عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 4 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: التبني - العطية العُظمى، غاية التجسد الإلهي

كُتب : [ 07-19-2018 - 06:45 PM ]


وعلينا هنا أن نقف وقفة بين العهدين،
لنعي الفرق الواضح والجوهري ما بين بَنَوية شعب إسرائيل لله، وبنوية شعب المسيح لله الآب، فالأولى اُعطيت بالميراث الجسدي لشعب محدد في أرض معينه، وقد انتزعت منه لأنه لم يستطع أن يثبت في دعوته، وأما الثانية – أي بنوتنا لله في العهد الجديد – بالميلاد الروحاني (من فوق) في المسيح يسوع لأرض الموعد: سماء جديدة وأرض جديدة لا يوجد فيها موت ولا حزن ولا ألم، أورشليم السماوية، هي دعوة مثبتة بختم دم حمل الله رافع خطية العالم، قائمة على أساس راسخ هو [التبني]، وذلك أن ثبتنا بنويتنا بتمسكنا بالمسيح الرب وعشنا حسب الدعوة التي دُعينا إليها بكل تواضع قلب وإيمان راسخ حتى النهاية، لأن الذي وعد هو أمين.
لذلك من الأهمية أعود أؤكد على إن هذه العطية العظمى والثمينة جداً، ليست مجرد علاقة مجازية أو حالة تشريف أدبي،
ولا هي علاقة عابرة تحكمها المشيئة البشرية أو العواطف الإنسانية المتغيرة أو صلة الأجساد، لأن الذين ولدوا من فوق، لم يوُلِدوا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل (يوحنا 1: 13) بحسب مشيئة الناس وقصدهم، بل ولدوا من الله حسب التدبير؛ فالبنوة لله ليس لها أية صلة بالخليقة البشرية حسب ميلاد الجسد الطبيعي، بل هو ميلاد خليقة جديدة أخرى للإنسان من فوق "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يوحنا 3: 6)، وبهذه الولادة يصير الإنسان أبناً حقيقياً لله في المسيح يسوع، والله يصير أباً عظيماً للإنسان في المسيح.
إذاً الولادة الجديدة هي ولادة من الله:
"وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه. الذين وُلِدوا، ليس من دمٍ، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يو1: 12و13)
وبهذا التبني – الذي حسب مشيئة الله وتدبيره – ندخل في علاقة حقيقية واقعية مع الله تدركنا في صميم طبيعتنا، لأنها صارت مغروسة وضاربه بجذورها فينا، وبنوتنا لله لا تتم بمعزل عن بنوة المسيح ابن الله الحي، بل هي نتيجة طبيعية وتلقائية بسبب تجسد ابن الله واتحاده بجسم بشريتنا، ولذلك نجد القديس يوحنا الرسول يلحق الآية السابقة الذي تكلم فيها عن الذين ولِدوا من الله، بالآية الآتية وجعلها متلاصقة معها: "والكلمة صار جسداً وحل بيننا (فينا)" (يوحنا 1: 14)، لأن ابن الله الكلمة لما اتخذ جسداً، صار كواحدٍ منا: "إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما.. من ثَمَّ كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء" (عبرانيين 2: 14و17)، حتى نصير أبناء لنا حق الدخول للأقداس حيثما هو جالس، لأنه دخل كسابق من أجلنا بجسم بشريتنا الذي اتخذه إلى الأبد بالاتحاد الوثيق: "وأقامنا معهُ وأجلسنا معهُ في السماوات في المسيح يسوع" (أفسس 2: 6)
+ والتبني الذي هو نتيجة طبيعية لتجسد اللوغوس،
ينقله إلينا الروح القدس الذي يأخذ ما للمسيح ويُعطينا. كما أن عطية التبني تقوى فينا وتنمو بالتناول الخبز الحي النازل من عند أبي الأنوار شخص المسيح الرب لكي نثبت فيه، كما تثبت الأغصان في الكرمة وتتقوى، فينتقل إليها عُصارة الكرمة لتُغذيها حتى تكاد تكون هي والكرمة شيئاً واحداً: "وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (1كورنثوس 6: 17)
وباختصار القول:
إن الولادة من فوق أي من الله، أي التبني في المسيح، هي عقيدة راسخة في وجدان الكنيسة، وهي ظاهرة بوضوح شديد في إنجيل القديس يوحنا الرسول وعند جميع الآباء القديسين، لا كمعلومة إنما كقوة حياة نعيشها منذ يوم ولادتنا الجديدة من فوق: "وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به" (1بطرس 2: 2)
ولنصغي لكلمة الله ونفهم ونستوعب سرّ بنوتنا في المسيح يسوع:
1 – وأما هذه فقد كُتبت (الإنجيل) لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة (ميلاداً جديداً) باسمه؛ كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية ولكي تؤمنوا باسم ابن الله؛ ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن في الحق، في ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (يوحنا 20: 31؛ 1يوحنا 5: 13، 20)
2كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً؛بهذا نعرف إننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه، فان هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ووصاياه ليست ثقيلة. (1يوحنا 5: 1 – 3)
3 – أنظروا أية محبة أعطانا الله حتى نُدعى أولاد الله؛ أيها الأحباء؛ نحن أولاد الله (1يوحنا 3: 1و2)
4 – أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضاً، لأن المحبة هي من الله وكل من يحب فقد وُلِدَ من الله، ويعرف الله (1يوحنا 4: 7)
5 – إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البرّ مولود منه (1يوحنا 2: 29)
6 – نعلم أن كل من وُلِدَ من الله لا يُخطئ (يتعدى)، بل المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسه (1يوحنا 5: 18)
7 – كل من هو مولود من الله لا يفعل الخطية، لأن زرعه (زرع الله) يثبت فيه، ولا يستطيع أن يُخطئ لأنه مولود من الله. (1يوحنا 3: 9)
8 - لأن كل من ولد من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا، من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله. (1يوحنا5: 4 – 5)
عموماً الذي يؤمن بأن يسوع هو المسيح
فهو قد قَبِلَ أن يكون أبناً لله في الابن الوحيد، فيصير أبناً لله في المسيح يسوع: من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه، من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه، وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه، من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة (1يوحنا 5: 10 12)
ولنا أن نلاحظ وندقق جداً،
فالسبب الأساسي الذي على أساسه نصير أولاداً لله، لا يعتمد على شيء حسنٌ فينا، أو على قدراتنا الخاصة أو شطارتنا ولا حتى جهادنا ولا أمانتنا الشخصية ولو انها مطلوبة أكيد، ولكن تعتمد على أساس إلحاح محبة الله لنا، وهو مضمون الآية (رقم 3): أنظروا أية محبة أعطانا الله حتى نُدعى أولاد الله؛ هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. (يوحنا 3: 16)
فباختصار وبكلمة واحدة تحمل روح الإنجيل كله وفكر آباء الكنيسة
الذين عاشوا كما يحق لإنجيل ربنا يسوع: [نحن أبناء لله الآب في الابن الوحيد – ابن الله صار ابناً للإنسان، حتى يصير ابن الإنسان ابناً لله]
وهُنا نضع قول القديس أغسطينوس في الصدارة: [فطالما نحن هو، ونحن من المسيح، بل ونحن المسيح (أعضاء جسده)، فلا بُدَّ أن يكون أبوه أباً لنا نحن أيضاً، وذلك بفعل الروح عينه الذي به قد ولد الابن الوحيد بيننا] (عن تفسير إنجيل يوحنا ص 108، عظة 133: 8، عظة 144، تفسير مزمور 54، تفسير مزمور 26، وتفسير يوحنا 21: 8، عظة 71: 28)
وطبعاً لنا أن نفهم قول القديس أغسطينوس على ضوء كلمات القديس بولس الرسول: "لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه" (أفسس 5: 30)