علم الكتاب المقدس

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل
الرابع

رسالة
الأنبياء
وكيفية إستلامها

 

1- رسالة الأنبياء:

مقالات ذات صلة

غطت
رسالة أنبياء العهد القديم حوالى 1100 سنة، من موسى النبى (حوالى سنة 1500 ق.م.)
إلى داود الملك والنبى (حوالى سنة 1000 ق.م.)، ومن داود إلى ملاخى النبى (حوالى
سنة 400 ق.م.) تنوعت وتغيرت فيها الظروف والأحوال الروحية الدينية والاجتماعية
والبيئية والسياسية، بل والجغرافية، وتحول فيها بنو إسرائيل من عبادة الله إلى
عبادة الأوثان، بل وعبدوا الأوثان مع الله وعرجوا “بين الفرقتين(1)” كما علق إيليا النارى. فقد عاشوا تحت الحكم
الإلهى المباشر، الحكم الثيوقراطى
Theocracy“،
أو الحكومة الإلهية، من خلال الأنبياء وعلى رأسهم موسى النبى والمشرع العظيم، ثم
تلميذه يشوع بن نون، ثم القضاة إلى أخرهم وأعظمهم، صموئيل النبى والقاضى الحكيم
وحزقيال ويوشيا الصالح، وولاة أبرار مثل زرُبابل وعزرا ونحميا، إلى جانب ملوك
أشرار دفعوا الشعب دفعاً لترك وصايا الله والارتداد عنه وعبادة الأوثان، من أمثال
يربعام بن ناباط وأخآب وزوجته إيزابل ومنسى وآمون، وعاشوا مستعبدين فى ظل عبودية
فرعون القاسية فى مصر، وعاشوا فترة طويلة بين فكى كماشة أو شقى رحى فترات طويلة،
كان عليهم فيها أن يعيشوا تحت وصاية ملوك وفراعنة مصر أو تحت وصاية ملوك آشور ثم
بابل، وكان عليهم أن يدفعوا ثمن انحيازهم لأحد الجانبين. كما عاشوا تحت السبى
البابلى فى ذل الأسر سبعين سنة بحسب نبوّة أرمياء النبى(2)،
ثم عادت منهم مجرد بقية قليلة إلى الأرض، والتى سبق أن وصفها الوحى الإلهى “بالبقية
الأمينة(3)“. وحتى هذه البقية فقد عاشت وصارعت تحت
ملوك فارس واليونان والرومان حتى دمار الهيكل نهائياً سنة 70م.

كما
تأرجحوا بين عبادة الله والأوثان، فعبدوا الله كل أيام موسى النبى ويشوع بن نون
وداود الملك وسليمان الحكيم وبعض ملوك يهوذا، ولكنهم سرعان ما كانوا يرتدون إلى
عبادة الأوثان، ثم يعودون بيد شديدة وقوية إلى عبادة الله مرة أخرى، وارتدوا بشدة
عن الله وعصوا عليه وأهملوا وصاياه وشريعته فترات كثيرة خاصة أيام الملوك المرتدين
من أمثال أخآب ومنسى وآمون. وفى فترات كثيرة أيضا عبدوا الله عبادة شكلية، مارسوا
فيها الفرائض بلا روح، لم تكن هى العبادة التى أرادها الله.

ولذلك
فقد تنوعت رسالة الأنبياء والإعلانات الإلهية التى حملوها للشعب، كانت هناك رسائل
وإعلانات موجهة للشعب ككل من الملوك والقادة والكهنة وكل فرد من الشعب، ورسائل
موجهة إلى الملوك فقط، أو الملوك والقادة فقط، أو الكهنة فقط، أو الملوك والقادة
والكهنة معاً، أو الشعب فقط، وفيما يلى أهم النقاط التى تركزت فيها رسالة
الأنبياء وإعلاناتهم:

 

1- عبادة الله وحده ومحبته من كل القلب والفكر:

كانت
الوصية الأولى والعظمى للأنبياء كما قال السيد المسيح هى “تحب الرب إلهك من
كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك هذه هى الوصية الأول(4)“،
والسلوك فى طرق الله وحفظ وصاياه وأحكامه وفرائضه وسماع صوته والالتصاق به، لكى
يحيا الإنسان وتطول أيامه، لأن الله هو حياته:

 v “ويختن الرب إلهك
قلبك وقلب نسلك لكى تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا” (تث
6: 30).

 v “بما أنى أوصيتك
اليوم أن تحب الرب إلهك وتسلك فى طرقه وتحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه لكى تحيا
وتنمو ويباركك الرب إلهك فى الأرض التى أنت داخل إليها لكى تمتلكها” (تث
16: 30).

 v غذ تحب الرب إلهك وتسمع
لصوته ويلتصق به لأنه هو حياتك والذى يطيل أيامك” (تث
20: 30).

وعبادة
الله واتقائه ومحبته وحده والسلوك فى لك طرقه والالتصاق به وحفظ وصاياه بفرح وطيبة
قلب، والسجود له وحده، ورفض عبادة الأصنام أو الأوثان بكل أنواعها وأشكالها، حتى
يعطيهم الله المطر فى حينه ويملأ أرضهم وبيوتهم بالخير. أما فى حالة الارتداد عن
الله وعبادة الأوثان فالمصير هو الإبادة:

 v “الرب إلهك تتقى
وإياه تعبد وباسمه تحلف” (تث 13: 6).

 v “تتقى الرب إلهك
لتسلك فى كل طرقه وتحبه وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك” (تث
12: 10).

 v “الرب إلهك تتقى
وإياه تعبد وبه تلتصق وباسمه تحلف” (تث
12: 10).

 v “فإذا سمعتم
لوصاياى التى أنا أوصيكم بها اليوم لتحبوا الرب إلهكم وتعبدوه من كل قلوبكم ومن كل
أنفسكم أعطى مطر أرضكم فى حينه المبكر والمتأخر فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك. وأعطى
لبهائمك عشباً فى حقلك فتأكل أنت وتشبع. فاحترزوا من أن تنغوى قلوبكم فتزيغوا
وتعبدوا آلهة وتسجدوا لها فيحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء فلا يكون مطر ولا
تعطى الأرض غلتها. فتبيدون سريعاً عن الأرض الجيدة التى يعطيكم الربّ” (تث 13:
11-17).

 v “وراء الرب إلهكم
تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظوا وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون”
(تث
4:
13
).

 v “وإنما احرصوا
جداً أن تعملوا الوصية والشريعة التى أمركم بها موسى عبد الرب أن تحبوا الرب إلهكم
وتسيروا فى كل طرقه وتحفظوا وصاياه وتلتصقوا به وتعبدوه بكل قلبكم وبكل
نفسكم” (يش
5: 22).

 v “حينما تتعدون عهد
الرب إلهكم الذى أمركم به وتسيرون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها يحمى غضب الرب
عليكم فتبيدون سريعاً عن الأرض الصالحة التى أعطاكم” (يش
16: 23).

وفى
أواخر أيام يشوع بن نون حذر الشعب من عاقبة الارتداد عن الله وعبادة الأوثان
وأشهدهم على أنفسهم حتى يكون بريء مما سيحدث لهم “فقال يشوع للشعب لا تقدرون
أن تعبدوا الربّ لأنه إله قدوس وإله غيور هو لا يغفر ذنوبكم وخطاياكم. وإذا تركتم
الرب وعبدتم آلهة غريبة يرجع ويسئ إليكم ويفنيكم بعد أن أحسن إليكم. فقال الشعب
ليشوع لا. بل الرب نعبد. فقال يشوع للشعب أنتم شهود على أنفسكم أنكم قد أخترتم
لأنفسكم الربّ لتعبدوه. فقالوا نحن شهود” (يش 19: 24-22).

 

2- حفظ وصايا الله وشريعته وناموسه:

حث
الرب الشعب من خلال أنبيائه على حفظ وصاياه وأحكامه وشريعته وناموسه وتطبيقها فى
حياتهم بروحانية وخضوع من كل القلب وتسليم كامل لله ووعد بالبركات لمن يعمل بها
وحذر ووعد بالويل فى حالة تركها وإهمالها:

v “احفظوا
وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التى أوصاكم بها” (تث 17: 6).

v “وأحفظ
وصايا الرب إلهك لتسلك فى طرقه وتتقيه” (تث 6: 8).

v “وتحفظ
وصايا الرب وفرائضه التى أنا أوصيك به اليوم لخيرك” (تث
13: 10).

v “يقيمك
الربّ لنفسه شعباً مقدساً كما حلف لك إذا حفظت وصايا الرب إلهك وسلكت فى
طرقه” (تث
9: 28).

v “اذكروا
عجائبه التى صنع آياته وأحكام فمه” (1 أخ
12: 16).

v “احفظ
شعائر الرب إلهك إذ تسير فى طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياهُ وأحكامهُ وشهاداتهُ كما هو
مكتوب فى شريعة موسى لكى تفلح فى كل ما تفعل وحيث توجهت” (1مل 3: 2).

وكان
جميع الأنبياء يحفظون هذه الوصايا والأحكام والشرائع وينادون للشعب ويحثونه على
العمل بها ويحذرونه من عاقبة تركها وإهمالها وعقوبة الارتداد عن الله والويلات
والدينونة القادمة بسبب ذلك وكانوا يلحون على الشعب لكى يقوم بواجباته نحو الله ونحو
بعضهم البعض، الواجبات الأدبية والأخلاقية والروحية وممارسة الصلاة والعبادة
والطقوس الدينية بروحانية وتقوى وورع وخشوع فى خوف الله وخشيته والتقرب إليه ومنه
بروحانية والارتباط بالشركة الدائمة معه، وأعلنوا البركات والخيرات وطول العمر لمن
يحفظ هذه الوصايا والأحكام والشرائع، والويلات والدينونة لمن يهملها ويتركها ولا
يعمل بها:

v “انظر.
أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة. البركة إذا سمعتم وصايا الرب إلهكم التى أنا
أوصيكم بها اليوم. واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التى
أنا أوصيكم بها” (تث26: 11،27).

ولكن
الشعب سقط فى الخطية وفشل تماماً فى حفظ وصايا الرب وأحكامه وشريعته وتحقيق إرادة
الله فيه. ولذلك فقد تركز الجزء الأكبر من رسالة أنبياء العهد القديم فى توبيخ
الشعب وحثه على التوبة والرجوع إلى الله وتحذيره من العواقب الآتية والدينونة
القادمة والويلات التى سبق أن حذر منها الله ذاته. وأنصب جزء كبير من رسالتهم على
توبيخ رجال الدين بالدرجة الأولى ثم بقية الشعب على ممارستهم العبادة ممارسة شكلية
بغيضة:

v “احفظوا
واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم لكى ترثوا الأرض الجيدة وتورثوها لأولادكم بعدكم
إلى الأبد” (1أخ
8: 28).

v “ولبس
روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب وقال لهم هكذا يقول الله لماذا
تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون لأنكم تركتم الرب قد ترككم” (2 أخ
20: 22).

v “وقد
أرسلت إليكم كل عبيدى الأنبياء مبكراً ومرسلاً قائلاً أرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة
وأصلحوا أعمالكم ولا تذهبوا وراء آلهة أخرى لتعبدوها فتسكنوا فى الأرض التى
أعطيتكم وآباءكم، فلم تميلوا أذنكم ولا سمعتم لى” (أر
15: 35).

v “لماذا
لى كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمنت من محرقات كابش وشحم مسمنات. وبدم عجول وخرفان
وتيوس ما أسرّ. حينما تأتون لتظهروا أمامى من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دورى.
لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هو مكرهة لى
فحين
تبسطون أيديكم استر عينى عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دماً.

v أغتسلوا
تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينى. كفوا عن فعل الشر تعلموا فعل الخير، أطلبوا
الحق أنصفوا المظلوم أقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة.. أن شئتم وسمعتم تأكلون خير
الأرض. وأن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف لأن فم الرب تكلم” (أش 11: 1-20).

v “محرقاتكم
غير مقبولة وذبائحكم لا تلدّ لى” (أر 20: 6).

v “هل
يسير الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت. هل أعطى بكرى عن معصيتى ثمرة جسدى عن
خطية نفسى. قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع
الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك” (ميخا 7: 6،8).

v “أنى
أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات” (هو 6: 6).

v “بغضت
كرهت أعيادكم ولست التذ باعتكافكم. إنى إذا قدمتم لى محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى
ابعد عنى
ضجة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع. وليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم” (عا 21:
5-24) + “تدوسون المسكين وتأخذون منه هدية قمح بنيتم بيوتاً من حجارة منحوتة
ولا تسكنون فيها وغرستم كروماً شهية ولا تشربون خمرها. لأنى علمت أن ذنوبكم كثيرة
وخطاياكم وافرة أيها المضايقون البار الآخذون الرشوة الصادون البائسين فى
الباب” (عا 11: 5-12).

v “حرثتم
النفاق حصدتم الآثم. أكلتم ثمر الكذب” (هو 13: 10).

v “قد
أحاط بى افرايم بالكذب وبيت إسرائيل بالمكر ولم يزل يهوذا شارداً عن الله وعن
القدوس الأمين” (هو
12: 11).

v “فى
بيت إسرائيل رأيت أمراً فظيعاً. هناك زنى أفرايم. تنجس إسرائيل” (هو 10: 6).

وكان
التوبيخ الأقسى الذى وبخ به الله الشعب من خلال الأنبياء هو ترك الرب، ترك عبادته،
وعبدوا الأصنام “تركوا عهد الرب إله آبائهم الذى قطعه معهم حين أخرجهم من أرض
مصر” (تث 25: 29).

v “وتركوا
الرب إله آبائهم الذى أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب
الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب” (قض 12: 2).

v “فقال
(إيليا النبى) قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا
مذابحك وقتلوا أنبيائك بالسيف فبقيت أنا وحدى وهم يطلبون نفسى ليأخذوها”
(1مل10: 19،14).

v “ويل
للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الآثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين. تركوا الرب
استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء” (أش 4: 1).

v “لأن
شعبى عمل شرين تركونى أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آباراً آباراً مشققة
لا تضبط ماء” (أر 13: 2).

v “لأن
بنى يهوذا قد عملوا الشر فى عينى يقول الرب، وضعوا مكرهاتهم فى البيت الذى دعى
بأسمى لينجسوه، وبنوا مرتفعات توفة التى فى وادى ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم
بالنار” (أر30: 7،31).

v “آباءكم
قد تركونى يقول الرب وذهبوا وراء آلهة أخرى وعبدوها وسجدوا لها وإياى تركوا
وشريعتى لم يحفظوها، وأنتم أسأتم فى عملكم أكثر من آبائكم وها أنتم ذاهبون كل واحد
وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لى. فأطردكم من هذه الأرض إلى أرض لم تعرفوها
أنتم ولا آباؤكم فتعبدون هناك آلهة أخرى نهاراً وليلاً حيث لا أعطيكم نعمة”
(أو 11: 16-13).

ثم
أعلنوا غضب الله ودينونته وويلاته الآتية بسبب هذه الخطايا:

v “ويل
للقائلين للشر خيراً وللخير شراً الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً الجاعلين
المر حلواً والحلو مراً” (أش 20: 5).

v “ويل
للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة يسجلون جوراً ليصدوا الضعفاء عن الحكم ويسلبوا
حق بائسى شعبى لتكون الأرامل غنيمتهم وينهبوا الأيتام. وماذا تفعلون فى يوم العقاب
حين تأتى التهلكة من بعيد. إلى من تهربون للمعونة وأين تتركون مجدكم. إما يجثون
بين الأسرى وإما يسقطون تحت القتلى، مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة”
(أش 1: 10-5).

v “ويل
للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم رعيتى يقول الرب” (أر
1: 23).

v “ويل
لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم.. المريض لو تقووه
والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل
بشدة وبعنف تسلطم عليهم. فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الأرض وتشتت. ضلت
غنمى فى كل الجبال وعلى كل تل عال. وعلى وجه الأرض تشتت غنمى ولم يكن من يسأل أو
من يفتش” (حز 1: 34-6).

v “ويل
للمفتكرين بالباطل والصانعين الشر على مضاجعهم. نور الصباح يفعلونه لأنه فى قدرة
يدهم. فأنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها ويظلمون الرجل وبيته
والإنسان وميراثه. لذلك هكذا قال الرب. هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بشر لا تزيلون
منه أعناقكم ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان ردئ. فى ذلك اليوم ينطق عليكم بهجو
ويرثى بمرثاة ويقال خربنا خراباً” (ميخا 1: 2-4).

 

3- حب الله الأبدي وتدبير الفداء:

وبرغم
الويلات التى صبها الأنبياء على بنى إسرائيل وبرغم دمار المدينة والهيكل وسبى
الشعب إلى بابل وتشتته فى بلاد كثيرة إلا أن الله أعلن عن حبة الأبدى لشعبه بسبب
وعوده لإبراهيم وإسحق ويعقوب وعهده معهم أن جميع القبائل والشعوب والأمم ستتبارك
بالنسل الآتى والموعود الذى سيأتى منهم؛ نسل إبراهيم ونسل إسحق ونسل يعقوب والأسد
الخارج من سبط يهوذا أصل يسى والغصن الذى سينبت من حوله ونسل داود الذى سيجلس على
كرسيه إلى الأبد، ومن هنا كان وعد الله أن يحفظ بقية، بقية أمينة، من شعبه يجمعها
من بين الشعوب ويرجع بها ثانية إلى الأرض التى طردوا منها ليهيئ الطريق لهذا النسل
الآتى والموعود. وقد أتخذت وعود الله، التى حملها الأنبياء ونادوا بها كنبؤات
ستتحقق فى مستقبل الأيام، ثلاثة أشكال؛ الأول هو الوعد بالنسل الآتى والذى سيأتى
فى ملء الزمان؛ والثانى هو الوعد بحفظ بقية أمينة تائبة تأتى من الشتات وتعود إلى
أورشليم؛ الثالث هو أن يكون ابن داود الآتى ملكاً على هذه البقية.

 

أولاً: الوعد بالنسل الآتى فى ملء الزمان:

v قال الله
للحية “وأضع عدواة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت
تسحقين عقبه” (تك 15: 3). والكلام هنا عن الحية، والمرأة هنا هى الأمة
اليهودية والتى يصفها سفر الرؤيا ب امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى
رأسها إكليل من أثنى عشر كوكباً وهى حبلى تصرخ متمحضة لتلد.. والتنين واقف أمام
المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها مت ولدت. فولدت أبناً ذكراً عتيداً أن يرعى
جميع الأمم بعضاً من حديد. وأختطف ولدها (أى المسيح) إلى الله وإلى عرشه”،
وهذا التنين يقول عنه الكتاب “التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس
والشيطان الذى يضل العالم كله” (رؤ 1: 12-9).

v وقال
لإبراهيم “ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك
18: 22).

v وقال لإسحق
“وتتبارك فيك وفى نسلك جميع أمم الأرض” (تك
4: 46).

v وقال ليعقوب
“ويتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض” (تك
14: 28).

وأكد
القديس بولس بالروح أن هذا النسل الموعود هو المسيح “وأما المواعيد فقيلت فى
إبراهيم وفى نسله، لا يقول وفى الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفى نسلك
الذى هو المسيح” (غل 16: 3).

v وتنبأ يعقوب
أن هذا النسل سيأتى من سبط يهوذا “لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه
حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تك
10: 49).
و”شيلون” أو “شيلوة” معناه “الذى له” أى الذى له
خضوع شعوب. وجاء فى سفر الرؤيا أن المسيح هو “الأسد الذى من سبط يهوذا أصل
داود” (رؤ 5: 5). وجاء فى الرسالة إلى العبرانيين “أن ربنا (يسوع
المسيح) طلع من سبط يهوذا” (عب 14: 7).

v وتنبأ
أشعياء النبى أنه سيكون غصن من جذع يسى وفى نفس الوقت هو أصل يسى “ويخرج قضيب
من جذع يسى وينبت غصن أصوله” (أش
1: 11)، “يكون فى ذلك
اليوم أن أصل يسى القائم رايه للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً” (أش
10: 11).

ونفس
الآية والنبوة طبقها القديس بولس بالحرف على السيد المسيح (رو 12: 15).

v وقال الله
لداود الملك النبى “ويكون متى كملت أيامك لتذهب مع آبائك أنى أقيم بعدك نسلك
الذى سيكون من بنيك وأثبت مملكته” (1 أخ
11: 17).

وقد
تحققت هذه النبوّة جزئياً فى سليمان الحكيم، ولكن إتمامها الجوهرى تم فى المسيح
ابن داود وهذا ما تؤكد الآيات التالية:

v “وقطعت
عهداً مع مختارى. حلفت لداود عبدى. إلى الدهر أثبّتُ نسلك وأبنى إلى دور فدور
كرسيك.. مرة حلفت بقدسى أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس
أمامى. مثل القمر يثبت إلى الدهر” (مز 3: 89،4،35-37).

v لأنهُ يولد
لنا ونعطى أبناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى أسمهُ عجيباً مشيراً إلهاً قديراً
أباً أبدياً رئيس السلام. لنمّو رياسته والسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى
مملكته ليثبتّها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد” (أش 6: 9،7).

ويبدأ
الإنجيل للقديس متى بقوله “كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم(5)“، كما لُقب المسيح 13 مرة فى العهد الجديد ب
“أبن داود(6)“، وقال الملاك للعذراء “هذا
يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه(7)“.

وهذه
الحقيقة كان يعرفها علماء اليهود فقالوا “ألم يقل الكتاب أنه من نسل داود ومن
بيت لحم القرية التى كان داود فيها يأتى المسيح(8)“،
وأكدوها أمام السيد المسيح عندما سألهم “ماذا تظنون فى المسيح ابن من هو؟
قالوا ابن داود(9)“، وأكدها السيد المسيح نفسه فى
ختام سفر الرؤيا بقوله “أنا يسوع.. أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير(10)“، وقال القديس بولس بالروح عن المسيح “الذى
صار من نسل داود من جهة الجسد(11)“، “يسوع
المسيح المقام من الأموات من نسل داود(12)“.

 

ثانياً: السبى والوعد بحفظ بقية أمينة تعود ثانية إلى الأرض:

لم
يحفظ بنو إسرائيل عهودهم مع الله ولم يسلكوا بحسب أحكامه ووصاياه وارتدوا عن
عبادته وعبدوا الأصنام وسلكوا بحسب أحكام الأمم وفرائضها، يقول الكتاب “وأشهد
الربُّ على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلاً أرجعوا عن
طرقكم الردية واحفظوا وصاياى فرائض حسب كل الشريعة التى أوصيت بها آباءكم والتى
أرسلتها عن يد عبيدى الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلبوا أقفيتهم كأفقية آبائهم الذين
لم يؤمنوا بالرب إلههم. ورفضوا فرائضه وعهدهُ الذى قطعه مع آبائهم وشهاداته التى
شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل.. وتركوا جميع وصايا الرب.. وسجدوا لجميع جند
السماء وعبدوا البعل. وغضب الرب جداً.. حتى نحى الرب إسرائيل من أمامه كما تكلم عن
يد جميع عبيده الأنبياء فسبى إسرائيل من أرضه إلى آشور(13)“،
وتم ذلك حوالى سنة 722 ق.م.

v ويقول
أرمياء النبى بالروح “وقد أرسل الرب إليكم كل عبيده الأنبياء مبكراً ومرسلاً
فلم تسمعوا ولم تميلوا أذنكم للسمع. قائلين ارجعوا كل واحد عن طريقه الردئ وعن شر
أعمالكم” (أر4: 25،5).

v “هكذا
قال الرب. إن لم تسمعوا لى لتسلكوا فى شريعتى التى جعلتها أمامكم لتسمعوا لكلام
عبيدى الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم مبكراً ومرسلاً إياهم فلم تسمعوا. أجعل
هذا البيت كشيلوة وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض” (أر 5: 26،6).

ويقر
دانيال النبى بهذه الحقيقة فى صلاته لأجل شعبه قائلاً “أخطأنا وأثمنا وعملنا
الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين
باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل الشعب.. ما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك
فى شرائعه التى جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء(13)“.
وقال زكريا النبى بالروح “لاتكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون
قائلين هكذا قال رب الجنود أرجعوا عن طرقكم الشريرة فلم يسمعوا ولم يصغوا إلى يقول
رب الجنود(14)“، “بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا
يسمعوا الشريعة والكلام الذى أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين فجاء
غضب عظيم من عند رب الجنود(15)“.

وقد
تم سبى مملكة يهوذا على يد الملك البابلى نبوخذ نصّر فى الفترة من سنة 605 إلى 586
ق.م.

وتكلم
الله بفم الأنبياء عن عودة بقية أمينة من السبى والشتات يجمعها الله من بابل ومن
كل الأمم التى تشتتوا إليها وتعود ثانية إلى الأرض لتصبح أمة واحدة ولا تعود ثانية
لتكون أمتين كما كانت بعد نهاية حكم سليمان الحكيم وحتى السبى الآشورى ثم البابلى،
كما لن تعود ثانية إلى عبادة الأوثان والارتداد عن الله:

v “ويكون
فى ذلك اليوم أن بقية إسرائيل والناجين من بيت يعقوب لا يعودون أيضا يتوكلون على
خاربهم بل يتوكلون على الرب قدوس إسرائيل بالحق ترجع البقية بقية يعقوب إلى الله
القدير” (أش 20: 10،21).

v “وأنا
أجمع بقية غنمى من جميع الأراضى التى طردتها إليها وأردها إلى مرابضها فتثمر وتكثر.
وأقيم عليها رعاة يرعونها فلا تخاف بعد ولا ترتعد ولا تُفقد يقول الرب” (أر3:
23،4).

v “وأبقى
بقية إذ يكون لكم ناجون من السيف بين الأمم عند تذريكم فى الأراضى” (حز 8: 6).

v “فهوذا
بقية فيها ناجية تخرج بنون وبنات، هوذا يخرجون إليكم فتنظرون طريقهم وأعمالهم
وتتعزون عن الشر الذى جلبتهُ على أورشليم عن كل ما جلبته عليها” (حز
22: 14).

v “هكذا
قال السيد الرب. هأنذا آخذ بنى إسرائيل من بين الأمم التى ذهبوا إليها وأجمعهم من
كل ناحية وآتى بهم إلى أرضهم. وأصيرهم أمة واحدة فى الأرض على جبال إسرائيل وملك
واحد يكون ملكاً عليهم كلهم لا يكونون بعد أُمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين.
ولا يتنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشئ من معاصيهم بل أخلصهم من كل
مساكنهم التى أخطأوا فيها وأطهرهم فيكونون لى شعباً وأنا أكون لهم إلهاً” (حز
21: 37-23).

 

ثالثاً: ارتباط هذه العودة بالعهد الجديد:

أى
أن هذه البقية الأمينة ستعود لتمهد الطريق للعهد الجديد الذى سيقيمه النسل الآتى
والمسيح الموعود والمنتظر، نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب والأسد الخارج من سبط يهوذا،
والذى سيأتى من نسل داود ويجلس على كرسيه إلى الأبد. ومن ثم فقد دعاه الوحى بفم
الأنبياء ب “داود ملكهم” و”غصن بر” أو الملك الذى سيجرى البر
والحق والعدل فى الأرض، و”عبدى داود” الذى سيرعى شعبه أو إسرائيل الروحى،
كما يقول العهد الجديد، و”عبدى داود رئيساً عليهم “، و”عبدى داود
رئيس عليهم”، وأروع ما تسمى به هو “الرب برنا”لأنه كما قيل بأشعياء
النبى “وعبدى البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هم يحملها(16)“:

v “ويخرج
قضيب من جذع يسى وينبت غصن من حوله” (أش
1: 11).

v “أميلوا
آذانكم وهلموا إلىّ. أسمعوا فتحيا أنفسكم وأقطع لكم عهداً أبدياً مراحم داود
الصادقة. هوذا قد جعلته شارعاً للشعوب رئيساً وموحياً للشعوب” (أش 3: 55،4).

v “ها
أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجرى حقاً وعدلاً فى
الأرض. فى أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل أمناً. وهذا هو أسمهُ الذى يدعونهُ له
الربُّ بُّرنا” (أر 5: 23،6).

v “ها
أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التى تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وبيت
يهوذا. فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبتُ لداود أنبت غصن البر فيجرى عدلاً وبراً
فى الأرض. فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به لرب
برنا” (أر 14: 23-16).

v “ها
أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد
الذى قطعتهُ مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى
فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام
يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون
لى شعباً” (أر 31: 31-33).

v “هأنذا
أجمعهم من كل الأراضى التى طردتهم إليها بغضبى وغيظى وبغيظ وبسخط عظيم واردهم إلى
هذا الموضع وأسكنهم آمنين. ويكونون لى شعباً وأنا أكون لهم إلهاً.. وأقطع لهم
عهداً أبدياً إنى لا أرجع عنهم لأحسن إليهم واجعل مخافتى فى قلوبهم فلا يحيدون
عنى” (أر37: 32-40).

v “ها
أيام تأتى يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التى تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وبيت
يهوذا. فى تلك الأيام وفى ذلك الزمان أنبتُ لداود غصن البر فيجرى عدلاً وبراً فى
الأرض. فى تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الربُّ
برُنا” (أر 14: 33-16).

v “يخدمون
الرب إلههم وداود ملكهم الذى أقيمهُ لهم” (إ
9: 30).

v “ولكنى
أذكر عهدى معك فى أيام صباك وأقيم لك عهداً أبدياً.. وأنا أقيم عهدى معك فتعلمين
أنى أنا الرب” (حز 60: 16،62).

v “وأقيم
عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الرب
أكون لهم إلهاً وعبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الرب أكون لهم
إلهاً وعبدى داود رئيساً فى وسطهم” (حز 23: 34،24).

v “وداود
عبدى يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد فيسلكون فى أحكامى ويحفظون فرائضى
ويعملون بها. ويسكنون فى الأرض التى أعطيتُ عبدى يعقوب إياها التى سكنها آباؤكم
ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد وعبدى داود رئيس عليهم إلى الأبد.
وأقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهداً مؤبداً وأقرُّهم وأكثرهم أجعل مقدسى فى
وسطهم إلى الأبد. ويكون مسكنى فوقهم وأكون لهم إلهاً فيكونون لى شعباً” (حز
24: 37-27).

v “بعد
ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده
فى آخر الأيام” (هو 5: 3).

v “فى
ذلك اليوم أقيم مظلّة داود الساقطة وأحصن شقوقها وأقيم ردمها كأيام الدهر”
(عا 11: 9).

ثم
يتكلم الملاك جبرائيل مع دانيال النبى ويعلمهُ وفهمهُ ويخبرهُ عن هذا العهد الذى
سيقيمه المسيح بقوله “ويثبت عهداً مع كثيرين فى أسبوع واحد وفى وسط الأسبوع
يبطل الذبيحة والتقدمة(17)“. وهذا الأسبوع المقصود
به “أسبوع سنين”، أى سبع سنوات، هى مدة خدمة السيد المسيح من معمودية
يوحنا المعمدان إلى يوم صعوده (ثلاث سنوات ونصف)، ومن حلول الروح القدس إلى تحول
شاول الطرسوسى إلى بولس الرسول، رسول الأمم(17).

واعتبر
القديس بولس أن قوله “مراحم داود الصادقة” قد تم بقيامة المسيح من
الأموات(18)، وأن قوله “أقيم مظلة داود
الساقطة” يشير إلى دخول الأمم فى الإيمان بالمسيح(19)،
وأعتبر الكتاب هذا العهد الجديد الذى سيقيمه ابن داود الآتى ونسله المنتظر الذى
سيجلس على كرسيه للأبد، أعظم من العهد القديم لأنه قام على أساس “دم المسيح
الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله
الحىّ، ولأجل هذا هو وسيط عهدً جديد لكى يكون المدعووّن إذ صار موت لفداء التعديات
التى فى العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدى(20)“.

لقد
تحققت هذه الوعود وتمت هذه النبوات فى شخص وعمل السيد المسيح ابن داود، الذى جاء
من نسل داود “بحسب (أو من جهة) الجسد(21)“،
حيث قدم شريعة العهد الجديد فى موعظته على الجبل وفى تعليمه وأمثاله للشعب
والتلاميذ مدة أيام خدمته “من معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه”
صاعداً إلى السماء، هذه الشريعة التى ركزت على الحب والمغفرة والتسامح إلى أقصى
حدود:

v “أنتم
نور العالم
فليضئ
نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى
السموات” (متى 14: 5،16).

كما
ركزت على البر والقداسة والطهارة ونقاوة القلب:

v “طوبى
للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ. لأنهم يشبعون. طوبى
للرحماء لأنهم يُرحمون، طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. طوبى لصانعى
السلام لأنهم أبناء الله يدعون. طوبى للمطرودين من أجل البرّ. لأن لهم ملكوت
السموات” (متى 5: 5-10).

v “قيل
للقدماء لا تقتل
وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه
باطلاً يكون مستوجب الحكم
ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم قيل للقدماء
لا تزن. وأما أنا فأقول لكم كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه
قيل عين
بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر
قيل تحبُّ
قريبك كنفسك وتبغض عدُوّك وأما أنا فأقول لكم أحبُّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم.
أحسنوا إلى مُبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكى تكونوا أبناء
أبيكم الذى فى السموات. فأنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار
والظالمين
فكونوا
أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات كامل” (متى 21: 5-48).

وكشف
عن حب الله الأبدى لكل البشرية والفداء الذى كان قد أعده لها:

v “أحب
خاصّتهُ الذين فى العالم أحبهم حتى المنتهى” (يو
1: 13).

v “هكذا
احب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكى لا يهلك كلُّ من يُؤمن به بل تكون له
الحياة الأبدية” (يو 16: 3).

v فبهذه
المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة
فبعدما قدم
عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله
لأنهُ
بعدما قال سابقاً هذا هو العهد الذى أعهدهُ معهم بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل
نواميسى فى قلوبهم وأكتبها فى أذهانهم ولن أذكر خطاياهم وتعدّياتهم فيما بعدُ.
وإنما حيث تكون مغفرة لهذا لا يكون بعدُ قربان الخطية(22)“،وهذه
المغفرة تمت بتقديم جسد ودم المسيح، لذلك يقول الوحى “فمن ثم يقدر أن يخلص
أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم(23)“، ويقول أيضا “وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند
الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم(24)“.

ومن
ثم يؤكد الوحى الإلهى عظمة وأفضلية هذا العهد الجديد، الذى سبق أن وعد الله به
الأنبياء فى القديم، وقطعه السيد المسيح أصل يسى ونسل داود الذى سيجلس على كرسيه
الإلهى ويملك على يعقوب الروحى وإسرائيل الجديد الروحى، الذى هو كل مؤمنى العهد
الجديد، فقد تثبت على خدمة أفضل مواعيد أفضل لأنها مواعيد العالم أجمع الحياة
الأبدية:

“ولكنه
الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط لعهد اعظم وقد تثبت على مواعيد أفضل.
لأنه لو كان الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ. لأنه يقوم لهم لائماً هوذا أيام
تأتى يقول الرب حين أكمل مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً. لا كالعهد الذى
عملتهُ مع آبائهم يوم أمسكتُ بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا فى عهدى
وأنا أهملتهم يقول الربُّ(25)“. وبناء على ذلك وصفت
جماعة العهد الجديد ب “كنيسة أبكار مكتوبين فى السموات(26)“،
لأنها قامت وتأسست على أساس دم المسيح وصخرة الإيمان بأنه “المسيح ابن الله
الحى(27)“، “على هذه الصخرة أبني كنيستى
وأبواب الجحيم لن تقوى عليها(28)“.

كما
تنبأ جميع الأنبياء عن مستقبل أفراد وأمم وشعوب. وقد درسنا هذا الموضوع بالتفصيل
فى كتابنا “الإعلان الإلهى وكيف كلم الله الإنسان” الفصل العاشر، وأشرنا
إلى بعض هذه النبوات فى الفصل السابق.

 

3- كيفية استلام بعض الأنبياء للرسالة والإعلانات الإلهية:

كانت
دعوة الأنبياء الجوهرية وعملهم الأساسى هو إعلان إرادة الله. وكان الشعب والقادة
والملوك عادة يسألون الرب عن طريقهم فى أوقات الشدائد والآلامات والحروب والأمراض
والتعرض للموت، وحتى عندما كانوا يريدون معرفة أشياء مفقودة، وكان الرب يجيبهم.
بحسب إرادته، عن طريقهم، وكانت تترادف عبارة “يسأل الله” مع عبارة
“يسأل النبى”، ويقول الكتاب “هكذا كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل
الله. هلم نذهب إلى الرائى. لأن النبى اليوم كان يُدعى سابقاً الرائى(29)“. وكانوا يقولون للنبى “أسأل الله” أو
“أسأل الرب”:

v “فقالوا
له أسأل إذن من الله لنعلم هل ينجح طريقنا” (قض
5: 18).

v “أسأل
اليوم عن كلام الرب
فقال ميخا (النبى) حىّ هو الربُّ أن ما يقوله
لى الرب به أتكلم” (1مل 5: 22،14).

v “فقال
الملك لحزائيل
أذهب
لاستقبال رجال الله (إليشع النبى) وأسأل الرب قائلاً هل لى أشفى من مرضى هذا”
(2مل 8: 8).

v “الكلام
الذى صار إلى أرمياء من الرب حين أرسل إليه الملك حزقيا
قائلاً
أسأل الرب من أجلنا لأن نبوخذ نصرّ ملك بابل يحاربنا، لعل الرب يصنع معنا حسب كل
عجائبه فيصعد عنا” (أر 1: 21،2).

v “أذهبوا
أسألوا الرب لأجلى ولأجل الشعب ولأجل يهوذا من جهة كلام هذا السفر الذى وُجد
فقالت لهم
(خلدة النبية) هكذا قال الرب
” (2مل 13: 22-15).

وقد
تكلم الله من خلال الأنبياء، كما درسنا بالتفصيل فى الكتاب الأول من هذه السلسلة
“الإعلان الإلهى وكيف كلم الله الإنسان”، بأنواع وطرق كثيرة، وفى كل
الأحوال كان الأنبياء يتكلمون وهم مسوقون من الروح القدس “تكلم أناس الله
القديسون مسوقين من الروح القدس(30)“، أو كما قال
داود الملك والنبى “روح الرب تكلم بى وكلمتهُ على لسانى(31)“،
كان الروح القدس يحل عليهم ويحملهم ويمتلئون بالروح ويتكلم بفمهم وعلى لسانهم،
وسواء تكلم إليهم عن طريق ظهورات ملائكية أو رؤى وأحلام، أو تكلم معهم بالصوت
الخارجى من خلال الآذان الخارجية، أو بالصوت الداخلى من خلال الآذان الروحية
الداخلية، فقد كانوا فى كل الأحوال هم رجال الروح، روح الرب، الذى ساقهم وحملهم
وتكلم بواسطتهم ومن خلالهم وبفمهم وعلى لسانهم. ولذلك فقد عبر الكتاب بقوله:

v “قول
الرب الذى صار إلىّ” أو “فصار قول الرب إلىّ”؛ “أشعياء النبى(32)“، “هوشع بن بئيرى(33)“،
“يوئيل بن فثوئيل(34)“، “يونان بن امتاى(35)“، “ميخا المرشتى(36)“.
و”صارت كلمة الرب إلى ” أو “إلىّ” أو “كلمة الرب التى
صارت إلى”، “أرمياء”، “حزقيال(36)“،
“صفنيا(37)“، “حجى(38)“،
وتكررت هذه العبارة “وصارت كلمة الرب إلى أرمياء” و”كلمة الرب التى
صارت إلى أرمياء(39)“، عشرون مرة من 24 مرة فى
العهد القديم.

v وهناك عبارة
أخرى لها نفس المغزى والقوة وهى “وكانت كلمة الرب إلى” أو “إلى أرمياء(40)“، “إلى زكريا(41)“،
والتى تكررت فى سفر حزقيال أربع مرات لتدل على توجيه الرب للنبى لتنفيذ إرادة الله
بغم صعوبة ذلك على النبى نفسه(42).

v وهناك
عبارتان مثيلتان هما “تكلم الرب عن يد عن يد(43)
النبى، أو
“حسب قول الرب عن يد(44)
النبى،
“وتكلم الرب عن يد عبيده الأنبياء(45)“،
وهاتان العبارتان مثيلتان لقول الله لموسى “أذهب وأنا أكون مع فمك(46)“، “وأنا أكون مع فمك ومع فمه (هرون)(47)”،وقول بلعام “الكلام الذى يضعه الله فى فمى
به أتكلم(48)“، وقول الكتاب “فوضع الرب كلاماً
فى فم بلعام(49)“، وقوله لأشعياء النبى “روحى
الذى عليك وكلامى الذى وضعته فى فمك(50)“، وقوله
لأرمياء “ها قد جعلت كلامى فى فمك(51)“،
“عن فم أرمياء كل كلام الرب(52)“، “عن
فمى كل كلام الرب(53)“، “ثم صارت كلمة الرب
عن فم
أرمياء قائلة(54)“. أما حزقيال النبى فقد جعله الله
يأكل درج سفر ملئ بكلمة الله “أفتح فمك وكل ما أنا معطيكم
ففتحت فمى
فأطعمنى ذلك الدرج
فأكلته فصار فى فمى كالعسل حلاوة(55)“. وكان حزقيال لا يجرؤ على الكلام بل ويصير ابكم
تماماً إلى أن يضع الله الكلام فى فمه فيتكلم فقط بحسب إرادة الله “وكانت يد
الرب على مساء قبل مجئ المنفلت وفتحت فمى حتى جاء إلى صباحاً فأنفتح فمى ولم أكن
بعد أبكم(56)“.

أما
أرمياء النبى فحاول الامتناع عن النطق بما يضعه الله على فمه فكانت فى قلبه
“كنار محرقة محصورة فى عظامى فمللت من الإمساك ولم أستطع(57)“.
وهذا يشبه قول بلعام العراف “لا أقدر أن أتجاوز قول الرب إلهى لأعمل صغيراً
أو كبيراً(58)“، “لا أقدر أن أتجاوز قول الرب
لأعمل خيراً أو شراً من نفسى الذى يتكلمهُ الرب إياه أتكلم(59)“،
كان النبى كما يقول الوحى الإلهى بفم هوشع النبى هو “إنسان الروح(60)“، الذى كان يتحرك بالروح ويعمل بالروح ويتكلم
بالروح، روح الرب، الروح القدوس:

v يقول الكتاب
عن بعض القضاة “فكان عليه (عثنيئيل) روح الرب(61)“،
“ولبس روح الرب جدعون(62)“، “فكان روح
الرب على يفتاح(63)“، “وأبتدأ روح الرب يحركه(64)“، أى شمشون “فحل عليه روح الرب(65)“، “وحل عليه روح الرب(66)“.
وعن شاول يقول “فحل عليه روح الرب فتنبأ معهم وتحول إلى رجل آخر(67)“، “وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم
فصاعداً(68)“، وقال بالروح “روح الرب تكلم بى
وكلمته على لسانى(69)“. وعن إيليا النبى يقول إليشع
“أن روح الرب يحملك إلى حيث لا اعلم(70)“،
“يحزيئيل
من بنى
آساف كان عليه روح الرب(71)“. وعن المسيح الآتى
تنبأ أشعياء قائلاً “ويحل عليه روح الرب(72)
ويعبر حزقيال عما كان يحدث له وهو فى الروح بقوله “ثم حملنى روح فسمعت خلفى
صوت رعد عظيم مبارك مجد الرب(73)“، “وحل روح
الرب وقال لى قل هكذا قال الرب(74)
“،
“وحملنى روح وجاء بى فى الرؤيا بروح الله(75)“،
وقال ميخا النبى بالروح “لكننى ملآن قوة روح الرب وحقاً وبأساً لأخبر يعقوب
بزنيه وإسرائيل بخطيئته(76)“.

 

(1) 1مل 20: 18

(2) أر 11: 25؛ 10: 29

(3) أش 21: 10؛ 11: 11؛
ميخا 12: 2

(4)

(5) متى 1: 1

(6) متى 27: 9؛ 23: 12؛ 22:
15؛ 30: 20،31؛ 42: 22؛ مر 47: 10؛48؛ 35: 12؛ لو 38: 18؛39؛ 41: 20

(7) لو 32

(8) يو 42: 7

(9) متى 42: 22

(10) رؤ 16: 22

(11) رو 3: 1

(12) 2تى 8: 2

(13) د 6: 9،10

(13) د 6: 9،10

(14) زك 4: 1

(15) زك 12: 7

(16) أش 11: 53

(17) دا 24: 9-27 وأنظر
كتابنا “إعجاز الوحى والنبوة فى سفر دانيال” ف9.

(17) دا 24: 9-27 وأنظر
كتابنا “إعجاز الوحى والنبوة فى سفر دانيال” ف9.

(18)

(19) أع 14: 15-17

(20) عب 14: 9،15

(21) رو 3: 1

(22) عب 10: 10-12

(23) عب 25: 7

(24) 1 يو 1: 2،2

(25) عب 6: 8-9

(26) عب 23: 12

(27) متى 16: 16

(28) متى 18: 16

(29) 1 صم 9: 9

(30) 2بط 20: 1

(31) 2صم 3: 23

(32) أش 4: 38،5

(33) هو 1: 1

(34) يؤ 1: 1

(35) يون 1: 1،2؛ 1: 3

(36) ميخا 1: 1؛ حز 16: 3،17

(36) ميخا 1: 1؛ حز 16: 3،17

(37) حج 1: 1

(38) حج 20: 2

(39) أر 2: 1،4،11،13؛ 1: 2؛
1: 14؛ 3: 25؛ 6: 32،26؛ 1: 33،19،23؛ 12: 35؛ 27: 36؛ 15: 29؛ 7: 42؛ 8: 43؛ 1: 46؛
1: 47؛ 34: 49

(40) أر 2: 1

(41) زك 1: 1؛ 8؛4

(42) حز 8: 12،12؛ 12: 14؛
1: 16

(43) حز 35: 9

(44) عدد 37: 4،45،49؛ 13: 10؛
23: 27؛ أش 2: 20؛ حج 1: 1،3؛ 1: 2؛ ملا 1: 1

(45) 2مل 10: 21

(46) خر 12: 4

(47) حز 15: 4

(48) عدد 38: 22؛ 12: 23

(49) عدد 5: 23

(50) أش 21: 59

(51) أر 9: 1

(52) أر 4: 36

(53) أر 6: 36

(54) أر 32: 36؛ 1: 45

(55) حز 8: 2؛ 2: 3،3

(56) حز 22: 33؛ 27: 24

(57) أر 9: 20

(58) عدد 18: 22

(59) عدد 13: 24

(60) هو 7: 9

(61) قض 10: 3

(62) قض 34: 6

(63) قض 29: 11

(64) قض 25: 13

(65) قض 6: 14؛ 14: 15

(66) قض 19: 14

(67) 1صم 6: 10

(68) 1صم 13: 16

(69) 2صم 2: 23

(70) 1مل 12: 18؛ 2مل 16: 2

(71) 2 أخ 14: 20

(72) أش 2: 11

(73) حز 12: 3

(74) حز 5: 11

(75) حز 24: 11

(76) ميخا 8: 3

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى