دراسة في الذبائح

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس – تابع المقدمة – معنى الذبيحة، يسوع يقدم نفسه ذبيحة (4)

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
جـ – (1) العهد الجديــــــــــد، (2) معنى الذبيحة
(3) يسوع يقدم نفسه ذبيحة

 

(1): العهد الجديد

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس – تابع المقدمة – معنى الذبيحة، يسوع يقدم نفسه ذبيحة (4)نجد في العهد الجديد استمرار وتفوق، فعوض أن كانت الذبيحة كرمز، أصبحت تنطبق على المرموز إليه، وتحققت في كمال اتساعها، وعموماُ – كما أوضحنا في العهد القديم – نجد أن ربنا يسوع يرجع إلى الفكرة النبوية عن أولوية النفس على الطقس:
” فأن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هُناك قُربانك قُدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذٍ تعالى وقدم قُربانك ” ( مت 5: 23 – 24 )
ويوضح بالنسبة لعلاقتنا معه وبالتالي مع القريب: ” ومحبته (الرب) من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح ” ( مرقس 12: 13 )
وبرجوعه للمفهوم الباطني الذي شُرح في العهد القديم لتوضيح الديانة الباطنية من القلب، يعدّ الأذهان لتفهم معنى ذبيحته الخاصة أي ذبيحة نفسه، فنجد أنه من عهد لعهد يقوم استمرار وتفوق، فالاستمرار يبدو في انطباق عناصر الذبيحة – في العهد القديم – على موت المسيح له المجد، والتفوق يظهر بفضل طابع الأصالة المطلقة في تقدمة يسوع :
” الذي هو رمز للوقت الحاضر الذي فيه تقدم قرابين و ذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يخدم ” (عب9: 9)
” ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً ” (عب9: 12)
” لأنه لا يمكن أن دم ثيران و تيوس يرفع خطايا ” (عب10: 4)
” لأنه أن كان دم ثيران و تيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد ” (عب9: 13)
” فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ” (عب9: 14).

والواقع أن هذا التفوق والتميز الفائق يُدخل في العالم حقيقة جديدة في ملئ جوهرها وطبعها الإلهي، وهي حقيقة الفداء والخلاص الأبدي الذي صُنع بدم عهد جديد، دم ابن الله الحي الذي يطهر النفس والضمير والقلب والفكر، طهراً أبدياً يفوق كل حدود إمكانيات البشر وفكرهم الخاص:
” في تقديس الروح للطاعة و رش دم يسوع المسيح لتكثر لكم النعمة و السلام ” (1بط1: 2)
” فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع ” (عب10: 19)
” إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ” (1يو1: 7)

(2): معنى الذبيــــــــــة

على ضوء دراستنا في العهد القديم، نستطيع أن نتعرف على معنى الذبيحة بوضوح ويُسر، والتي كان تركيزها الأساسي على التقديس والتكريس للرب: ” كونوا قديسين ” لكي يكون شعب إسرائيل شعب مخصص للرب من بين جميع الشعوب، وملخص معنى الذبائح كالآتي ( كما جاء في القاموس اللاهوتي الألماني لكيتل ): [ الذبيحة هي استحداث وَضع، من خلاله يُمكن أن يُستعلن الله نفسه بقصد تنظيم علاقة بينه وبين شعبه].
فبواسطة نظام الذبائح – في العهد القديم – أراد الله أن يكون له علاقة وتعامل شخصي مع شعبه. وأول مثل لذلك – كما رأينا سابقاً – ما جاء في بداية تعامل الله مع إبراهيم أب الآباء: ” فآمن بالرب فحسبه له براً. وقال له أنا الرب أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها. فقال أيها السيد الرب بماذا أعلم أني أرثها. فقال له خُذ لي عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً ويمامة وحمامه. فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه…. ولما صارت الشمس إلى المغيب وقع على إبرام ثبات وإذا رعبه مظلمة عظيمة واقعة عليه…. في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً ” ( تكوين 15: 6 – 10 و12 و18 )
كذلك حينما أراد الله أن يُجرب إبراهيم في محبته وطاعته لله أكثر من كل شيء آخر طلب منه أن يقدم ابنه وحيده الذي يحبه وقبل فيه المواعيد ذبيحة، فأطاع ولم يتردد، ومنعه الله في آخر لحظة والسكين على رقبة ابنه، وأعدَّ له كبشاً للذبيحة عوضاً عن ابنه.

وفي هذا كان الله يُعبَّر أعظم تعبير – من خلال ابراهيم – عن أن الذبيحة لله هي في عينيه أقوى تعبير عن الحب والطاعة اللذين ارتبط بهما الإنسان بالله، ورد فعل الذبيحة بهذا الشكل هو رد الله على إبراهيم بعد تقديم ابنه بمحبة لله وطاعة منقطعة النظير:
” بذاتي أقسمت يقول الرب، أني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تُمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة… ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض ” ( تكوين 22: 16 – 18 )
وإذا أضفنا على شكل هذه الذبيحة الأشكال الأخرى التي وردت في الناموس، نستطيع القول أن الذبيحة دائماً للتعبير عن حضور الله ومعه نعمته وبره.

وإذا كان الأنبياء في أواخر الأيام – في العهد القديم – بدءوا يعلنون رفض الله لذبائح شعب إسرائيل، وكذلك المزامير – كما رأينا وشرحنا سابقاً – فلم تكن المعارضة على الذبائح في حد ذاتها، ولكن لأن الشعب بكهنته أهملوا القصد الأساسي من الذبائح الذي قامت عليه روحياً، وهو الوجود في حضرة الله لتكوين علاقة روحية تنمو مع الأيام مع التواضع والتقوى والإيمان والمحبة التي هي روح الطقس الذبائحي ومحوره، والتي كانت هي – بحد ذاتها – الذبائح الحقيقية والفعلية المقدمة لله. وهكذا حلَّت التقدمات المادية والشكلية عوض العلاقة الشخصية الروحية والتسبيح والشكر للخلاص في حضرة الله. وهذا كان بالنص، محور تبكيت الأنبياء والمزامير:
” أسمع يا شعبي فأتكلم يا إسرائيل فأشهد عليك. الله إلهك أنا ( إني أنا الله إلهك )، لا على ذبائحك أوبخك، فأن محرقاتك هي دائماً قدامي… هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس؛ أذبح لله حمداً وأوفِ العلي نذورك، وادعني في يوم الضيق أُنقذك فتُمجدني !! ” ( أنظر مزمور 50: 7 و15 )
” أني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات ( وهو تحول باطني صادق = ذبيحة حقيقية مقبولة وليس أدق من موقف أب الآباء إبراهيم للتعبير عنها ) ” ( هوشع 6: 6 )
” بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ ( لم تشأ )، أُذنيَّ فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذٍ قلت هانذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني. أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت [ أعمل بمشيئتك يا الله ، شرعتك في صميم أحشائي ] ” ( مزمور 40: 6 – 8 )

عموماً طلب الله للعلاقة الروحية والحياة حسب الوصية بتقوى ومحبة كاملة له لم يكن يتعارض مع الذبائح إطلاقاً. ولكن بسبب التوقف عن القصد الأساسي من هذه الذبائح رفضها الله، لأن الله لا يرضى بشكل أو مظهر لأنه لا يتعامل مع المرائي أو من له صورة التقوى وينكر قوتها …

(3) يسوع يُقدم نفسه ذبيحة

أ – تمهيــــــــد

نجد في العهد الجديد أن يسوع عندما كان يُنبئ عن آلامه، يستخدم نفس ذات الكلمات والألفاظ التي كانت تتميز بها ذبيحة التكفيرية التي ذُكرت في سفر إشعياء النبي:
إنه يأتي ” ليخدم ” διακονηθηναι – to serve ، ” يبذل حياته – يبذل نفسه – يعطي حياته ” δοναι τήν ψυχήν – to give life ، ويموت ” فداءً ” λύτρον – ransom/an atonement عن كثيرين [ يفتدي أسير أو يحرر أسير – يكفر بالآلام والموت ]
” لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأتِ ليُخدم، بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ” ( مرقس 10: 45 )
” لأني أقول لكم إنه ينبغي ( يجب – يتحتم ) أن يتم فيَّ أيضاً المكتوب وأُحصيَّ مع أثمه ” ( لوقا 22: 37 )
” وأما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم… من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها لذلك أقسم له بين الأعزاء… من أجل أنه سكب للموت نفسه ( بذل نفسه ) وأُحصيَّ مع أثمه، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” ( إشعياء 53: 10 – 12 )

وفضلاً عن ذلك ففي العشاء الفصحي الأخير، يؤكد الرب يسوع المسيح على وجود علاقة مقصودة ومحدده بين موته وذبيحة الحمل الفصحي. ولنتتبع قول الرب في الأناجيل ونلاحظ ما قيل بترتيب عجيب:

1 – ” وكان فصح اليهود قريباً فصعد كثيرين من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهروا أنفسهم فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل ماذا تظنون هل هو لا يأتي إلى العيد وكان أيضاً رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمراً إن عرف أحد أين هو فليدل عليه لكي يمسكوه ” ( يوحنا 11: 55 – 57 )

2 – ” ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات فصنعوا له هناك عشاء.. ” ( يوحنا 12: 1و2 )

3 – ” تعلمون أنهُ بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسّلَّم ليُصلب [ صيغة مبني للمجهول، الآب يُسَلَّم لأنه هو الباذل بالمحبة، والابن يُسلَّم ذاته بإرادته وسلطانه بنفس ذات محبة الآب ] ” ( متى26: 2 )

4 – ” وأما يسوع قبل عيد الفصح [ الفصح يعني العبور، وهنا الإشارة إلى عبور المسيح الموت، وهذا هو الفصح الحقيقي، أي الانتقال من الوضع الحاضر إلى المشاركة في مجد الآب بالبشرية التي اتحد بها في سر تجسده، بالقيامة والصعود] وهو عالم أن ساعته قد جاءت (( يعي الرب وعياً تاماً بمجيء ساعته وأهمية الأحداث التي ابتدأت ويستقبلها بملء حريته وإرادته )) لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى ” ( يوحنا 13: 1 )

وأخيراً يرجع صراحة إلى خروج 34: 8، مبيناً الصورة التي استخدمها موسى: ” دم العهد “:
” وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال : هوذا دم العهد דַם־הַבְּרִת الذي قطعه الرب معكم على هذه الأقوال ” ( خروج 24: 8 )
” وقال لهم يسوع : هذا هو دمي الذي للعهد covenant الجديد αἷμά μου τῆς διαθήκς الذي يُسفك من أجل كثيرين ” ( مرقس 14: 24 )

على أن الإشارة هنا إلى الحمل الذي يُخلّص بدمه الشعب اليهودي، وإلى ذبائح سيناء التي تُثبت العهد القديم، وإلى موت العبد التكفيري، وهي إشارة تؤكد بوضوح طابع الذبيحة في موت الرب يسوع: [[ فهذا الموت الذي يموته المسيح – له المجد – ليس كذبائح العهد القديم تفيد مقدمها إلى طهارة الجسد وتعجز عن تطهير الضمير وتغيير القلب من الداخل، بل موته يُفيد الجميع ويعطي غفران الخطايا وغسل الضمير من الداخل ، فبذبيحته يكرس العهد النهائي وميلاد شعب جديد ، بل وموته يصبح ينبوعاً للحياة … ]]

أما الإفخارستيا التي أُسست لتجعل قربان الصليب الواحد حاضراً كذكرى ( άνάμνησις anamnesis) في إطار مائدة مقدسة، فهي تربط الطقس المسيحي الجديد بذبائح وحدة الاتحاد القديمة والتي كانت تحمل في طياتها رمز الذبيحة الجديدة والنهائية :
+ ” وتأخذ دقيقاً وتخبزه اثنى عشر قُرصاً عُشرين يكون القرس الواحد ، وتجعلها صفين ، كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب ، وتجعل على كل صف لُباناً نقياً فيكون للخبز تذكاراً وقوداً للرب ” ( لاويين 24: 5 – 7 )

وعلى هذا النحو فإن تقدمة يسوع المسيح في واقعها الدموي وتعبيرها السري ، توجز وتُتمم تدبير الذبائح في العهد القديم : فهي في وقتٍ واحد

* محرقة ὁλοκαύτωμα

Holocaust – a whole burnt-offering
تقدمة ( قربان = ذبيحة ) صحيحة وسليمة ، غير مكسورة أو مقسومة ، تُقدم لتُحرق بالتمام ، بتمامها ( وسوف نشرحها بالتفصيل الشديد حينما نتكلم عن ذبيحة المحرقة وطقس تقديمها )

* وتقدمة كفارة ، وذبيحة اتحاد

التقدمة προσΦορά ؛ الذبيحة θύσια
الذبيحة = فعل التقدمة مضافاً إليه عنصر الألم حتى الموت

ونلاحظ الفرق ما بين ” التقدمة ” و” الذبيحة “:
فالتقدمة تتم أولاً، لأن الرب يسوع قدم نفسه أولاً بحريته وإرادته وحده، ثم تُرفع كذبيحة أمام الله، وهذا ورد في التقليد الليتورجي القديم، فأن القداس الإلهي يبدأ بتقديم الحمل، وهذا هو عمل ليتورجي قائم بذاته، ثم يليه قداس الذبيحة؛ ففي تقديم الحمل يتحول بالسرّ الغير المادي الخبز والخمر إلى حمل مُهيأ للذبيحة θύσια، وفي القداس ندخل في سر الحمل المذبوح، وتُرفع الذبيحة بالتقدمة προσΦορά

ب – يسوع المسيح حمل الله:

في العهد القديم قدم إبراهيم ذبيحة لله كبشاً عوضاً عن ابنه اسحق: ” فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم إبراهيم: فقال هاأنذا، فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تُمسك ابنك وحيدك عني، فرفع إبراهيم عينيه ونظر: وإذا كبش وراءه مُمسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه ” ( تكوين22: 11 – 13 )

أما في العهد الجديد فيسوع هو نفسه الحمل الذي رفع خطية العالم بتقدمة ذاته على الصليب بإرادته وسلطانه وحده، كما يصفه إنجيل يوحنا: ” ها هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ” ( يوحنا 1: 29 )
وقد مات يسوع في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة السابق لعيد الفصح، وهي الساعة التي كانت تُذبح فيها أمام الهيكل بأورشليم، الحملان الفصحية، ويؤكد إنجيل يوحنا هذا الشبه بين يسوع والحمل الفصحي، عندما يُشير إلى أن يسوع وهو على الصليب لم يُكسر له عظم على مثال الحمل الفصحي:

+ ” ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً، سأل اليهود بيلاطس أن يُكسر سيقانهم ويُرفعوا، فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معهُ وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات… والذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنهُ يقول الحق لتؤمنوا أنتم، لأن هذا لكي يتم الكتاب القائل عظم لا يُكسر منه ” ( يوحنا 19: 31 – 36 )
+ ” وقال الرب لموسى وهارون: هذه فريضة الفصح… في بيت واحد يؤكل، لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج وعظماً لا تكسروا منه ” ( خروج 12: 43و 46 )
+ ” يحفظ جميع عظامه. واحده منها لا ينكسر ” ( مزمور 34: 20 )

لقد افتدانا يسوع من الخطية التي ملكت بالموت مظهراً أن العبادة الحقيقية ليست تقدمة ذبائح الحيوانات، بل تقدمة الذات في سر الموت والقيامة مع المسيح لتتميم إرادة الله في البرّ والقداسة. وهذا ما يشرحه القديس بولس الرسول بقوله: ” لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، قد أعتقني ( فكني – حررني) من ناموس الخطية والموت، لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه فيما كان ضعيفاً بالجسد [ ما لم يستطعه الناموس لعجزة بسبب الجسد ] فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ، ولأجل الخطية دان الخطية [ قضى على الخطية ] في الجسد، لكي يتم حكم ( برّ ) الناموس فينا ” ( رومية 8: 2 – 4 )

ولنفهم كلمات القديس بولس الرسول على ضوء النبوات التي تشرح سر عمل الله في قلوبنا بناموس روح الحياة في المسيح يسوع:

” هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أرد سبيهم يباركك الرب يا مسكن البر يا أيها الجبل المقدس… لأني أرويتُ النفس المُعيية وملأت كل نفس ذائبة … ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعهُ مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب، لأنهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب. لأني أصفح عن أثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد [ وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابته فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلمكم أحد، بل كما تُعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً. كما علمتكم تثبتون فيه ( 1بطرس 2: 27 ) ] ” ( أرميا 31: 23 ، 25 ، 27 – 34 )

” وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلباً جديداً واجعل روحي في داخلكم ( لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، قد أعتقني ( حررني ) من ناموس الخطية والموت ) وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها… وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً. وأخلصكم من كل نجاساتكم ” ( حزقيال 36: 25 – 29 )

” هكذا قال السيد الرب: هانذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل [ و أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع (أفسس 2 : 6) ]. فتعلمون إني أنا الرب عند فتحي قبوركم وإصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي. واجعل روحي فيكم فتحيون، وأجعلكم في أرضكم فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل يقول الرب ” ( حزقيال 37: 12 – 14 )

ومن خلال هذه النبوات وكلمات القديس بولس يتضح لنا أنه إذا تجدد الإنسان داخلياً بسر عمل الله في المسيح يسوع وتحوَّل بروح الله الذي يرسله الآب لنا باسم يسوع ليسكن ويحل فينا [ واجعل روحي فيكم فتحيون – و أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم بكل ما قلته لكم (يو 14 : 26) ]، يستطيع (الإنسان المؤمن) بسهولة ومحبة أن يطيع مشيئة الله، فهي لم تعد إكراها وغصباً، لأنها لا تُفرض عليه من الخارج، بل صارت الشريعة، شريعة روح الحياة المحفورة بنور الله في القلب من الداخل، لتناسب الحياة الجديدة التي أخذناها بولادتنا الجديدة من فوق…

فالمسيح يسوع له المجد، اتخذ على وجه تام مصير وضعنا الخاطئ، بدون أن يكون هو خاطئ لأنه بار بالطبيعة، وببره يبرر الكثيرين: ” لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه ” ( 2كورنثوس 5: 21)، ” الذي حَمَلَ هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ. الذي بجلدته شُفيتم ” ( 1 بطرس 2: 24 )، ” وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا ” ( 1يوحنا 3: 5 )، ” المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا. لأنه مكتوب: ” ملعون كل من عُلق على خشبة “، لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع. لننال بالإيمان موعد الروح ” ( غلاطية 3: 13 – 14 )

فقد صار الرب يسوع نفسه ذبيحة كفارة حقيقية كاملة تامة، وهنا تحقق كمال فعل الذبيحة القديمة في المسيح يسوع، فأُبطلت كل الذبائح وانتهت تماماً لأن المسيح نفسه وبذاته أي بشخصه الإلهي هو الذبيحة الحقيقية، والذي بموته حكم على الخطية في الجسد وقضى على فعلها وأفرغها من سلطانها وأبطل الموت الذي هو حكمها كنتيجة طبيعية ملازمة لها…

ففي ذبيحة الخطية في العهد القديم، يكشف موت الذبيحة المقدمة عوض الخاطي، عن الحكم الملازم للخطية، لأن الخطية خاطئة جداً ومن يفعلها يموت، لأن نتاجها الطبيعي الذي يتبعها وملازم لها هو الموت وهذ هي مشكلتها الحقيقية التي تتبعها، أما في المسيح يسوع، يتم إماتة الخطية في الجسد، ليُميت الجسد التي تعمل فيه الخطية، وبالتالي يفرغها من سلطانها إذ يصنع بحياته إنسان جديد فوقاني بجسد جديد لا يتعامل مع الخطية، فلا يعود لها سلطان لأنها ميتة والإنسان المؤمن في المسيح ميتة بالنسبة له، فلا يتعامل معها مرة أخرى لأن لا سلطان لها عليه، حتى لو ضعف وسقط، بل يقوم فوراً لأن الموت أُبتُلع لحياة ، ومن المستحيل أن يسود موت على حياة !!!

وتتوسع الرسالة إلى العبرانيين في معنى الفداء: [ لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين، يُقدس إلى طهارة الجسد ( الطهارة الطقسية المطلوبة للاشتراك في العبادة القديمة )، فكم بالحري ( بالأولى ) يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم ( بحرية ) نفسه ( قرباناً ) لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ] ( عبرانيين 9: 13 و14 )

وبلا عيب في هذه الآية: تضع ذبيحة ربنا يسوع المسيح من جهة الأفضلية من كل الذبائح الحيوانية التي لم تقوى على طهارة النفس والضمير من الداخل، لأنها ذبيحة تحمل حياة الله وقوته فيها، ومن ذلك تأتي فاعليتها لتطهير الضمير واتحاد الإنسان بالله بالسر في المسيح يسوع.

والرسالة للعبرانيين توضح أن كل ذبائح العهد القديم ما هي إلا رمز لذبيحة العهد الجديد، بدم حي مُحيي يُعطي شفاء حقيقي:

” لأنه لا يمكن [ مستحيل ] أن دم ثيران وتيوس يرفع [ يُزيل ] الخطايا. لذلك عند دخوله إلى العالم [ المسيح ] يقول: ذبيحة وقرباناً لم تَرد، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ، ثم قلت: هنذا أَجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله، إذ يقول آنفاً [ أولاً ] إنك ذبيحة وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم تُرد، ولا سُررت بها، التي تُقَدَم حسب [ بموجب ] الناموس، ثم قال: هنذا أَجيء لأفعل مشيئتك يا الله، ينزع الأول [ العبادة الأولى ] لكي يُثبت الثاني، فبهذه المشيئة نحن مُقدسون بتقديم [ بالقربان الذي قُدمَ فيه ] جسد يسوع المسيح مرة واحدة ” ( عبرانيين 4 – 10 ) ( أنظر للأهمية إشعياء 53: 4 – 12 )

وفي العهد الجديد عموماً يظهر في موت الرب تحقيق النبوات القديمة، ولاسيما نبوه إشعياء عن عبد الرب [ لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائرا في شبه الناس (في 2 : 7) ]الذي سيحمل خطايا كثيري: ( أنظر للأهمية إشعياء 53: 4 – 12 )

وهذا المعنى الذي نجده في العهد الجديد وفي الكنيسة الأولى لموت المسيح، قد عَبَّرَ عنه يسوع نفسه في العشاء الفصحي الأخير الذي تناوله مع تلاميذه فيقول بولس الرسول: ” لأنني تسلمت [ تقليد ] من الرب ما سلمتكم [ أنظر لوقا 22: 14 – 20 ] أيضاً: أن الرب يسوع في الليلة التي أُسلِمَ فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي [ يُعطى ] المكسور لأجلكم، أصنعوا هذا لذكري ” ( 1كو 11: 23،24 )

ويوضح القديس لوقا عبارة ” الذي هو لأجلكم ” بقوله: ” وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم ( لأجلكم ) ” ( لوقا 22: 19 )؛ ” وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً : هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم ( لأجلكم ) ( لوقا 22: 20 )
ويُضيف إنجيل متى الرسول: ” لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ” ( مت 26: 28 )

لقد رأى يسوع أن رفض اليهود لرسالته وحقدهم عليه [ بسبب كشفه لقلوبهم وضمائرهم ] سيقودهم إلى قتله، فانتظر الموت [ لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة (يو 12 : 27) ]، إلا أنه جعل من موته : لحظة مغفرة ومسامحة وغفران للذين سيقتلونه، فلقد أعطى موته معنى الفداء الحقيقي [ في الليلة التي سَلَمَ فيها نفسه ]، وبينما كان معه على العشاء يهوذا [ الذي سَلَمهُ للموت ] مُمثلاً حقد اليهود وخطايا العالم أجمع [ متى 26 : 21 – 25 ]

وقد شهد الرب عن نفسه قائلاً: ” أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه [ حتى الموت ] عن الخراف، وأما الذي هو أجير وليس راعياً، الذي ليست الخراف لهُ، فيرى الذئب مُقبلاً ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويُبددها، والأجير يهرب لأنه أجير ولا يُبالي بالخراف، أما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي، وخاصتي تعرفني ، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب، وأنا أضع نفسي عن الخراف، ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضاً، فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد، لهذا يُحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً، ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها من ذاتي، لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي ” ( يوحنا 10: 11 – 18 )
فهو قبل موته يسبق ويُعطيه معنى الفداء، فيبذل حياته بحريته، يعطي جسده ودمه، لأجل أحباؤه وأعداءه، ويكسر الخبز ويقول: [ هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم ]
ويسكب الخمر في الكأس ويقول: [ هذا هو دمي الذي يُسفك عن كثيرين ]
وقال وحدد بدقة [ هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي ]

لقد أعطى يسوع حياته ليُنشئ عهداً جديداً بين الله والناس. وهكذا كان موته نقطة انطلاق لحياة جديدة في العالم، ومن البشرية التي قتلته بُعث شعباً جديداً مقدساً، وهم أولاً جماعة التلاميذ الذين آمنوا به وبذل يسوع حياته لأجلهم كما جاء في إنجيل لوقا: [ هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم ]

وهو أيضاً للعالم كله – بلا استثناء – بحسب ما جاء في متى ومرقس: [ هذا هو دمي الذي يُسفك عن كثيرين ] ولفظة الكثيرين = الجميع، وكما قال القديس بولس الرسول: [ لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع … ] ( 1 تيموثاوس 2: 5و6 ) .

+ تقدمة يسوع تُنشأ عهداً جديداً:

في الحقيقة أن تقدمة يسوع ذاته للموت أنشأت عهداً جديداً، والعهد يتضمن طقوساً وشريعة وشعب. فالعهد القديم أُنشئ بين الله وشعبه على يد موسى بواسطة دم الحيوانات [ كما قلنا سابقاً في خروج 24: 8 ” وأخذ موسى الدم ورشه على الشعب وقال : هوذا دم العهد الذي عاهدكم به الرب على جميع هذه الأقوال ” ]، أما يسوع رب المجد الله المتجسد أنشأ عهداً جديداً بدمه الخاص، [ ” دم كريم كما من حمل بلا عيب و لا دنس دم المسيح ” (1بط 1 : 19)، ” دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ” (عب 9 : 14) ]

والعهد القديم كان مبنياً على شريعة أُعطيت لموسى [ الناموس بموسى أُعطى ]، أما العهد الجديد فمبني على تعاليم الرب يسوع التي تُكتب لا على حجر بل في القلب [ ” لأن هذا هو العهد الذي أعهدة مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ” (عب 8 : 10) ( إرميا 31: 33 ) ]، وتعاليم الرب ليست تعاليم كلامية تُحفظ في الفكر كمعلومة لها بريقها ورونقها، بل هي قوة حياة تُحيي النفس ، معها نعمة قوية تعمل في القلب سراً، فتنقي القلب وتُحيي الأموات بالخطايا والذنوب، وترفع الإنسان لمستوى الشركة مع الله بالحب [ أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به (يو 15 : 3) الكلام الذي أكلمكم به هو روح و حياة (يو 6 : 63) ]، ولذلك قال في إنجيل يوحنا موضحاً أن الناموس بموسى أُعطيَّ، أما النعمة والحق فبيسوع قد صارا ( يوحنا 1: 17 )

وفي العهد القديم نشأ مع موسى شعب الله المكوَّن من الشعب اليهودي، أما في العهد الجديد فنشأ بالمسيح شعب الله الجديد، جنس مختار كهنوت ملوكي أمة مقدسة بدم ابن الله الحي القدوس، وصار كل من يؤمن رعية مع القديسين وأهل بيت الله [ ” و أما انتم فجنس مختار و كهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب ” (1بط 2 : 9)، ” فلستم إذاً بعد غرباء و نزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ” (اف 2 : 19) ]
فالرب يسوع المسيح ملك المجد، صليبه صار نبع الغفران للجميع، لكل من يؤمن، ويصير به الكل مُصَالح مع الله [ وأنا أن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع ” ( يوحنا 12: 32 ) ]

فالمسيح ابن الله الكلمة المتجسد لم يمت فقط عن الأمة اليهودية، بل عن الجميع كما قال القديس يوحنا الرسول: [ فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا: ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آياتٍ كثيرة، إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأُمتنا، فقال لهم واحدٍ منهم وهو قيافا، كان رئيس للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون أنهُ خيرٌ لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها.
ولم يقل هذا من نفسهُ بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة وليس الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد ( يوحنا11: 47 – 52 ) ]

وعندما طُعن أحد الجنود الرب [ ولكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة فللوقت خرج دمٍ وماء ( يوحنا 19: 34 ) ] فالكنيسة، شعب العهد الجديد، وُلِدت من آلام يسوع الخلاصية، بسر الماء والدم، وُلِدَت من فيض محبة الله التي ظهرت لنا في موت يسوع المسيح، وهي تترعرع وتنمو بقدر ما تشترك في تلك المحبة وتُحققها في حياتها .

لقد عاش يسوع تلك المحبة بتقدمة ذاته على الصليب، ويطلب من كل من يُريد أن يتبعه ويتتلمذ لهُ أن يدخل في تيار محبته: [ وقال للجميع ( لم يستثني أحد ) إن اراد أحد أن يأتي ورائي ( يتبعني ) فليُنكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم ( وكل يوم يعني شريعة يومية دائمة لحياة المسيحي الحقيقي ) ويتبعني ( لوقا 9: 23 ) ]

وفي العشاء السري طلب يسوع من تلاميذه أن يأكلوا جسده ويشربوا دمه [ خذوا كلوا، هذا هو جسدي … اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي … ]، لأن كل من يأكل – بالإيمان – ذبيحة المسيح ابن الله الكلمة المتجسد والقائم بمجد عظيم، يدخل في جميع معاني هذه الذبيحة المقدسة جداً ويلتزم بكل متطلباتها ، فيقدم حياته مع المسيح [ مع المسيح صلبت ] ويغفر ويحب كما غفر المسيح لصالبيه، وهكذا يتحقق فيه العهد الجديد الذي أنشأه المسيح يسوع بدمه الكريم بين الإنسان والله، عندما تسري في عروقه حياة الله، حياة المحبة والغفران، وهكذا يتحقق على مدى الزمن والتاريخ الخلاص الذي حققه يسوع بموته على الصليب ,

عموماً، إن ذبيحة المسيح – له المجد – على الصليب هي ذبيحة كاملة ونهائية للتكفير عن خطية الإنسان وخلاصه، فالذبائح جميعها – في العهد القديم – لم تكن إلا رمزاً لذبيحة المسيح النهائية والكاملة، فلم يكن الناموس بكل ذبائحه وفرائضه وأحكامه [ بقادر أن يُحيي ]، بل كان الناموس ” مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان ” ( غلاطية 3: 21 و 24 )، [ لأنه لا يُمكن ( مستحيل ) أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا… نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. وكل كاهن يقوم كل يوم يخدم ويقدم مراراً كثيرة تلك الذبائح عينها التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية، أما هذا ( المسيح ) فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله… لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين ] ( عبرانيين 10: 4 14 )

ومن ثَمَّ فقد أبطلت ذبيحة المسيح يسوع كل الذبائح القديمة، التي كانت تقدم مراراً وتكراراً ولا تقدر أن تنزع الخطية لا من فكر الإنسان ولا من ضميره، فقد تعددت ذبائح العهد القديم – كما سنرى لا حقاً – لأن ذبيحة واحدة لم تكن كافية للتعبير عن الجوانب المختلفة لذبيحة المسيح، ونجد أسفار العهد الجديد [ ما عدا يعقوب ويهوذا ] تُشير إلى موت المسيح كذبيحة الكاملة عن الخطية ، وقد أشار المسيح يسوع نفسه ثم الرسل إلى ذلك ، فإليه كانت ترمز وتُشير :

(1) ذبيحة العهد [ مرقس 14: 24 ؛ متى 26: 28 ؛ لوقا 22: 20 ؛ عبرانيين 9: 15 – 22 ]
(2) المحرقة [ أفسس 5: 2 ؛ عبرانيين 10: 4 – 9 ]
(3) ذبيحة الخطية [ رومية 8: 3 ؛ 2كورنثوس 5: 21 ؛ عبرانيين 13: 11 ؛ 1بطرس 3: 8 ]
(4) خروف الفصح [ 1كورنثوس 5: 7 ؛ يوحنا 1: 29 و 36 ]
(5) ذبيحة يوم الكفارة [ عبرانيين 2: 17 ؛ 9: 12 – 14 ]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى