علم

الفصل الثالث عشر: شرح نصوص



الفصل الثالث عشر: شرح نصوص

الفصل
الثالث عشر: شرح نصوص

ثالثاً:
عبرانيين 4: 1 “صائراً أعظم من الملائكة”

 

53-
ولكنهم يقولون أنه مكتوب فى الأمثال “الرب أقامنى أول طرقه لأجل أعماله”
(أم22: 8). وأنه فى الرسالة الى العبرانيين يقول الرسول “صائراً أفضل من
الملائكة بمقدار ما قد ورث اسماً أكثر تميزاً عنهم” (عب4: 1). ويقول بعد قليل
“من ثم أيها الاخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية، ركزوا انتباهكم جيداً
على رسول ورئيس كهنته اعترافنا يسوع، حال كونه أمينا للذى أقامه (عب1: 3، 2). وفى
سفر الأعمال “فليعلم يقينا جميع بيت أسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذى
صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً” (أع36: 2).

 

هذه
الأقوال يتفوهون بها فى كل مكان، ولديهم أفكار معوجة عنها ومحرفين معناها، مدعين
بها أن كلمة الله مخلوق ومصنوع، وواحد من المخلوقات وهكذا يخدعون الجهلاء، متسترين
تحت ستار هذه الأقوال التى يطرحونها.

 

ولكنهم
بدلاً من المعنى الحقيقى، فإنه يلقون بذور سم هرطقتهم الخاصة. لأنهم “لو
كانوا يعرفون، لما كانوا يجدفون على هذا الذى هو “رب المجد” (1كو8: 2).
ولما كانوا يحرفون معانى أقوال الكتاب الحسنة. إذن. فإن كانوا يتبنون أسلوب قيافاً
صراحة. فإنهم يكونون تبعاً لذلك قرروا أن يتهودوا، حتى أنهم يجهلون المكتوب بأنه
“حقاً سيسكن الله على الأرض” (أنظر زكريا10: 2). دعهم لا يفحصون الأقوال
الرسولية. لأن هذا ليس من سمة اليهود.

 

ولكن
من الناحية الأخرى، إن كانوا يمزجون أنفسهم بالمانويين(72) الملحدين، وينكرون أن
“الكلمة صار جسداً” (يو14: 1) وينكرون “حضوره المتجسد” إذن
فلا يكون من حقهم أن يستعملوا الأمثال، لأن هذا كان غريباً بالنسبة للمانويين.
ولكن أن كان بسبب إثارة المشكلة، والربح الناتج من جشعهم، وبسبب طموحهم وحبهم
للشهرة، لا يجسرون على إنكار أن “الكلمة قد صار جسداً” لأن هذا مكتوب
حقاً، عندئذ، فأما أنهم من واجبهم أن يفسروا تلك الكلمات المكتوبة بخصوص
“الحضور التجسدى للمخلص”. تفسيراً صائباًُ، وأما، ان كانوا ينكرون القصد
السليم، إذن، فلينكروا أن الرب قد صار إنساناً. لأنه لا يليق بهم أن يعترفوا بأن
“الكلمة قد صار جسداً”. ومن ناحية أخرى يستحون من المكتوب عنه، ولذلك
فإنهم يحرفون معناه.

 

