عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية elphilasouf
elphilasouf
ارثوذكسي ذهبي
elphilasouf غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 15515
تاريخ التسجيل : Feb 2008
مكان الإقامة : ismailia , egypt
عدد المشاركات : 12,328
عدد النقاط : 81
قوة التقييم : elphilasouf will become famous soon enough
Rose تأملات في النعيم الابدي - ملكوت السموات

كُتب : [ 05-03-2010 - 05:31 PM ]


بعد القيامة يعيش الأبرار في فرح دائم، نسميه النعيم الأبدى. فما هي ألوان هذا الفرح الذي يتمتع به الأبرار.

+ أولا فرح الدخول إلى ملكوت السموات. فرح الانتصار على العالم وعلى الخطية والشيطان. هذا الانتصار الذي يؤهل الروح إلى الدخول في الملكوت. ذلك لأن ملكوت الله لا يدخله إلا الغالبون المنتصرون، الذين استطاعوا خلال فترة عمرهم على الأرض، أن ينجحوا في كل الحروب الروحية، ويظهروا أن محبتهم لله كانت فوق كل إغراء وكل شهوة أخرى. فاجتازوا فترة اختبارهم بسلام.

+ يفرحون في الأبدية أيضاً بعشرة الملائكة والقديسين . إنها متعة عظيمة بلا شك أن يتعرف الإنسان في الأبدية على كل الأنبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم في الكتب المقدسة، أن تعرف على كل الشهداء في كافة عصور التاريخ، وتعرف على كل الآباء القديسين، وكل الرعاة الصالحين، وكل الذين أتصفوا بفضائل عميقة ميزت حياة كل منهم عن غيرها. كما يتعرف أيضاً على كل أبطال التاريخ الذين عاشوا حياة صالحة، وكل الشخصيات البارزة قرأ عنها من قبل في الكتب، وكانت مقبولة أمام الله..

معرفة كل هؤلاء وأمثالهم تملأ القلب فرحاً. أما معاشرتهم والحياة معهم والصلة بهم، فهذه متعة أعمق.

هؤلاء الأبرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب "كورة الأحياء" (مز 27: 13)، أى الذين في الحياة الحقيقية الدائمة التي لا خوف عليها من موت فيما بعد..

* على أن المتعة في النعيم الأبدى، لابد أن تتفاوت في الدرجة. الكل يكونون في فرح وفى مجد، ولكن ليس الكل في درجة واحدة. وكما قال الكتاب عن ذلك "لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41). إن الله في الأبدية سيكافئ كل واحد حسب أعماله (رؤ 22: 12).

أو كما قيل "لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً" (2 كو 5: 10). ولا شك أن أعمال الناس تختلف في الدرجة وفى النوع والعمق ومقدار الروحانية، ومقدار المحبة نحو الله.. فعلى حسب جهاد الإنسان على الأرض، تكون مكافأته في السماء، ويكون نوع إكليله في الملكوت..


وحتى الأقل درجة في السماء، لا يشعرون بنقص.

لأن الشعور بالنقص يجلب الحزن. والحزن لا يتفق مع النعيم الأبدى.. ‍! يمكننا تشبيه الأمر بعدد كبير من الأوانى منها الكبير ومنها الصغير، والكبير جداً، والصغير جداً، والمتوسط. وكلها ممتلئة. أصغر واحدة فيها لا ينقصها شئ..

هكذا الأبرار في الأبدية. كلهم ممتلئون فرحاً، لا يشعر أحد منهم بنقص. وكل منهم في مجد، يشعر بالمكافأة. ولكن درجة الواحد غير درجة الآخر.

مثال آخر: لنفرض أن جماعة من الرفاق والأقارب، ذهبوا للقاء إنسان عزيز عليهم جداً قد عاد من غياب طويل في سفر. الكل يحبونه، والكل مشتاق إليه، والكل في فرح بعودته. ولكن فرح كل منهم تكون درجته بحسب ما في قلبه من حب وشوق. وقد تتفاوت درجة حبهم، ولكن الكل شعر بالفرح.


إننا نفرح بالقيامة، لأنه فرح بالخلود، وبالنعيم. ولكننا لا نستطيع أن نصف تماماً كنه هذا الفرح. اللغة قاصرة عن التعبير، والفهم أيضاً قاصر، والخبرة غير موجودة لأن ساعتها لم تأت بعد. ويكفينا ما قاله الكتاب عن النعيم الأبدى: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2: 9).. مهما يخطر على فكرك من أوصاف، لا يمكن أن تعبر عن الحقيقة، لأن ما أعده الله للبرار "لم يخطر على بال إنسان "

ولعل في قمة متع الأبدية: معرفتنا لله. الآن "تعرف بعض المعرفة" (1 كو 13: 12). ولكن معرفتنا هذه تعتبر كلا شئ بالنسبة إلى الله غير المحدود. ولذلك قيل في الإنجيل المقدس "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك.." (يو 17: 3).. كل يوم يمر علينا في الأبدية، سنعرف فيه شيئاً جديداً عن الله، يبهر عقولنا ويشبع قلوبنا. ونقف في دهش وذهول، ونقول: كفانا كفانا . نحتاج إلى زمن حتى نستوعب هذا الذي كشفه الرب لنا عن ذاته.

ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر، على قدر ما تحتمل طبيعتنا البرية. ومع كل ذلك تبقى طبيعتنا محدودة، تحاول الاقتراب من الله غير المحدود، لتعرف وتبتهج بالمعرفة..

حقاً متى نصير من العارفين بالله؟!.. يقول الكتاب "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك.." (يو 17: 3)


هنا وأقول: إن المتعة في الأبدية ستكون في نمو مستمر، وتعدد..
لأنه لو وقف نمو متعتنا، أو تنوعها، قد تتحول مشاعرنا إلى روتين أو إلى جمود.. ولكن مخازن الله مملوءة خيرات، ومنابعه لا تنضب.. وكل متعة سوف نتمتع بها ستكون في الأبدية مثل نقطة في محيط..

يكفى الشبع الروحى، والشبع بالله نفسه، هذا الذي سنكون في دوام الشوق والحرقة إليه. وكما قال السيد المسيح له المجد "طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون" (مت 5: 6) ومهما اشبعنا الله، سيبقى شوقنا إليه قائماً.. إلى متى؟ إنها الأبدية..


إن كانت الأبدية هكذا، فما هو استعدادنا لها؟

ليتنا نضع القيامة الأبدية أمامنا في كل حين، ونعمل لملاقاتها.

نعمل بالإيمان بالله، وبنقاوة القلب، وبنمو محبتنا لله، وصفاء معاملاتنا مع الناس. ونعمل للأبدية بعمل الخير كل حين، على قدر ما نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة.

لئلا مع وجود الأبدية والنعيم، يوجد إنسان محروماً منهما..

آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالأبدية، حسبوا أنفسهم غرباء على الأرض (عب 11: 13)، مشتاقين باستمرار إلى السماء، يعملون من أجل استحقاق الوجود في عشرة الله والملائكة والقديسين.

عن كتاب لماذا القيامة لقداسة البابا المعظم الانبا شنودة الثالث



رد مع إقتباس
Sponsored Links