اللاهوت العقيدي

سر الزيجة, الطلاق



سر الزيجة, الطلاق

سر
الزيجة,
الطلاق

رسالة
توعية

الأب
متى المسكين

 

إن التشدّد الحادث فى العهد الجديد بواسطة المسيح فى أمر الزواج
والطلاق أكثر من العهد القديم…

راجع إلى انفتاح الملكوت والحياة مع الله…

فدخلت علاقة الرجل بالمرأة وضع الخليقة الأولى…

كما يمسَّك بذلك المسيح حينما سُئل:

[ فَتَقَدَّمَ اَلْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: {
هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ اِمْرَأَتَهُ؟ } لِيُجَرِّبُوهُ.

فَأَجَابَ: { بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟ }

فَقَالُوا: { مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَقٍ
فَتُطَلَّقُ }.

فَأَجَابَ يَسُوعُ: { مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ
كَتَبَ لَكُمْ هَذِهِ اَلْوَصِيَّةَ

وَلَكِنْ مِنْ بَدْءِ اَلْخَلِيقَةِ ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا
اَللَّهُ.

مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ اَلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ
وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ

وَيَكُونُ اَلاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ
اِثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.

فَالَّذِي جَمَعَهُ اَللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ }]
[
مرقس 10: 2 9 ]…

 

ونقول إنه بانفتاح الملكوت أصبحت الكنيسة تمارس سرّ الزيجة بين الرجل
والمرأة لحساب الملكوت والنسل الخارج منهما…

ومن هذا المنطلق لم تعُدْ الزيجة للمتعة…

ولا على مستوى العالم…

بلّ على مستوى ميراث الملكوت والحياة الأبدية…

 

ومضمون سرّ الزيجة المسيحى:

هو حدوث اتحاد سرّى بالروح القدس بين الرجل والمرأة

على أساس اتحادهما معا فى جسد المسيح,

فهذا هو الذى جمعهما إلى واحد…

بمعنى أنه بصلاة الكنيسة وطلب الروح القدس ليحلّ ويبارك على اتحادهما…

يحدث الاتحاد السرّى بالروح القدس فى جسد المسيح…

لأنه لا يمكن أن تحدث وحدة فى الكنيسة بدون الروح القدس وبدون جسد
المسيح…

فلو علمنا أن الكنيسة تمثّل جسد المسيح السرّى يصبح اتحادهما إلى جسد
واحد جزءًا لا يتجزّأ من كيان الكنيسة التى هى جسد المسيح…

 

فالآن ينبغى أن نتصوّر أن اتحاد الرجل والمرأة بسرّ الزيجة, بواسطة
الكنيسة, ينشئ كيانا جديدًا للرجل والمرأة…

كيانا متحدًا من ” أنا” الرجل, و” أنا” المراة,
هو ” أنا” الزيجة…

هذا الكيان الجديد هو مقدّس أمام الله…

يمتلكه الزوج والزوجة والمسيح…

وهو أعلى من كيان الرجل وكيان المرأة منفردين…

وهو مصدر قوتهما وسعادتهما فى حياة الزيجة الجديدة…

وكما قلنا إنه ليس مِلكا للرجل وحده, ولا للمرأة وحدها…

بلّ مِلكا لهما معا باتفاق وتحت وصاية المسيح وبركة وقوة الروح القدس
صاحب السرّ!!…

 

وطالما حافظ عليه كلّ من الرجل والمرأة…

وكرّماه وقّدساه…

وتقدّسا به وصار ضمين خلاصهما معا وقداستهما معا ولحساب الملكوت…

لكن لا يدخلان الملكوت بهذه الوحدة المقدسة بسرّ الزيجة, ولكنها
تؤهلهما لدخول الملكوت كلٌّ بكماله المسيحى…

حيث هناك تصير الوحدة الكاملة الفردية مع المسيح…

لأن فى الملكوت لا توجد ثنائيات زيجية…

بلّ وحدة من الكلّ فى المسيح…

 

هنا اتحاد الرجل والمرأة لتكوين الكيان الزيجى الجديد المتّحد بالمسيح
والروح القدس…

يدخل فيه المسيح كعنصر أساسى يكمّل بوجوده عجز الخليقة ويقدّسها لحساب
الآب…

والغاية الكبرى من سرّ الزيجة وخلق هذا الكيان الجديد من الرجل
والمرأة واتحادهما بالمسيح, هو النسل…

فالكنيسة عينها من النسل…

لأنه هو وجودها وحياتها…

فالنسل المتحصّل من الزيجات المقدسة, هو الأعضاء التى تكوّن هيكل
الكنيسة…

فهَمَّ الكنيسة الأعظم هو النسل الذى إذا تربّى وعاش تحت مظلّة الزيجة
المقدسة المتحدة بالمسيح والمؤازرة بروح الله…

تضمن الكنيسة خلاصه ليكونوا أعضاء فى الملكوت…

وواضح الآن أن سرّ الزيجة ينتهى بالملكوت للرجل والمرأة والنسل…

 

فالآن كيف نطيق بعد هذا البناء لهيكل الكنيسة ولحساب الملكوت…

ونتصوّر أن يحدث طلاق؟…

ألا يكون هذا بمثابة تقطيع الكيان السرّى الجديد الذى نشأ من اتحاد
الرجل والمرأة بسر الزيجة…

وحضور الروح القدس…

والاتحاد بجسم المسيح؟…

 

ثم ألا يكون هذا هدمًا لجسم الكنيسة, وقطعا للطريق أمام الرجل والمرأة
والنسل المؤدى إلى الملكوت؟…

 

لذلك نعود ونؤكّد أن سر الزيجة

وما ينشأ منه باتحاد الرجل والمرأة ليكونا جسدًا واحدًا فى المسيح
بكيان جديد,

هو عنصر بناء الكنيسة…

 

وليس هذا تصوّرًا أو عقيدة أو افتراضًا, بلّ واقعٌ حىٌّ يَغار عليه
المسيح…

 

فالكنيسة التى تتهاون فى تسهيل الطلاق…

إنما تهدم نفسها وتقضى على مستقبل الذين سهَّلت لهم الطلاق…

وهذا يكاد يكون غلقا لباب الملكوت فى وجوههم…

 

لذلك إذا قرأنا وسمعنا المسيح يتشدّد فى ذلك…

فالأمر يخصّه وهو يَغارُ على جسده وعلى مستقبل أولاده بالنسبة للملكوت
الذى كلّفه دمه…

 

أمّا تحديد خطية الزنا أنها تفسخ هذا العقد أو هذا السرّ…

فلأن الذى وثَّق السر هو الروح القدس…

ويستحيل أن يجتمع الروح القدس والزنا…

فالروح القدس يظلّ ساهرًا على سرّ الزيجة يمدّه بالمشورة والمعونة
للتغلّب على صعاب الحياة…

ولكن بمجرّد أن تحدث خطية الزنا ينسحب الروح القدس من السرّ وتنفك
الوحدة من تلقاء ذاتها حتى بدون طلاق…

فالطلاق هنا إنّما يأتى تحصيل حاصل…

فخطية الزنا تُحسب أنها ضربة من الشيطان عنيفة موجَّهة لقداسة السرّ
وعمل الروح القدس…

لذلك أصبحت الكنيسة ملزمة أن تُجرى الطلاق بكل حزن وأسى, وكأنها يجرح
نفسها وتقطع جسدها بيدها!!…

 

ولكن إن أحس الزوج والزوجة بهذه الخطورة التى تبلغ حد الجريمة فى حق
الشريك والأولاد والمسيح والروح القدس…

واستطاع المخطئ أن يعترف ويتذلل ويطلب الغفران…

فالغفران هنا لا يُمنع على أساس دم المسيح القادر أن يقدّس بعد نجاسة
ويحيى من الموت:

[ يَا اِمْرَأَةُ
أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ
اَلْمُشْتَكُونَ
عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ. فَقَالَ
لَهَا يَسُوعُ: ولاَ أَنَا أَدِينُكِ.
اِذْهَبِي
وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً
] [ يوحنا
8: 10. 11
]…

وحينئذ تقوم الكنيسة بواجبات التطهير, وإعادة قوة السرّ…

 

ولكن بعد هذا نقول إنه يلزم جدًا للزوجين أن يدركا حقيقة سرّ الزيجة
على هذا الأساس…

حى تتقدّس علاقتهما معا بالوعى الروحى لقيمة هذا السرّ العميق والضارب
جذوره فى ملكوت الله…

 

ومرة أخرى نُوَعّى:

أن من الاتحاد السرّى بين الرجل والمرأة فى سرّ الزيجة…

ينشأ كيان زيجى جديد من الاثنين…

فائق على كيان كل ّ منهما بمفرده…

فذات الرجل, وذات المرأة, أنشأا باتحادهما ذاتا جديدة أقوى وأعظم من
كل منهما…

هى مصدر حبهما الشديد ومصدر عطفهما على بعض, وهى بمثابة مجال جديد
جاذب لكلّ منهما نحو الآخر…

هذا يحسّه مَنْ نجح فى تكريم حياته الزوجية…

فلو انفتح وعى كلّ منهما على هذه الحقيقة وعاشا معا فى ظلّها, يصعب
جدًا, بلّ من المستحيل أن يخون أحدهما الآخر…

 

لذلك أتمنى أن تتشدّد الكنيسة على سمو هذا السر العميق والفائق…

لأن إدراك هذه الحقائق تتقدّس الوحدة…

وتثمر لحساب الكنيسة والمسيح…

25 ديسمبر 1995.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى