مقالات

رسالة خاصة من أجل ضيق هذه الأيام وفقدان الأحباء الذين رقدوا في الرب

المجد والشكر لرب المحبة والمجد الذي أهلنا لميراث لا يفنى ولا يضمحل
السلام من رب السلام الذي أعطانا ميراث محفوظ لنا في السماوات، ميراث مختوم بدم عهد حمل وديع بلا عيب، قد طهر ضمائرنا من أعمال ميتة لنخدم الله الحي، وأنار لنا أعيننا الداخلية حتى نبصر مجده بوجه مكشوف لنتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح … [ مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته ] (أفسس 1: 18، 19)

رسالة خاصة من أجل ضيق هذه الأيام وفقدان الأحباء الذين رقدوا في الربأن الذين يركزون على مجرد مواساة المتألمين أو تعزية الحزانى بمجرد كلمات وألفاظ وتعبيرات، أو إشباع احتياجات الأفراد عاطفياً فقط، قد يحكمون على هؤلاء بالخمول والضمور ثم الموت، لأنهم في الحقيقة لم يعلنوا لهم القوة الساكنة فيهم والقادرة أن تعمل في داخلهم بقوة حياة الله ليشبعوا من المائدة السماوية، بخبز حي، خُبز يُشبع القلب ويعطي قوة عزاء بانفتاح البصيرة الداخلية في سر التقوى وقوة التوبة وتجديد القلب، على الأمجاد التي لنا في المسيح يسوع رأس الكنيسة الذي تفيض منه النعمة وتنساب على الجميع ….

كلنا نُسلِّم يا إخوتي بأن الشعب كله يُعاني من نكبه فادحة على كل وجه، وأن السيف والعنف الغير مُبرر قد تسلط على الشعب، الأمر الذي لا يقدر أن ينكره أحد، حتى ولو كان رجل كلام غليظ القلب، ولا يشعر بالآخرين !!! كما أن الشعب كله زاد حزناً وألماً على فراق أبينا المكرم البابا شنودة الثالث، نيح الله نفسه بسلام…

يا إخوتي أنه يلزم على الذين ضُربوا بالحزن ألا يقضوا كل حياتهم في النحيب والعويل من جراحاتهم، وتلتهب نيران حزنهم ويشتعلون بالغضب ضد أعدائهم، بل عليهم أن يعالجوا جراحاتهم بمراهم أدوية الله الشافية، لئلا بإهمالهم وانحصارهم في الحزن تزيد دموعهم وتلتهب نيران حزنهم وينسوا رجاءهم في المسيح الرب القيامة والحياة، وينحصروا في الضيق والغضب لمقاومة الأعداء بضراوة وشراسة، لأنهم في تلك اللحظة سيسلمون أنفسهم للشيطان عدو السلام الأول، وعدو الحياة، والذي يريد ان يحطمنا على جبل الشك البارد الصخري، ويطفا فينا كل حرارة الروح القدس الذي يشعلنا بمحبة الله حتى اننا نحب الكل ونحيا بوصية المسيح – له المجد – الذي قال: أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، صلوا من أجل الذين يضطهدونكم، بل وقد يصور عدو الخير أمام أعينهم حجة الغضب ودفع العداوة ليعزز موقفهم بآيات من الكتاب المقدس على غير معناها الصحيح [ أغضبوا ولا تخطأوا ]، فبكونه المزور والمراوغ والخادع وأبو الكذب ومصدره، فمنذ البداية وهو احتال على آدم، من خلال إغراء حواء عن طريق اللف والدوران وتحوير الكلام ليطرحهما في العصيان والتمرد على كلمة الله من خلال كلمة الله ووصيته نفسها، لذلك فهو ينفخ فينا الغضب بكل طريقة، ويعززها اليوم بالإعلام والصوت الفاسد الذي يبثه وينفخه في المتمردين على وصية الله، لأنه خدعهم لكي يلتفوا على آية المحبة ويصوروا العنف شجاعة، والتمرد غضب مقدس، مع أن الكتاب المقدس بارتباط آياته يقول بوضوح :
+ لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب (أي اتركوا الغضب لله في يوم الغضب أي يوم الدينونة) لأنه مكتوب لي النقمة أنا أُجازي يقول الرب – رو 12: 19
+ اغضبوا ولا تخطئوا، لا تغرب الشمس على غيظكم – أف 4 : 26
+ ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث – أف 4 : 31
+ و أما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم – كو 3 : 8
+ فأُريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب لا جدال – 1تي 2 : 8
+ إذاً يا إخوتي الأحباء ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع مبطئاً في التكلم مبطئاً في الغضب – يع 1 : 19
+ لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله – يع 1 : 20

فلنفتح آذاننا لا لعزاء الناس إنما لعزاء الروح القدس الذي يشع فينا مجد الله الخاص:
يا أحباء الله والقديسين، أن أولئك الذين أوثقوا بالوثاقات الجديرة بالقديسين (أي بالآلام والأوجاع والأتعاب والأحزان وفراق الأحباء بالموت أو بمعنى أدق الرقاد في الرب وانتقالهم من هذا العالم المتعب)، إذ هي أكاليل مجد لمن اختارهم الله في المسيح يسوع الحمل القائم كأنه مذبوح والمتألم في قديسيه ويشع فيهم مجده الخاص …
لذلك أننا نبتهج – لا من أجل ما صُنع من غدر وإرهاب غير مُبرر أو فراق أحباب لنا – إنما نبتهج لمن أعطوا ثمارهم في ربنا الذي ارتضى أن يُعانق الموت لأجل خطايانا [ فأقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ] (أعمال 2: 24). ومع كونكم لا ترونه، فكثيرين منكم يؤمنون به بفرح عظيم يعجز عن وصفه الواصفون، ويود الكثيرين لو أنهم يصلون إليه ويتمجدون بالآلام الخلاصية التي بذلها الرب لأجلهم، لذلك بمسرة يقبلون الآلام وضيقات هذا الدهر وضغوطه التي لا تنتهي، ويتغنون باللحن المُقدس مع القديس بولس الرسول في هذا الزمان قائلين: [ لأعرفه قوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته ] (في 3: 10)

لذلك يا إخوتي فلنتب كلنا معاً مؤمنين بالإنجيل لنشد أحقائنا، ونقدس ونهاب الله بالمخافة والحق، طارحين جانباً كلام الغضب وضلال الأمم الذين يرغبوا في الانتقام لأن ساعتهم وساعة الظلمة هي حياتهم، أما نحن فلسنا من أهل الغضب، بل نحن أولاد محبة الله، وخدمتنا خدمة المصالحة بدم عهد جديد، فوطدوا الإيمان على من أقام ربنا من الموت وأتاه المجد وأعطانا عرشاً عن يمينه في الابن الوحيد الذي [ له يخضع كل ما في السماء وما على الأرض ] ويطيعه كل من فيه نسمه حياة ، وعندما يأتي ليدين الأحياء والأموات، سيقضي بالعدل ويُجازي كل واحد حسب عمل الإيمان بالمحبة، فكل من آمن به وظهرت ثماره فيه بالنعمة يدخل لملكوته السماوي لأن له طابع سماوي لا ينحل، وأما من رفض أن يحيا له ويمجد صنيعه العظيم وعاش في ظلمة فمصيره للظلمة التي هو منها، لأنه لم يرد أن يتوب ويعود لله الحي وأحب الظلمة أكثر من النور لذلك كل أعماله شريرة …

أما نحن فلسنا من ظلمة ولا أولاد غضب، بل من نور، أولاد سلام، لذلك سيُقيمنا معه أيضاً إن امتثلنا لمشيئته وطعنا من القلب وصاياه، وأحببنا ما يُحب، وتنحينا عن كل إساءة، وطمع، ونميمة، وشهادة زور، وعن حب المال المُفرط، متجنبين مجابهة الشر بالشر، والشتيمة بشتيمة، والضربة بضربة مثلها، ولعنة بلعنة، ذاكرين تعليم من قال : [ لا تدينوا لئلا تُدانوا، اغفروا يُغفر لكم، أرحموا تُرحموا، بالكيل الذي تَكيلون به يُكال لكم، طوبى للمساكين والمضطهدين من أجل البرّ فإن لهم ملكوت الله ] (راجع متى 5)

ومن هو الرجل العاقل والإنسان الكامل الذي يعمل بأقوال الرب:
[ فكل من يسمع أقوالي هذه و يعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر و جاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسساً على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت، فسقط وكان سقوطه عظيما. ] (مت 7: 24 – 27)

لنحذر يا إخوتي لئلا تقع منا قشرة السطحية التي غلفنا بها أنفسنا، ونُفضح أمام الجميع ويظهر خُزي عُرينا، لأن الله يمتحن الإنسان بنار: [ فعمل كل واحد سيصير ظاهراً، لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يُستعلن، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو ] (1كو 3: 13)، فكل الأقنعة ستسقط أمام الضيق والأحزان، وسيظهر جوهر الإنسان ومعدنه الخارجي أمام نفسه وأمام الناس، لأن الله لا يُشمخ عليه، لأنه يدرك ما في النفوس من نقائص ويعرف الذين هم له يحيون الوصية في عمقها واتساعها الحلو، ويعرف من الذي يبني على أساس الإيمان الحي أو الإيمان الميت، أو إيمان الشياطين، وكيف هو بناءه ومن اي خامة بناه، [ من ذهباً، فضة، حجارة كريمة، خشباً، عُشباً، قشاً ]، فالنار الله المُمحصه ستكشف عمل كل واحد، لأن من له القش والعشب والخشب، ستلتهمه النار، ولكن واحد تأكله النار سريعاً جداً، أو ببطء، لذلك الآلام والاضطهادات والمشقات وفراق الأحباب الذين نتكل عليهم بكل قلبنا بدون الله، هما النار التي تمتحن صبر إيماننا وثقتنا في المسيح الرب، وتظهر عمل كل واحد وبناءه الداخلي، ومن له أُذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح :
[ أُشير عليك أن تشتري مني ذهباً مُصفى بالنار، لكي تستغني؛ وثياباً بيضاً، لكي تلبس، فلا يظهر خزي عُريتك؛ وكحل عينيك بكحل لكي تبصر ] (رؤية 3: 18)

ليمنحنا الله القادر على كل شيء، قوة التوبة وتجديد الحياة وملء الرحمة والسلام بيسوع المسيح مخلصنا الصالح، بفيض غنى الروح القدس الرب المُحيي الذي يُعزينا بقوة قيامة يسوع ورجاء حياة الأبد، مجداً للثالوث القدوس الإله الواحد آمين

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى