الارشاد الروحى

ما بين حياة البتولية (الرهبنة أو التكريس) والزواج

يتراءى لكثير من الناس، أن الرهبنة أو التبتل عموماً (حياة التكريس الخاصة) والزواج ينفيان أحدهما الآخر. ولكن لو تعمقنا قليلاً ودخلنا في عمق عمل الله الحلو ومقاصده، وامتلأت حياتنا بالروح القدس، فسيظهر أمامنا على الفور أن كل منهما يكمل الآخر ولا ينفيه أبداً !!!
فسرّ الزيجة يدخلنا – بطريقته الخاصة – في الوضع الرهباني والتكريسي كنوع من أنواع العفة الداخلية بحياة بذل من أجل الآخر واتحاد حقيقي مع الآخر في المسيح إلهنا الحي…

الرهبنة أو البتولية عموماً (كحالة خاصة) والزواج وجهان لسرّ واحد لا يقل شئناَ واحد عن الآخر، فكلاهما يسعيان لعُذرية الفكر الإنساني وبتولية الحياة المخصصة لحضور الله الحلو على نحوٍ خاص، لكي يصير الإنسان إناء مخصص لله الحي وليس لآخر سواه …

فعندما أمر الرب يسوع أن نسير في الطريق الضيق، لم يتوجه للرهبان أو المكرسين بدون زواج فقط بل لكل وأي إنسان يؤمن به …
ومن هنا على الراهب والمتزوج والمكرس .. الخ، أن يصلا للقمة ذاتها، فيقول القديس يوحنا ذهبي الفم في إحدى عظاته للمتزوجين: [ كونوا عفيفين بالزواج فتكونوا الأوائل في ملكوت الله وتنعموا به كاملاً ]
العفة الحقيقية، من حيث تكاملها الروحي والسامي جداً، لا تُحدّ بما هو فسيولوجي، لكنها تتخطاه إلى أن تشمل الإنسان داخلياً وليس مجرد ظاهرة يتصف بها الجسد رغم أنه يحفظها في قناة شرعية مقدسة جداً…

ولكن التساؤل السليم الذي يُطرح الآن على الجميع بلا أي استثناء هو: هل أنا أحيا في روح القداسة التي طالبنا بها الله [ كونوا قديسين ]، وهل أسعى لأصل للقامة التي يريدني الله أن أبلغها في طريقي الذي اخترته بكل إرادتي وحريتي ؟!!!

وعلينا أن نعي تماماً أن الحب الحقيقي يوحد الأفراد فيصنع من شخصين شخص واحد منسجم ويوحدهما مع الله الحي مصدر الحب النقي…
فالحب يجعل الاثنين واحداً فيخرجا من ضيق الأنا وكبرياء الذات ليصنعوا جسد جديد مرتبط بالحب الإلهي بعمل الروح القدس الحي في قلبيهما، فيصيروا فرح الله والكنيسة كلها…
فالحب في الزواج هو، من حيث الأصل، حامل للنعمة، فمادة سرّ الزيجة وعملته الخاصة هي الحب المتبادل، لذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
[ الزواج هو سرّ الحب ]

والكنيسة تؤكد عموماً على أن المعنى الأساسي للزواج أو الهدف الأخير له هو في الحب الزوجي الأصيل المعتمد على عمل الله في المنزل الذي يحيا فيه كلا الزوجين في حياة المخدع وكلمة الله الحلوة، ويدخل في تكامل الوحدة بين الزوجين لتصبح العائلة كنيسة بيتية واحدة وحيدة مقدسة فيها تظهر ملامح وحدة الجسد الواحد، لتعبر عن الكنيسة ووحدتها مع الله التي لا يُمكن أن تنحل…

ومن هذا المنطلق الاشتراكي في الجسد الواحد بين الزوجين في كمال الحب الإلهي الذي ينسكب عليهما كل يوم يرتبطان بعضهما في بعض كالرأس في الجسد الواحد، ويكونان كنيسة حقيقية لا تنفصل أو تنقسم على ذاتها أبداً، ومن هنا يستحيل الانفصال بين الطرفين لأنهما صاروا واحد في الرب يسوع، لأنهما صاروا يجتمعان في الله الحي، مرتبطان بالروح الواحد عينه الروح القدس، فينطبق عليهما قول الرب نفسه [ ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ]…

وماذا عن صراع الانفصال الأسري الذي نراه ونحياه اليوم !!!
هو بصراحة خروج عن الحب الأصيل ورفض وحدة الروح والقلب ونفي لوجود الكنيسة الحقيقية التي تحياها الأسرة المسيحية الحقيقية في المسيح يسوع، بل هو رفض المسيح شخصياً، ورفض حضوره المقدس للنفس، يا أما من أحد الطرفين يا إما كلاهما معاً !!!

وهنا نتساءل !!!
هل من يسير في طريق الزيجة، سائر في طريق الرب يسوع وحياة التوبة ونال سرّ الحب الحقيقي وتخلى عن أنانيته ويعيش أتضاع الرب يسوع !!!
وهل قادر على العطاء واحترام الآخر كعلاقة جسد برأس، ورأس بجسد !!! وهل هو قادر الآن أن يُعلن بجرأة و صراحة تامة قائلاً: [ أما أنا وبيتي فنعبد الرب ]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى