنسحاقاً، ولكنها اهتمت بوضع كلمة
“ونتضرع
إليك”
في مستهلها، فاحتفظت بذلك “بكلمة الأصل” التي انبثقت منها الصلاة.
وزادت على الأسلوب الذي سلك به القديس باسيليوس إذ جعلت التضرع قسمين: قسم عام
يتكلم فيه الكاهن بصيغة الجمع، وقسم خاص في النهاية يتكلَّم فيه عن نفسه خاصة من
جهة “نجاسات قلبه” راجياً أن لا يكون ذلك مانعاً لحلول الروح القدس على الشعب. كما
أشركت الشعب رسمياً في التضرُّع بصورة مؤثرة.

أمَّا
أنافورا القديس مرقس الرسول (الطقس القبطي) فقد اقتبست مباشرة من ليتورجية القديس
يعقوب الرسول الأسلوب والمنطق ونفس الكلمات، ولكنها زادت وأسهبت جداً في وصف هذا
التضرع، ونقلت حرفياً عن ليتورجية القديس يعقوب مرد الشعب المكرر بطلب الرحمة.

ولكن بينما
ليتورجية القديس يعقوب الرسول تُعطي الفرصة للشعب وتُقدِّمه هو أولاً ليطلب الرحمة
مرة واحدة ثم يعقِّب الكاهن على الشعب بطلب الرحمة ثلاث مرات، تعكس أنافورا القديس
مرقس الرسول الوضع ويبدأ الكاهن هو بنفسه بطلب الرحمة ثلاث مرات مُعطياً الشعب
الفرصة من بعده لطلب الرحمة كما هو واضح في الجدول التالي.

ولكن
لا يوجد أي أثر في التقليد الإسكندري لهذه الصلاة قبل القرن السادس، وهذا واضح من
رقوق مانشستر (المنسوخة في القرن السادس)، فإن صلاة التضرع هذه قبل حلول الروح
القدس لم تكن تزيد عن ثلاث كلمات “نتضرع ونتوسل إليك” قبل حلول الروح القدس
مباشرة. مما يوضح أن دخول صلاة التضرع في أنافورا القديس مرقس الرسول
مع مردات الشعب بدأت بعد القرن السادس بمدة.

كذلك فإن عدم وجود صلاة
تضرعية بهذا الشكل في كل من بردية دير البلايزه ورقوق مانشستر وأنافورا سيرابيون،
بل وكل ليتورجيات ما قبل القرن الرابع، يؤكد لنا أن هذا الطقس غريب عن التقليد
الإسكندري وأنه بدأ فعلاً في نهاية القرن الرابع زمن القديس باسيليوس. ولكن دخول
مرد الشعب “بطلب الرحمة” هو بعد زمن القديس باسيليوس بدون شك لأن هذا المرد
هو استجابة تأثرية عاطفية من جراء “ذكر الدينونة” والتشديد على محاسبة كل
واحد “كنحو أعماله”. هذا التأثير العاطفي النفساني هو أحد خصائص النسك
السرياني الذي برع فيه القديس أنبا أفرآم السرياني المبني كله على فكرة “الدينونة
المخيفة”،
وهو غريب عن الروح القبطية التي كانت ولا تزال ترى في الليتورجيا
عموماً وفي الإفخارستيا خصوصاً روح الفرح والشكر والتسبيح والانعتاق من الدينونة
المزمعة، ولا تزال الكنيسة القبطية إلى الآن، حتى وبعد مُضِيَّ ثلاثة عشر قرناً
على استخدام هذه المردات الحزينة بطلب الرحمة لا تستسيغ ممارستها إلاَّ في أيام
الصوم فقط، بل ولا يزال لحن الفرح المبهج [هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنفرح
ونبتهج فيه. يا رب خلِّصنا يا رب سهل طرقنا. مبارك الآتي باسم الرب هلليويا] هو
لحن الليتورجيا الأول عند الأقباط والحامل لروحها المستبشرة
في قلوب
جميع الشعب حتى الأطفال، ويندر مَنْ لا يحفظ ويتقن لحنه باللغة القبطية في الكنيسة
القبطية حتى اليوم.

بهذا الهتاف الشعبي
تبدأ
الأنافورا القبطية وتنتهي (أنافورا القديس مرقس) بنفس روح
الفرح بالهتاف: [كما كان هكذا يكون، من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور آمين]. لاحِظ
أن هذا المرد هو ختام الأنافورا للقديس مرقس بعد حلول الروح القدس مباشرة، وبعد
ذلك يرد الكاهن بنفس لحن الفرح والروح المستبشرة: [لكي يتمجد ويتبارك ويرتفع اسمك
العظيم القدوس في كل شيء، كريم ومبارك مع يسوع المسيح ابنك الحبيب، والروح القدس
(لاحِظ أن بهذه الصلاة تنتهي خدمة الإفخارستيا لتبدأ القسمة ثم التناول في أنافورا
القديس مرقس)].

وهذا المقطع بالذات
أيضاً الخاص بالدينونة والمحاسبة أسقطه عمداً القديس باسيليوس من التذكار في
ليتورجيته.
ورفضت أنافورا القديس مرقس (الطقس البيزنطي) استخدامه بالمرة، فهو
غير موجود في كافة نسخها القديمة والحديثة على السواء، مما يؤكد أن منشأه القرن
السادس كما ذكرنا (زمن مجيء
أنبا ساويرس الأنطاكي
إلى مصر).

وأول مَنْ التقطه كان
ليتورجية القديس يعقوب السريانية من ليتورجية قوانين الرسل (كليمندس
السريانية)، وركبت عليه هذا المرد الحزين الذي يتناسب فعلاً مع الروح السريانية.

جدول يبيِّن
صلاة التضرع
كمقدمة
لاستدعاء الروح القدس

يوضح تطور
الصلاة من كلمة واحدة إلى صلاة مطولة ذات مردات

لمار
مارقس

(رقوق
مانشستر)

كليمندس

A.C.

باسيليوس

(البيزنطي)

القديس
يعقوب

 

القديس
مرقس

(القبطي)

(أ)

لقد
وضعنا أمامك قرابينك من الذي لك

 

(أ)

نقدم لك
يا إلهنا وملكنا بحسب تأسيسه هذا الخبز وهذه الكأس

(أ)

التي لك
مما لك نقدمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء

 

 

 

 

 

 

 

أنت الذي
وضعنا أمام مجدك القدوس قرابينك مما لك يا أبانا القدوس

 

 

(ب)

نتضرع
ونتوسل إليك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمين
لك الشكر
لأنك حسبتنا مستحقين

 

 

 

 

 

 

أن نقف
أمامك لكي نقدِّم لك ذبيحتنا

 

مرد: لأجل
هذا أيها السيد القدوس نجسر
نحن أيضاً عبيدك الخطاة غير
المستحقين
الذين أهلنا أن نخدم مذبحك المقدس لا بالنظر
إلى برنا (لأننا لم نصنع شيئاً صالحاً على الأرض)
بل بمجرد
رحمتك ورأفتك
التي أفضتها علينا بسخاء ندنو من مذبحك
المقدس
وإذ وضعنا رسمي جسد ودم مسيحك المقدسين

 

 

“ونتضرع
إليك”: أن
لا تعاملنا كخطايانا ولا تجازنا بحسب آثامنا، ولكن كرحمتك، ورأفتك التي لا يُنطق بها. تجاوز ومزِّق الكتاب الذي
ضدنا نحن المتوسلين إليك.

هب لنا
خيراتك السمائية الأبدية (التي لم ترها عين ولم تسمع بها أُذن ولم تأتِ على قلب
بشر) ما أعددته يا الله للذين يحبونك.

 

 

 

 

نسأل
ونطلب من صلاحك يا محب البشر، لا تخزنا بالخزي الأبدي ولا تطرحنا نحن عبيدك ولا
تصرفنا عن وجهك ولا تقل لنا لست أعرفكم.

بل اعطِ
ماءً لرؤوسنا وينابيع دموع لأعيننا لكي نبكي نهاراً وليلاً أمامك على زلاتنا
لأننا نحن شعبك وخراف قطيعك.

تجاوز عن
آثامنا واصفح عن زلاتنا
التي صنعناها بمشيئتنا والتي
صنعناها بغير مشيئتنا، التي صنعناها بعلم والتي صنعناها بغير علم، الخفية
والظاهرة. التي سبق بإظهارها والتي نسيناها هذه التي يعرفها اسمك القدوس.

(ج)

 

 

 

 

 

 

 

 

(ج)

 

ومن أجل
خطاياي وبسببي أيها القدوس الممجَّد لا ترفض شعبك

اسمع يا
رب طلبة شعبك والتفت إلى تنهدات عبيدك

ومن أجل
خطاياي ونجاسات قلبي لا تحرم شعبك
حلول روحك القدوس

(د)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الكاهن:

لأن شعبك
وكنيستك يطلبون إليك قائلين:

(و)

ارحمنا
يا الله الآب ضابط الكل

(د) الكاهن:
3 مرات

لأن شعبك
وبيعتك يطلبون إليك قائلين

(ه)

 

 

 

 

الشعب:

ارحمنا يا
الله الآب ضابط الكل

 

ارحمنا يا
الله الآب ضابط الكل

(و)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الكاهن:

ارحمنا
يا الله ضابط الكل

ارحمنا
يا الله مخلِّصنا

ارحمنا
يا الله كعظيم رحمتك

 

 

اسجدوا لله
الآب ضابط الكل

أن ترسل
الروح القدس

أرسل
الروح القدس

أرسل
الروح القدس

وأرسل لنا روحك القدوس علينا وعلى هذه

[طلب
إرسال للروح القدس]

ملحوظة:

(أ) [ما هو
مكتوب بالبنط الأسود] مميزات خاصة انفرد بها التقليد الإسكندري عن تقليد القديس
باسيليوس.

(ب) [ما هو
مكتوب بالبنط المائل] النصوص المشتركة بين الطقس البيزنطي والطقس القبطي المأخوذ
عن البيزنطي.

ومن الأمور المؤكدة
لدينا أن أول مَنْ أدخله في الليتورجيا القبطية هو القديس ساويرس الأنطاكي الذي
ملأ الليتورجيا القبطية بالعناصر السريانية في بداية القرن السادس (465
538م)، لأنه تعلَّم أولاً في الإسكندرية في شبابه وعاش بعد هروبه عن كرسيه سنة
518م بقية أيام حياته في مصر (عزل رسمياً سنة 536م)، ومارس تأثيره الفعلي الشديد
داخل الكنيسة والأديرة بصورة طاغية لأنه كان صديقاً حميماً لبطريرك مصر أنبا
تيموثاوس الرابع، ولكنه كان ذا شخصية قوية وكان معتبراً أنه بطل الأرثوذكسية في
عصره وقائد حركة الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسي في الشرق. وكان محبوباً ولبقاً حتى
أن اسمه يُكتب ويُذكر الآن في المجمع بعد القديس مرقس الرسول!! (تعجَّب).



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى