دراسة في الذبائح

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس – تابع المقدمة – تطور طقوس الذبائح؛ من الطقوس إلى الذبيحة الروحية (3)

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
ب – العهــــــــــــدالقديـــــــم
أولاً: تطور طقوس الذبائح؛ ثانياً: جوانب الذبيحة المختلفة
ثالثاً: من الطقوس إلى الذبيحة الروحية

أولاً : تطور طقوس الذبائح

1 – من البساطة الأصلية:
تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس - تابع المقدمة - تطور طقوس الذبائح؛ من الطقوس إلى الذبيحة الروحية (3)في حقبة بعيدة القدم، يُشير إليها تاريخ الكتاب المقدس، تتميز مجموعة الطقوس بالبساطة البدائية التي تناسب عادات البدو الرُحَّل، أو نصف الرُحَّل وهي تتسم بإقامة مذابح بسيط، ورفع الدعاء للاسم الإلهي ببساطة شديدة، وتقدم حيوانات أو محاصيل الأرض: ” وحدث من بعد أيام أن قايين قدَّم من أثمار الأرض قرباناً للرب…؛ وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أُعطي هذه الأرض فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر لهُ ثم نقل من هُناك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق، فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب ثم ارتحل إبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب ” ( تكوين 4: 3 ؛ 12: 7 – 9 )

ونلاحظ أنه لا يوجد أماكن ثابتة لتقديم الذبائح بل عادة تُقدم في المكان الذي يظهر الله فيه، والمذبح الترابي البدائي والبسيط جداً في مظهره، والخيام التي تفك وتُبسط، يشهدان بطريقتهما الخاصة على الطابع غير الثابت والمؤقت لأماكن العبادة القديمة: ” مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقات وذبائح سلامتك، غنمك وبقرك في كل الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأُباركك ” ( خروج20: 24 )، ” تحفظ عيد الفطير، تأكل فطيراً سبعة أيام كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنهُ فيه خرجت من مصر ولا يظهروا أمامي فارغين ( ذكورك ) ” ( خروج 23: 15 )
وكذلك نلاحظ أنه لم يكن هناك خدام مخصصون لبناء المذبح أو تقديم الذبيحة أو العطايا لله، فرب الأسرة أو رئيس القبيلة، والملك في العهد الملكي، هم الذين يقدمون الذبائح. إلا منذ زمن مبكر، أخذ بعض الرجال المختارين خصيصاً ليقومون بهذه الخدمة والوظيفة الخاصة: ” وللاوي قال ( موسى ) تُميمُك وأُريمُك لرجلك الصديق الذي جربته في مسه وخاصمته عند مريبة، الذي قال عن أبيه وأمه لم أَرَهما وبإخوته لم يعترف وأولاده لم يعرف، بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك يُعلمون يعقوب أحكامك وإسرائيل ناموسك، يضعون بخوراً في أنفك على مذبحك ” ( تثنية 33: 8 – 10 )
فكما أن الهيكل على عهد يوشيا سيصبح المركز الوحيد لكل نشاط خاص بالذبائح، كذلك الكهنة سيجعلون إقامة الذبائح وقفاً على أنفسهم، حسب أمر الله بالطبع.

2 – إلى تشعب الطقوس:

نلاحظ أن بعد ذلك أن الطقوس تشعبت بشكل كبير ومتسع جداً، وقد نجم هذا بسبب ما أتى به التاريخ من تجديدات متوالية وتطور العلاقة بين الشعب والله. ونلمس – في الواقع – تطوراً في الاتجاه نحو الكثرة والتنوع والتخصص في الذبائح، وهناك أسباب كثيرة توضح هذا التطور الذي حدث بعد البساطة التي كانت تقدم بها العبادة والذبائح:
فالانتقال من الحياة البدوية والرعوية وكثرة الترحال في خيام من مكان لآخر إلى حياة الاستقرار والزراعة، والتأثير الكنعاني وخطورة الكهنوت المتزايدة، فشعب إسرائيل نجده كثيراً ما يقتبس عناصر كثيرة من جيرانه المحيطين به والشعوب الذي اختلط بها: فهو ينقيها ويُصححها ويروحنها حسب وصية الله، ليقدم العبادة لله كبكر وسط الشعوب …

وبالرغم من التمادي في تقديم العبادة لله بتدقيق، إلى أن وصل لحد المبالغة المفرطة والخروج عن الوصية الإلهية، نجد أن إسرائيل قد وقع – عن عدم وعي – في خطر العبادة الباطلة والتي لا تُرضي الله، والذي أخذ تحذير بشأنها لكي لا يُشابه الشعوب الذي طردها الرب من أمامه:
” هل يُسرّ الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت، هل أُعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي ” ( ميخا 6: 7 )
” ونزر يفتاح نذراً للرب قائلاً: إن دفعت بني عمون ليدي فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة ” ( قضاة 11: 30 – 31 )
ويرفض إسرائيل حسب تحذير الرب أن يقدم ذبائح بشرية، فهو جرم عظيم، ولا يعتبر عبادة بل هو حرم وإيقاع شر أمام عيني الرب:
” لا تعمل هكذا للرب إلهك لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب، مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم ” ( تثنية 12: 31 )
” لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافة ولا عائف ( ممارس سحر ) ولا متفائل، ولا ساحر، ولا من يرقي رقيه، ولا من يسأل جاناً أو تابعة ( امرأة تعمل في السحر )، ولا من يسأل يستشير الموتى، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك ” ( تثنية 18: 10 – 12 )

عموماً، قد اغتنى شعب إسرائيل بالاقتباس من تُراث الشعوب الأخرى في العبادات، ممارساً بذلك وظيفته كوسيط، موجهاً من جديد نحو الإله الحق بعض ممارسات طرأ عليها تحريف المفاهيم الوثنية. فهو نقاها حسب أمر الله ووصيته، وبذلك أخذت الطقوس الأولية البسيطة في التكامل والتشعب، مع الأخذ في الاعتبار تحذيرات الله للخلط ما بين وصيته وما بين المبالغة إلى الحد الذي فيه يتم مشابهة الشعوب الأخرى التي لم تتقي الله ولم تخافه وتهابه.

ثانياً : جوانب الذبيحة المختلفة

(1) أنواع مختلفة تظهر في التاريخ :
شهد الكتاب المقدس – منذ البداية – بوجود أنواع مختلفة من الذبائح. فالمحرقة ( عُوْلَه עֹלָה ) وهي تظهر في التقاليد القديمة، وفي عهد القضاة:
” وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح ” ( تكوين 8: 20 )
” فدخل جدعون وعمل جدي معزى وإيفة ( 45 لتر ) دقيق فطيراً.. فقال لهُ ملاك الله خذ اللحم والفطير وضعهما على تلك الصخرة … ففعل ذلك. فمد ملاك الرب طرفي العُكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير فصعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم والفطير… ” ( قضاة 6: 19و20و21 )
” فأخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب. فعمل عملاً عجيباً ( ملاك الرب ) ومنوح وامرأته ينظران فكان صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح.. ” ( قضاة 13: 19 – 20 )
فكانت الذبيحة تُحرق بجملتها [[ ( ثور، خروف، جدي، طائر ) وذلك – كما رأينا في المقدمة – تعبيراً عن الهبة الكاملة التي لا رجعة فيها ]]

وهناك نوع آخر من الذبائح كثير الانتشار عند الساميين، كان يقوم أساساً على مأدبة مقدسة، ذبيحة سلامة ( ذَبحْ شيلميم – זֽבָח שׁלָמִים)، أو ذبيحة شركة، فيأكل المؤمن ويشرب ” أمام الرب “: ” بل أمام الرب إلهك تأكلها في المكان الذي يختاره الرب إلهك أنت وابنك وابنتك وعبدك وأَمَتك واللاوي الذي في أبوابك وتفرح أمام الرب… ” ( تثنية 12: 18 )
” وانفق الفضة في كل ما تشتهي نفسك في البقر والغنم والخمر والمسكر وكُل ما تطلب منك نفسك وكُل هناك أمام الرب إلهك وافرح أنت وبيتك ” ( تثنية 14: 26 )
وقد خُتم عهد سيناء بذبيحة من هذا النوع: ” فكتب موسى جميع أقوال الرب وبكَّر في الصباح وبنى مذبحاً في أسفل الجبل واثني عشر عموداً لأسباط إسرائيل الأثني عشر، وأرسل فتيان بني إسرائيل فاصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب ” ( أنظر خروج 24: 4 – 8 )

ومن المؤكد أن كل مأدبة مقدسة لا تفرض – بالضرورة – وجود ذبيحة، إلا أنه في الواقع، ولائم الشركة هذه، في العهد القديم، كانت تشتمل على ذبيحة، فجزء من الذبيحة ( سواء كانت حيوان صغير أم كبير )، كان يُصبح من حق الله – سيد الحياة – كدمٍ مراق والدهن ( بحرقه على المذبح )، في حين كان يُستخدم اللحم كطعام للمدعوين ( وهنا بالطبع تتضح روح الشركة بين الله والإنسان، والإنسان مع أخيه في محضر الرب )، ونرى ذلك مشروح في الطقس بكل دقة في لاويين 3، فيقول الطقس: يضع المقدم ( مقدم الذبيحة ) على رأس الحيوان ويذبحه. يرش الكاهن الدم على المذبح وحوله. تُنزع الأحشاء ويُحرق الدهن كرائحة رضا ليهوه…

وأيضاً هناك طقوس تكفيرية ( ذبائح كفارية – כַּפֵּר ): ” ولذلك أقسمت لبيت عالي إنه لا يُكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلى الأبد ” ( 1صموئيل 3: 14 )

وأيضاً توجد ذبيحة أساسية ورئيسية منذ القديم، وهي ذبيحة المحرقة: ” وبنى نوح مذبحاً للرب… وأصعد محرقات … فتنسم الرب رائحة – רֵיחַ– الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصورات قلب الإنسان شرير منذ حداثته، ولا أعود أيضاً أُميت كل حي كما فعلت ” ( تكوين 8: 20 – 21 )
وقد اعتبرت هذه الذبيحة: رائحة سرور، إذ أنها تُمثل الطاعة القلبية لله
” وأما أحشاؤه وأكارعهُ فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب ” ( لاويين 1: 9 )
” ويوقدهن الكاهن على المذبح طعام وقود لرائحة سرور ( راحة )، كل الشحم للرب ” ( لاويين 3: 16 )

(2) نحو صورة جامعة في سفر اللاويين:
سفر اللاويين يعرض بأسلوب فني وصور نظامية العطايا المقدمة لله: أنظر من لاويين 1 إلى لاويين 7
” وكلم الرب موسى قائلاً: كلم هارون وبنية وجميع بني إسرائيل وقُل لهم: كل إنسان من بيت إسرائيل ومن الغرباء في إسرائيل قرب قربانه من جميع نذورهم وجميع نوافلهم [ تبرعاتهم ( أي تقدمة غير مفروضة على الإنسان ) ] التي يقربونها للرب محرقة للرضا عنكم يكون ذكراً صحيحاً من البقر والغنم أو الماعز، كل ما كان فيه عيب لا تقربوه لأنه لا يكون للرضا عنكم ( لا يرضى به منكم ).
وإذا قرب إنسان ذبيحة سلامة وفاء لنذر أو نافلة ( تبرع ) من البقر أو الأغنام، تكون صحيحة للرضا ( ليرضى به الرب )، كل عيب لا يكون فيها، الأعمى والمكسور والمجروح والبثير ( ليس به بثور أو خُرَّاج ) والأجرب والأكلف ( من له بقع مختلفة في جسمه – مرض جلدي أو بقع لونية مختلفة عن طبيعة جلدة الطبيعي )، هذه لا تقربوها للرب، ولا تجعلوا منها وقوداً على المذبح للرب. وأما الثور أو الشاه ( غنم أو ماعز ) الزوائدي أو القزم فنافلة ( تبرعاً ) ( لـ ) تعمله، ولكن لنذر لا يرضى به، ومرضوض الخصية ومسحوقها ومقطوعها لا تقربوا للرب، وفي أرضكم لا تعملوها ومن يد ابن الغريب لا تُقربوها خُبز إلهكم من جميع هذه، لأن فيها فسادها. فيها عيب لا يُرضى بها عنكم ( لا يُرضى به منكم ).
وكلم الرب موسى قائلاً: متى وُلِدَ بقر أو غنم أو معزى يكون سبعة أيام تحت أمه، ثم من اليوم الثامن فصاعداً يُرضى به قُرباناً وقود للرب، وأما البقرة أو الشاه فلا تذبحوها وابنها في يومٍ واحد، ومتى ذبحتم ذبيحة شكر للرب فللرضا عنكم تذبحونها، في ذلك اليوم تؤكل، لا تبقوا منها إلى الغد. أنا الرب ” ( لاويين 22: 17 – 30 )

ومن الواضح أن سفر اللاويين يختص بتنظيم العطايا المقدمة لله: الدموية والغير دموية، وجميع أنواع العطايا بلا استثناء …
ونلاحظ دقة السفر في سرد العطايا وتقديمها بدقة بدون أن يطغي طقس التقديم على روح الطقس نفسه الذي تُقدم به العطايا لله، لأن الحركات الدقيقة في الطقس تحمل معنى مقدساً يعمل سراً في قلب الإنسان مقدم العطية أو الذبيحة، مثل رفع الشكر لله القدوس، والرغبة في التكفير عن نفسه ليقدر أن يتقرب من الله ويتصالح معه ويُنشأ معه علاقة، وذلك يظهر في تقديم المحرقة: ” ويضع يده على رأس المحرقة فيُرضى عليه للتكفير عنه ” ( لاويين 1: 4 )
” وكان لما دارت أيام الوليمة أن أيوب أرسل ( أبناؤه ) فقدسهم، وبكر في الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم. لأن أيوب قال: ربما أخطأ بَنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم، هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام ” ( أيوب 1: 5 )

وفي خلفية بعض الاصطلاحات، يُكشف شعور عميق بقداسة الله، مع خوف ملازم من الخطية ( التي تُدمر حياة الإنسان وتضعه في خصومة مع الله )، وحاجة داخلية مُلَّحه للتطهير والتنقية.

إن مفهوم الذبيحة في هذه المجموعة الطقسية – التي تظهر في سفر اللاويين – يتجه إلى التركيز حول فكرة التكفير، والدم في ذلك يلعب دوراً هاماً، إلا أن فاعليته تتعلَّق في النهاية بالمشيئة الإلهية، وتفرض توفر مشاعر التوبة الصادقة من القلب:
[ التكفير عن النفس بالدم ] ” لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياهُ على المذبح للتكفير ( Cover – כַּפֵּר ) عن نفوسكم. لأن الدم يُكفَّر عن النفس ” ( لاويين 17: 11 )
[ المشيئة الإلهية ] ” أنا أنا هوَّ الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكُرها ” ( إشعياء 43: 25 )

والتعويض عن النجاسات الطقسية والأخطاء غير المقصودة كان يدفع المؤمنين عملياً نحو تطهير قلوبهم، كما أن الشرائع الخاصة بالطاهر والنجس كانت توحي للنفوس بالابتعاد عن الشرّ واقتلاعه من جذوره.
ووليمة الشيلميم ( السلامة ) تُتَرجَّمْ وتُحَقَق في الفرح والابتهاج الروحي وحدة الشركة بين المدعوين لهذه الوليمة، بعضهم مع بعض ومع الله، لأن الجميع يشتركون بالفرح والشكر في الذبيحة عينها ( كما سوف نرى أثناء شرحنا لذبيحة السلامة ).

ثالثاً: من الطقوس إلى الذبيحة الروحية

(1) الطقوس كعلامة للذبيحة الروحية:

الله في الكتاب المقدس لا يستفيد شيئاً على الإطلاق من ذبائح الإنسان المقدمة إليه، ولا يأخذ منها شيئاً ليحتفظ به لنفسه، فالله غير مدين للإنسان بشيء، بل الإنسان هو المدين لله بكل شيء، والإنسان هو الذي يحتاج لله بشدة، لأنه هو حياته ومصدر وجوده الحقيقي.
والطقس – في العهد القديم بكل اتساعه وشموله – يظهر بعض المشاعر الباطنية ويجعلها مرئية بالممارسة اليومية: كالسجود والطاعة ( محرقة ) والاهتمام بالوحدة الحميمة مع الله ( شيلميم = سلامة )، والاعتراف بالخطايا والتماس الغفران ( طقوس تكفيرية ).
وتدخل الذبيحة في الاحتفالات بالعهد مع المعبود الإلهي العظيم والمتعجب منه بالمجد: ” وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب ( عهد ) في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان، لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا أعود أيضاً أُميت كل حي كما فعلت مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف، وشتاء ونهار وليل لا تَزَال ” ( تكوين 8: 20 – 22 )
ولاسيما في سيناء: ” وأرسل فتيان بني إسرائيل فاصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس ونصف الدم رشه على المذبح وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع لهُ، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال ” ( خروج 24: 5 – 8 )

عموما مفهوم الذبيحة عن الإسرائيليين الأتقياء، هو أنها تُقدس الحياة القومية والأُسرية والفردية، وتُعمَل خصوصاً بمناسبة مزارات الحج والأعياد: ” وكان هذا الرجل ( أَلفانه ) يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه … ” ( 1صموئيل 1: 3 )
” وإذا افتقدني أبوك فقل قد طلب داود مني طلبة أن يركض إلى بيت لحم مدينته لأن هناك ذبيحة سنوية لكل العشيرة ” ( 1 صموئيل 20: 6 )
” وأمر الملك آحاذ أوريا الكاهن قائلاً: على المذبح العظيم أوقد محرقة الصباح وتقدمة المساء ومحرقة الملك وتقدمته مع محرقة كل شعب الأرض وتقدمتهم وسكائبهم ورش عليه كل دم محرقة وكل دم ذبيحة ومذبح النُحاس يكون لي للسؤال ” ( 2 ملوك 16: 15 )

وعموما فأن الحوار والخبر بعمل الله، والاعتراف بالإيمان، والاعتراف بالخطايا، وتلاوة المزامير، تبرز أحياناً وبشكل متسع المعنى الروحي ضمن الحركة المادية في تقديم الذبائح..

+ الحوار والخبر بعمل الله :

” ويكون حين يقول لكم أولادكم: ما هذه الخدمة لكم ” ( خروج 12: 26 )
” وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً: من أجل ما صنع إليَّ الرب حين أخرجني من مصر ” ( خروج 13: 8 ) [ وللأهمية أنظر خروج 24: 3 – 8 ]

+ الاعتراف بالإيمان :

” ثم تصرح وتقول أمام الرب إلهك. آرامياً كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرب هناك في نفر قليل فصار هناك أمه كبيرة وعظيمة وكثيرة، فأساء إلينا المصريون وثقلوا علينا وجعلوا علينا عبودية قاسية، فلما صرخنا إلى الرب إله آباءنا سمع الرب صوتنا ورأى مشقتنا وتعبنا وضيقتنا فأخرجنا الرب من مصر بيدٍ شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب وأدخلنا هذا المكان وأعطانا هذه الأرض أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. فلآن هأنذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني يا رب ثم تضعه أمام الرب إلهك وتسجد أمام الرب إلهك وتفرح بجميع الخير الذي أعطاه الرب إلهك لك ولبيتك أنت واللاوي والغريب الذي في وسطك ” ( تثنية 26: 5 – 11 )

+ والاعتراف بالخطايا:

” فاجتمعوا إلى المصفاة واستقوا ماء وسكبوه أمام الرب وصاموا في ذلك اليوم، وقالوا هُناك: قد أخطأنا إلى الرب… ” ( 1 صموئيل 7: 6 )
” فإن كان يُذنب في شيء من هذه يُقرّ بما قد أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها… ” ( لاويين 5: 5 – 6 )

+ وتلاوة المزامير :

” يا خائفي الرب سبحوه. مجدوه يا معشر ذُرية يعقوب. واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً، لأنهُ لم يحتقر ولم يُرذل مسكنه المسكين ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع من قِبَلك، تسبيحي في الجماعة العظيمة أوفي نذوري قُدام خائفيه، يأكل الودعاء ويشبعون، يُسبح الرب طالبوه، تحيا قلوبكم إلى الأبد، تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض، وتسجد قدامك كل قبائل الأمم، لأن للرب الملك وهو متسلط على الأمم ” ( مزمور 22: 23 – 27 )
” والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي، فأذبح في خيمته ذبائح الهُتاف. أُغني وأُرنم للرب ” ( مزمور 27: 6 )
” أذبح لك منتدباً ( الذي دُعيَّ للقيام بعمل ما ولبى طوعاً واختياراً ). أحمد أسمك يا رب لأنه صالح ” ( مز 54: 6 )
وطبقاً لتكوين 22، ولعله بمثابة الميثاق بالنسبة لذبائح الهيكل، يرفض الله الضحايا البشرية ويتقبل الذبائح الحيوانية. إلا أنه لا يُسرّ بهذه العطايا، إلا إذا قدمها الإنسان بقلب أهل للتضحية والبذل، بتوبة وفي إيمان حقيقي، وبمحبة بعطاء أغلى ما عنده، على مثال أب الآباء إبراهيم.

(2) أولوية الديانة الباطنية:

حينما أندمج الشعب في حرفية الطقوس، وعلى الأخص الكهنة، إذ تعلَّقوا بالرتبة الطقسية مع إهمال العلامة المتعلَّقة بها. ومن هنا أتت تحذيرات الأنبياء الذي أعلنوا صوت الله وتوبيخه بسبب ذلك الانحراف !!!
وقد نُخطئ أحياناً في تبين نية الأنبياء ونظن أنهم يلغون الطقس بتبكيتهم للكهنة المتمسكين بحرفية الطقس دون الله الحي، ولكن في الحقيقة، إنهم لا يشجبون الذبيحة في ذاتها ولا العمل الطقسي، ولكن ينددون بالانحرافات الطارئه عليها، وعلى وجه الخصوص الممارسات الكنعانية الدخيلة:
” شعب يسأل خشبة، وعصاه تخبره لأن روح الزنى قد أضلَّهم، فزنوا من تحت إلههم، يذبحون على رؤوس الجبال ويبخرون على التلال تحت البلوط واللُبْنى والبطم ( شجرة برية صغيره الورق صمغها قوي الرائحة ) لأن ظلها حسن، لذلك تزني بناتكم وتفسق كناتكم ” ( هوشع 4: 12 – 13 )

فكثرة الطقوس وتشعبها ليست في حد ذاتها تمجيداً لله، بل إن هذا التعدد لم يوجد في السابق: ” هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل ” ( عاموس 5: 25 )؛ ” لم تحضر لي شاة محرقتك، وبذبائحك لم تُكرمني ( تُمجدني ). لم أستخدمك ( ألزمتك ) بتقدمه، ولا أتعبتك بلبان ( لبان البخور ). لم تشترِ لي بفضة قصباً وبشحم ذبائحك لم تروني ( أرويتني )، لكن استخدمتني ( ألزمتني ) بخطاياك وأتعبتني بآثامك ” ( إشعياء 43: 23 – 24 )
” لأني لم أكلم آبائكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم ( أمرتهم ) بهذا الأمر قائلاً: اسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً وسيروا في كل الطريق الذي أوصيكم به ليحسُن إليكم ( يطيب إليكم )، فلم يسمعوا ولم يميلوا أُذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير وأعطوا القفا لا الوجه ( أداروا لي ظهورهم لا الوجه ) ” ( إرميا7: 22 – 24 )

فالطقس وعلى الأخص الذبيحة، إذا تجردت من استعدادات القلب، تنقلب عملاً باطلاً ورياء، إذ تتحول للشكل والصورة، فضلاً على أنها تُغضب الله إذا صاحبها مشاعر كلها شرّ، وأفكار ملوثة بالخطية وسلوك منافي لوصية الله !!!
” هلم إلى بيت إيل ( اذهبوا إلى بيت إيل ) وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب [ تعالوا إلى بيت إيل وارتكبوا المعاصي، وفي الجلجال أكثروا من ارتكابها ] واحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل ( تبرعات ) وسَمِعوُا [ نادوا بتقدمات وأذيعوها ]… ” ( عاموس4: 4و5 )
” لماذا لي ( ما فائدتي – ماذا استفيد من ) كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت ( شبعت ) من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسرّ ( لا يرضيني ) حينما تأتون لتظهروا أمامي ( تعبدوني )، من طلب هذا من ايديكم أن تدوسوا دُوري ( دياري – بيتي ). لا تعودوا تأتون ( إليَّ ) بتقدمة باطلة، البخور ( الرجس ) هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل، لست أطيق الإثم والاعتكاف، رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي وصارت عليَّ ثقلاً مللت حملها، فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً، اغتسلوا تنقوا ( تزكوا )، اعزلوا ( أزيلوا ) شر أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشرّ ” ( إشعياء 1: 11 – 16 )

ويُركز الأنبياء بشدة، بحسب بلاغتهم في اللغة، على أولوية النفس في علاقة طاعة تنعكس على سلوكها اليومي، فتستقيم الحياة وتنشأ علاقة حية سوية مع الله: ” وليجر الحق كالمياه والبرّ كنهرٍ دائم ” ( عاموس5: 24)
” إني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات ” ( هوشع6: 6 )
” قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو الصالح، وماذا يطلبه منك الرب؛ إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك ” ( ميخا6: 8 )

ولنا أن نعرف أن الأنبياء لا يضيفون شيئاً جديداً أو يشرحوا أصول العبادة بطريقة جديدة، لأن تعليمهم ليس إلا امتداد لنفس التعليم الذي خُطْ في عهد سيناء:
” فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون ليس خاصة من بين جميع الشعوب. فأن لي كل الأرض ” ( خروج19: 5 )
” وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب: فقالوا كل ما أتكلم به الرب نفعل ونسمع له، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال ” ( خروج 24: 7 – 8 )

وهذا التعليم تقليد ثابت لا يتغير ومحفوظ لكل زمان:
” فقال صموئيل: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب (الطاعة)، هوذا الاستماع (الطاعة) أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش ” ( 1صموئيل 15: 22 )
” وقد علمت يا إلهي أنك أنت تمتحن القلوب وتُسرّ بالاستقامة. أنا باستقامة قلبي انتدبت ( تبرعت ) بكل هذه، والآن شعبك الموجود هنا رأيته بفرح ينتدب ( يتبرع ) لك ” ( 1أيام 29: 17 )
” ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته ” ( أمثال 15: 8 )
” فعل العدل والحق أفضل عند الرب من الذبيحة.. ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش ” ( أمثال 21: 3 و 27 )
” بذبيحة و تقدمة لم تسر – أُذني فتحت – محرقة و ذبيحة خطية لم تطلبحينئذٍ قلت هنذا جئت [ ها أنا آتٍ ] بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت [ في هذه مسرتي ]. وشريعتك في وسط أحشائي [ في صميم قلبي شريعتك ] بشرت ببر في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم أمنعهما أنت يا رب عَلِمْتَ ” ( مزمور 40: 7 – 9 )
” وللشرير قال الله: ما لك تُحدث ( وتروي ) بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك ( ورائك – أهملت أن تعيش بها )، إذا رأيت سارقاً وافقته، ومع الزناة نصيبك [ إذا رأيت سارقاً صاحبته، ولا تُعاشر إلا الزناة ]، أطلقت فمك بالشرّ ولسانك يخترع غشاً ( يختلق مكراً )، تجلس وتتكلم على أخيك، لابن أمك تضع معثرة [ وتفتري على ابن أُمك ]، هذه صنعت وسكت [ فعلت هذا وأنا ساكت عنك ]، ظننت إني مثلك، أوبخك [ لكني الآن أُوبخك ]، وأصف [ أُعدد ] خطاياك أمام عينيك، أفهموا هذا يا أيها الناسين الله لئلا يفترسكم [ أمزقكم ] ولا منقذ، ذابح الحمد يُمجدني والمقوم طريقه أريه خلاص الله [ الحمد هو الذبيحة التي تُمجدني، ومن قَوَّم طريقه أريه خلاصي ] ” ( مزمور 50: 16 – 23 )
” أُسبح اسم الله بتسبيح وأُعظمه بحمد فيُستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف، يرى ذلك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الله ” ( مزمور 69 : 30 – 32 )
” الذابح من كسب الظلم يُستهزأ بتقدمته، واستهزاءات الأثماء ليست بمرضية، الرب وحده للذين ينتظرونه في طريق الحق والعدل، ليست مرضاة العلي بتقادم المنافقين ولا بكثرة ذبائحكم يغفر خطاياهم، من قدم ذبيحة من مال المساكين فهو كمن يذبح الابن أمام أبيه… واحد صلى والآخر لعن فإيهما يستجيب الرب لصلاته، من اغتسل من لمس ميت ثم لمسه فماذا نفعه غسله، كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا نفعه اتضاعه ” ( سيراخ 34: 21 – 31 )

وفي الواقع أن تقديم الذبيحة الباطنية أي من دخل القلب قبل الخارج، ليست بديلاً عن تقدمة العبادة الخارجية، بل هي الجوهر والأساس: ” لأنك لا تُسر بذبيحة وألا فكنت أُقدمها. بمحرقة لا تَرضَى. ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره. أحسن برضاك إلى صهيون، ابن أسوار أورشليم، حينئذٍ تُسرّ بذبائح البرّ محرقة وتقدمة تامة حينئذٍ يصعدون على مذابحك عجولاً ” ( مزمور51: 16 – 19 )

وهذه الذبيحة الباطنية هي جوهر الطقس الحقيقي: ” من حفظ الشريعة فقد قدم ذبائح كثيرة، من رعى الوصايا فقد ذبح ذبيحة الخلاص، ومن أقلع عن الإثم فقد ذبح ذبيحة الخطية وكفر ذنوبه، من قدم السميذ فقد وفى بالشكر، ومن تصدق فقد ذبح ذبيحة الحمد، مرضاة الرب الإقلاع عن الشرّ، وتكفير الذنوب الرجوع عن الإثم، لا تحضر أمام الرب فارغاً فأن هذه كلها تُجري طاعة للوصية، تقدمة الصديق تُدَسمُ المذبح ورائحتها طيبة أمام العلي، ذبيحة الرجل الصديق مرضية وذكرها لا يُنسى، مجد الرب عن قُرَّة عين ولا تُنقص من بواكير يديك ” ( سيراخ 35: 1 – 10 )

وهذا التيار الروحي الأصيل يشجب التقوى السطحية القائمة على المصلحة التي تقوم على كبرياء القلب وطلب مديح الناس، أو مخالفة الوصية التي هي حياة النفس، وقد أثار في النهاية هذا المنهج الروحي الأصيل، جدلاً حول الطقوس ذاتها التي أدت لمقاومة الأنبياء ورفض صوت الله على أفواههم، لأن الكثيرين فضلوا الشكل عن الجوهر لأجل كبرياء القلب ومديح الناس، وكان الأنبياء في هذا كله بمثابة الممهدين للعهد الجديد بشأن جوهر الذبيحة وفعلها الحقيقي وليس الشكلي في مجرد طقس مقدم في عبادة شكلية…

وبالطبع كل هذا موجه لنا اليوم لأنه بالرغم من أننا في العهد الجديد، لا يمنع إطلاقاً أن تتحول العبادة عندنا لشكل روتيني حرفي ونتمسك بالطقس وحرفه ونخرج خارج الروح، كما هو الحادث عند الكثيرين في التمسك الحرفي المتشدد بتعصب، ناسين الله تماماً وأصبحوا مثل شعب إسرائيل في هذه الحالة التي نتكلم عنها تماماً !!!

(3) قمة الديانة الباطنية:

إلى جانب التصور الجامع الشرعي الوارد في سفر اللاويين، يُقدم الكتاب المقدس تصوراً جامعاً آخر، يتميز بالقوة الفعالة لأنه متجسد في شخص. فأن عبد الله بحسب إشعياء 53، سيجعل من موته تقدمة لذبيحة تكفير أبدي، وأن التصريح النبوي يُسجل تقدماً ملحوظاً بالنسبة للمفاهيم الواردة في لاويين 16.

وكبش الفداء في يوم التكفير العظيم الذي يُقدم بيد مقدمه وليس باختياره لأنه غير عاقل، كان يحمل وزر خطايا الشعب. إلا أنه بالرغم من رتبة وضع الأيدي، أي وضع يد الخطاة عليه، لم يكن قادر أن يجعل المقدم والذبيحة واحد، فالتعليم بالإنابة في القصاص لم يكن على صله بهذه الليتورجيا: ” لأنه إن كان دم ثيران و تيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد ” (عب 9 : 13)، ” لأنه لا يمكن أن دم ثيران و تيوس يرفع خطايا ” (عب10: 4)،وأما العبد (( الله الكلمة الظاهر في الجسد كعبد )) بالعكس، فأنه يُسلَّم نفسه طواعية باختياره الحرّ، لأجل الخطاة. وتقدمته الخالية من أي عيب تعود بالفائدة على ” كثيرين ” بحسب تدبير الله وخطته الموضوعة للخلاص الأبدي. وهنا تلتقي أقصى الباطنية مع أقصى العطاء وأقصى الفاعلية: [ من الضغطة ومن الدينونة أُخذ وفي جيله من كان يظن أنه قُطِعَ من أرض الأحياء، أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي… من تعب نفسه يرى ويشبع وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع آثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى