علم

نص مقال قيامة الموتى



نص مقال قيامة الموتى

نص
مقال قيامة الموتى

ا
– الدفاع عن الحق يجب أن يسبق المناقشات الخاصة به

أعتقد
أنه يجب على من ينشغلون بهذه الأمور أن يتبنوا خطين للنقاش، أحدهما للدفاع عن الحق
والأخر يختص بالحق. وأما الدفاع عن الحق، فهو لغير المؤمنين أو للمتشككين، وأما ما
يختص بالحق فهو للمخلصين الذين يتقبلون الحق برضى….

 

2
– القيامة ليست مستحيلة

بالحقيقة
يعتبر الشيء مستحيلاً على الشخص، عندما يكون واحداً من اثنين: إما أن يكون على غير
علم بما يجب عمله أو ليست لديه القدرة الكافية لعمل الشيء المناسب للموضوع المعلوم
له……. ولكن ليس من الجائز على الله أن يكون جاهلاً لطبيعة الأجسام التي يراد
إقامتها بالتفصيل… لأن الله، الذي لم يخفي عليه سابقاً، التكوين الخاص لكل
شيء…. سيمكنه بجلاء، بعد تحلل الكل، أن يكون عالماً إلى أين نفذ كل من الأجزاء
التي اتخذها لتكوين الجسم. لأنه بالنظر نسبياً إلى نظام الأشياء الحاصلة بيننا.
والحكم الذي نكونه فيما يتعلق بالأمور الأخرى، فإنه من الأمور العظيمة، أن نعرف
مسبقاً، الأمور التي لم تحدث بعد، ولكن بالنظر نسبياً إلى جلالة وحكمة الله،
وكلاهما حسب الطبيعة، يتساويا في السهولة، أن يعرف الله مسبقاً الامور التي لم تحدث
بعد، وأن يعرف أيضاً الأشياء التي قد تحللت.

 

3
– الذي يمكنه أن يخلق، يمكنه أيضاً أن يقيم الأموات

وفضلاً
عن ذلك، فكون قوة الله كافية لإقامة الأجسام، يتبين من أنه خلق نفس هذه الأجسام.
لأنه إذا كان، قبل أن توجد، عند تكوينها الأول، قام الله بعمل أجسام البشر وعناصرها
الأولية، فإنه عندما تتحلل بأية طريقة قد تحدث، فإنه سوف يقيمها ثانية بنفس
المستوى من السهولة، ممكن لديه.

وليس
هناك ما يضر بالحجة، إذا افترض البعض، أن البدايات الأولى حدثت من المادة، أو أن
أجسام البشر على الأقل قد اشتقت من العناصر، وتقسم البذرة التي كانت واحدة وبسيطة
إلى كثرة، وتنظم ما لم يكن منظما، وتعطى حياة لما كان بغير حياة، نفس هذه القوة
يمكنها أن توحد ما قد تحلل، وتقيم الراقدين، وتحي الميت، وأيضاً تحول الفاسد إلى
عدم فساد، سينسب إلى نفس هذا الكائن ولنفس القدرة والحكمة، ما كسر وتوزع بين كثرة
من الحيوانات من جميع الأجناس التي اعتادت الالتجاء إلى مثل هذه الأبدان لتشبع
شهيتها بالتهامها، فهو يميز هذه ويوحدها ثانياً بأعضائها الخاصة وأجزاء الأعضاء،
سواء كانت قد مرت إلى واحد من تلك الحيوانات أو إلى الكثير منها، ثم إلى حيوانات
أخرى، أو بعد أن تكون قد تحللت مع هذه الحيوانات نفسها وعادت مرة ثانية إلى
العناصر الأولية، وقد تحللت إلى هذه العناصر وفقاً لقانون طبيعي.

وهو
أمر يبدو وقد حير إلى حد كبير بعض الناس، حتى ممن نالوا الإعجاب بسبب حكمتهم،
والذين لا أدرى، لماذا يرون أن هذه الشكوك التي يبديها الكثيرون تستحق منهم
انتباها جديا.

 

4
– اعتراض مبنبي على حقيقة أن بعض الأجسام البشرية قد أصبحت جزءاً من أجسام أخرى

هؤلاء
الأشخاص يؤكدون أن الكثير من أجسام الذين صادفهم موت أليم في حوادث سفن أو غرقوا
في أنهار، قد صارت طعاماً للسمك وكذلك فإن الكثيرين ممن يموتون في الحرب أو لسبب
آخر مؤلم، وواقع سيء، يحرمون من دفن جثثهم، وتبقى معرضة لتصبح طعاماً لما يصادفها
من حيوانات. وعلى هذا النحو تلتهم هذه الأجسام، وتنكسر الأعضاء والأجزاء المكونة
لها، وتتوزع بين عدد كبير من الحيوانات، وعن طريق التغذية فإنها تتحد بأجساد تلك
الحيونات التي تغذت عليها.

وهم
يقولون بالدرجة الأولى، أن فصل هذه الأجسام عن بعضها هو أمر مستحيل، وعلاوة على
ذلك، في المقام الثاني، فإنهم يقدمون حالة أكثر صعوبة، عندما يحدث أن حيوانات من
آكلة لحوم البشر تتغذى على أجسام بعض الناس، وتمر هذه اللحوم في معدات تلك
الحيوانات، وتصبح متحدة بأجسام تلك الحيوانات التي تناولت هذا الطعام، لأنه لابد
بالضرورة، كما يقولون، أن أجزاء أجسام البشر التي أصبحت غذاء للحيوانات التي
تناولت منها، أن تمر إلى أجسام بشر آخرين، حيث أن هذه الحيوانات التي تغذت على
أجسامهم تنقل الغذاء المستمر من الذين تغذوا عليها إلى أولئك البشر الذين أصبحت هي
غذاء لهم. ثم يضيفون بطريق مفجعة، ما يحدث من بعض الناس حين يقترفون حوادث أكل
نسلهم في حالات المجاعات أو الجنون والأطفال الذين يأكلهم والديهم عند محاصرة
الأعداء لبلادهم والاحتفال بالأعياد الوثنية، وولائم ثيستوس المفجعة. ثم يضيفون
علاوة على ذلك، أشياء، مثل بعض الحوادث التي لم يسمع عنها والتي حدثت بين الإغريق
والبرابرة، ثم يؤسسون على هذه الأمور حسب تفكيرهم، استحالة القيامة، على أساس أن
نفس الأجزاء لا يمكن أن تقوم مرة ثانية مع جسم، وفي نفس الوقت مع جسم آخر، لأنه
إما أن الجسم الخاص بالمالك الأول لا يمكن إعادة تركيبه نظراً لأن مكوناته قد
أصبحت جزءاً من جسم آخر، أو أن هذه الأجزاء ستعاد إلى الجسم الأول، فإن أجزاء
الجسم الثاني سوف تصبح ناقصة.

 

5
– مراجعة لعملية الهضم والتغذي

ولكن
يبدو لي أن مثل هؤلاء الأشخاص، هم في المقام الأول، غير واعين لقدرة وحكمة الله
الذي خلق ودبر الكون، والذي هيأ لطبيعة ونوع كل حيوان، التغذية التي تناسبه
وتلائمه وهو لم يفرض أن كل طبيعة تتحد أو تمتزج بكل جسم، كما أنه من الممكن فصل ما
تم اتحاده، دون ضرر. ولكنه يمنح لطبيعة كل من الكائنات أن تفعل أو تتحمل ما يناسبها،
كما أنه في بعض الأحيان يعيق، أو يسمح أو يمنع ما يشاء وللغرض الذي يشاؤه.
وبالإضافة إلى ما قد قلناه، فإن هؤلاء الأشخاص، لم يفكروا في ندرة وطبيعة كل من
المخلوقات التي تأكل أو تطعم، وإلا لعرفوا أنه ليس كل ما يؤخذ كطعام تحت ضغط
الضرورة الخارجية، يمكن أن يكون غذاء مناسباً للحيوان ولكن بعض الأشياء بمجرد أن
تلامس ثنايا المعدة، فإنها عادة تفسد، وتتقيأ أو تفرغ، أو يتخلص منها بطريقه أخرى،
حتى إنها لا تمر، ولا حتى لفترة قصيرة بعملية الهضم الأولى والطبيعى، وبالأولى لا
يحدث أي اتحاد بينها وبين جسم من يأكلها كذلك فإن الأكل الذي تهضمه المعدة، وتحدث
فيه التغيرات الأولية، لا يصل كله فعلاً إلى أجزاء جسم الذي يأكله، حيث أن بعضهم
يفقد قوته الغذائية حتى في المعدة، والبعض خلال التغيير الثاني. كذلك فإن التغيير
الذي يحدث في الكبد ينفصل، ويمر خلال شيء آخر يفتقد القوة على امتصاص الغذاء. إن
هذا التغيير الذي يحدث في الكبد لا يتحول كله إلى غذاء للناس، ولكن المادة المحولة
تفصل كنفاية طبقاً لما هو محدد لها طبيعياً، والغذاء الذي يبقى في الأعضاء
والأجزاء نفسها التي يجب أن تتغذى، يتحول أحياناً إلى شيء آخر، وفقاً لما هو سائد،
والموجود بأكثر أو أقل وفرة وعرضة للفساد أو يحول إلى نفسه ما يقترب منه.

 

6
– كل ما هو عديم الفائدة أو ضار يرفض

لذلك،
حيث أنه يوجد اختلاف طبيعى كبير- بين جميع الحيوانات، وأن أي غذاء بعينه مما يتفق
مع الطبيعة، يتغير ليناسب كل نوع من الحيوان وكذا الجسم الذي يتغذى عليه ونظراً
لأن كل غذاء لأي حيوان يمر على ثلاث مراحل، للتنقية والفصل، فإنه يتبع ذلك أن أية
مادة غريبة عما يأخذه الحيوان لغذائه، يجب أن تتلف كلية وتحمل بعيداً إلى مكانها
الطبيعي أو تحول إلى شيء آخر إذ لا يمكنها الامتزاج بالحيوان، كما أن قوة الجسم
المغذى يجب أن تتناسب مع طبيعة الحيوان المتغذى وتتناسق مع قواه، لأن هذه عند
مرورها على الأعضاء التي تقوم بعمل المصافي والموجودة في الجسم لهذا الغرض يتم
التخلص منها تلقائياً. وبعد تنقيتها بالطرق الطبيعية للتنقية، يجب أن تصبح إضافة
أصلية للجوهر والشيء الوحيد، في الحقيقة، الذي يمكن لأي شخص يدعو الأشياء بأسمائها
الصحيحة، أن يسميها تغذية في الواقع. لأنه يرفض كل ما هو أجنبي وضار بتكوين
الحيوان المتغذي، وأن هذه الكتلة من المواد الناقلة قد أدخلت لملء المعدة وإشباع
الشهية فقط. ولا يشك أحد أن هذه التغذية، تندمج بجسم المتغذى وتتداخل كالنسيج
وتتآلف مع جميع الأعضاء وأجزاء الأعضاء. ولكن بخلاف وعلى عكس ما هو طبيعي من سرعة
فسادها إذا لامست قوة أكبر، فإنها تتلف ما تتسلط عليه، وتتحول إلى أخلاط جسدية
ضارة وأنواع سامة لأنها لا تحمل أشياء متجانسة أو متحابة مع جسم المتغذى. وأكبر
دليل واضح على ذلك، هو أن الكثير من الحيوانات عندما تتغذى، يظهر عليها الألم أو
المرض وربما الموت من تناول هذه الأطعمة، إذا ما تناولوا، نظراً لشهيتهم الشديدة
الرغبة، أشياء سامة مختلطة بطعامهم، فإنه من الطبيعي أن يفضي ذلك إلى القضاء التام
على جسم المتغذى، بمعنى أن المتغذى يتغذى بمواد متجانسة معه وتتفق مع طبيعته،
ولكنه يهلك بتلك، ذات الطابع المختلف. وعلى ذلك، فإنه تبعاً للطبيعة المختلفة
للحيوانات، قدمت أطعمة مختلفة مناسبة لطبيعتهم، لأنه لا يوجد ضمن ما تناوله
الحيوان، ولا بطريق عرضي في جزء منه، ما يسمح بالامتزاج بجسم المتغذي ولكن فقط
الجزء الذي تم تنقيته بعملية كاملة من الهضم، ويمر بعملية تغيير كاملة للاتحاد مع
جسد معين، ويتآلف مع الأعضاء التي تتلقى الغذاء – فإنه من الواضح تماماً أنه ما من
شيء مخالف للطبيعة يمكن أن يتحد بتلك الأجسام التي لا يناسبها ولا يعتبر غذاء
متوافقاً معها، فإنه إما أن تتخطاه الأمعاء قبل أن ينتج أخلاطاً غير نقية وفاسدة،
وإذا استمر لوقت أطول، فإنه يتسبب في معاناة أو مرض يصعب شفاؤه، يهلك في نفس الوقت
الغذاء الطبيعي أو ربما الجسد نفسه المحتاج إلى التغذية. ولكن حتى في هذه الحالة
فإنه يطرد في النهاية، ويتغلب عليه ببعض الأدوية أو بطعام أحسن، أو بالقوة
الطبيعية، وحتى إذا تم ذلك فإنه لا يتم دون ترك ضرر كبير، إذ أنه لا يحمل واجهة
سليمة تجاه ما هو طبيعى، حيث أنه لا يتلاءم مع الطبيعة.

 

7
-جسد القيامة يختلف عن الجسد الحالي

وإذا
افترضنا أنه كان علينا أن نسلم بأن التغذية المستمرة من هذه الأشياء (ولنطلق عليها
هذا الاسم، حيث أنه مناسب جداً مع طريقة الكلام العادية). ورغم كونها ضد الطبيعة،
فإنها تفصل وتتغير إلى واحد من الرطب أو الجاف أو الدافئ أو البارد التي يحتويها
الجسم، فإن معارضينا لن يكسبوا شيئا من هذا الغرض نظراً لأن الأجسام التي تقوم
ثانية، يعاد تركيبها من الأجزاء التي تنسب إليها، في حين أنه ليس فيما ذكر مثل هذا
الجزء، كما انه ليس فيه ما له شكل أو مكان الجزء، ولا يبقى دائماً مع أجزاء الجسم
التي تتغذى، ولا يقوم ثانية مع الأجزاء التي تقوم، حيث لن يشترك دم، أو نخاع، أو
مرارة، أو نفس، في الحياة، كما أن الأجسام لن تحتاج، مرة ثانية، حينئذ، نفس الغذاء
الذي احتاجت إليه سابقاً، بالنظر إلى أنه مع الحاجة وفساد الأجسام المتغذية، فإن
الحاجة أيضاً إلى هذه الأشياء التي كانت تتغذى عليها قد زالت. كما أنه يجب الإضافة
إلى أننا لو افترضنا أن التغيير الذي يحدث من مثل هذه التغذية يتحلل إلى لحم، فإنه
في مثل هذه الحالة أيضاً، لن تكون هناك ضرورة إذ أن هذا اللحم الذي قد تغير بطعام
من هذا النوع، إذا اتحد مع جسم إنسان آخر، يجب أن يساهم في تكوين ذلك الجسم، حيث
أنه لا الجسم الذي أخذه يحتفظ دائما بما أخذه، ولا يحتفظ اللحم الذي أندمج هكذا
ويبقى مع ذاك الذي أضيف، لكنه معرض لتغيرات عديدة – فقد يتشتت عن طريق الكد أو
الاهتمام أو يضيع بسبب الحزن أو الشدائد أو المرض أو بسبب توعك المزاج الناتج عن
الشعور بالحرارة أو البرد الشديد، وتغيير أخلاط الجسد مع اللحم والدهن اللذان لا
يتلقيان التغذية التي تساعدهما على البقاء على حالهما. ولكن، بينما تلك هي
التغيرات التي يتعرض لها اللحم، فيجب علينا أن نعرف أن اللحم المتغذى بطعام غير
ملائم له، يعانى منه بدرجة كبيرة جداً، ذلك بامتصاصه والنمو ببدانة نظراً لما
تلقاه، ثم أيضاً بطرده بطريقة ما أو بأخرى، وينقص في الوزن بسبب واحد أو أكثر من
الأسباب التي ذكرت سابقاً، وأن هذا وحده يبقى في الأجزاء المهيأة لتتحد معا، أو
تعطى، أو تدفئ اللحم الذي اختارته الطبيعة، وينجذب إلى تلك الأجزاء التي تدعم
الحياة التي تتوافق مع الطبيعة، وتتجاوب مع متطلبات هذه الحياة. وعلى ذلك، فإنه
إذا كان البحث الذي انشغلنا به يحكم عليه بعدالة، أو أن الاعتراضات التي تحرض ضد
اعتراضنا تقبل، فإنه في أي من الحالتين لا يمكن أن نوضح أن ما يقوله معارضونا
صحيح، كما أنه لا يمكن لأجساد البشر أن تتحد مع من لهم نفس الطبيعة دائما، لأنهم
في أي وقت، عن طريق جهل، أو عن إحساسهم بواسطة شخص آخر، إن أشخاصاًُ اشتركوا في
مثل هذا الجسد أو بموافقتهم مدفوعين بالحاجة أو الجنون، فإنهم ينجون أنفسهم بجسد
واحد من أمثال هؤلاء لأننا نعلم جيداً، أن بعض المتوحشين لهم هيئات إنسانية، أو
لهم طبيعة مشتركة بين الإنسان والوحش، كما تعود أن يصور بعض الجسورين من الشعراء.

 

8-
لحم البشر ليس هو الطعام الملائم أو الطبيعى للإنسان

هل
هناك من ضرورة لأن نتحدث عن الأجسام غير المخصصة لأن تكون طعاماً لأي حيوان،
والمقدر فقط أن تدفن في الأرض تكريماً للطبيعة إذ أن خالق هذا العالم لم يعين أي
حيوان ما، ليكون طعاماً لمن هو من نفس نوعه، ولو أن البعض يتخذ طعاماً لمن هو من
نوع آخر، وفقاً للطبيعة. فإذا أمكنهم حقاً أن يبينوا أن لحم الإنسان قد خصص كطعام
للبشر، فإنه في هذه الحالة لا داعي لأن نخفي أنه من الأمور الطبيعية أن يأكل الناس
بعضهم البعض، مثل أي شيء آخر مسموح به وفقاً للطبيعة، وليس هناك ما يمنع أولئك
الذين يجسرون على قول مثل هذا الكلام، من أن يقيموا الولائم ويمتعوا أنفسهم بأجساد
أصدقائهم الأعزاء، إذ أنها تناسبهم خاصة، وأن يستضيفوا أصدقاءهم الأحباء على نفس
هذه الولائم. ولكن إذا كان من غير القانون، حتى مجرد الحديث عن هذه الأمور، وإذا
كان تناول الإنسان للحم البشر هو أمر شديد الكراهية والشناعة، وأبغض من أي شيء
قانوني وغير طبيعى سواء كطعام أو كفعل، وإن ما كان مضاداً للطبيعة لا يمكن أن
يتحول إلى غذاء للأطراف أو لأجزاء الجسم التي تحتاجه كغذاء، لأن ما لا يتحول إلى
غذاء لا يمكن أن يتحد مع الأجزاء الغير مهيأة لتتغذى إذاً لا يمكن لأجسام الناس أن
تتحد مع أجساد من هم من نفس النوع والتي تعتبر غذاء ضد الطبيعة، حتى لو مرت عدة
مرات داخل معداتهم، نتيجة سوء حظ شديد المرارة ولكن أزيحت بسبب تأثير قوة التغذية
وبعثرت في تلك الأجزاء من العالم التي هي منها أصلاً لتتحد بها لمدة كافية حتى
تصبح منها، وبذا تنفصل مرة ثانية بحكمة وقوة الله الذي ثبت طبيعة كل حيوان وأمدها
بقوة خاصة بها، وتعود لتتوحد لتناسب كل نوع مع آخر. سواء أحرقوا بفعل النيران، أو
تعفنوا بالماء، أو استهلكوا بالوحوش الضارية، أو انفصلوا عن بقية الجسم وتحللوا
قبل الأجزاء الأخرى، ثم يتحدون ثانية بعضهم البعض، ويتخذون نفس المكان لتركيب
تشكيل نفس الجسم بطريقة كاملة، ولقيامة وحياة ذاك الذي مات أو حتى تحلل كلية. وليس
من المناسب أن نسهب في هذا الموضوع، حيث أن الجميع يوافقون في قرارهم تجاهه – على
الأقل أولئك الذين ليسوا أنصاف وحوش.

 

9
– عبث المناقشة بالمقارنة بعجز الانسان

نظراً
لأن هناك الكثير من الأمور ذات أهمية أكبر بالنسبة للموضوع الذي نعالجه فإنى أرجو
أن تسمحوا لي عذراً عن الإجابة، حالياً، على أولئك الذين يجدون مهرباً في أعمال
الإنسان، حتى في الذين يصنعون هذه الأعمال، الذين لا يمكنهم أن يجددوا أياً من
الأجزاء التي تتهشم قطعاً، أو التي تبلى بالوقت، أو حتى تتلف، ثم يحاولون على
طريقة صانعي الفخار والنجارين أن يبينوا أن الله لا يريد، وحتى إذا أراد فإنه لا
يمكنه أن يقيم جسماً قد مات أو تحلل – دون أن يقدروا أنهم بتفكيرهم هذا يسيئون إلى
الله أكبر إساءة، واضعين بذلك على نفس المستوى قدرات من هم مختلفون تماماً، أو
بالأحرى طبيعة الذين يستعملونها، ويقارنون عمل الفن بعمل الطبيعة. وإذا أعطينا أي
انتباه جاد لمثل هذه المناقشات، فهو أنها لا تستحق النقد، لأنه من الحماقة أن نرد
على مثل هذه الاعتراضات السطحية والتافهة. والأكثر احتمالاً، والصحيح بدرجة مطلقة،
أن نقول أن ما ليس ممكناً عند الناس فهو مستطاع عند الله. وإذا كان بهذه الحقيقة
نفسها كاحتمال، وبالبحث كله الذي شغلنا به، يبين العقل أنه ممكن، فإنه من الواضح
تماماً أنه ليس مستحيلاً، كما أنه ليس شيئاً لا يريده الله.

 

10
– لا يمكن إثبات أن الله لا يريد قيامة

لأن
ما لا يتفق مع إرادة الله، فإما لأنه ظلم لا يريده الله، أو لأنه غير مستحق. ومرة
ثانية فإن الظلم يخص هذا الذي سيقوم ثانية، أو شخصاً آخر غيره، ولكن من الواضح أن
أياً من الكائنات الأخرى الخارجة عنه والتي تعتبر من الأشياء التي لها وجود، لن
يضار وكذلك فإن المخلوقات الروحية لا يمكن أن تضار من قيامة البشر، لأنه ليس في
قيامة البشر أي عائق يضر بوجود هذه المخلوقات، ولن تتعرض لأية خسارة أو عنف بسبب
هذه القيامة وكذلك فإن طبيعة الكائنات غير العاقلة، وغير الحية لن تتعرض لأي أذى،
لأنه لن يكون لها وجود بعد القيامة، وبالطبع لا يحدث أذى لما لا وجود له. ولكن حتى
إذا افترض أحد وجودها إلى الأبد، فإنها لن تقاسي أي أذى من تجديد الأجسام البشرية،
لأنها في الوقت الحاضر، وهي خاضعة لطبيعة البشر واحتياجه لهم، والبشر محتاجون لها،
وهي واقعة تحت نير العبودية وجميع أشكال الرق، فهي لا تحمل أي أذى، فكم بالحرى
عندما يصبح البشر غير فاسدين، وليست لهم أية احتياجات، وفي غنى عن خدماتها، وعندما
تتحرر هي نفسها من الاستعباد، فإنها بالطبع. لن تتحمل أي أذى.

فلو
كان لها نعمة الكلام، لما أقامت ضد الخالق شكوى، إذ جعلها – ضداً للعدالة – في
طبقة أدنى من البشر لأنها لم تشارك في نفس القيامة. لأن العادل، لا يحدد نهاية
متماثلة للمخلوقات ذات الطبائع المختلفة. وعلاوة على ذلك، فليس للمخلوقات التي ليس
لها تصور عن العدالة أن تشتكي من عدم العدالة أو الظلم، كما أنه لا يمكن القول بأن
هناك ظلماً في قيامة البشر، لأنه يتكون من روح وجسد، وهو لا يقاسي أي أذى سواء
للروح أو للجسد. ولا يمكن لأي شخص متمالك لقواه العقلية، أن يؤكد أن روحه تقاسي
أذى، لأنه عندما يقول ذلك، فإنه لابد وأن يكون في نفس الوقت ودون قصد، يتأمل
الحياة الحالية أيضاً، لأننا الآن ونحن نسكن في جسد تعرض للفساد والمعاناة، ولم
يلحق روحه أي أذى، فما أقل ما يمكن أن نتعرض له من أذى حين نعيش في التحام مع جسد
خال من الفساد والمعاناة. وكذلك فإن الجسد لن يتحمل أي أذى، إذ أننا الآن لا نتحمل
أي أذى بينما يتحد جسد معرض للفساد مع روح غير معرضة لفساد، فإنه من الواضح أنه لن
يتحمل أي أذى عندما يتحد جسد غير معرض للفساد مع روح غير معرضه للفساد. كما لا
يمكن لأحد أن يقول أنه عمل غير خليق بالرب أن يقيم ويلم شتات جسد ثانياً، بعد أن
تحلل إذ لو كان الأردأ، غير مستحق له،أي أن يخلق الجسد المعرض للفساد والمعاناة،
فكم هو أجمل أن يكون مستحقاً، عندما يخلق جسداً غير معرض للفساد أو العذاب.

 

11
– الخلاصة:

على
ذلك فلو اعتبرنا أولاً، ما يأتى بطريقة، ثم ما يتلوه،لا يتبين لنا أنه قد أمكن
إثبات جميع النقاط التي بحثت. وأصبح واضحاً أن قيامة الأجساد المتحللة هو عمل ممكن
للخالق إنجازه، ويريده وهو جدير به، لأنه بهذه الاعتبارات يتبين كذب الرأي المضاد
وسخافة الموقف الذي يتخذه غير المؤمنين. لماذا يجب أن أتحدث عن موافقة الواحد مع الأخر
أو الارتباط بين الواحد والآخر؟ إذ كان ولابد أن نستعمل كلمة الارتباط، كما لو
كانوا منفصلين باختلاف ما هو طبيعي، ولا نقول بالأحرى، أن ما يمكن أن يقدر عليه
الله، فهو أيضا يمكن أن يريده، وأن ما يمكن أن يريده الله، فهو من المؤكد قادر على
فعله، وهذا يتلاءم مع كرامة الله الذي يريد. إن الحديث عما يتعلق بالحق شيء،
والحديث عن الدفاع عنه شيء آخر. وقد تبين لنا هذا بطريقة كافية من الملاحظات التي
أبديناها سابقاً، كذلك مما يتعلق بالاختلافات بينهما، ومتى ومع من تكون أكثر
فائدة. لكن ربما لا يوجد هناك سبب لهذا، بالنظر إلى اليقين العام، وبالربط بين ما
سبق ذكره وما يتبقى، فيجب ألا نبدأ بداية جديدة من نفس هذه النقاط، ومن تلك
المتصلة بها. للدرب الواحد من المناقشة، من الطبيعي أن يعمل على أن يأخذ المركز
الأسبق، على الآخر أن يتابع الأول ويوضح الطريق، وأن يزيح كل ما يعوق أو يعادي.

إن
الحديث الخاص بالحق لكونه ضروريا لجميع البشر، ليكون لديهم اليقين والخلاص، يأتي
في المقام الأول، في الطبيعة، أو الترتيب، أو الحاجة. في الطبيعة لأنه يمدنا
بمعرفة الموضوع، وفي الترتيب، لكونه في هذه الأشياء وبجانب هذه الأشياء التي
تخبرنا به، وفي الحاجة، لكونه ضمان اليقين والخلاص لأولئك الذين على دراية به.

وأما
الحديث دفاعاً عن الحق، فيأتى في المرتبة الثانية، وهو أقل في الطبيعة والقدرة،
لأن تفنيد الكذب أقل أهمية من بناء الحق، وهو يستخدم قدرته ضد هؤلاء الذين لهم
آراء كاذبة، الآراء الكاذبة هي نمو لاحق لبذرة أخرى ومن فساد. ولكن على الرغم من
ذلك، فإنه غالباً. ما يوضع في المقام الأول، وفي بعض الأحيان نجد أن هذا أكثر
فائدة لأنه يزيح ويبدد مسبقاً عدم الإيمان الذي يزعج بعض العقول. وكذلك ما ظهر
حديثاً من الشك والآراء الفاسدة. ولكن، على كل حال، فإن كلاً منهما يشير إلى نفس
النهاية، لأن تفنيد الكذب، وتأسيس الحق، كلاهما له نفس الحق لفرضهما، ليس،
بالتأكيد، لأنهما شيء واحد والشيء نفسه، بل لأن أحدهم كما ذكرت، ضرورى لكل الذين
يؤمنون ولأولئك الذين يهتمون بالحق وخلاص نفوسهم، لكن الآخر أثبت أنه أكثر فائدة
في بعض المناسبات ولبعض الأشخاص وعند التعامل مع البعض وكل هذا لتلخيص جميع ما
ذكر. ويجب علينا الآن أن ننتقل إلى ما سبق اقتراحه، وأن نبين الحق في التعليم
الخاص بالقيامة، من السبب نفسه، الذي بحسبه، ومن أجله، خلق الإنسان الأول وذريته،
على الرغم من أنهما لم يأتيا إلى الوجود بنفس الطريقة، ومن الطبيعة المشتركة لكل
الرجال كرجال، وعلاوة على ذلك، من حكم الله صانعهم عليهم، وفقاً للوقت الذي عاشه
كل منهم، ووفقاً للنواميس التي نظر بموجبها كل منهم تصرفاته، حكم لا شك إنه سيكون
عادلاً.

 

12
– مناقشة “القيامة” عن طريق التأمل في خلق الإنسان

إن
المناقشة عن السبب، ستتضح، إذا تأملنا فيما إذا كان الإنسان، قد صنع بغير قصد أو
عبثاً، أم لسبب معين، وإذا كان لسبب معين فهل هو ببساطة كي يعيش ويستمر في الحالة
الطبيعية التي خلق عليها أو لحاجة أخرى، وإذا كان لحاجة فهل هذه لحاجة الله الخالق
نفسه أو لشخص آخر من الكائنات التي تنتمى إليها والتي اعتبرها تستحق عناية أكبر.

والآن
لو تأملنا هذا بطريقة عامة، نجد أن الإنسان العاقل الذي يتحرك لعمل أي شيء بتمييز
منطقي، لا يفعل شيئاً عبثاً وهو يؤديه عن قصد، ولكن إما لفائدته أو لفائدة شخص آخر
يهتم به أو بسبب العمل نفسه، تحركه في ذلك ميول طبيعية وحب لإنتاجه. فمثلاً (لنضرب
مثلاً حتى نوضح المعنى) يبني الرجل منزلاً لاستعماله الخاص، ولكن للماشية والجمال
وباقي الحيوانات التي يحتاج إليها فإنه يبني لها المأوى المناسب لكل منها، وليس
لاستعماله الخاص، كما يبدو، ولكن لو أننا تأملنا في غاية ما يقصده وفي الهدف
المباشر فإنه يقوم بذلك لاهتمامه بمن يعني به، كما أن لديه أطفال أيضاً، ليس
لاستعماله الشخصي أو بسبب أي شيء خاص به، ولكن حتى يمكن لأولئك الذين ولدوا منه أن
يبنوا ويستمروا لأطول مدة ممكنه، هكذا يتعاقب الأولاد والأحفاد يرتاح نفسياً بخصوص
انتهاء حياته، أملاً بهذه الطريقة أن يخلد البشرية ذلك هو تفكير الإنسان. ولكن
الله لا يمكن أن يكون قد عمل الإنسان عبثاً كما أنه لم يخلقه لحاجته لأن الله ليس
محتاجاً لأي شيء. ولكن لأن الله حكيم، وعمل الحكمة لا يمكن أن يكون عبثاً بالنسبة
للكائن الذي لا يحتاج شيئاً على الإطلاق، فإنه لا يمكن لأي شيء مما قام هو بصنعه
أن يستفيد منه هو، كما إنه أيضاً لم يصنع الإنسان لصالح أي من الأعمال الأخرى التي
صنعها. لأنه لم يخلق من وهب العقل والحكمة ليستفيد منه آخر سواء أكان أقل أو أعلى
منه، لكن بغرض حياة واستمرارية الكائن نفسه الذي خلق هكذا. لأن الفكر لا يمكن أن
يكتشف أية فائدة يمكن أن تعتبر سبباً لخلق الإنسان، حيث أن الجماد ليس بحاجة لأي
شيء وليس بحاجة لأي مساعدة من الإنسان لبقائه، كما أن الكائنات التي لا تعمل هي
وفقاً لأحكام الطبيعة في حاله خضوع، وتؤدي خدماتها للإنسان كل كما هو معين له،
ولكنها بدورها ليست معينة لتستفيد من الإنسان، لأنه لم يحدث كما أنه ليس صواباً أن
نحط من يتحكم وله القيادة ليستفيد منه من هو أقل درجة، أو أن نخضع العاقل لغير
العاقل وهو ما يتنافي مع القواعد. وعلى ذلك فإذا كان الإنسان لم يخلق بدون سبب أو
عبثاً (لأنه لا يوجد عمل يؤديه الله عبثاً على الأقل بالنسبة لتأملنا لمقاصد
الخالق)، ولا لكي يستفيد منه الله بنفسه ولا ليستفيد منه أي عمل من الأعمال التي
صدرت عن الله، لذا فإنه من الواضح تماماً إنه بالرغم من النظرة الأولى والشاملة
للموضوع، فإن الله صنع الإنسان لله نفسه، وطبقاً لطبيعته وحكمته التي هي واضحة على
طول الخليقة، ومع ذلك، فإنه وفقاً للنظرة، التي تقترب أكثر، من الكائنات المخلوقة،
فإن الله صنعه لحياة تلك الأشياء التي خلقت: التي لم تكن لتشتعل لفترة قصيرة ثم
تخمد.لأنه بالنسبة للزواحف، على ما اعتقد، والطيور والأسماك أو بشكل أعم جميع
الكائنات غير العاقلة، فإن الله قد عين لهؤلاء حياتهم تلك، ولكن أولئك الذين خلقوا
على صورة الله نفسه، منحوا الفهم وبوركوا. بفكر عاقل، فإن الله قد عين لهم البقاء
الأبدى، وذلك حتى إنهم عند تذكرهم لخالقهم، وقدرته ومهارته ويطيعون القانون
والعدالة، فقد يمضون فترة حياتهم بلا معاناة، متملكين لتلك الصفات التي تحملوا بها
بشجاعة حياتهم السابقة، رغم أنهم عاشوا في أجساد دنيوية قابلة للفساد. لأنه إذا
خلق أي شيء إكراماً لشيء آخر فإنه عندما يتوقف عن الوجود ذاك الذي خلق الشيء من
أجله فإن الشيء الذي خلق سيتوقف عن الوجود هو الآخر بالتبعية، ولن يستمر في الوجود
عبثاً، إذ أنه، ضمن أعمال الله، فإن الشيء الذي لا فائدة له ليس له مكان، لكن هناك
أمكنة لما خلق ليبقى لتكون له حياة مناسبة له طبيعياً، ويعرف فقط لارتباطه بالوجود
نفسه، ولا يمكن أن يعترف بأي سبب يلاشي (يمحو) وجوده تماماً.

ولكن
حيث أنه يتبين أن هذا السبب يقع في وجود مستمر، فإن الكائن الذي خلق هكذا يجب
الحفاظ عليه أبد الدهر، يعمل ويباشر ما يتناسب مع طبيعته، يشارك فيهما (العمل
والمباشرة) كل من الجزئين اللذان يتكون منهما هذا الكائن. وبذا يمكن للروح أن توجد
وتبقى دون تغيير في الطبيعة التي صنعت فيها وتؤدي وظائفها الملائمة (مثل التحكم في
اندفاعات الجسد والحكم على وتحديد ما قد يبدو من وقت لآخر، بالمعايير والمقايس
الصائبة)، كما يحرك الجسد وفقاً لطبيعته في اتجاه أهدافه الصحيحة ويتحمل التغيرات
التي حددت له، وكذا، ضمن باقي الأشياء، (الخاصة بالسن، أو الشكل أو المقاس)
القيامة. لان القيامة نوع من التغيير، وآخرها وهو تغيير للأحسن لذلك الذي يتبقى
موجوداً في ذلك الوقت.

 

13
– استمرار المناقشة

واثقين
من هذه الأشياء، ليس أقل من وثوقنا من الأشياء التي أتت لتمر، وتنعكس على طبائعنا،
فإننا راضون بحياة مقترنة بالحاجة وبالفساد، كما تتناسب مع حالتنا الحالية في
البقاء، ونرجو بثبات استمرار البقاء في عدم الفساد، وهذا لا نقول به دون أساس، من
اختراعات البشر، مغذين أنفسنا بآمال زائفة ولكن إيماننا يستند إلى أكبر ضمان منزه
عن الخطأ، غرض الرب الذي شكلنا، الذي بموجبه جعل الإنسان بروح خالدة وجسد، وزوده
بعقل وناموس طبيعي للحفاظ وتوفير السلامة لما وهبه الله بما يتناسب مع وجود ذكي
وحياة عاقلة، لأننا نعلم جيداً أن الله ما كان ليشكل كائنا كهذا، ويزوده بكل ما
يؤهله للدوام، ما لم يكن قد قصد أن ما خلق إنما خلق ليستمر إلى الأبد.

وعلى
ذلك فإن صانع هذا العالم قد خلق الإنسان بقصد أن يشارك في هذه الحياة العقلية،
ولأنه أصبح شاهداً على عظمة الله وحكمته الظاهرتين في جميع الأشياء، بأنه يمكنه أن
يستمر في تأمل هذه، ثم وفقاً لغرض الصانع وللطبيعة التي تلقاها، فإن الغرض من خلقه
هو وعد لاستمراره إلى الأبد. هذا الاستمرار هو وعد بالقيامة والتي بدونها لا يمكن
أن يستمر. ولذا فإنه مما ذكر، فإنه واضح تماماً أن القيامة ثابتة ببساطة من الغرض
من خلق الإنسان، وغرض الله الذي صنعه.

وبهذا
التأصيل لطبيعة الغرض الذي من أجله خلق الإنسان في هذا العالم، فإن الأمر التالي
الذي يتلوه مباشرة، فهو بالطبع أو وفقاً للترتيب المقترح، في بحثنا، فإن سبب خلق
البشر يتلوه طبيعة هؤلاء الناس الذين خلقوا هكذا، وطبيعة أولئك الذين خلقوا، بحكم
صانعهم العادل عليهم، وكل هذه، بالغاية من وجودهم. وإذا بحثنا النقطة التي جاءت
أولاً من حيث الترتيب، يجب علينا أن ننتقل الآن لنبحث في طبيعة الإنسان.

 

14
– إن القيامة لا تستند فقط على حقيقة الدينونة المستقبلية

إن
البرهان على العديد من التعاليم التي يتكون منها الحق، أو لأي موضوع مقترح للبحث،
إذا كان له أن يحصل على ثقة ثابتة فيما يقوله، يجب أن نبدأ، ليس من شيء خارجاً عنه
أو مما استحسنه بعض الأشخاص أو اعتقدوا به، ولكن من المعنى العام والطبيعي للأمر،
أو من العلاقة بين الحقائق الثانوية مع الحقائق الأولية. لأن السؤال يتعلق إما
بالمعتقدات الأولية، وبعد ذلك كل ما هو ضروري إنما هو تذكرة، حتى يحرك الفكر
الطبيعي، أو يتعلق بأشياء تتبع الأول بطريقة طبيعية ووفقاً لتسلسلها الطبيعي.

وفي
هذه الأشياء، يجب أن نتوخى النظام، مبينين بصرامة ما يتبع من الحقائق الأولية، أو
من تلك التي توضع أولاً، حتى لا نكون غير متنبهين للحق، أو من تيقننا تجاهه، وحتى
لا نخلط بين الأمور التي رتبتها الطبيعة وميزت كل أمر منها عن الآخر أو أن نكسر
الترتيب الطبيعي. لذا فإنني أرى أنه يليق بمن يرغب في تناول الموضوع بطريقة عادلة،
الذي يرى أن يكون نابهاً عما إذا كانت هناك قيامة أم لا، أن يتأمل بانتباه قوة المناقشات
التي تشارك في إثبات ذلك، وأي مكانة يحتلها كل واحد منها – أيها أولاً وأيها
ثانياً وأيها ثالثاً وأيها أخيراً. وعند ترتيبها، يجب أن يضع أولاً السبب في خلق
البشر – بالذات قصد الله من صنع الإنسان، ثم يربط ذلك، كما هو ملائم، بطبيعة البشر
الذين خلقوا هكذا، ليس على أنه الثاني في الترتيب، ولكن لأنه لا يمكننا أن نوقع
حكمنا على كليهما في نفس الوقت، رغم أن بينهما أقوى ارتباط طبيعي، وهما قوتان
متكافئتان بالنسبة للموضوع الذي أمامنا.

ولكن
في حين أن من بين هذه البراهين، والتي هي براهين أولية، ولكونها مستمدة من عمل الخلق،
فإن القيامة ثابتة بشكل جلي، إلا أنه لا يمكننا أن نكتسب اقتناعاً بها من
المناقشات التي تؤخذ عن العناية – أعني من الثواب أو العقاب المستحق لكل شخص وفقاً
لدينونة عادلة ومن غاية الوجود الإنساني.

لأن
الكثيرين، عندما يناقشون موضوع القيامة، قد أسندوا السبب كله إلى الجزء الثالث فقط
من المناقشة، معتبرين أن سبب القيامة هو الدينونة. ولكن خطأ ذلك يمكن توضحيه
تماماً، من حقيقة أنه مع كون جميع البشر الذين يموتون يقومون ثانية، لكن ليس جميع
من يقومون يدانون، لأنه لو كان الغرض من القيامة هو فقط الدينونة العادلة، فإنه يتبع
ذلك بالطبع أن الذين لم يفعلوا شراً أو خيراً – وبالذات الأطفال الصغار جداً –
فإنهم لا يقومون ثانياً، ولكن بالنظر إلى أن الجميع يقومون، فإن أولئك الذين ماتوا
في طفولتهم، مثلهم مثل الآخرين، يبررون ما خلصنا إليه من أن القيامة لا تتم لغرض
الدينونة كسبب رئيسي، ولكن كتابع لقصد الله في خلقه البشر، وطبيعة الكائنات التي
خلقت هكذا.

 

15
– مناقشة القيامة من زاوية طبيعة البشر

وعلى
الرغم من أن السبب المكتشف من أن خلق البشر هو بنفسه أمر كاف لإثبات أن القيامة
تتبع بتسلسل طبيعي تحلل الأجساد، لكنه ربما يكون من الصواب ألا نتردد في تقديم أي
من الحوادث المقترحة، بطريقة مقبولة مع ما سبق ذكره، لنوضح لأولئك الذين لم
يتمكنوا من إدراكها بأنفسهم للمناقشات عن أي من الحقائق المنبثقة من الحقائق
الأولية، أولاً وقبل كل شيء، طبيعة البشر المخلوقين، وهو ما يقودنا إلى نفس الفكرة
ولها نفس القوة والحجة على القيامة.

لأنه
إذا كانت الطبيعة الكلية للبشر هي عموماً مكونة من روح غير مائتة وجسم جعل مناسباً
لها عند الخلق، وإذا كان الله لم يحدد لأي من طبيعة الروح وحدها، ولا لطبيعة الجسد
بمفرده، خلقاً كهذا أو حياة كهذه وشوطاً كاملاً من الوجود كهذا، ولكن للبشر
المكونين من الاثنين، حتى أنه عندما يمران خلال وجودهما الحالي، يصلان إلى نهاية
مشتركة واحدة بنفس العناصر التي كون منها عند ميلادهما وخلال الحياة، فإنه لا مناص
أن يتبع ذلك، حيث أن كائناً حياً واحداً تكون من الاثنين، يمارس ممارسات الروح
وممارسات الجسد، يعمل ويؤدي ما تتطلبه أحكام الحواس والعقل، فلابد لمجموعة هذه
الأشياء بأكملها أن تعاد إلى نهاية واحدة حتى يمكن أن تلاقي في توافق واحد نفس
التجربة المشتركة، وذلك ككل، وبواسطة الكل وبالتحديد: خلق الإنسان، طبيعة الإنسان
ومعاناته، مشواره في الوجود والنهاية المناسبة لطبيعته.

ولكن
إذا كان هناك بعض التوافق والتجانس في التجربة الخاصة بالكائن ككل، سواء أكان بين
الأشياء التي تنبع من الروح أو تلك التي يقوم بها الجسد، فإن نهاية كل هذا يجب أن
تكون واحدة. والنهاية ستكون حتماً واحدة. إذا كان الكائن الذي ينتهي إلى هذه
النهاية يبقى بنفس التركيب، وأن الكائن سيكون ذات الشيء تماماً، إذا كانت جميع
الأشياء التي يتكون منها هذا الكائن هي نفسها. وسيكونون نفس الشيء في اتحادهم
الخاص بهم، إذا اتحدت مرة ثانية الأجزاء التي تحللت لتعيد تركيب هذا الكائن.

إن
تكوين نفس الأشخاص هو بالضرورة ما يثبت أن القيامة سوف تتبع الأجساد الميتة
والمتحللة، لأنه بدون هذا فلا يمكن للأجزاء نفسها أن تتحد وفقاً لطبيعة الواحد مع
الآخر، كما لا يمكن بطبيعة نفس الأشخاص أن يعاد تركيبها. وإذا كان كلا الفهم
والعقل قد أعطيا للإنسان حتى يفرق بين الأشياء التي يمكن إدراكها بالفهم ليس
بوجودها فقط، ولكن بإحسان وحكمة وعدل الله العاطى أيضاً، فإنه يتبع ذلك بالضرورة،
إنه لما كانت هذه الأشياء تستمر بالغرض الذي من أجله أعطي الحكم الصائب، فإن الحكم
الذي أعطي لهذه الأشياء يجب أن يستمر أيضاً. لكنه من المستحيل لهذا أن يستمر ما لم
تستمر الطبيعة التي تلقته والتي التحم بها. ولكن الذي تلقى كلا الفهم والعقل هو
الإنسان وليس الروح وحدها. وعلى ذلك، فإن الإنسان الذي يتكون من الجزئين يجب أن
يستمر إلى الأبد. ولكن من المحال عليه أن يستمر ما لم يقم مرة ثانية. لأنه إذا لم
تكن هناك قيامة، فإن طبيعة الإنسان كإنسان لن تستمر. وإذا لم تستمر طبيعة الإنسان،
فعبثاً كانت مواءمة الروح مع احتياجات الجسد واختياراته، عبثاً كان تقييد الجسد
حتى لا يتمكن من الحصول على ما يشتهيه، مطيعاً لأحكام الروح ومقودا بها كما لو كان
ملجماً.

عبثاً
كان الفهم، عبثاً كانت الحكمة، ومراعاة الاستقامة أو حتى مزاولة أية فضيلة وفرض
وتطبيق القوانين -مما يمكن أن يقال جميعه في كلمة: كل ما هو نبيل في الإنسان أو
لصالح الإنسان أو بالأحرى ذات خلق الإنسان وطبيعة الإنسان. ولكن إذا كان العبث
مستبعداً تماماً من جميع أعمال الله. ومن جميع العطايا التي وهبها لنا، فإن
النتيجة حتمية، وهي أنه مع البقاء اللانهائي للروح، فإن هناك استمراراً أبدياً
للجسد وفقاً لطبيعته الذاتية.

 

16
– تشبيه الموت بالنوم والمناقشة الناجمة عن ذلك بالنسبة للقيامة

ولن
ندع أحداً يظن أنه أمر غريب أننا عندما نقول كلمة حياة فإننا نعني أنها استمرارية
للوجود يعترضها الموت أو الفساد، ولكن عليه أن يقدر أن هذه الكلمة ليس لها معنى
واحد فقط، كما أنه ليس هناك مقياس واحد للاستمرارية، حيث أن طبيعة الأشياء التي
لها استمرارية ليس واحدة.

إنه
لو كان كل واحد من الأشياء التي تستمر، تستمد استمراريتها من طبيعتها الخاصة بها.
فإننا لن نجد استمرارية، مثال استمراريتنا في أي حالة من تلك الكائنات الخالدة
والتي لا تفسد، لأن طبيعة الكائنات الأعلى منزلة لا تكون في نفس مستوى الأقل
منزلة، كما أنه لا يجوز بالنسبة للإنسان أن ينظر لاستمرارية ثابتة لا تتغير، كما
بالنسبة للكائنات التي خلقت منذ البداية، خالدة وتستمر في البقاء بلا نهاية وذلك
بالإرادة الخالصة لله الخالق. إن الإنسان فيما يتعلق بالروح كان لديه منذ نشأته
الأولى استمرارية ثابتة، ولكن فيما يتعلق بالجسد فإنه يكتسب الخلود عن طريق
التغيير. هذا هو ما نعنيه بتعليم القيامة، وعند تأمل هذا فإننا ننتظر تحلل الجسم
كنتيجة لحياة الاحتياج والفساد، ثم بعد ذلك نأمل في استمرارية مع الخلود دون أن
نضع أياً من موتانا في نفس مستوى موت الحيوانات الغير عاقلة أو نضع استمرارية
الإنسان مع استمرارية الخالدين، إلا إذا كنا، دون قصد، نضع بهذه الطريقة الطبيعة
الإنسانية والحياة في نفس المستوى مع أشياء ليس من الصواب مقارنة بعضها بالبعض.
ولذا فإنه إذا بدا أن هناك بعض عدم المساواة (عدم الانتظام) فيما يختص ببقاء
الإنسان فإن ذلك لا يجب أن يثير عدم الرضا، ولا يسبب انفصال الروح عن أعضاء الجسم
وتحلل أجزائه الذي يعترض استمرار الحياة، وأنه يجب علينا أن نفقد الأمل في
القيامة. إذ أنه بالرغم من استرخاء الحواس والقوة البدنية الذي يحدث بطريقة طبيعية
أثناء النوم، وكأنه يعترض الحياة الحسية، عندما ينام الإنسان على فترات منتظمة من
الوقت، ثم يقوم ويعود ثانية إلى الحياة، لكننا لا نرفض أن نسميها حياة، ولهذا
السبب فإنني أعتقد أن البعض يسمون النوم “شقيق الموت”، ليس على أنهم
استمدوا أصولهم من نفس جدودهم وآبائهم، ولكن لأن أولئك الذين يموتون مثل الذين
ينامون يتعرضون لحالات متشابهة، على الأقل بالنسبة إلى السكون وغياب جميع الحواس
عن الحاضر والماضى أو بالأحرى عن الوجود نفسه وحياتهم ذاتها.

لذا
فإننا إذا كنا لا نرفض أن ندعو “حياة ” حياة الإنسان المليئه بمثل عدم
الانتظام هذا، من الميلاد إلى التحلل، والتي تعترضها كل هذه الأشياء التي ذكرناها
سابقاً، فيجب علينا ألا نفقد الأمل في الحياة التي تلي التحلل، تلك التي تشمل
القيامة، رغم أن انفصال الروح عن الجسد يعترضها في وقت ما.

 

17
– إن سلسلة التغيرات التي يمكن أن نلاحظها الآن في البشر تجعل القيامة ممكنة

لما
كانت طبيعة البشر التي حدد لها عدم تساو (عدم انتظام) منذ البداية، ووفقاً لغرض
خالقها، لها حياة واستمرارية غير منتظمة، متقطعة في وقت ما بالنوم وفي وقت آخر
بالموت وبالتغيرات التي تحدث لكل فترة من الحياة، في حين أن أولئك الذين يتبعون
الأول لا يرون بوضوح سلفاً.

هل
يمكن لأحد أن يصدق، ما لم يتعلم بالتجربة، أن في البذرة اللينة المتشابهة في جميع
أجزائها نوع مثل هذه الأنواع والأعداد من القوى الكبيرة أو من المقادير، التي تقوم
بهذه الطريقة وتتقوى، أعني من عظام وأعصاب وغضاريف وأيضاً عضلات ولحم وأمعاء وباقي
أجزاء الجسم؟ لأنه ليس في البذرة المنداه يوجد بعد أي شيء من هذه الأنواع بحيث
يرى، كما أنه لا تبدو هذه الأشياء عند الأطفال مما يختص بها اليافعون ولا في وقت
النضوج ما يختص به من فاتوا ربيعهم، ولا في هؤلاء ما يتعلق بمن بلغوا الكبر، ولكن
رغم أن بعض الأشياء التي ذكرتها لا تبين أو تبين بطريقة ضعيفة، التسلسل الطبيعي
والتغييرات التي تحدث لطبيعة البشر، إلا أن جميع من لم يفقدوا البصيره في حكمهم
على هذه الأمور عن طريق الرذيلة أو البلادة، يعلمون أنه يجب أولاً أن توضع البذرة
وأنه بعد الترتيب الكامل بالنسبة لكل عضو وجزء ثم يأتى النسل إلى الضوء، هناك يبدأ
النمو الخاص بالفترة الأولى من الحياة. والنضوج الذي يتعهد النمو، ثم بعد النضوج
يبدأ التراخي في القوى الجسدية حتى كبر السن، ثم عندما يبلى الجسم يتحلل.

وعلى
ذلك، فإنه بالنسبة لهذا الموضوع، ورغم أن البذرة لم ينقش على سطحها لا تكوين ولا
حياة الإنسان، كما أن الحياة لم تنقش التحلل إلى العناصر الأولية، فإن تتابع
الأحداث الطبيعية تجعل من الأشياء التي لا يمكن تصديقها من الظواهر نفسها، تجعل
منها أموراً قابلة للتصديق، وأكثر من ذلك بفعل التأمل، عند متابعة الحق من التسلسل
الطبيعي فإنه يعطي أساساً للإيمان بالقيامة، إذ أنه أكثر تسلماً وأقوى من اختبار
إثبات الحق.

 

18
– الدينونة يجب أن تشير إلى كل من الروح والجسد، لذا ستكون هناك قيامة

إن
المناقشات التي عرضتها لتوي للاختبار، لإثبات حقيقة القيامة، هي جميعها من نفس
النوع، إذ أنها جميعاً تبدأ من نفس النقطة، لأن نقطة بدايتها هي أصل الإنسان الأول
عن طريق الخلق: ولكن بينما يستمد بعضها قوته من قوة البداية نفسها والتي منها
يأخذون تقدمهم، فإن البعض الآخر تبعاً لطبيعة وحياة الإنسان، يكتسبون مصداقيتهم من
عناية الله بنا، بالسبب الذي من أجله وبسببه جاء البشر إلى الوجود، وبكونه يتصل
اتصالاً وثيقاً بطبيعة البشر، فإنه يستمد قوته من الخلق ولكن المناقشة من زاوية
العدالة، التي تصور الله وكأنه يحكم على الناس وفقاً للطريقة التي عاشوا بها خيراً
أو شراً، فإنها تستمد قوتها من غاية وجودهم: لقد جاءوا إلى الوجود على الأساس
السابق ولكن حالتهم تعتمد بالأكثر على عناية الله.

والآن
بعد أن أوضحت، على قدر طاقتي، الأمور التي يجب أن تأتي أولاً، يتبقى أن نبرهن على
اقتراحنا عن تلك التي تأتي بعدها – أعني عن الثواب والعقاب الذي ينتظر كل فرد
وفقاً للدينونة العادلة، وبالسبب النهائي للوجود البشري، ومن هذه فإنني أضع في
المقدمة تلك التي تأخذ القيادة بالطبيعة، وأسأل أولاً في الحجة المتعلقة
بالدينونة:

مفترضاً
فقط شيئاً واحداً، من جهة المبدأ الذي يتعلق بالأمور التي أمامنا، وبالنسبة
للترتيب، فإنه يتحتم على أولئك الذين يعترفون بأن الله هو صانع هذا العالم أن
يعزوا إلى حكمة الله وعدله الحفاظ والعناية بكل ما خلق، إذا أرادوا التمسك
بمبادئهم، ولكن إذا كان كل من هذه الأشياء يتعلق بالإنسان بالطبيعة، وأنه يحتاج
إلى طعام لحياته، ويقوم بالإنجاب لاستمرارية النوع، ويحتاج إلى حكم حتى يكون
الطعام والإنجاب وفقاً لقانون، فإنه من الطبيعي أن يتبع ذلك، أنه نظراً لأن الطعام
والإنجاب يسيران إلى بعضهما معاً، فإن الحكم يجب أن يشير إليهما أيضاً (بعبارة
“بعضهما معاً” فإنني أعني الإنسان المكون من روح وجسد) وأن مثل هذا
الإنسان يصبح مسئولاً عن جميع أعماله، ويتلقى عنها إما الثواب أو العقاب.

والآن
إذا كانت الدينونة العادلة تحكم على كليهما معاً بجزائهما عن الأعمال التي اقترفت،
وإذا لم يكن من العدل أن تتلقى الروح وحدها أجر ما اقترفته وهي على اتحاد مع الجسد
(لأن هذا وحده لا يمت إلى الأخطاء التي اقترفت والتي تتعلق بلذة أو طعام أو تهذيب
للجسد)، أو أنه يجب أن يتلقاها الجسد وحده (لأن هذا بنفسه غير قادر على تمييز
القانون العادل)، ولكن الإنسان، المكون منهما، هو المعرض للدينونة عن كل عمل
اقترفه، وإذا كان الفكر لا يجد أن هذا يحدث لا في هذه الحياة (لأن الجزاء وفقاً
للعمل لا يحدث في الحياة الحالية، إذ أن العديد ممن ينكرون وجود الله ومن الأشخاص
الذين يقترفون كل شر وخبث يعيشون حتى النهاية، دون أن يعتريهم أي أمر رديء، في حين
أنه بالعكس من ذلك فإن أولئك الذين عاشوا بجلاء حياة مثالية بالنسبة إلى كل فضيلة،
يعيشون في ألم، في هوان، في وشاية، في إساءة وألم من جميع الأنواع) أو بعد الموت.
(لأنهما لا يبقيان معاً بعد، الروح وقد انفصل عن الجسد والجسم نفسه قد تحلل ثانية
إلى المواد التي ركب منها، ولا يحتفظ بعد بأي من تركيبه أو تشكيله السابق، وبدرجة
أقوى كثيراً فإنه لن يتذكر أفعاله).

فإن
نتيجة ذلك واضحة جداً لكل فرد، أعني، أنه في لغة الرسول “لأن هذا الفاسد،
لابد أن يلبس عدم فساد…، حتى أن الذين ماتوا، عند إعادتهم للحياة بالقيامة،
والأجزاء التي كانت قد اقترفت وتحللت تماماً، قد اتحدت مرة ثانية، فإن كل واحد
منها، يمكنه وفقاً للعدالة، أن يتلقى ما فعله كجسم، سواء أكان خيراً أم شراً.

 

19
– وضع الإنسان يكون أقل ملاءمة من الحيوان إذا لم تكن هناك قيامة

لذا،
فإنه للإجابة على أولئك الذين يعترفون بعناية إلهية، ويقرون نفس المبادئ مثلنا،
ولكنهم بطريقة ما يبتعدون عن افتراضاتهم، فإنه يمكن للمرء أن يستعمل بعض الأفكار
مثل تلك التي ذكرت، والكثير غيرها لو أنه كان مستعداً لتقوية ما قيل، فقط بإيجاز
وبطريقة سريعة.

ولكن
عند التعامل مع أولئك الذين يختلفون معنا فيما يتعلق بالحقائق الأولية، فربما يكون
من الأحسن أن نفرض مبدأ آخر سابقاً على هذه، منضماً إليهم في الشك في الأمور التي
تتعلق بآرائهم، ونفحص الأمر معهم بهذه الطريقة، عما إذا كانت حياة البشر ونمط
وجودهم بالكامل، قد أهمل وأن نوعاً من الظلام الدامس قد سكب على الأرض، مخفياً في
جهل وسكون كلا من الناس وأعمالهم، أو أنه أكثر أماناً أن نكون من الرأي القائل بأن
الله الخالق يشرف على الأشياء التي صنعها هو بنفسه، ملاحظاً كل الأشياء الموجودة
مهما كانت، أو التي تأتى إلى الوجود، الرب الذي يحكم على كل من الأعمال والمقاصد.

لأنه
إذا لم تكن هناك أحكام أياً كانت تصدر على أفعال البشر، فلن يكون هناك فضل للبشر
عن الكائنات غير العاقلة، ولكن بالأصح كانت تسير بطريقة أسوأ، بقدر ما يمكنهم
إبقاء شهواتهم مكبوحة ويشغلون أنفسهم بالتقوى، والبر والفضائل الأخرى.

وتكون
الحياة المشابهة لأسلوب الوحوش هي الأفضل، الفضيلة تكون عبثاً، التهديد بالدينونة
موضوع مزاح واسع، الانهماك في كل نوع من أنواع البهجة هو أكبر خير، والحل المشترك
لكل هذه وقانونهم الواحد هو مبدأهم، عزيز جداً على المتطرف والفاجر “دعنا
نأكل ونشرب لأننا غداً نموت”. لأن نهاية مثل هذه الحياة لن تكون مبهجة، كما
يعتقد البعض ولكن مجرد جمود. ولكن إذا كان الله صانع البشر يبدي أي اهتمام نحو
أعماله وهو أن التمييز يوجد في مكان ما بين أولئك الذين عاشوا عيشة حسنة والذين
عاشوا عيشة سيئة، الذين ساروا في حياة الفضيلة أو الرذيلة، فلابد أن نكون في
الحياة الحالية، بينما البشر لازالوا أحياء أو بعد الموت عندما يكون البشر في حالة
انفصال وتحلل.

ولكن
بالنسبة إلى أي من هذه الافتراضات لا نرى حدوث دينونة عادلة، لأنه لا يحدث لأي من
الصالح في الحياة الحالية أن يحصل على جزاء الفضيلة، ولا الشرير ينال عقاب
الرذيلة. ولن أتجاوز هذه الحقيقة، وهي أنه طالما أننا نحتفظ بطبيعتنا الحالية، فإن
الطبيعة الأخلاقية لا يمكنها أن تتحمل عقاباً يتساوى مع الأخطاء كثيرة العدد أو
شديدة الخطورة.

لأن
السارق أو الحاكم أو الطاغية الذي أرسل بدون وجه حق، ربوات وربوات إلى موت لا
يمكنه بموت واحد أن يرجع هذه الأفعال، كما أن الرجل الذي لا يعتقد اعتقاداً صادقاً
بالله، بل يعيش في انتهاك وكفر، يحتقر الأمور الإلهية، يكسر القوانين، ويقترف
الإثم مع الأولاد والنساء على السواء، يقوض المدن دون وجه حق، يحرق البيوت مع
ساكنيها ويدمر بلداً وفي نفس الوقت يفني سكان المدن، كيف يمكن لجسد مصيره الموت أن
يتحمل عقاباً يتناسب مع هذه الجرائم، حيث أن الموت يمنع العقاب المستحق، كما أن
طبيعة من هم إلى موت لا تكفي لأي واحد من هذه الأفعال؟ ولذا، فقد ثبت أنه لا يوجد
حكم يتناسب مع أعمال الإنسان لا في هذه الحياة الحالية ولا بعد الموت.

 

20
– يجب أن يكون الإنسان مكوناً من جسد وروح حتى يكون الحكم الذي يوقع عليه عادلاً

فإنه
أما أن يكون الموت هو الخمود الكامل للحياة، بأن تتحلل الروح وتفسد مع الجسد أو أن
تبقى الروح بنفسها، غير قادرة على التحلل والتشتت والفساد، في حين يفسد الجسد
ويتحلل، غير محتفظ بأي ذكرى للأفعال السابقة أو بأي إحساس لما اختبره عند ارتباطه
بالروح.

فإذا
كانت حياة البشر تخمد نهائياً، فإنه من الواضح أنه لن يكون هناك اهتمام للبشر غير
العائشين، لا دينونة لأولئك الذين عاشوا في فضيلة أو في رذيلة، ولكن هنا سوف يقتحم
علينا ثانياً كل ما يتعلق بحياة بلا قانون وحشد السخافات الذي يتبع ذلك وهذا هو
قمة الإلحاد الذي بلا قانون.

ولكن
إذا كان الجسم سيفسد ويتغير كل جزء متحلل إلى العنصر المشابه له، على أن تبقى
الروح نفسها خالدة فإنه ولا حتى على هذا الفرض ستجرى دينونة للروح، إذ يكون هناك
عدم عدالة: لكنه ليس من الصواب أن نتوقع أي دينونة ممكن أن تصدر عن الله أو من
الله وهي تفتقر إلى العدل.

ومع
ذلك فالحكم لن يكون عادلاً، إذ لم يكن الكائن الذي مارس الصلاح أو لم يلتزم
بالقانون، محفوظاً في الوجود!! لأن الذي مارس كل واحدة من هذه الأفعال في الحياة
والتي يدان عليها، هو الإنسان، وليست الروح بمفردها.

ولتلخيص
كل هذا في كلمة، فإن هذه الفكرة لا تنطوي بأية حال من الأحوال على العدالة.

 

21
– استمرار المناقشة

لأنه
إذا كانت الأعمال. الجيدة ستكافأ، فإنه سيكون هناك خطأ في حق الجسد، فإنه بقدر ما
شارك الروح في كدحها المرتبط بحسناتها، فإنه لا يشارك في مكافأة الأعمال الجيدة
ولأنه بالرغم من أن الروح كثيراً ما يسامح على الأرض، من أخطاء معينه لاحتياجات
الجسد وطلباته، فإن الجسم نفسه يحرم من أي نصيب في الأعمال الحسنة التي تمت رغم
الكد الذي تسببت فيه هذه الأعمال والتي ساعد الجسم على تحملها أثناء الحياة. كما
أنه أيضاً، لو أن الذنوب أدينت، فإن الروح لم تعامل معاملة عادلة، ونتركها وحدها
لتدفع العقوبة عن الأخطاء التي اقترفت وهي متحدة مع الجسد والتي استدرجت إليها عن
طريق شهوة الجسد ورغبته، أحيانا ممسك بها ومحمولة، وفي مرة ثانية مجذوبة بطريقة
عنيفة جداً، ومرة ثالثة متفقة مع الجسد عن طريق الشفقة والاهتمام بالحفاظ عليه.

كيف
يمكن أن يكون ذلك سوى عدم عدالة أن تدان الروح وحدها عن أشياء هي لا تشعر قِبَلها
وفقاً لطبيعتها بأية شهية، أي تحرك، أي دافع مثل التهور أو العنف أو الجشع أو
الظلم أو الأعمال الخاطئة التي تنتج من هذه؟ لأنه إذا كانت أغلبية مثل هذه الشرور
يقترفها رجال ليست لديهم قدرة على التحكم في الشهوات التي تغريهم، وتغريهم
احتياجات ومطالب الجسد، والعناية والاهتمام به (لأن هذه هي الدوافع وراء كل تملك
لصفة وخاصة استعمالها، وأيضاً الزواج وجميع أعمال الحياة، التي بهذه الأشياء
وبالعلاقة بها، يرى ما هو خطأ وما هو ليس كذلك)، كيف يمكن أن يكون عدلاً أن تدان
الروح وحدها عن هذه الأشياء، التي كان الجسم هو أول من يحس بها والذي يجر الروح
إلى التعاطف والمشاركة في أعمال بالنظر إلى أشياء يحتاجها الجسد، وأن الشهوات
والمسرات، وعلاوة على ذلك المخاوف والأحزان، التي إذا زاد أي منها عن الحد يكون
خاضعاً للدينونة، يجب أن توضع في حركة بواسطة الجسم، ورغم ذلك فإن الخطايا التي
تنتج عن ذلك والعقوبات على هذه الخطايا المقترفة، يجب أن تقع على الروح بمفردها،
التي لا تحتاج إلى شيء من هذا القبيل من رغبات أو مخاوف أو معاناة أو أي شيء من
تلك الأشياء التي اعتاد الإنسان على مكابدتها؟ ولكن حتى إذا تمسكنا بأن هذه
العواطف لا تختص بالجسد وحده، بل للإنسان، الذي إذا قلناه فيجب أن يكون قولاً
صحيحاً، لأن حياة الإنسان واحدة، رغم أنها مكونه من الاثنين، ورغم ذلك فإننا
يقيناً لا يمكن أن نؤكد أن هذه الأشياء تنتمى إلى الروح، إذا نظرنا ببساطة إلى
طبيعتها الخاصة.

لأنها
قطعاً ليست في حاجة إلى طعام، ولا يمكن أن تكون راغبة في تلك الأشياء التي لا
تحتاج إليها بالمرة من أجل بقائها، كما لا يمكن أن تشعر بأي دافع من تلك الأشياء
التي هي غير معدة لاستعمالها، ولا أيضاً يمكن أن تظلم باحتياجها للنقود أو أية
ممتلكات، إذ أن هذه لا تتفق معها. وإذ كانت أيضاً، غير معرضة للفساد، فإنها لا
تخشى شيئاً أياً كان إذا كان مدمراً بذاته، ليس لديها خوف من الجوع أو المرض أو
العطب أو من النار أو من السيف، حيث إنها لا تقاسي أي أذى أو ألم من هذه، لأنه لا
الأجسام ولا القوى الجسمانية تمسها بأي سوء. ولكن إذا كان لغواً أن نلصق الأهواء
بالروح، كأنها منتسبة إليها خاصة، فإن ذلك يكون أعظم درجات الظلم ومما لا يتفق مع
حكم الله، أن نلقي على الروح وحدها الخطايا التي تنبع منها والعقاب الذي يستتبع
ذلك.

 

22
– استمرار المناقشة

علاوة
على ما ذكر، أليس من العبث. أنه بينما لا يمكننا حتى أن نأخذ بفكرة أن الفضيلة
والرذيلة موجودتان منفصلتان في الروح (لأننا نعترف بأن الفضيلة “هي
فضيلة” الإنسان وبأسلوب مماثل فإن الرذيلة المضادة لها، لا تنتسب إلى الروح
منفصلة عن الجسد وموجودة بنفسها) فكيف نجعل ما ينتج عنها من ثواب أو عقاب، واقعاً
على النفس وحدها؟ كيف يمكن لأي إنسان حتى أن تكون لديه الفكرة بأن الشجاعة أو
الجلد موجود في الروح وحدها نظراً لأنها لا تخشى الموت أو الجراح أو الجوع أو
الخسارة أو سوء المعاملة أو الألم من أي من هذه أو المعاناة التي تنتج عنها؟

وماذا
نقول عن ضبط النفس والاعتدال عندما لا تكون هناك رغبة تستميلها إلى الطعام أو
المخالطة الجنسية، أو أية مسرات أو متع أو أي شيء آخر يغريها من الداخل أو يثيرها
من الخارج؟

ثم
ماذا عن الحكمة العملية، عندما لا يقترح عليها أشياء يمكن أو لا يمكن أن تنفذ، أو
أشياء للاختيار أو لنتحاشاها، أو عندما لا يكون لديها أية حركة أو دافع طبيعي لعمل
أي شيء؟ وكيف يمكن بأي معنى أن تكون العدالة هي إحدى خواص الأرواح، إما بين
الواحدة والأخرى أو لأي شيء آخر، سواء كانت من نفس النوع أو من أنواع مختلفة، حيث
أنها غير قادرة من أي مصدر أو بأية طريقة أن ترتب ما هو متساو حسب الأهلية أو
التشابه، باستثناء الكرامة المرجعة إلى الله.

علاوة
على ذلك، ليس لديها أي باعث أو حركة نحو استعمال حاجتها الخاصة بها أو الإمساك عن
تلك التي للآخرين، حيث أن استعمال هذه الأشياء التي وفقاً للطبيعة، أو الإمساك
عنها، يعتبر، بالنسبة لأولئك الذين عينوا هكذا لاستعمالها، في حين أن الروح ليست
في حاجة إلى أي من هذه الأشياء أو أنها نصبت لتستعمل أية أشياء أو أي شيء واحد،
وعلى ذلك فإن ما يسمى بالإجراء المستقبلي للأجزاء لا يمكن أن يوجد في الروح
المشكلة هكذا.

 

23
– استمرار المناقشة

لكن
أكثر الأشياء لا منطقية هو: أن تسن قوانين مشروعة بطريقة صحيحة لتطبيقها على
البشر، ثم تحدد على أرواحهم فقط تلقى الجزاء على أعمالهم الموافقة أو المخالفة
للقانون.

لأنه
كما كان الذي تلقى القوانين يجب كما يقضي العدل أن يتلقى الجزاء على انتهاك
القوانين، وإذا كان الإنسان هو الذي يلقي القوانين، وليست الروح وحدها، فيجب على
الإنسان إذاً أن يتحمل الجزاء على الآثام التي ارتُكبت وليس الروح وحده، وحيث أن
الله لم يحتم على الأرواح أن تمسك عن الأشياء التي لا علاقة لها بها، مثل الزنا
والقتل والسرقة والنهب وإهانة الوالدين وعموماً أي رغبة قد تؤدي إلى الإضرار
بجيراننا أو خسارتهم، لأنه لا الوصية “أكرم أباك وأمك” وضعت لتطبق على
الأرواح فقط، لأن مثل هذه الأسماء لا تنطبق عليها، لأن الأرواح لا تلد أرواحاً حتى
يمكنها أن تسمى أباً أو أماً، ولكن الرجال ينجبون رجالاً، كذلك فإن الوصية
“لا تزني”، لا يمكن أن توجه بصواب إلى الأرواح أو حتى مجرد التفكير بهذه
الطريقة، لأن الفرق بين الذكر والأنثى لا وجود له بينها.

كما
أنه لا يوجد بينها استعداد لاختلاط جنسى ولا اشتهاء له، حيث لا اشتهاء لا يكون
اختلاط بالمرة، وحيث لا يوجد اختلاط بالمرة، لا يمكن أن يكون هناك اختلاط شرعي
وبالذات زواج، وحيث لا يوجد اختلاط قانوني كما أنه لا يمكن أن يكون هناك اشتهاء
غير قانوني له أو اشتهاء الاختلاط الجنسي بزوجة رجل آخر، وهو ما يسمى بالزنا.

كذلك،
أيضاً، تحريم السرقة، أو الرغبة في تملك أكثر، لا ينطبق على الأرواح، لأنها لا
تحتاج لهذه الأشياء، وعن طريق الحاجة إليها، بسبب العوز الطبيعي أو الحاجة، فقد
اعتاد الناس على سرقة أو نهب الأشياء مثل الذهب أو الفضة أو حيوان أو أشياء أخرى
تصلح طعاماً أو مأوى أو لأي استعمال، لأن طبيعتها خالدة فإن كل ما يشتهيه المحتاج
لا قيمة له لديها البتة.

ولكن
لندع المناقشة الكاملة لهذه الأمور ولنتركها لأولئك الذين يرغبون في بحث كل نقطة
بدقة أكبر أو الذين يجادلون معارضيهم بطريقة أكثر حماساً. ولكن، حيث أن ما قيل
تواً، وما يتفق معه لضمان القيامة يكفينا، فإنه لا يعتبر وقتاً مناسباً أن نمعن
النظر فيها أطول من ذلك، إذ أنه لم يكن من أغراضنا أن نغفل شيئا من الممكن ذكره
ولكن أن نوضح بإيجاز لأولئك الذين جمعوا ما يمكن أن يفكر فيه مما يتعلق بالقيامة،
وأن نوائم إلى الأحياء الحاليين المناقشات التي تدور حول هذا السؤال.

 

24
– مناقشة القيامة من ناحية الغاية الرئيسية لدى الإنسان

بعد
أن ناقشنا إلى حد ما النقاط المطروحة للبحث، يبقى أن نختبر المناقشة من نقطة
الغاية أو الغرض الأصلي (الهدف الحقيقي)، والذي لا شك أنه قد ظهر فيما ذكر، ولكنه
يحتاج فقط إلى عناية كبيرة ومناقشة أطول مما يمكننا من تحاشي الظهور بترك أي من
الأمور وكأنها بحثت باقتضاب، وبذا نسبب ضرراً، بطريق غير مباشر، للموضوع أو الجزء
من البحث الذي تم منذ البداية.

لذا
فإنه من أجل الجيل الحاضر، ولآخرين ممن قد يبدون اهتماماً بهذا الموضوع، فقد يكون
من الأصوب تماماً أن نوضح أن أياً من تلك الأشياء التي كونتها الطبيعة، ومن تلك
الأشياء التي صنعت بفن، يجب أن تكون لها غاية خاصة بها، كما تعلمنا حقاً بالإدراك
العام لدى جميع الناس ونقرر بالأشياء التي تمر أمام أعيننا. ألا نرى أن للزارع
غاية وللطبيب غاية أخرى، وأيضاً الأشياء التي تنبت من الأرض لها غاية مختلفة، وكذا
الحيوانات التي نقتات عليها والتي جبلت وفقاً لسلسلة طبيعية معينة، غاية مختلفة؟

إذا
كان هذا واضحاً وطبيعياً إن القوى الطبيعية والأفعال الناتجة عنها، يجب أن تنتهي
إلى غاية تتفق مع طبيعتها، فإنه من الضروري حتماً أن غاية الإنسان، وهو ذو الطبيعة
الخاصة، يجب أن تكون منفصلة عن مجموع الباقين، لأنه ليس منطقياً أن نفترض غاية
متماثلة لكائنات محرومة من الفكر المنطقي تلك التي تنتظم أعمالها تحت القانون
الفطري أو لسبب، وبين كائنات تعيش حياة عاقلة وتراعي العدالة.

لذا
فإن التحرر من الألم لا يمكن أن يكون الغاية الصحيحة للأخيرة، لأنه بهذا يتساوى مع
مخلوقات خالية من الشعور، كما أنه لا يشمل على ما يمتع الجسد عن طريق الأشياء التي
تنعشه أو تبهجه، أو في وفرة المسرات، بمعنى آخر حياة تشبه حياة الوحوش يجب أن تأخذ
المكانة الأولى بينما المنضبطة بالفضيلة ليس لها هدف نهائي. لذا فإننى أعتقد، أن
غاية كهذه تكون خليقة بالوحوش والماشية ولكنها لا تليق للبشر الذين لديهم روح
خالدة وحكم عقلي.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى