القديس مارفيلوكسينوس

هل يفارق الروح القدس الإنسان ساعة الخطية ويعود إليه في التوبة (الجزء الأول)- لا تطفئوا الروح

هل يفارق الروح القدس الإنسان ساعة الخطية ويعود إليه في التوبة ؟
بقلم القديس مار فيلوكسينوس، تحت عنوان لا تطفئوا الروح

هل يفارق الروح القدس الإنسان ساعة الخطية ويعود إليه في التوبة (الجزء الأول)- لا تطفئوا الروح* القصد من السؤال :
أليس قصده أن يعرف كيف يكره الإنسان الخطية وكيف يتحول سريعاً عن خطيته ويعود إلى التوبة إن أخطأ. كم هي كثيرة ودقيقة تلك الأسئلة التي تبحث في كيف لا نُخطئ ! كما أن ثمة فخاخاً عديدة وخادعة يضعها الشيطان الذي يتسبب في سقوطنا. فأولاً هو يُريد أن يقتنصنا في شباكه وعندما يتم له هذا يخترع الكثير من الوسائل لكي يمنعنا عن أن نهرب من قيوده. وكما أن فكرة اقتناصنا وكذلك عجزنا عن الفكاك إذا أمسك بنا، هما من إيحاء العدو، هكذا فإن فكرة الامتناع عن ارتكاب الخطية، والعودة إلى العودة للتوبة – هاتان الفكرتان هما من أعمال النعمة .
ولسوف نعطي كلمات موجزة بصدد هذا السؤال عما إذا كان الروح القدس يفارقنا أم لا يفارقنا في الساعة التي نُخطئ فيها، وذلك من أجل منفعة الذين يناقشون هذه النقطة وللآخرين الذين يحتاجون لأن يفهموا هذه المسألة .

*الجواب :

لم يكن القصد من اقتبالنا الروح القدس، في مياه المعمودية بمحبة الله، وأن يبقى معنا فترات معينة فقط، ولكننا نلناه كي نصبح هيكلاً له يسكن فينا على الدوام حسبما قال بولس: ” أنتم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم ” ( 1كو3: 16 ). وأيضاً ” ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي قبلتموه من الله ن وإنكم لستم لأنفسكم لأنكم اشتريتم بثمن ولذلك مجدوا الله في أجسادكم، وفي أرواحكم التي هي لله ” ( 1كو6: 19 – 20 ). أنتم إذن هياكل الله ومساكن له بسبب الروح القدس الذي يسكن فينا.
لا توجد خطية سواء بالفعل أم بالفكر تقدر على أن تُدمر هيكل الله. على أن ثمة فارقاً بين الخطايا التي تُرتكب بالفعل، وبين الارتداد عن الله !!!
وذلك أنه إذا فعلنا خطية، فإن إيماننا بالله يظل سليماً، فلا نفقد بنوتنا لله مثل الابن حسب الطبيعة الذي مهما أخطأ في حق والده وأغضبه كثيراً فإن هذا لا يحرمه من أن يُدعى ابناً. ومهما أخطأ الابن وارتكب هفوات فإن ذلك لا يفقده كرامته كابن لاسيما إذا كان أبوه لا يهدف إلى حرمانه منها .
وهذا ما يحدث مع الابن الأصغر الذي أخذ ميراثه وانفق ثروة أبيه على الزانيات ( لو15 : 11 ). ورغم هذا لم يفقد لقب الابن الذي يخصه. فزعم أنه كان في ارض المجاعة بعيداً ورفض أباه، إلا أنه تذكر ” كم من أجير في بيت أبي يفضل عنه الخبز بينما أنا أهلك جوعاً ” ( لو15 : 17 ). ومع أنه كان لا يزال خاطئاً بل وأخطأ بهذا القدر العظيم حتى أنه بدد ميراثه الذي أخذه من أبيه في أعمال سيئة، إلا أنه ظل يدعو الله ” أباه “. وهذا يوضح أن نعمة الروح التي أعطته السلطان أن يدعو الله ” أباً ” لم تفارقه.

+ روح التبني

حقاً أننا لا نقدر أن نستخدم هذه الكلمة، وأن ندعو الله أباً لنا إلا بسلطان الروح القدس الذي فينا. ذلك أنه من الواضح أن الذين لم يصبحوا بعد أولاداً لله بواسطة الميلاد الجديد في المعمودية لا يملكون حق استعمال هذه الكلمة، ولا يقدرون على أن يقولوا ” أبانا الذي في السماوات فليتقدس اسمك “. والسبب الواضح هو أن الروح القدس الذي يعطي هذا السلطان ليس فيهم. وعلى العكس من ذلك فإن المعمدين – كما نعلم – حين يقتربون من الأسرار المقدسة يصلون هذه الصلاة بثقة حسب التقليد الذي سُلَّم إلينا من الرب. وبعد ذلك يقتربون من الأسرار المقدسة.

ومع ذلك ، فنحن نعلم أننا جميعاً أخطأنا بشكل ما: سواء كانت خطايانا كثيرة أم قليلة، بالفكر أو العمل. ولا يوجد بيننا من هو ليس مداناً بالخطية. فإذا كنا جميعاً مذنبين فهل الروح القدس فارقنا جميعاً ؟، وكيف نجرؤ أن نصرخ ونقول ” أبانا الذي في السماوات ” عندما نقترب من الأسرار المقدسة ؟، وإذ كان الروح قد فارقنا بسبب خطيئتنا، فبأي سلطان ندعوا الله ” أبانا ” ؟
وإذا دعوناه وقلنا ” يا أبانا ” دون أن يكون الله فينا كي يعطينا ذلك السلطان، فأنها لجريمة كبرى وتمرد ضد الله. ونصبح مماثلين لأولئك الذين بنوا البرج ( في بابل ) كي يصعدوا إلى السماء، ونُشابه أيضاً ذاك الذي تجاسر وحسب نفسه إلهاً وأراد أن يخطف لنفسه الكرامة التي لم تُعط له، والي لهذا السبب فقد الكرامة التي كانت له ( أي إبليس ) .

وحتى المؤمنون الذي في وقت الأسرار يدعون الله أباً، لا يعملون ذلك من ذواتهم، ولكن الكاهن الذي يتقدم الجماعة هو الذي يسمح لهم بأن يقولوا ” يا أبانا “. بل إن الكاهن نفسه ليس له السلطان لأن يدعو الله ” أباً ” ولا أن يسمح للآخرين بذلك إذا كان صحيحاً أن الروح القدس يفارق كل الذين يخطئون .

الكهنة والشعب جميعاً خطاة نحتاج التطهير

لأننا جميعاً كهنة وشعباً، لا نستطيع أن نعتبر أنفسنا بدون خطية طالما أن ما يقوله الرسول حقيقي. ” لأنه يوجد رئيس كهنة واحد، يسوع المسيح بلا شر ولا دنس وممجد أعلى من السماوات ” ( عب 7 : 26 ). ويقول أيضاً ” كل رئيس كهنة يقام ليُقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب ” ( عب 7 : 27 ) .
فمن الواضح أن الكاهن مدان بالخطية، ولذلك يحتاج إلى المغفرة بواسطة التقدمات. وكما في ناموس موسى القديم، كل كاهن يُقدم ذبائح لله، كان يقدمها أولاً عن نفسه ثم بعد ذلك عن الشعب، هكذا في تدبير العهد الجديد، من المعروف أن الكهنة جميعاً يقدمون ” الذبيحة ” لله عن أنفسهم أولاً ثم عن الشعب طالبين بالصلاة غفران خطاياهم الخاصة وتطهير أنفسهم وأجسادهم من الأفكار الدنسة والأفعال الشريرة (يقول الكاهن في القداس الإلهي: أعطِ يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وعن جهالات شعبك )، وكل كاهن منهم يقدم هذه الصلوات حسب نقاوة نفسه، وبعد أن يكمل الذبيحة الإلهية، ويتمم السرائر بحلول الروح القدس، لا يوزع الأفخارستيا للآخرين قبل أن يأخذ هو منها أولاً، لأنه يحتاج إليها – وبهذا يعترف أمام الكنيسة كلها أنه يتناول أولاً من الأفخارستيا لكي يتطهر بها ثم بعد ذلك يوزع على غيره .

وهكذا تكمل حقاً الكلمة أنه يقدم الذبيحة أولاً عن نفسه ثم بعد ذلك عن الشعب. لأنه إذا لم يكن قد قدم الذبيحة أولاً عن نفسه فما كان ليقترب أولاً من الأفخارستيا. وهكذا تصبح تقدمته شهادة على أنه خاطئ، لأنه كخاطئ يتناول الأسرار كي يتطهر بها ثم يوزعها على كل من هو في مثل حالته. ولهذا السبب فإنه عندما يوزع الأسرار على المتناولين يقول: ” جسد الله يُعطى لمغفرة الخطايا، ودم ابن الله لتطهير الذنوب “. مستفيداً بذلك ما قاله ربنا لتلاميذه عندما كان يوزع عليهم هذه السرائر: ” هذا هو جسدي الذي يكسر عنكم لمغفرة الخطايا، وهذا هو دمي الذي يسفك عنكم لمغفرة الخطايا ” ( مت 26 : 16 وما يقابلها ).. هكذا عندما نقترب من السرائر، أي من مخلصنا، فإنا نتقرب كخطاة .

وفي الحقيقة، فإن الدواء لا يكون مطلوباً إلا من أجل المرض، ولا يُطلب الشفاء إلا المريض : ” لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى ” ( مت 9: 12 )، وهكذا يتضح أن جميع من يقتربون من السرائر المقدسة، فإنما يحصلون عليها من أجل مغفرة خطاياهم – الكاهن والشعب .

وإذا كان الروح القدس فارقنا لأننا خطاة، فبأي سلطان يستدعي الكاهن الروح ( القدس في القداس ) وبأي سلطان يقترب الشعب من السرائر ؟

الروح القدس معموديتنا، ولا يفارقنا حتى بعد الموت

إذا لم يكن الروح القدس فينا فحينئذٍ تبطل معموديتنا أيضاً، وبالتالي كيف نقترب من الأفخارستيا إذا كنا قد فقدنا المعمودية ويصبح من الواضح أنه إذا كان الروح القدس يفارقنا عندما نُخطئ فإننا نفقد معموديتنا أيضاً. لأن معموديتنا هي – في الحقيقة – الروح القدس، كما قال ربنا لتلاميذه ” يوحنا عمد بالماء أما أنتم فستعمدون بالروح القدس. ليس بعد هذه الأيام بكثير ” ( أع 1 : 5 ، 11 ، 16 ). وكان يقصد الروح القدس الذي نزل على التلاميذ في العلية في شكل السنة نارية .
وهكذا الأمر بالنسبة لنا وبالنسبة لمعموديتنا، فلا رطوبة الماء الذي فيه صار عمادنا، ولا آثار دهن الزيت الذي مُسحنا به، تبقى بعد موتنا، ولكن الروح القدس الذي سكن في نفوسنا وأجسادنا عن طريق الماء والزيت، هو وحده يظل فينا في هذه الحياة بل وبعد موتنا أيضاً، لأنه هو معموديتنا الحقيقية. ولذلك نظل دائماً معمدين لأن الروح القدس فينا على الدوام .

قد يُقال : إن الروح القدس يفارقنا بسبب بعض الخطايا، وعندما نتوب عنها يعود إلينا ؟
ما هذا الكلام ؟ . فإنه إذا فراقنا الروح، فمن الذي يعمل فينا لكي نتوب عن خطايانا ؟ .

فإن التوبة لا تحدث بدون الروح القدس، وبكل ما تفعله قوة الروح القدس في الصوم والسهر والصلاة والصداقة وتوبيخ القلب والدموع التائبة والتنهد. كل هذه نتيجة عمل الروح القدس تماماً كما قال بولس ” إننا لا نعرف كيف يجب أن نُصلي، ولكن روح الله هو الذي يصلي فينا بأنات لا يُنطق بها، والذي يفحص القلوب يعرف ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين ” ( رو8 : 26 و 27 ).وهكذا ترون أن كل ما يدفعنا إلى التوبة هو نتيجة فاعلية الروح القدس.
كما أن الصلاة الطاهرة أيضاً، وهي ذروة كل هذه البركات تحدث فينا بفاعلية الروح القدس. وهو أيضاً الذي يحركنا للندم في داخل قلوبنا عندما نتذكر خطايانا .
فإذا كان الروح القدس يفارقنا في الساعة التي نُخطئ فيها، فمن الذي يولد هذه المشاعر فينا ؟ ربما ستقول إرادتي ؟ ولكن من الذي يحرك إرادتنا نحو الصلاح ؟ ومن الذي يساعدها لفعل هذا الصلاح ؟ أليس هو الروح القدس ؟

ألم تسمع ما يقوله بولس: الله هو الذي يحرك فيكم الإرادة وأيضاً تنفيذ ما تريدونه ( في 2: 13 ). وهكذا ترون أنه هو الذي يُحرك إرادتنا للصلاح، وهو الذي يُتمم تنفيذ كل ما نُريد أيضاً.
وربما تعترض قائلاً: أنه في هذه الحالة لا توجد إرادة حرة، ولكني أقول أنه بكل تأكيد توجد إرادة حرة، لأننا نحن على صورة الله بوجود الإرادة الحرة فينا. والروح لا يعمل بالإجبار. فلست أقول أن الروح القدس يرغم الإرادة على أن تفعل الصلاح، بل إنه يحضها ( يحثها ) ويستملها فقط.

الروح القدس يحث ويُحذر، أين يكون فينا حينما نُخطئ

وربما يتساءل البعض: أين يكون الروح عندما يُخطئ الشخص الذي سبق وأن حل عليه الروح ؟
هنا يمكنك أن تفهم ما سبق أن قلته من أن الروح لا يُرغم النفس على عمل الصلاح، ولا يمنعها من ارتكاب الشر. ولكنه يمنح أمرين للإرادة : أولاً – أن يحث ؛ ثانياً – أن يُحذر .

وفي الحقيقة كما أن الشيطان لا يقودنا بالقوة إلى الشرّ، فإن روح الله أيضاً لا يدفعنا إلى الصلاح مرغماً إيانا عليه. بل في حالة الشرّ كما في الله الصلاح، يحاول كل واحد منهما أن يحثنا ويجتذبنا إلى اتجاهه. وهكذا فإن نعمة الروح القدس التي قبلناها في مياه المعمودية تظل فينا عندما نُخطئ. ومهما كثرت خطايا المعمد، فأنه يظل دائماً مُعمد، والروح لا يمنع إرادتنا بالقوة الجبرية عندما يرى أننا نميل إلى الخطية .
فإذا عرف العقل كيف يقبل هذا التوبيخ، وإذا قبل ضميرنا تأنيبه فإن الإنسان يمتنع عن الخطية. وعلى الفور يظهر الروح القدس في الضمير مع نوره ويملأه من الفرح والتهليل. وهذا ما يحدث عادة لمن يغلبون الخطية في جهادهم ضدها.

ولكن إذا لم يطع الضمير، الروح الساكن فيه وأكمل الخطية بالفعل – فعلى الفور تظلم النفس وينمو فيها القلق، وضباب الخوف، وتمتلئ النفس بالحزن والكآبة ويُغطي العار النفس، وكما هو مكتوب في كتاب الراعي لهرماس ” أن الروح القدس يحزن ويحول وجهه عن النفس ( هرماس التعليم 10 ) ، وهذا ما كان يفكر فيه الرسول بولس عندما قال ” لا تحزنوا الروح القدس الذي به خُتمتم استعداداً ليوم الفداء ” ( أفسس 4 : 30 ). وبولس يُعلمنا أمرين :
الأول : أن الروح القدس فينا، والثاني: أنه لذلك يحزن بسبب خطايانا. وهذا واضح من قوله ” لا تحزنوا الروح ” الذي هو – على الخصوص – فيكم.

وهكذا فإن الروح يسكن فينا، ويوبخنا كي لا نُخطئ ولا نحزنه، كي لا تنطفئ قوته الداخلية في نفوسنا كما يقول بولس في موضع آخر ” لا تطفئوا الروح ” ( 1 تس 5 : 19 ). أي لا تحزنوه بالخطية لئلا ينطفئ نوره في نفوسكم. وأيضاً إذا اشتعل فيكم يكون لنفوسكم النور الذي يُضيء في داخلها.

لأن الروح هو الذي يُعطي للنفس قوة لا يعبر عنها، تجعلها قادرة على أن تُصارع الرؤساء والقوات، وتُحارب الأرواح الشريرة التي تحت السماء، وترفض العالم كله مع كل ملذاته…، كل هذا يتحقق بواسطة حرارة قوة الروح الذي فينا. وبولس الذي يعرف قوة عمل الروح يُعلمنا قائلاً ” كونوا حارين في الروح ” ( رو 12 : 11 ). وأيضاً ” الذين يقبلون أن ينقادوا بروح الله فأولئك هو أولاد الله ” ( رو 8 : 14 ).

الروح القدس يسكن فينا دائماً، قداسة الروح لا يمسها دنس خطايانا

وهكذا فأن الروح ( القدس ) يسكن دائماً فينا، أي في الذين اعتمدوا، إلا أنه لا يُرغم بالقوة أي إنسان يُريد أن يُخطئ ( على أنه لا يُخطئ )، بل يُعلمه ويحذره من السقوط. فالروح – على عكس ما يقوله الجهلاء – لا يُفارق النفس في لحظة الخطية، ويعود إليها عندما تتوب. وإنما هو ساكن فينا، ولكننا نحن الذين لا نطلبه.

قل لي ما هو السبب الذي يجعله يفارقنا عندما نُخطئ ؟

هل لأن خطايانا تضره؟ أو لأن قداسته قد مسها بعض الدنس، أم أنه لا يعرف أن يمنع نفسه من أن تُجرح بخطايانا عندما يكون فينا ونحن نُخطئ ؟
إذا صح هذا فهو أيضاً ضعيف وخاضع لجراحات الخطية، ولكن كما نعرف فإن هذا ليس هو الحق بالمرة.
بل الصحيح والحق، أنه يسكن في نفوسنا، وأحياناً يختفي فيها، وأحياناً يظهر لها. وحين يختفي فإنه لا ينسحب نهائياً، وعندما يظهر فهو لا يأتي من بعيد.. وفي الحقيقة فإن النور الفطري كائن في حدقة العين حتى وإن كانت مغلقه. ومع ذلك العين لا تُبصر لأن الجفن يُغطيها ولكن حين تنفتح العين فإنها تُبصر بذلك النور الذي فيها حين يتلاقى بالنور الخارجي .

وعلى هذا الحال فإن الروح يسكن في نفوسنا مثل النور في حدقة العين، وإذا غطاه الإهمال كحجاب يغطي حدقة العين، فإننا لا نرى الروح على الرغم من سكناه فينا. ولكن إذا خلعنا تكاسلنا من عقولنا وركزنا إرادتنا النقية على النور الروحي الذي فينا، فعلى الفور يتصل النور بالنور مثل اتصال نور العين الفطري بنور الشمس، وباتصال الاثنين تتحقق الرؤيا.

الروح ليس ضعيفاً، بالارتداد فقط يفقد الإنسان الروح القدس

ليس صحيحاً القول بمفارقة الروح القدس ساعة الخطية وعودته ساعة التوبة. واعتباره هكذا ضعيفاً ومتردداً وجباناً، يقف بعيداً يرقبنا منتظراً أن نتوب عن خطايانا ونعود إلى حالة التبرير كي يعود يسكن فينا. وبكل يقين، فما هي الفائدة التي ستعود عليَّ إذا عاد إليَّ وسكن فيَّ عندما أتبرر في حين أنه في ساعة السقوط لم يقف إلى جواري لكي يمد يد المساعدة ويُقيمني على قدمي.

فكيف ومتى أنال معونته ؟وما قيمة ذلك الطبيب الذي يترك المريض في اللحظة التي يراه فيها يسقط فريسة للمرض ويتخلى عنه، ثم يعود إليه عندما يُشفى وتعود غليه صحته ؟ أليس عندما يكون الإنسان مريضاً يبقى الطبيب معه ويعتني به، وعندما يُشفى يتركه ليذهب إلى مهمة أخرى ؟

فإذا صح ذلك الرأي الغبي بمفارقة الروح القدس للنفس فإنه يكون ممكناً أن يحدث ذلك بالأولى في وقت الشفاء وليس ساعة المرض. لأنه حسب شهادة الرب لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، ولكن لأجل ما ذكرناه تحتاج النفس إلى الروح القدس سواء في المرض أو الصحة .
إن من يلبس الروح في مياه المعمودية إنما يلبسه ولا يخلعه إلا بالارتداد عن الإيمان لأنه إذا كان بالإيمان يلبس الإنسان الروح فبإنكار الإيمان يفارق الروح القدس النفس، لأن الإيمان والارتداد ضدان مثل النور والظلمة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى