قوانين كنسية

من قوانين الكنيسة المختصة بسرّ التوبة والاعتراف

من قوانين الكنيسة المختصة بسرّ الاعتراف
عن المجموع الصفوي لابن العســـــــــــــال
والقديس أثناسيوس وبعض الآباء القديسين

أولاً: الشروط المعتبرة في الكاهن القابل للاعتراف

من قوانين الكنيسة المختصة بسرّ التوبة والاعتراف( الأول ) أن يكون كاهن
( الثاني ) أن يأمره بطريركه أو أسقفه بقبول الاعتراف بعد أن يثبت تأهله لتلك الرتبة .

1 – شروط التأهيل: أن يكون إيمانه حقاً .
2 – أن تكون أعماله ونسكياته وأخلاقه مطابقة لصحة عقيدته .
3 – أن يكون تعليمه مفيداً صحيحاً مُنجحاً، وقد عُرف بذلك وشُهد له .
4 – أن يكون للسرّ كتوماً. وكل ما يلقيه إليه المعترف به لا يتفوه به ولا يخطر بباله ويمحوه من صدره.
فإن باح به أو أطلع عليه زوجته أو ولده أو صديقه أو من يأنس إليه أو من يثق به. أو حصلت جفوة بينه وبين المعترف عليه فأظهر أو تفوه بما اعترف عليه بعد مماته، لزم إسقاطه من كهنوته وحطه من درجته. فأن هذا باب عظيم لا يجب التساهل فيه ولا إهمال الأسقف له.
فيجب عليه ( الكاهن ) أنه مهما باشرة من الأمراض الخفيفة والكثيفة أن يدفنها في قلبه ( أي أسرار المعترفين وخطاياهم ) ولا ينشرها ويمسحها من سويداء قلبه ( أعماق قلبه الخفية ) ولا يُعرفها لأحد ولو أُكره عليها ولو أن يصل به الإكراه إلى القتل .فانه خير أن لا يهلك جسده ( ولكن ) لا يهلك نفسه وجسده معاً في نار جهنم .
5 – أن يكون له نشاط وقوة على الصوم والصلاة عمن يقبل اعترافه مضافاً إلى القيام بالصلوات المفروضة عليه وتجديد الاستغفار عنه ليلاً ونهاراً وفي كل قداس وقربان ويطلب عنه ببكاء والدموع المرة والتضرعات المتتابعة والأصوام المترادفة .
وإن كان الكاهن غنياً والمعترف فقيراً يتصدق عنه وقتاً بعد وقت بحسب إمكانه ويُضاف إلى هذا جميعه عبادته العملية المفروضة .
6 – أن تكون له تجربة بالزمان وأهله وبحوادثهم ومتجدداتهم ووقائعهم وتقلباتهم. ( بمعنى أنه يكون مواكب العصر ملماً بما فيه حتى يكون قادر على الإرشاد السليم بما يتناسب مع أمور الحياة اليومية )
7 – أن تكون له ( الكاهن ) فراسة جيدة صحيحة ( إفراز وتمييز) تدل على حال المعترف من حركاته وفلتات لسانه وشهواته وتقلباته وتغيير أحواله واختلافها، ويعلم من استقرائه أمور صِدقه وكذبه فيما يشكوه إليه من أمراضه ( أمراض الخطية )؛ فأن كثيرين من المعترفين يغلبهم الحياء على كتم بعض أمراضهم ( الخطية ) على كاهنهم ولاسيما المستقبحة (1) .
ومنهم من يخشى صعوبة الغيرة والأمانة في الاعتراف ومرارة الأدوية وعسر استعمالها (2) فلا يذكر خطاياه التي أخطأها إلى غيره ( يحتفظ بها في قلبه ) حذراً من أن يغلط كاهنه بالتفوه بها أو بالكتابة عنها أو بالتعريض بها والعياذ بالله ، بالتصريح بها ، فلا يذكر له كل هذه الأمراض المختلفة ويتجاوز عن بعضها (3) .
8 – أن يكون ( الكاهن ) كامل الحذق في طب النفوس وحفظ صحتها عليها ومداواة المرضى منها ، بحسب أمزجة أبدانها ومكانها وزمانها واختلاف أحوالها ، وأن يراعي في ذلك عوائد أربابها وملكتهم وما يتجدد في أحوالها وما يتغير من أخلاقهم ، وما تحتمله نفوسهم وأبدانهم من الأدوية. ويقابل كل مرض بضده كما يفعل أطباء الأجسام ولا يصف لأحد دواء لا يقدر أن يسعفه .
9 – أن يطبب مريضه مجاناً ولا يقتني منه شيئاً من فوائد الدنيا ولا يقبل منه هدية ما دام هو معترفاً عليه .
10 – أن لا يُحابي من يطببه ولا يستحي منه بل يجابهه بالحق ويبكته بالوعظ والتأنيب أن كان محتملاً لذلك .

ثانياً: خطية مقاطعة الكاهن وعدم قبوله الخاطئ القادم للتوبة

[ فإذا لم تقبل إليك الذي تاب، فإنك تسلمه إلى الأعداء، وتنسى قول داود: ” لا تُسلَّم نفساً تعترف لك إلى السباع ” ( مز74: 19 ) ] ( دسقولية 3 : 60 )
[ والذي طُرح ( حُرِمَ ) من الكنيسة بعدم دَيْن ( أي بعدم حكم ومحاكمة عادلة ) ، وبغير واجب ( أي ظُلماً ) ، يُمسك بحزن قلب وصغر قلب .
وهكذا إما أن يذهب إلى الأمم فيضل، أو يسقط ويؤسر في الشيع المخالفة، ويصير غريباً بالجملة من الكنيسة ورجاء الله، ويكون مُبكتاً بالنفاق ( أي يوجعه ضميره على تركه الكنيسة رغماً عن مشيئته )، فتصير أنت سبباً في هلاكه ] ( دسقولية 4: 48 )

+ وهذه القوانين لآباء الاعتراف باختصار، مأخوذه عن الدسقولية وعن المجموع الصفوي لابن العسال وبعض القوانين المختلفة لآباء الكنيسة الأرثوذكسية :
[ + لا يكون مُلاماً في شيء من الأشياء، طاهراً ناسكاً مداوماً الكلام الجيد اللائق بالتعليم.
+ لا يكون ذا قولين ولا يكن له ميزانان ولا مكيالان.
+ يشتهي أن يُقرض من يسأله في الرخاء والغلاء. أب الأيتام ومن لا يعرفهم بكل طهارة.
+ لا يرفع عينيه لينظر أحداً من النساء، ولا يحوَّل وجهه عن المساكين، ولا ينسى الذين في السجون، بل يفتقدهم ويخدمهم بكل قوته. لا يُحزن جميع الضعفاء. ولا يأخذ بالوجوه يبغض كل خطية ( وليس الخاطئ )، يحب البرّ.
+ يبكت الخطاة ( أن كانوا يحتملون ) ويُعلمهم طريق التوبة.
+ لا يقبل الهدية.
+ لا يحقَّر أحداً ولا يُثقل الحملة على الذين يهينونه. ويبارك الذين يلعنونه.
+ لا يشكو أحداً من الناس بل يحتمل كل ظلم يأتي عليه.
+ لا يكون ضجوراً ولا مشتهياً لحسن الوجوه.
+ لا يضع على المسكين أكثر من قدرته، ولا يقاوم غنياً.
+ يبكت ( بالتعليم والمحبة ) كل من يريد التعليم بتواضع قلب.
+ لا يتقدم إلى المذبح بكبرياء بل بتواضع. أي أن ليس هو مختاراً أكثر من الشعب كله. ولكنه مثل أحدهم.
+ يقبل كل من يتقدم إليه ]

ثالثاً: معاملة أب الاعتراف للنســـاء

[ ولأنه أؤتمن على نسوة كثيرات وعذارى وعرائس، ويأتون إليك واحدة فواحدة ويأخذون بركتك، فأنت بكل احتفاظ احفظ ذاتك عالماً أن الذي استُودع كثيراً يُطالب بالكثير.
وليس يأتون إليك لكي تتفحص زينتهن لكن لكي يتفحصن هن أمانتك. لأن الذي يحرس عينيه أن لا تنظر إلى وجوه النساء فإن قلبه طاهر من النجس. لأنه يقول: إن عينيَّ طاهرة نقية لئلا أنظر إلى الشرّ.
فالذي عيناه نقيتان قلبه أيضاً نقي، كما قيل طوبى للنقية قلوبهم فإنهم يعاينون الله. والذي لا ينظر إلى امرأة فلا يتنجس قلبه .
لا تنظر إلى وجه امرأة أيها الكاهن فقد ائتمنوك أن تتحفظ. قل وأنت تُصلي: أصرف عينيَّ لئلا تنظرا الأمور الباطلة ]

رابعاً: في التطبيب الروحي

[ + ومن أخطأ خطية واحدة أو أثنين فلا ترفضه ولا تمنعه من المشاركة ( شركة الكنيسة وأعضائها )، وشاركهم في الكل وساعدهم وثبتهم.
+ أقبل التائب مثل الولد الذي ندم ورجع إلى أبيه. وضع اليد عليه عوضاً عن التعميد ( سر التوبة مصدرة المعمودية وهي الميلاد الجديد الذي مستحيل أن يُعاد ) لأن بوضع أيدينا على الذين يؤمنون يقبلون نعمة الروح القدس. ورده ( أي التائب ) إلى موضعه الأول.
وهكذا طبُّ الخطاة؛ أجعل عليهم أدوية لينة حلوة، وقوّهم بكلام العظة، ونظف جراحهم فإن كان الجرح عميقاً وامتلأ مادة ( تلوث ) فنظفه بدواء حاد الذي هو كلام التوبيخ، وبعده بكلام العزاء.
فإن تمادى ( في الخطية عن قصد ) فأكْوهِ واقطع الداء . فإن عدم الشفاء ( وأصر على خطيئته ) فبفحص شديد وحرص ومشورة أطباء عُلماء ( روحانيين ذو خبرة عميقة مشهود لهم ) أقطع بغم وحزن العضوالذي فسد ( المداوم على الخطية بإصرار وعناد ) (4) لئلا يُفسد باقي الأعضاء ( ويجرهم لنفس ذات الداء ). فقد كُتب: أقلعوا الشرير من بينكم.
+ لا تكن متسرعاً في القطع ( من شركة الكنيسة ) ولا جسوراً ولا تُسارع إلى المنشار الكبير الأسنان.
+ فإن كانت السعاية ( الشكوى ) كذباً فلا تقبلوه ( لا تقبل الشكوى ). ( والمقصود بالسعاية: أن أي شكوه أحد على أحد ما بالخطية كذباً ، كنوع من أنواع الحسد، أو كبرياء، أو البغضه، أو الاختلاف الشخصي، أو لأي سبب ما ليبعده عن شركة الكنيسة ).
+ فإن حكمتم على أحد ظلماً فاعلموا أن الحكم يخرج من أفواهكم على نفوسكم. فإن حكمتم بلا رياء تعرفون من يسعى بصاحبه كذباً وهذا إذا عُرف كذبه دِنه بإعلان ( ينبغي إعلانه بذلك )، واعمل به كما أراد أن يعمل بصاحبه، واجعله معروفاً في وسط الجماعة كقاتل لأخيه، وإذا تاب فافرض عليه صوماً، ثم ضع اليد عليه واقبله من بعد أن تشترط عليه أن لا يعود يقيم الفتن مرة أخرى. فإن لم يكف عن شره ( استمر مرة أخرى في السعي للإيقاع بأخيه ) فأخرجه كفاعل شرّ لئلا يشكك بيعة الله ]

خامساً: التعاملات المتنوعة مع الخطاة ودور الأسقف

[ + من تاب فاقبله إليك لأن الله هو إله الرحمة.
+ أزجر من يُخطأ، ولا تطرد من يتوب.
+ ليهتم الأسقف بخلاص كل أحد. فلكم يقول الرب: أنظروا لا تزدروا بأحد من هؤلاء الأصاغر. وأعلم أنه سيُطلب منك جواب بالأكثر. فمن أودع كثيراً يُطلب منه كثير.
+ كن بلا لوم ( الكلام موجه للأسقف ) كي لا يشك أحد من جهتك. العلماني ( المؤمن الذي ليس له رتبه كنسية ) يهتم بنفسه، وأما أنت فحامل حملاً ثقيلاً. مكتوب أن الله قال لموسى: أنت وهارون تحملان ذنوب الشعب.
+ الغافلون علَّمهم. واعلم أن لك أجراً عظيماً إذا فعلت هذا. كما أن لك وزراً عظيماً إذا توانيت عنه.
يقول حزقيال النبي في الأسقف الذي يتوانى عن شعبه: ” الويل لرعاة إسرائيل الذين تركوا الخراف ترعى وحدها. أليس الرعاة إنما يرعون الخراف، وأنتم اللبن شربتموه، والصوف لبستموه، والمعلوف ذبحتموه، وخرافي لم ترعوها: الضعيف لم تقووه، والمكسور لم تجبروه، والضال لم تهدوه، والشارد لم تطلبوه، ولم تعلموهم بحرقة قلب بل بُهزأٍ ( استهزاء )، فشردت خرافي إذ ليس لها راعٍ، وصارت طعاماً لسباع ” وقال أيضاً: ” إني أحكم بين خروف وراعٍ وبين كبشٍ وكبش ” .
+ الذي أخطأ يا أسقف وأخرجته بجرمه لا تدَعه خارجاً بل رُدَّه إلى الكنيسة،
+ والذي ضلَّ أطلبه،
+ والذي لا يُرجى خلاصه لكثرة خطاياه لا تدَّعه يهلك بالكليةً.
+ وأن أمكن، الأسقف فليحمل خطية الخاطئ على نفسه ويُصيَّرها له هو خاصة ويقول للمذنب:
أرجع أنت وأنا أقبل الموت عِوَضك مثل سيدي المسيح الذي مات لأجلي ولأجل الكل.
+ إن الراعي الصالح يبذل نفسه عن خرافه والأجير الذي ليس هو راعياً وليست الخراف له إذا رأى الذئب مقبلاً الذي هو إبليس يترك الخراف ويهرب فيخطفهم الذئب. عِدّ الخراف واطلب الضال كالرب القائل أنه يدع التسعة والتسعين على الجبل ويمضي يطلب الضال. فإذا وجده يحمله على عاتقه ويدخل به إلى الماشية وهو مسرور.
+ كن للمريض بالخطية كطبيب حريص مشارك في الألم. فقد قال ليس الأصحاء محتاجين إلى طبيب بل المرضى، وابن البشر إنما أتى ليطلب ويُخلَّص الذي هلك.
+ لا تحب السعاة ولا المتمحلسين ( أي الذين يسعون كذباً للإيقاع بغيرهم، والذين ينافقون ويتملقون ) ]

__________
(1) طبعاً مع الحذر من اقتحام الكاهن للنفس وإجبارها على الاعتراف قسراً، لأن هذا يجعلها تنهار وتُجرح، لابد من الحكمة والتدبير مع الصلاة والصوم كما أوصى الآباء .
(2) طبعاً أحياناً أن كان الكاهن لم يكن عنده الموهبة ومتمرساً في حياة قيادة النفوس بإخلاص عمل الروح القدس، يعطي أدوية غير ملائمة للمعترف مما يؤدي إلى عثرته في الطريق وعدم القدرة على تتميم علاج الخطية واستكمال توبته، فمثلاً إعطاء ميطانيات خارج قدرة الشخص مما يؤدي لعدم استكمال قانونه، أو إعطاء صيام مفرط … الخ …
وأحياناً لا يقبل المعترف عموماً أي بذل أو حتى أي عمل روحي، بل يخشى البذل والعطاء …، عموماً على الكاهن الذي له موهبة حقيقية من الله أن يُميز ويكون مدرباً في العلاج السليم من يد آباء سلموا له الخبرة .
(3) كثيرين فقدوا الثقة في بعضاً من الكهنة بسبب إفشاء سرّ الاعتراف وبخاصة عند الأولاد من أعمار مختلفة، إذ أحياناً الكاهن بسبب اندفاعه العاطفي – عن دون وعي أو دراية – يبيح أو يكشف بعضاً من الأمور للآباء وهذا منافي لهذا السر العظيم وعمله ككاهن ويجب أن يقف عن ممارسة سرّ الاعتراف لأنه خالف قانونه باندفاع عواطفه أو تحت حجة الإصلاح أو شكوى الأولاد للأهل لكي يرعوهم جيداً .. الخ.
(4) طبعاً المقصود بالقطع هنا ، قطع من يفعل الخطية بإصرار وعن وعي ، وليس عن ضعف ، لأن الضعف شيء والإصرار بعناد قلب شيء آخر تماماً ، بمعنى أن هناك ناس تصنع تدبيراً لأجل الشهوات ، مع أنهم ممكن تن يتركوها ، بمعنى أنه يدبر ويخطط من أجل الشهوة لا عن ضعف إنما عن جسارة وبكل إصرار وهو عارف أنها خطية ولكنه لا يتركها وفي كل أعمالة يسعى إليها بشدة ورغبة ، هذا هو الذي ينبغي أن يُقطع بعد المحاولة بإقناعة لتركها !!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى