القاموس الكنسي

المفهوم الأصيل للقانون الكنسي

المفهوم الأصيل للقانون الكنسي
رؤية شخصية للقانون الكنسي

أن القرب من الله والصلاة المستمرة وقراءة الكلمة يعطوا راحة للنفس وهدوء داخلي بسبب السلام المنسكب بالروح القدس، وأيضاً يُعطي بالدرجة الأولى تأصل في الحق، والتعمق في معرفة أمور الله وأسراره المُحيية، لا بحسب الفكر الفلسفي العقلي بحسب رؤية الإنسان الضعيفة المستقلة عن حياة الله فيه، وقياس قانون الله، الذي هو عينه قانون الكنيسة، بالفكر العقلي الذي يُريح عقل الإنسان وفكره البعيد عن الله، بل حسب الحق المعلن بيسوع المسيح في القلب بعمل الروح القدس الذي يأخذ من المسيح ويُعطينا لنتغير لنفس ذات الصورة في القداسة والمحبة بقلب صادق وإيمان راسخ لا يتزعزع …

أما التوتر الدائم أمام كل مشكلة في حياتنا ومن يحاول يزعزع إيماننا ورؤيتنا السليمة لله، والخلط بين كلام الله ورأي الناس، وقوانين الله وقوانين الناس، دائماً ما يجعلوا النفس مشدودة متوترة لا تعرف أن تميز بين ما هو صالح من الله وما هو من الناس وفكرهم البشري الضعيف، وبين ما هو يعمل على فرقة الناس والتحزب والانشقاق الذي يؤدي للتمزق والتباعد، وبين من يجمعهم بالحب تحت ظل القانون الإلهي بالروح !!!

ومن المستحيل – بأي حال أو شكل أو حجة أو برهان – أن يتساوى قانون الله، قانون المصالحة بالمحبة مع قوانين البشر التي تحكم بحسب التشفي في الأعداء والغير متفقين معنا في الفكر أو الرأي والمقاومين لكبرياء نفوسنا، فننقض عليهم لنتشفى فيهم ونعمل على طردهم وعزلهم بحجة أنه قانون العدل الإلهي الذي ينبغي أن يُطبق، ولابد من عزل الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم …

وعموماً أكتب اليوم باختصار عن ما هو أساس القانون الكنسي الذي أتى إلينا بإلهام الروح القدس، وليس حسب منطق الناس أو فكرهم، فلا بد أن نعرف الصيغة القانونية في الكتاب المقدس

القانون في الكتاب المقدس والكنيسة :

القانون في الكتاب المقدس والكنيسة لم ولن يكون مثل باقي القوانين الطبيعية حيث أن القانون الطبيعي المنشأ في الدولة أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية، هي أمر إلزامي التنفيذ من أجل أن تصير إنساناً صالحاً مفيداً للدولة أو المؤسسة المنتمي إليها، بمعنى أنك لو نفذت هذا تكون مقبولاً من الجميع، وأن لم تنفذ سيحكم عليك بأنك مخالف للشرع أو القانون الموضوع حسب اتفاق البشر ومفهومهم عن العدالة وتحقيقها !!!

والقانون هنا يُعبر عن رأي غالبية الناس وارتياحهم له وممكن أن يتغير وفق الزمان والمكان حسب رأي الجماعة واتفاق المعيشة وتلبية احتياجاتهم من تنظيم وتنسيق !!! (1)

ولكن الأمر يختلف – جوهرياً – في الكتاب المقدس والإنجيل وقوانين الكنيسة، بمعنى أن القانون فيها هو إظهار حالة المؤمن الحقيقي والطبيعي، بمعنى أن القانون هنا مرآة الإنسان ليكتشف نقائصه كي ما يأتي إلى عرش الرحمة طالباً قوة تجديد وتغيير القلب بعمل المسيح الحي بخبرة مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ

والمعنى القانوني هنا، هو إظهار عمل الله وكشف الضمير وأعماق القلب على مستوى عالي يهدف لشركة مع الله مقدسة في الحق !!!

أي أن صيغة الكتاب المقدس هي تجديد القلب والنفس كي ما يُصبح الإنسان إنسان جديد يحيا بقانون إلهي فوقاني، أساسه وقاعدته المحبة، وبرؤيتي لقانون الله والكتاب المقدس والكنيسة كمرآة أرى فيها صورتي ووضعي الداخلي، فينكشف أمامي حالي، وأرى نفسي وأعرف :
هل أنا متطابق معه وحياتي وسلوكي يشهدان بهذا !!! وما هي نقائصي حتى أقرب من عرش الرحمة وأطلب من الله قوة التغيير والتجديد لنفسي حتى أكون مؤهل لحياة الشركة مع الله والقديسين الذين أحبوه !!!
لأن القانون الجديد الذي للإنسان الروحاني، هو قانون الميلاد الجديد الذي نلته من الله، لأني لست أعيش بحسب قانون الجسد بحسب العالم، وأن كان هذا ضروري لأجل المجتمع وحاجة الجسد الضرورية، ولكن كإنسان جديد لي قانون أسمى وأعظم آتي من فوق، لأن سيرتنا هي في السماويات، لذلك قانوننا الذي نعيشه هو: [ لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ] (رومية 12: 2)

فأي قانون آخر، في المجتمع أو أي مؤسسه فيه، يُعطي الإنسان الصورة الخارجية التي يتبعها، وربما لا يتبعها بقلبه بل بمظهره والشكل الصوري الخارجي، فهي مجرد قوانين موضوعه لكي يكون مقبولاً في المجتمع، والهدف أن يحافظ على شكل المجتمع، وأن خالف القانون الموضوع تقع عليه العقوبات حسب نص القانون …

أما قانون الله يختلف تمام الاختلاف، إذ يهتم أولاً بما في داخل النفس في الأعماق وليس المظاهر والشكل الخارجي حسب المظهر، والهدف هو تنقية النفس لمعاينة الله والدخول في شركة: طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله
وهدف القانون الإلهي المستمد منه القانون الكنسي: [ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كورنثوس 3: 18)
يعني حياتنا كلها تغيير وتتجدد حسب شخص الله الكلمة، وليس قانون يفرض من الخارج أعمل هذا ولا تعمل ذاك، قل هذا ولا تقل ذاك، كُلّ ولا تأكل ألبس ولا تلبس الخ … !!!

وأوضح أيضاً قول الكتاب المقدس لكي تكون الصورة متكاملة مكتوب أيضاً في كولوسي 2 :
[ فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة أما الجسد فللمسيح. لا يُخسركم أحد الجعالة راغباً في التواضع وعبادة الملائكة متداخلا في ما لم ينظره منتفخاً باطلاً من قِبَل ذهنه الجسدي وغير متمسك بالرأس الذي منه كل الجسد بمفاصل ورُبط متوازراً ومقترناً ينمو نمواً من الله، إذاً إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض، لا تمسّ ولا تذق ولا تجس. التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس. التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية ] (كولوسي 2: 16 – 23)

عموما لابد من أن ننتبه للقانون الكنسي، الذي لا يدل إلا عن جوهر حياة المؤمن بشخص المسيح الكلمة وارتباطه به، الذي قال إن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحراراً …

ملحوظة هامة للغاية :
لنا أن نعلم أن كان هناك أحكام كنسية تطبق في حالة المخالفة على المخالفين، الهدف منها ليس القصاص أو التشفي أو الطرد والرفض والقهر والمزلة أو لأجل الدينونة هذا مستحيل على الإطلاق، بل الهدف فقط هو التوبة والرجوع للطريق المستقيم، والعقوبة أن تطرقت للحرمان بسبب مخالفة واضحة وصريحة في الإيمان الأرثوذكسي حسب المراجع الآبائية الصحيحة وليس حسب رأي شخصي أو فكر خاص، فليست من السهولة كما يتصورها البعض، من خالف يُقطع !!! فالقطع ليس بهذه السهولة على الإطلاق، وبالطبع هذا أبعد ما يكون عن أحكام الله الذي تهدف أن الكل يتوب ويتغير، ويرجع لله لتفرح السماء والكنيسة كلها، بل حينما تضطر الكنيسة أن تقطع أحد من الشركة تقطعه بعد سنين من المحاولات المستميتة مع الأصوام والصلوات الدائمة ومحاولة التصحيح والتنبيه، وأن اضطرت أن تقطع فبدموع وحزن عظيم، وأن عاد بعد ذلك تفرح فرحاً عظيماً وتُقيم عيد التوبة ورجوع نفس ضلت وعادت بقوة أعظم

*****************

(1) ( أنا طبعاً لست على تعمق في القوانين ولست عالماً بها وهذه تصوراتي الخاصة وأهل العلم والمعرفة في هذا المجال هم أفضل مني في الشرح والتفسير السليم )

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى