الارشاد الروحى

الحزن لأجل الله – هل كل حزن هو حزن للتوبة

الحزن لأجل الله – هل كل حزن هو حزن للتوبة

الحزن لأجل الله – هل كل حزن هو حزن للتوبةحينما ندخل في خبرة سقوط الخطية المُرّ، نتأذى نفسياً جداً ونتضايق ونحزن ، وهذا أمر طبيعي لأن الخطية ليست من صميم كيان الإنسان ولا من طبيعته التي خُلقت على صوره الله ومثاله، بل هي غريبة عن طبعه، وهي دائماً ما تُسبب خلل نفسي في حياة الإنسان السوي الطبيعي ,,,
فكل من يفعل الخطية يشعر بحزن عميق وضيق وألم داخلي وربما يصل أحياناً لحد الكآبة، وقد يظن البعض أن هذه هي التوبة، ولكن ليس كل حزن يقود للتوبة الحقيقية، فالحزن أنواع، بمعنى أن ليس كل حزن ينشأ من نبعٍ واحد، وليس شرطاً أن يقود النفس لتوبة حقيقية تسبب نقاوة للقلب وسيرة عطرة بالتقوى في سر الشركة الحية مع الله القدوس محب النفس وكل البشر بلا استثناء …

الخطية عموماً تسبب الحزن للجميع بلا استثناء أو تمييز، حتى لو لم يُصرح الإنسان بذلك، لأن هذه طبيعتها، والحزن الذي يلي الخطية ينبع من ينابيع مختلفة منها :
1 – الحزن النابع من الكبرياء: فبعضاً من الناس – وعلى الأخص الذين لهم شكل القادة أو المسئولين أو الذين يظنوا أنهم أفضل من الآخرين ولهم صورة معينة، وبالأكثر الخدام أو الكارزين أو من يقدمون الخدمات أو من لهم رتب كنسية بأي شكل أو وضع – يتخيل نفسه فوق ما هي، أو يشعر في نفسه أنه مستحيل أن يُخطأ ويقع تحت ضعف، لأنه قوي ومُعلم للناس، وقائد للعميان والذين في الظلمة، وعندما يرى سقطته، وأنه ضعف أمام خطية ما، يسقط الصنم الذي كونه عن نفسه أمام عينيه، أو يجد الفكرة التي كونها عن نفسه قد تحطمت وانسحقت تماماً، باختصار يشعر أن كبرياءه أنجرح !!!
وهذا هو جرح الكبرياء، أي الحزن بسبب الكبرياء، وقد يصل إلى بكاء مرّ ولا يقدر الإنسان أن يتوب، بل يحاول جاهداً أن يدافع عن كبرياءه المجروح أمام الجميع، ويتحجج بألف حجة وحجة لكي يظهر أنه لم يُخطأ لأنه خاطي، واحياناً ناس تظهر أن لها فضائل تحاول أن تخفيها بخطاياها، ويصبح تفكيره وسلوكه عائقاً منيعاً لتوبته وخلاص نفسه، وأن حاول أن يُصلح حياته، فذلك من أجل أن يُعيد صنم ذاته الذي يعبده، وأن لم يفلح في الإصلاح، يداري خطيئته واهماً الجميع أنه فوق الخطية وحياته مستقيمة، ومثل ذلك من الصعب أنه يعرف الله أو يتعامل معه، فتفسد حياته ويقود الآخرين معه للهلاك، ويشركهم في عبادة ذاته !!!

2 – الحزن النابع من الطمع: هناك حزن نابع من الطمع في الجوائز السماوية، فالإنسان الذي بنى حياته مع الله على أساس، هات وخد، بمعنى أني أحيا مع الله ولا أصنع خطية لكي يباركني الله ويضبط حياتي وينجيني من كل ضيق وشدة، ويعطيني المكافأة والجوائز السماوية هنا على الأرض وفي السماء، لأني استحققتها عن جدارة مجهودي وعملي الصالح، لأني أحفظ نفسي من السقوط والخطية، لذلك نسمع كثيرين حينما يدخلون في تجارب أو مشقات وصعوبات الحياة، يستغربون ويشتكون قائلين: ماذا فعلت حتى أن الرب يجازيني هكذا !!!

عموماً حينما يسقط الطماع يحزن لأنه سيخسر الجوائز والعطايا الإلهية، ويحاول أن يقوم لكي يقدر أن يطالب الله بالجوائز والمكافآت التي يستحقها بسبب توبته ورجوعه لله، ومثل ذلك الحزن لا يقود لنقاوة القلب ولا معاينة الله، لأنه مبني على الطمع الذي يقود لعبادة أوثان، أي الأشياء الثمينة بالنسبية لتلك النفس، لأنها تؤله ما هو غير الله، ولا تقدر أن تحبه بل تحب ما يقدمه !!! وممكن أن نرى هذا المثال في الفريسي الذي يعد فضائله وما يصنعه أمام الله على سبيل أنه يطالب بأجرته !!!

3 – الحزن النابع من الخوف: كثيرين يتربون على فكرة مشوهة عن الله، ويقيمون علاقة غير سوية مع الله على أساس أنه إله يجازي ويحاسب على كل هفوة وخطية ويلقي كل من يخطأ في الجحيم، فتبنى حياة هذا الإنسان على أساس الخوف، ويحاول أن يبتعد عن الخطية خوفاً أن الله يلقيه في المحن القاسية في الأرض أو يضره بأي شكل، وعند مجيئه الثاني المخوف والمملوء مجداً سيحاسبه اشد حساب على خطاياه الكثيرة، وهو حينما يتقدم للتوبة يضع أمام عينيه الدينونة الرهيبة التي تنتظر الخطاة !!!
وهذا الحزن لا يقود لتوبة سوية وسليمة بل تنشأ عبد خائف ومرتعب من الله القاسي الذي يجازي الإنسان حسب أعماله، وبذلك يبني صورة عن الله لا تدخله في حرية مجد أولاد الله، بل تُنشأ أمام عينيه صورة كونها هو عن الله، ومستحيل أن يصل لنقاوة قلب، أو يقدر أن يُقيم علاقة حب مع الله أو يعرفه كإله محب البشر، وهذه الحالة قد تنفع البعض وتُدخلهم في سر التوبة الحقيقية ويتلامس الله معهم وينقلهم للخطوة القادمة، لأن لا نستطيع أن ننكر أن كثيرون اتوا لله من هذه المرحلة رغم من أنها غير سليمة تماماً …

4 – الحزن لأجل الله : الإنسان الذي عاش حياة مسيحية حقيقية وعرف الله كشخص حي وحضور محيي في خبرة تلامس قلبي معه على مستوى الخبرة في الشركة، إذا أخطأ يحزن، لأنه بالخطية التي ارتكبها استهان بالله الكلي الصلاح في قلبه وأبعده عن عينية، وحيث أن المسيحي الحقيقي بالقلب والفكر والروح، في نموه الروحي لا يتحرك بدافع الخوف من العقاب، ولا بدافع الحصول على الجوائز السماوية، أو رغبة أن يأخذ شيئاً على الأرض ولا حتى في السماء، بل يتحرك بدافع المحبة نحو الله المحبوب لديه، لأنه يرى أنه ليس بسبب استحقاق أعماله يقبله الله، بل حسب محبته وحدها فقط، فهو يرى برؤية قلبه وبشهادة الروح القدس، أنه ابناً لله في الابن الوحيد، بسبب التجسد، ودخوله في هذا السرّ بنعمة الله المُخلِّصه، وأنه مع المسيح الرب مصلوباً باستمرار والمسيح الرب حي فيه، وأنه مقبول عند الله كأب حنون له، وبصلاحه خلصه وأعطاه مجد عظيم في قبوله بمحضره، لذلك فهو كابن حينما يرتكب الخطية أو أي أعمال خاطئة ضد وصية حبيبه الخاص، يشعر في نفسه أنه يُحزن محبة الله، وأنه سيخسر شركته في الثالوث القدوس، ففوراً يعود مُسرعاً ليبكي عند الله حبيبه الشخصي تائباً، وهذا يُسمى الحزن لأجل الله، وليس لأجل أي شيء آخر …

وكما قال أحد الآباء : [ كل المسيحيين الذين تحركهم دوافع الحزن السامية يُفضَلون على غيرهم الذين يبكون وينوحون بدافع الكبرياء وحب الذات، لأنهم ينوحون ويحزنون من أجل المحبة الإلهية ]

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى