علم

عقيدة التثليث



عقيدة التثليث

عقيدة
التثليث

للقديس
اثناسيوس الرسولى

 

الهنا
يسوع المسيح غير محدود

أن
للآب أقنوما متميزاً والإبن أقنوما متميزاً، والروح القدس أقنوما متميزا كذلك.
ولكن الآب والإبن والروح القدس لاهوت واحد، ومجد متساوي، وجلال أبدي، الآب غير
محدود والإبن غير محدود، والروح القدس غير محدود، لكن ليسوا ثلاث آلهة غير
محدودين”.

القديس
أثناسيوس الرسولي

 

تعتبر
عقيدة التثليث المسيحي من العقائد الحياتية الهامة في حياة المسيحي، فلا يستطيع
الإنسان المسيحي أن يحيا دون الإيمان بالثالوث القدوس، وعمله في حياة الإنسان.

وقبل
أن نبدأ الخوض في الحديث عن هذه العقيدة الهامة

نذكر
هذه القصة الشهيرة عن القديس أغسطينوس (354 – 430م) أسقف هيبو:

“أنه
وبينما كان سائراً على شاطئ البحر، وكان يفكر في إعداد كتابه عن الثالوث القدوس،

رأى
طفلا صغيراً يحمل ماء من البحر ويصبه في حفرة صغيرة على الشاطئ كان قد حفرها بنفسه،
وحينما سأله القديس:

 

ماذا
تفعل يا بني؟

أجابه
إنني أقوم بإفراغ البحر في هذه الحفرة.

فسأله
القديس وكيف تسع حفرتك الصغيرة هذا البحر الواسع؟

 

أجابه
الطفل – وكان ملاكاً من الله – وأنت كيف تستوعب عقيدة الثالوث القدوس بعقلك البشري
المحدود؟

وهذا
حق فإننا لو استطعنا احتواء الله بالكامل في عقولنا المحدودة لكان الله محدوداً،
وحاشا لله أن يكون محدوداً.

ولكننا
لا يجب أن ننزعج من هذه الحقيقة، حقيقة صغر عقولنا وضعف فهمنا أمام حقيقة الثالوث
القدوس

لأن
الله أعلن لنا هذه الحقيقة بوضوح في الكتاب المقدس، وحينما نقبل هذه الحقيقة
بالإيمان، نجد أن عقولنا ستجد راحة كاملة في الاقتناع بهذا الإعلان

ونجد
إنه من المستحيل الإيمان بشيء آخر سوى الإله الواحد المثلث الأقانيم.

أولاً:
المسيحية هي ديانة التوحيد

أكد
العهد الجديد في كثير من المواضع على وحدانية الله مثل:

1.
قول السيد المسيح: ” إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب
واحد” (مر 12: 29).

2.
” لأن الله واحد” (رومية 3: 30).

3.
” أنت تؤمن أن الله واحد حسنا تفعل” (يعقوب 2: 19).

4.
وفي رسالة أفسس: ” إله وآب واحد” (4: 6).

 

وفي
قانون الإيمان نقول: ” بالحقيقة نؤمن بإله واحد”.

ونستطيع
أن نورد مئات الأدلة من الكتاب والتاريخ والمجامع التي تؤكد على هذه الحقيقة أن
المسيحية هي ديانة التوحيد.

 

ثانياً:
ضرورة الإيمان بالثالوث المقدس

من
الضروري والهام جداً أن نؤمن بعقيدة الثالوث القدوس لهذه الأسباب:

1.
لأن الله محبة، هو المحبة في أعلى صورها، وهذه المحبة تعود إلى كينونته فهو يمارس
الحب منذ الأزل وإلى الأبد، ولا يمكن أن تكون هذه الصفة قد أضيفت إليه في وقت من
الأوقات، و إلا فإنه يكون قد تغير – وحاشا لله أن يتغير.

ولابد
لكي يمارس أحد الحب أن يكون هناك محبوب، ولذا فالسؤال هو يا ترى من الذي كان يحبه
الله قبل خلق الإنسان والعالم والخليقة؟ هل يوجد أزلي آخر غير الله، حاشا؟

ولذا
لابد أن يكون هذا الحب موجها إلى أقنوم آخر في جوهره الواحد، ولذا نستطيع أن نقول
أن الله مكتفي بذاته من خلال أقانيمه فأقنوم الآب يحب اقنوم الإبن والإبن محبوب من
الآب وهكذا …

 

2.
نستطيع أن نكتشف بدقه أن الله خلق آدم على صورته ومثاله، ونحن نرى آدم إنساناً
يحيا حياة الشركة مع الآخر، وقد استمد آدم هذه القدرة من الله، فكيف يهب الشيء من
لا يملكه؟،

وعليه
لابد أن يكون لله نفس القدرة وإلا فإن آدم يكون قد أكتسب شيئاً غير موجوداً في
كمالات الله – وحاشا لله أن يكون ناقصاً – ولا يمكن أن يكون الله مشاركاً إلا من
خلال الأقانيم فهي مكتفية بذاتها كل منها يقدم ذاته بالكلية للأقنومين الآخرين في
جوهر الله الواحد، ولا تحتاج لآخر من خارج الجوهر الإلهي،

و
من يرفض الإقانيم لابد أن يقر بأن الله كان بحاجة للبشر أو العالم لكي يشاركهم
محبته أو شركته – وحاشا لله أن يكون بحاجة لآخر.

 

3.
لأن عقيدة التجسد والكفارة تعتمدان بصورة أساسية على الثالوث، فنحن نؤمن بأن
الكلمة (أقنوم الابن) صار جسداً (يوحنا 1: 14)، لأننا ونحن بعد خطاة مات المسيح
لأجلنا (رومية 5: ، وتفقد هاتان العقيدتان قوتهما لو لم يكن الفادي هو الله ذاته
لأسباب نذكرها حينما نتحدث عن ضرورة الفداء.

 

4.
لأن الكتاب المقدس، الموحى به من الله يؤكد على هذه العقيدة بقوة من خلال عهديه
القديم والجديد وسنذكر ذلك بالتفصيل..

ولهذه
الأسباب ينبغي لنا أن نؤمن بأن الله واحد في جوهره مثلث في أقانيمه.

 

ثالثاً:
ما معنى كلمة اقنوم؟

كلمة
أقنوم كلمة سريانية معناها ” الذات المتميزة غير المنفصلة” وهي
باليونانية ” هيبوستاسيس “ وهي تحمل المعنى الحقيقي للتمايز بين اقانيم
اللاهوت، وهي الاصطلاح الذي يطلق على كل من الآب والإبن و الروح القدس.

ويخطئ
من يظن أن الأقانيم الثلاثة مجرد صفات أو ألقاب عادية لأننا نرى الاقنوم الواحد
يكلم الآخر ويتحدث عن نفسه، ويرسل الواحد منها الآخر، وهكذا … وبديهي أن الصفات
أو الألقاب العادية لا يمكن أن يخاطب بعضها أو أن يتكلم أحدها عن الآخر.

وهذه
الأقانيم ثلاثة في وحدة جوهرية خاصة بكيان الله،

فهو
واحد في جوهره مثلث في أقانيمه.

وكل
أقنوم يدعى الله، فالآب يدعى الله كما يقول الكتاب (يع 1: 27)، والابن يدعى الله (تي
3: 16)، والروح القدس يدعى الله (أع 5: 3، 4).

والمقصود
بهذه الأسماء

تقريب
المعنى للعقل البشري المحدود، ولا يخفى على أحد أنه ليس مقصوداً بالإبن والآب
العلاقة الناتجة عن التزاوج أو التناسل، إنما هي أسماء تقريبية أعطاها الله ليفهم
البشر الحديث عن الله الكائن بذاته، الناطق بكلمته، الحي بروحه.

 

رابعاً:
العهد القديم يتحدث عن التثليث والتوحيد:

1.
” اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد” (تث 6: 4)

وتحتوي
هذه الآية على كلمتين هما ” يهوه ” وتعني الكائن بذاته وتدل على وحدانية
الله، كما تحتوي على كلمة “الوهيم ” وهي في صورة الجمع المركز الذي يدل
على مفرد، وتستخدم كثيراً في العهد القديم وفي استخدامها إشارة للأقانيم المتمايزة
في الجوهر الواحد.

 

2.
في الخليقة نرى الله يخلق السماء والأرض (تك1: 1)، وروح الله (تك 1: 2) يرف على
وجه المياه.

 

3.
إشعياء يتنبأ عن السيد المسيح (الابن) فيقول إنه الإله “إيل” القدير
(إشعياء 9: 6).

 

4.
في المزمور 110: 1 نرى حديث بين الأقانيم: ” قال الرب لربي اجلس عن
يميني” وقد استشهد بها بطرس الرسول (إع 2: 34).

 

5.
في سفر إشعياء يتحدث الكلمة عن ذاته فيقول: “منذ وجوده أنا هناك والآن السيد
الرب أرسلني وروحه” (إش 48: 16)، وهنا نجد الكلمة متحدثاً وأزليا مع الآب
والروح القدس.

 

خامساً:
العهد الجديد يؤكد على عقيدة التثليث

1.
في حديث السيد المسيح: ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم (أونوما،
مفرد) الآب والابن والروح القدس” (مت 28: 29). وهنا نجد التوحيد في كلمة باسم،
والتثليث في ذكر الأقانيم الثلاثة.

 

2.
في العماد: ” فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السموات قد انفتحت له
فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه. وصوت من السموات قائلا هذا هو ابني
الحبيب الذي به سررت” (مت 3: 16، 17).وهنا نرى الابن في الماء والروح القدس
مثل حمامة وصوت الآب من السماء مسرور بابنه الحبيب.

 

3.
في رسالة بطرس الأولى: ” بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة
ورشّ دم يسوع المسيح. لتكثر لكم النعمة والسلام” (1 بط 1: 2). وهنا نجد الله
الآب في علمه السابق، الله الروح في تقديسه للمؤمنين، والله الإبن في فدائه لهم.

 

4.
في رسالة يوحنا الأولى 5: 7 ” فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب
والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد”.

 

والآن،
وهل تأكدت من صدق عقيدتنا من خلال آيات الكتاب المقدس العظيم،

ورأيت
ضرورة أن يكون الله واحد في جوهره، مثلث في أقانيمه،

حتى
يكون مكتفياً بذاته متمماً لأعماله.

فهل
نحيا في شركة حقيقية معه نتمتع بأبوة الآب لنا، مشتركين في جسد المسيح المقدس
لنثبت فيه وهو فينا؟،

هل
نكون مسكنا نقياً مقدساً لروح الله القدوس لكي يعمل فينا وبنا لكي ننمو في النعمة
والحكمة والمعرفة الروحية يوماً بعد يوم؟. نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة
الروح القدس مع جميعكم.آمين”

(2
كو 13: 14)

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى