عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 23 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:24 AM ]


[جـ] الذبائح الدموية والتقدمات الطعامية
لابد أولاً أن نفهم معنى سفك الدم في مفهوم الشعوب وفي الكتاب المقدس، لنقدر أن نستوعب المعنى المقصود ونفرق ما بين فعل الشعوب القديمة وبين عمل الله والفكر الإلهي الصحيح وسط شعبه الخاص إسرائيل:
[1] كقاعدة عامة كانت الذبائح تتمركز حول الدم بكونه يُمثل النفس،
ففي الأزمنة المبكرة قد اُستخدمت الكلمة αἷμα (دم) بشكل فسيولوجي كحامل الحياة، وقوة الحياة. وهو كان يعتبر شرط لكل من الحياة البشرية والحيوانية، حتى أنه دل مجازاً – عند كثير من الشعوب القديمة على النسل، وذلك لكون الدم يُعتبر هو أساس الحياة، وقد أصبح مصطلح (يُريق دماً) مرادفاً لـ (القتل)، وسفك الدم يعني إهدار حياة، وكان يعتبر خطية عظمى جداً في عيني الله، وخطية سفك الدم [القتل] يلزم أن يُكفر عنها بالدم تحت مبدأ [القاتل يُقتل] بكونه سفك دماً بريئاً.

تكتسب كلمة [αἷμα - دم] أهمية خاصة في الاستخدام الديني عند جميع الشعوب قديماً، وبعض الديانات المتخلفة من الشعوب القديمة، لأنه العنصر الأكثر أهمية في القرابين. فالدم القرباني أُعتبر بمثابة امتلاك التقوى وتطهير النفس، فطقوس الدم المتعددة عند شعوب الأمم القديمة، من شرب أو رش الدم، استخدمت خصوصاً في الطقوس السحرية لجلب المطر أو لجلب الرفاهية أو المحبة أو الأذى أو الانتصار على الأعداء في الحروب.. الخ، وقد تتنوع الفكرة حسب فلسفة كل ديانة وثنية قديمة، كما نراها عبر التاريخ الإنساني كله.
وكان شرب الدم، وعلى الأخص دم العدو المقتول، كان يُعتقد – قديماً – أنه يجلب القوة ويعطي هبة النبوة، وأيضاً أحياناً يُستخدم عن طريق وضع دم الذبيحة في كأس ويتشارك فيه الذين يريدون أن يقيموا عهداً للتأكيد على عهدهم الذي لن ينحل أو يُنقَضْ أبداً!!!
===================
[2] يرى العهد القديم أن الدم أساس الحياة:
[غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه &لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يُكفر عن النفس، لذلك قلت لبني إسرائيل: لا تأكل نَفس منكم دماً، ولا يأكل الغريب النازل في وسطكم دماً.. لأن نفس كل جسد دَمُهُ هو بنفسه. فقلت لبني إسرائيل لا تأكلوا دم جسدٍ ما. لأن نفس كل جسد هي دمه. وكل من أكله يُقطع [1]؛ لكن احترز ألا تأكل الدم لأن الدم هو النفس فلا تأكل النفس مع اللحم] [2]

وهذا كله ينبه عليه الله، لكيلا يُشابه شعب إسرائيل الأمم، والذين يعتقدون أن لهم السيادة على كل نفس حيوان أو إنسان، فالله هو الإله الواحد الوحيد وسيد الحياة وواهبها ومُعطيها ومُستلمها، وهو ذو السيادة المطلقة على الدم وحياة البشر: "حي أنا يقول السيد الرب. ها كل النفوس هي لي" [3]
لذلك فهو يُجازي لأجل إراقة الدم البريء: [وأطلب أنا دَمَكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه. ومن يد الإنسان أطلب نَفس الإنسان. من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه (من جهة القضاء). لأن الله على صورته عمل الإنسان [4]؛ ظُلمي ولحمي على بابل تقول ساكنة صهيون ودمي على سكان أرض الكلدانيين تقول أورشليم. لذلك هكذا قال الرب: هَأنَذَا أُخاصم خصومتك وأنتقم نقمتك وأُنشف بحرها وأجفف ينبوعها] [5]

ويعود أيضاً الدم الحيواني إلى الله، بصفته الخالق العظيم، الذي له كل الخليقة، لذلك كان يأمر في سفر اللاويين عند ذبح أي حيوان يُسفك دمه: يُغطى بالتراب ولا يُداس عليه بالأقدام أو يترك في العراء، كعلامة أن كل الأنفس الحية هي لله، لأنه هو واهب الحياة، وذلك كاحترام للحياة التي أعطاها الله لكل الخليقة بلا استثناء: [وكل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يصطاد صيداً وحشاً أو طائراً يؤكل، يسفك دمه ويغطيه بالتراب] [6]


واستهلاك الدم مُحرم مع الشحم أيضاً [فريضة دهرية في أجيالكم في جميع مساكنكم: لا تأكلوا شيئاً من الشحم ولا من الدم & وكل دم لا تأكلوا في جميع مساكنكم من الطير ومن البهائم. كل نفس تأكل شيئاً من الدم تُقطع تلك النفس من شعبها & وكل إنسان من بيت إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يأكل دماً، أجعل وجهي ضد النفس الآكلة الدم وأقطعها من شعبها & لكن احترز ألا تأكل الدم لأن الدم هو النفس، فلا تأكل النفس مع اللحم] [7]؛ [وثار الشعب على الغنيمة فأخذوا غنماً وبقراً وعجولاً وذبحوا على الأرض وأكل الشعب على الدم. فأخبروا شاول قائلين هوذا الشعب يُخطئ إلى الرب بأكله على الدم. فقال قد غدرتم. دحرجوا إليَّ الآن حجراً كبيراً. وقال شاول تفرقوا بين الشعب وقولوا لهم أن يقدموا إلىَّ كل واحد ثوره وكل واحد شاته واذبحوا ههنا وكلوا ولا تخطئوا إلى الرب بأكلكم مع الدم] [8]
===================
[3] الدم قوة تطهير وتقديس وتكفير وعهد:
يعتبر الدم في العهد القديم قوة مطهرة ويقدم للتكفير عن النفس، لذلك يتم رشه على المذبح وتقديس به كل شيء تقريباً: [فتذبح الكبش وتأخذ دمه وترشه على المذبح من كل ناحية؛ يضع يده على رأس قربانه ويذبحه لدى باب خيمة الاجتماع ويرش بنو هارون الكهنة الدم على المذبح مُستديراً] [9]

ويستخدم لتقديس الكهنة وملابسهم: [فتذبح الكبش وتأخذ من دمه وتجعل على شحمه أُذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليُمنى وعلى أَبَاهِم (إبهام) أيديهم اليُمنى وعلى أَبَاهِم أرجلهم اليُمنى. وترش الدم على المذبح من كل ناحية. وتأخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هارون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معهُ. فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معهُ] [10]

ويُستخدم للتكفير وهي أهم نقطة يركز عليها العهد القديم: (ولا ننسى عند خروج شعب إسرائيل من مصر كيف عبر الملاك المهلك ولم يمس بكر كل من وضع الدم على العتبة العليا والقائمتين، إذ رأى الدم فعبر، لأن الدم كفر عن كل بكر وصار علامة خلاص) [11]
[ويقرب هارون ثور الخطية الذي لهُ ويُكفرّ عن نفسه وعن بيته.. ثم يأخذ من دم الثور وينضح بإصبعه على وجه الغطاء (غطاء تابوت العهد) إلى الشرق وقُدام الغطاء ينضح سبع مرات من الدم بإصبعه. ثم يذبح تيس الخطية الذي للشعب ويدخل بدمه إلى داخل الحجاب ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور: ينضحه على الغطاء وقدم الغطاء فيُكفِرّ عن القدس من نجاسات بني إسرائيل ومن سيئاتهم مع كل خطاياهم. وهكذا يفعل لخيمة الاجتماع القائمة بينهم في وسط نجاساتهم، ولا يكن إنسان في خيمة الاجتماع من دخوله للتكفير في القدس إلى خروجه، فيُكَفَّرُ عن نفسه وعن بيته وعن كل جماعة إسرائيل، ثم يخرج إلى المذبح الذي أمام الرب ويكفر عنه، يأخذ من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً. وينضح عليه من الدم بإصبعه سبع مرات ويطهره ويقدسه من نجاسات بني إسرائيل] [12]
[ثم تقدموا بتيوس ذبيحة الخطية أمام الملك والجماعة ووضعوا أيديهم عليها، وذبحها الكهنة وكفروا بدمها على المذبح تكفيراً عن جميع إسرائيل لأن الملك قال أن المحرقة وذبيحة الخطية هما عن كل إسرائيل] [13]

وطبعاً من أهم استخدام للدم هو الدخول في العهد، ويُسمى (دم العهد) [فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس، ونصف الدم رشه على المذبح، وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع لهُ، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد (דַֽם הַבְּרִית֙) الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال] [14]
عموماً نجد أن هذا المفهوم عن الدم [أي التقديس والتكفير والتطهير والعهد] قد استمر في الفكر اليهودي بلا توقف حتى بعد ظهور ربنا يسوع في ملئ الزمان حسب التدبير، وكان تعبير لحمٍ ودم هو وصف مثالي للبشر في هذه الفترة، واعتقد أن هذا التعبير موجود إلى اليوم في ذهن الكثيرين فمن السهل فهم هذا التعبير بشكل جيد إذ يُعرف الإنسان على إنه [من دمٍ ولحم].

===================
[1] (تكوين 9: 4؛ لاويين 17: 11 – 12 و14)
[2] (تثنية 12: 23)
[3] (حزقيال 18: 4 وما قبلها وما بعدها)
[4] (تكوين 9: 5 – 6)
[5] (إرميا 51: 35 – 36)
[6] (لاويين 17: 13)
[7] (لاويين 3: 17؛ لاويين 7: 26 – 27؛ لاويين 17: 10؛ تثنية 12: 23)
[8] (1 صموئيل 14: 32 – 34)
[9] (خروج 29: 16؛ لاويين 3: 2)
[10] (خروج 29: 20 – 21)
[11] (أنظر خروج 12: 21 – 28)
[12] (لاويين 16: 6، 14 – 19)
[13] (2أخبار أيام 29: 23 – 24؛ وللتطهير وتقديس الشعب أنظر لاويين 14، خروج 29: 20 – 21)
[14] (خروج 24: 6 – 8)

رد مع إقتباس