لماذا لم يستطع القديسين أن يشفوا أنفسهم
كُتب : [ 07-24-2013
- 02:56 PM
]
سؤال أتى في إحدى المنتديات:
- س: بما أن الأناجيل تعلمنا أن قوة الإيمان يحل كل أنواع المشاكل ويشفى كل الأمراض (وقد أكدت العلوم هذا الشيء), لماذا بعض القديسين لم يشفوا أنفسهم بقوة الإيمان ؟
جـ في الحقيقة والواقع الإلهي من جهة الخبرة، فأن موهبة الشفاء التي تُعطى هي إحدى مواهب الروح لا يملكها الإنسان لكي يوجهها كيف ما شاء، لذلك لا أحد من الرسل ولا القديس بولس لم يُشفي نفسه مع أن عنده الموهبة وقد شفى غيره بقوة عمل الروح القدس، لأن ليس للرسل حق التملك على مواهبهم ولا لأي أحد، بل هي عطية الله التي يُعطيها ولا يملك واحد - مهما ما على شأنه او ضعف - أن يتصرف فيها كما شاء بل كما يوجهه الروح القدس نفسه الذي وحده منه تخرج قوة الموهبة وفعل عملها، لأن كل القديسين لا يقدروا أن يتسلطوا على الروح القدس بل هو من يملك عليهم وحده فقط، هذا أولاً والذي ينبغي أن يوضع في الذهن والفكر...
أما من الجهة الأخرى فأن المعجزات والآيات هي آية لغير المؤمنين لكي يؤمنوا، ولم تكن لفائدة المؤمنين إلا في حدود ضيقة للغاية، لأن الذي يؤمن بالله وضع ثقته التامه فيه وفي عمق آلامه وأمراضه تخرج منه شهادة إيمان حي أمام العالم كله، لأن في عمق الألم والضيق يجد الناس المؤمنين بالمسيح أنهم في هدوء وسلام مع شكر دائم لله رغم من المحنة والآلام الشديدة التي تعتصرهم، وبذلك يتمجد الله في آلامهم، وبالطبع ليس كل ألم أو ضيق يدخل فيه الإنسان لكي لا يقع في كبرياء أو غيره أو يُشابه القديس بولس طبعاً، لأن الألم مجد النفس الخاص لأنه شركة مع المسيح القيامة والحياة، وشهادة خاصة في وقتها لتمجيد الله الحي...
لذلك من يختبر قوة الصليب ويدخل في آلام الجسد من أي نوع، يتعزى وتتحول لحساب مجده الخاص الذي يشكر الله عليه كل حين وكل وقت، وطبعاً أحياناً يستمر الألم فترة وأحياناً تطول وقد تقصر، ولكن من يؤمن لا يتزعزع لأنه صار عقله مستنير ويرى الله، ويفهم مشيئته في حياته، ويرى آلامه في نور قيامه يسوع، لذلك لا يتزعزع أو يهتز إطلاقاً...
وبالطبع نحن لم نسمع عن رسول أو قديس شفى نفسه قط ولو كانت عنده الموهبة بكل قوتها وبها شفى الكثيرين، وذلك لثلاثة أسباب:
- أولهما لكي يعلم العالم كله والناس عموماً أن ليس له سلطاناً على ذاته بل هو يخضع لسلطان الله وحده، لأن الله لم يعطه أي سلطان على نفسه، بل الرب هو ملكه وإلهه فقط لذلك ليس له القدرة على أن يُشفي نفسه إلا لو صلى وطلب مشيئة الله، وبكونه سلم حياته لله لذلك الله وحده هو الذي يشفيه أو لا يُشفيه حسب تدبيره في حياته الشخصية..
- وثانيهما: لكي يعلم هو والجميع أن الموهبة ليست من ذاته ولا بقدراته ولا يقدر أن يتسلط على عطية الله أو يملكها لحساب ذاته، بل أخذها لا لنفسه بل لخدمة الناس فقط، وليس له الحريه أن يتصرف فيها كيف ما شاء، لأن لو منعها عن أحد يأخذها منه الله ويدينه لأنه لم يتاجر بما اعطاه سيده، بل دفن الوزنة التي أئتمنه عليها لذلك يستحق الدينونة لأنه صار عبداً شريراً، وأن أخذ يفتخر أنه صاحب معجزات أو يتكبر أو ينتفخ على الناس أو يظن أنه شيئاً، فالله يقاومه بشدة ويرفضه من الإيمان لأن الله يقاوم المستكبرين بفكر قلوبهم والمتواضعين يعطيهم نعمة، ولذلك لا يعطي الله إنسان موهبة لذاته أو ليكون له القدرة على أن يستغلها لحاسب مجده الشخصي أو يتصرف فيها كما يشاء حسب رأيه الشخصي، لذلك كل من ينال موهبة يتواضع بشدة وينسحق أمام الله ولا ينسى قط أن الله هو الواهب والمُعطي وأن لله وحده صاحبها وليس هو...
- وثالثهما: لكي يعرف الناس أن ليس لهذا القديس قوة في ذاته أو أن الموهبة تنبع منه هو شخصياً أو هو صاحبها، أو عنده قدرات خاصة، أو هو من ينبغي أن يتبعه أحد، فيكرمونه وينسون مانح الموهبة، لأن لو كان له القدرة على شفاء ذاته وأن يفعل بالموهبة ما يحلو له، لكان عبده الناس وظنوا أنه الله في الأرض، وهذا خطير، وهذه الروح تجدها عندما تبالغ الناس في تكريم القديسين لدرجة أن يتفوهوا بكلمات عليهم وكأنهم ينبوع الحياة نفسها وليسوا بشر، لذلك لم يعطي الله أحد الموهبة في المطلق، لكي لا يتبعهم الناس وينسوا الله فيهلكون...
لذلك - ومما قلناه سابقاً - أننا لن نجد أن واحد عنده موهبة الشفاء ويكون قادراً على شفاء نفسه لأنه لن يقدر أبداً بل سيظل في احتياج لأن يشفيه الله او يلجأ للعلاج مثل باقي الناس ويقبل العلاج من يد الأطباء ويتناوله بشكر، بل وقد يتعجب الأطباء أنفسهم أنه يشفي الآخرين ومع ذلك يطلب منهم العلاج، لأن ليس له سلطان على ذاته ولا يقدر أن يتحكم في ما نال من الله حسب رأيه أو مزاجه الشخصي، لأن الله سيظل هو وحده الواهب والمُعطي وصاحب الأمر أولاً وأخيراً، ولا يتسلط أحد على ذاته بل يعطي ذاته لخالقه لأنه هو حياته، وهو من يقوده حسب مسرة مشيئته، لذلك من ينال الموهبة عليه أن يخضع لله ويتضع تحت يده القوية، ويحذر من أن يغتر في نفسه لئلا يهلك وتصير الموهبة دينونة له، كونوا معافين
التعديل الأخير تم بواسطة aymonded ; 07-24-2013 الساعة 03:48 PM
|
المواضيع المتشابهه
العرض الشجري