54-
لأنه مكتوب “بهذا المقدار صار أعظم من الملائكة” (عب4: 1) لذلك فمن
الواجب أن نفحص هذا أولاً. والآن من الملائم كما نعمل فى كل الأسفار الإلهية. هكذا
من الضرورى أن نعمل هنا أيضاً. فيجب أن نفهم بأمانة: العصر الذى كتب عنه الرسول.
والشخص والموضوع اللذين كتب عنهما. لكى لا يجد القارئ نفسه – وهو يجهل هذه الأقوال
أو غيرها. بعيداً عن المعنى الحقيقى. ولذلك فإن ذلك الخصى المحب للمعرفة – حينما
عرف هذا توسل إلى فيلبس قائلاً: “أنى أسألك، عمن يقول النبى هذا. عن نفسه أم
عن شخص آخر؟” (أع34: 8) لأنه كان يخشى أن يحيد عن المعنى المستقيم. ويفهم
الكلام عن شخص آخر من خلال قراءته. وايضاً التلاميذ بسبب رغبتهم أن يعرفوا وقت
حدوث ما قاله الرب توسلوا إليه قائلين “قل لنا متى ستكون هذه الأمور؟. وما هى
علامة مجيئك” (مت3: 24). وأيضاً عندما سمعوا من المخلص ما قاله عن النهاية.
أرادوا أيضاً أن يعرفوا زمنها (أنظر متى36: 24). وذلك لكى لا يضلوا هم. وأيضاً لكى
يتمكنوا من تعليم الآخرين. فإنهم بعد أن عرفوا فقد صححوا (أفكار) الذين كانوا على
وشك الضلال من أهل تسالونيكى(73).

 

لذا
فعندما يكون لدى واحد من مثل هؤلاء معرفة كثيرة، عندئذ سيكون له فكر إيمان صحى
ومستقيم. أما إذا أساء أحد فهم شئ من هذه، فإنه سينزلق فى الحال إلى الهرطقة.
وهكذا ضل الذين يتبعون هيمنايس والأسكندر (1تيمو20: 1). لأنه برغم أن الوقت لم يكن
قد صار بعد. كانوا يقولون أن القيامة قد صارت بالفعل. (أنظر2تيمو18: 2). فى حين أن
الغلاطيين – بعد أن أكتمل الزمان – قد الوا الىن إلى الختان(74). أما من جهة
الشخص. فقد كابد اليهود ولا يزالون يقاسون حتى الآن، لأنهم يظنون أن هذه الآية
“هوذا العذراء تحمل وستلد أبناً، وتدعون اسمه عمانوئيل، الذى تفسيره الله
معنا” (أش14: 7، متى23: 1) تقال بخصوص واحد منهم (لا يزالون ينتظرونه) وأنه
عندما قيل “سيقيم لكم الرب نبياً من وسطكم” (تث15: 18، 1ع22: 3) فأنهم
يظنون أنه يتكلم عن واحد من أنبيائهم. أما القول “كشاه قد سيقت إلى
الذبح” (أش7: 53)، فأنهم لم يتعلموا من فيلبس إلى من يشير، بل ظنوا أنه يتكلم
عن أشعياء أو عن نبى آخر من بين أنبياءهم

 

55-
لذا فإن أعداء المسيح أنزلقوا إلى الهرطقة البغيضة بسبب معاناتهم من مثل هذه
الامور. فأنهم لو كانوا قد عرفوا تماماً الشخص والموضوع والوقت المتعلق بالكلمة
الرسولية. لما جدف أولئك الحمقى إلى هذا الحد – ناسبين الأمور الناسوتية إلى
ألوهيته.

 

وفى
استطاعة أى شخص أن يرى هذا، لو أنه فسر بداية الفصل تفسيراً جيداً فإن الرسول يقول
“الله بعد ما كلم الآباء بواسطة الأنبياء قديماً. مرات كثيرة وبطرق متنوعة.
كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة بواسطه ابنه” (عب1: 1، 2). وبعد قليل يقول
“بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى. صائراً
أعظم من الملائكة بمقدار ما قد ورث اسماً أفضل منهم” (عب3: 1، 4).

 

أن
القول الرسولى إذن يشير إلى الزمن الذى فيه “كلمنا بواسطة ابنه”. عندما
قد صار تطهير خطايانا أيضاً. فمتى “تحدث إلينا فى شخص ابنه”. ومتى قد
صار “تطهير الخطايا”. ومتى قد صار إنساناً إلا بعد الأنبياء فى الأيام
الأخيرة؟ وبما أنه كان يقص قصة التدبير الخاص بكل منا. وكان يتكلم من الأزمنة
الأخيرة. فإنه لا ينقطع عن ذكر أن الله لم يكف عن التحدث إلى الناس خلال الأزمنة
الماضية، لأنه تحدث إليهم بواسطة الأنبياء. ولأن الأنبياء قد خدموا، والشريعة
أعلنت بواسطة الملائكة (عب2: 2). والأبن أيضاً نزل وجاء لكى يخدم (متى28: 20) لذا
كان من الضرورى أن يضيف. “صائراً أعظم من الملائكة بمثل هذا المقدار”
رغبة منه أن يوضح أن الابن بقدر ما يختلف عن العبد بقدر ذلك صارت خدمة الابن أفضل
من الخدمة التى يقدمها العبيد.

 

إذن.
بعد أن ميز الرسول بين الخدمة قديما وبينها حديثاً فأنه يقدم لليهود كاتباً
وقائلاً “صائراً أعظم من الملائكة بمثل هذا المقدار”، لهذا فإنه لم يعقد
مقارنة بينه وبين الكل (أى المخلوقات). بقوله أنه قد صار “أعظم”. أو
“أكثر كرامة” وذلك لكى لا يظن أحد بخصوصه وخصوصهم – أنهم أبناء جنس
واحد. بل قد قال أنه “أفضل” وذلك لكى يكون معروفاً، إختلاف طبيعة الابن
عن طبيعة المخلوقات. ولدينا الدليل على هذا من الكتب المقدسة. إذ يترنم داود
قائلاً “يوم واحد فى ديارك خير من ألف” (مز10: 84). أما سليمان فيهتف
قائلاً: “خذوا تأديبى لا الفضة. والمعرفة أكثر من الذهب المختار. لأن الحكمة
خير من الأحجار الكريمة، وكل مادة ثمينة لا تساويها” (أم10: 8، 11).

 

لأنه
كيف لا تكون الحكمة والأحجار المستخرجة من الأرض. مختلفة فى جوهرها، وهى بطبيعتها
شئ آخر؟ وأية علاقة توجد بين الديار السماوية، وبين المساكن التى على الأرض؟ أم ما
وجه التشابه بين الابديات والروحيات، وبين الأمور الوقتية والفانية؟ لأن هذا هو
المعنى الذى يقوله أشعياء “هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتى
ويختارون ما يسرنى ويتمسكون بعهدى. أنى أعطيهم فى بيتى وفى أسوارى موضعاً ذائع
الصيت، أفضل من البنين والبنات، وسأعطيهم اسماً أبدياً، ولن ينقطع” (اش4: 56،
5).

 

إذن،
فلذلك فليست هناك علاقة قرابة بين الابن والملائكة وما دامت ليست هناك علاقة
–فلهذا فإن كلمة “أفضل” لا تذكر للمقارنة، بل بحصافة وفطنة بسبب اختلاف
طبيعة الابن عن طبيعة الملائكة. ونفس الرسول هو الذى فسر كلمة “أفضل”
قائلاً أن هذا لا يكمن فى شئ آخر بل فى الفرق بين الابن والمخلوقات، كمن يقول أن
هذا هو الابن، بينما المخلوقات هم العبيد. وكما أن الابن هو مع الآب “جالس عن
يمينه”. هكذا فإن العبيد يظهرون أمامه، “ويرسلون (ضمه على الياء)
ويخدمون”.

 

56-
وبما أن هذه الأقوال مكتوبة هكذا، أيها الآريوسيون فأنه يستدل منها أن الابن ليس
مخلوقاً، بل بالأحرى هو كائن آخر غير كل المخلوقات. فهو ابن ذاتى للآب كائن فى
أحضانه. لأن ما هو مكتوب أيضاً: “صائراً” لا يعنى أن الابن مخلوق مثلما
تظنون أنتم. لأنه لو كان قد قيل ببساطة “صائراً”. وسكت، لكان لدى
الآريوسيين عذر، حيث أنه قد تكلم من قبل عن الابن موضحاُ من خلال كل الفقرة أنه
كائن آخر غير المخلوقات. لهذا لم يدون “صائراً” بمعنى مطلق، بل ربط
“أعظم” ب “صائراً” لأنه أعتبر أن هذا القول ليس مختلفاً.
عالماً أن من يقول “صائراً” عن من يعترف (بضم الياء) به أنه ابن ذاتى،
كمن يقول عنه أنه قد صنع، وأنه “أعظم” ذلك لأ المولود لا يتغير، حتى وأن
قيل عنه أنه قد صار، أو أنه قد صنع.

 

أما
المخلوقات فلأنها مخلوقة، فمن المستحيل أن يقال عنها أنها مولوده، إلا فيما بعد.
أى بعد خلقتها. حينما تشترك فى الابن المولود. وفى هذه الحالة يقولون عنها أيضاً
أنها قد ولدت، ليس بسبب طبيعتها الذاتية، بل بسبب مشاركتها للابن، فى الروح. وهذا
أيضاً تعترف به الكتب الإلهية، التى تقول عن المخلوقات “كل شئ به كان. وبغيره
لم يكن شئ” (يو3: 1). “وكل أعمال بحكمة صنعت” (مز24: 104). أما عن
الابناء المولودين فيقول: “ولد لأيوب سبعة بنين وثلاث بنات” (أيوب2: 1)
“وكان لأبراهيم مئة سنة عندما ولد له أسحق ابنه” (تك5: 21) أما موسى
فقال: “أن ولد بنون لأى شخص” (أنظر حز4: 21) لذلك فإن كان مختلفاً عن
المخلوقات، وهو المولود الوحيد الذاتى لجوهر الآب، فقد أحبط إدعاء الأريوسيين
بخصوص لفظة “صائراً”.

 

لأنه،
وإن كان على الرغم من خجلهم بسبب أحباطهم فإنه يضطرون أن يقولوا، أن الكلمات قد
قيلت على سبيل المقارنة. ولهذا فإن الأقوال المقارنة هى من نفس النوع، حتى أن
الابن يكون من نفس طبيعة الملائكة، فهم سيقعون فى العار مقدماً لأنه يحاكون
ويؤكدون تعاليم فالنتينوس وكاربوكراتوس(75) وغيرهما من الهراطقة.

 

فالأول
منهما قال أن الملائكة من نفس طبيعة المسيح، أما كاربوكراتوس فيقول أن الملائكة هم
الذين خلقوا العالم، فربما تعلموا منهم أيضاً أن يقارنوا “كلمة الله”
بالملائكة.

 

57-
ولكنهم بتخيلهم مثل هذه الأمور، فإن المرنم يخجلهم بقوله “من يكون شبيهاً
بالرب من بين أبناء الله” (مز1: 89). “من يشبهك بين الآلهة يا رب؟”
(8: 86). إلا أنهم – إن كانوا يريدون أن يعرفوا – سيسمعون الجواب، بأن الأمور
المتعلقة بالمقارنة إنما تكون بين المتماثلين فى الجنس، وليس بين غير المتجانسين.

 

إذن،
فليس فى وسع أحد، أن يقارن الله بالإنسان. كما أنه لا يمكنه مقارنة الإنسان
بالخيل، ولا الأخشاب بالأحجار نظراً لعدم تشابه طبيعتهما. لكن الله هو جوهر لا
نظير له ولا يقاس بغيره. أما الإنسان فإنه يقارن بإنسان، كما يقارن الخشب بالخشب،
والحجارة بالحجارة. وليس فى وسع أحد أن يستخدم قط عن هذه الأشياء كلمة
“أعظم” بل يستعمل كلمات مثل “نوعاً ما” و “أكثر”.
فمثلاً كان يوسف جميلاً نوعاً ما بين أخوته. وراحيل أكثر جمالاً من ليئه. وليس نجم
“أفضل” من نجم. ولكنه يختلف نوعاً ما فى المجد (أنظر 1 كو41: 15). أما
فى حالة الأشياء غير المتشابهة. فعند مقارنة هذه الأشياء بعضها ببعض، فعندئذ يقال
“أفضل” عن الأشياء التى لها نوعية مغايرة. مثلما سبق أن قيل عن الحكمة
والأحجار الكريمة.

 

إذن
فإن كان الرسول قد قال “أن الابن أرقى بكثير من الملائكة” أو هو
“أعظم بدرجة أكبر” لكان لكم العذر أن تقارنوا الابن بالملائكة. أما الآن
فبقوله أنه “أفضل” وأنه يختلف بدرجة كبيرة بقدر ما يختلف الابن عن
العبيد، فإنه يبين أنه مختلف عن طبيعة الملائكة.

 

ومرة
أخرى، عندما يقول أنه هو “الذى أسس جميع الأشياء” (أنظر عب10: 1). يبين
أنه مختلف عن جميع المخلوقات. وبما أنه مختلف تماماً فى جوهره عن طبيعة المخلوقات.
فأى مقارنة أو مضاهاة لجوهرة يمكن أن توجد بالمقارنة مع المخلوقات؟ لأنهم إن
استعادوا – إلى ذاكرتهم من جديد شيئاً من هذا. فلا شك أن بولس سينفذها لهم عندما
يقول: “لأنه لم من الملائكة قال قط. أنت أبنى وأنا اليوم ولدتك” (عب5:
1). ويقول عن الملائكة “الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه لهيب نار” (عب7:
1).

 

58-
فها هو ذا إذن يستخدم فعل “يصنع” عن المخلوقات وهو يقول عنها أنها
مصنوعة. أما بخصوص الابن فلم يستخدم كلمة “صنع” ولا “صيرورة”
بل يقول عنه أنه “الأبدى” و “الملك” “وكونه
الخالق”. عندما تكلم قائلاً: “عرشك يا الله إلى دهر الدهور” (عب8:
1). “وأنت يا رب فى البدء أسست الأرض. والسموات هى عمل يديك. وهى ستبيد ولكنك
أنت ستبقى” (عب10: 1، 11). ومن هذه الكلمات يمكنهم أن يفهموا – إن كانوا
يريدون – أن الخالق هو آخر غير المخلوقات. أما المخلوقات فهى شئ آخر غيره، وأنه هو
الله. أما تلك المخلوقات فقد صنعت من العدم. لأن ما يقوله هنا “هذه
ستبيد”، لم يقله لأن الخليقة ستصير الى زوال. بل لكى يبين طبيعة المخلوقات.
من النهاية التى ستؤول إليها”. لأن تلك التى لها قابلية الهلاك، حتى وإن لم
تكن هلكت بعد – بسبب فضل ذاك الذى خلقها – إلا أنها قد خلقت من العدم – مما يشهد
بأن هذه الأشياء لم تكن موجودة يوماً ما. من أجل هذا إذن، حيث أن مثل هذه الأشياء
لها مثل هذه الطبيعة فإنه يقال عن الابن القول “أنت ستبقى”. لكى تتضح
أبديته. لأنه حيث أنه ليس فيه إمكانية الفناء، كما يحدث للمخلوقات – بل له الدوام
إلى الأبد، فليس ملائماً أن يقال عنه: “لم يكن موجوداً قبل أن يولد”.
فإنه هو نفسه الموجود دائماً، والدائم مع أبيه. وحتى لو لم يكن الرسول قد كتب هذا
فى الرسالة إلى العبرانيين إلا أنه فى رسائله الأخرى. بل كل الكتاب المقدس يحول
دون تخيل مثل هذه التصورات عن “اللوغوس”. وحيث أن الرسول كتب هذا. وكما
قد أتضح من قبل. أن الابن هو مولود جوهر الآب، وأنه هو الخالق، وأن المخلوقات خلقت
بواسطته. وأنه هو أيضاً “البهاء”. و”واللوغوس”
“والصورة”. “وحكمة الآب”. فى حيث أن المخلوقات أحط من
الثالوث. وهم يساعدون ويخدمون. ولذلك فإن الابن مختلف فى النوع. ومختلف فى الجوهر
بالنسبة إلى المخلوقات. وبالأحرى فإنه هو من ذات جوهر الآب ومن نفس طبيعته

 

لذلك
فإن الابن نفسه لم يقل “أبى أفضل منى” حتى لا يظن أحد أنه غريب عن طبيعة
الآب. بل قال “أعظم منى” (يو28: 14)، ليس من جهة الحجم ولا من جهة
الزمن، بل بسبب ميلاده من أبيه ذاته، فأنه حتى عندما يقال “أعظم منى”
أظهر مرة أخرى أنه من ذاتية جوهره (الذاتى)(*).

 

59-
والرسول نفسه عندما قال “صائراً أفضل من الملائكة بمثل هذا المقدار”. لم
يقل هذا ليس لأنه أراد أولاً أن يقارن جوهر اللوغوس بالمخلوقات – لأنه لا يوجد وجه
للمقارنة. أو بالأحرى فإن الواحد منهما غير الآخر تماماً. ولأنه وهو يرى
“حضور اللوغوس التجسدى” إلينا، والتدبير الصائر منه عندئذ. فإنه يوضح أن
اللوغوس ليس مشابها للذين سبقوا أن جاءوا قبله. وهذا لكى يوضح أنه بقدر ما يختلف
هو (اللوغوس) بحسب الطبيعة عن الذين أرسلهم قبله، بقدر ما كانت النعمة الصائة منه
وبه أفضل أعظم من خدمة الملائكة. لأن العبيد كانوا مختصين فقط بالمطالبة بالثمار
وليس أكثر (متى34: 21). أما الابن والسيد فكان يحق له أن يصفح عن ديونهم وأن يسلم
الكرم إلى آخرين.

 

هذا
إذن الذى يذكره الرسول بعد ذلك، يوضح اختلاف الابن عن المخلوقات قائلاً:
“لذلك يجب أن نتنبه أكثر إلى ما سمعناه حتى لا نبتعد عنه. لأنه إن كانت
الكلمة التى نطق بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعد ومعصية نال جزاء عادلاً. فكيف
ننجو أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟ هذا الخلاص الذى بدأ الرب التحدث به، ثم تثبت
من الذين سمعوه” (عب1: 2-2). فإن كان الابن معدوداً واحداً من المخلوقات، لما
كان أفضل منهم، ولما أختص من يعصاه بأعظم قدر من العقاب بسببه. لأنه فى خدمة
الملائكة لم يكن مسموحاً لأى واحد منهم أن يتمكن من معاقبة المخالفين سواء بأكثر
أو بأقل، بل كانت الشريعة واحدة، وكان الحكم واحداً بالنسبة إلى المخالفين.

 

ولكن
حيث أن اللوغوس ليس معدوداً بين المخلوقات بل هو ابن الآب، لذلك فبقدر ما كان هو
أفضل، كلما كانت الأعمال الخارجة منه، أفضل ومغايرة، وكلما وجب أن تكون العقوبة
أشد. إذن دعهم ينتظرون النعمة الممنوحة عن طريق الابن. وليدركوا هذا المشهود له
بواسطة الأعمال أنه مختلف عن المخلوقات وأنه وحده الإبن الحقيقى الذى فى الآب،
والآب فيه.

 

والشريعة
نطق بها بواسطة ملائكة، وهى لم تكمل أحداً، بسبب إحتياجنا إلى مجئ اللوغوس إلينا
مثلما قال بولس (أنظر عب19: 7). أما مجئ اللوغوس فقد أكمل عمل الآب. (يو4: 17) وفى
ذلك الوقت كان “الموت قد ملك من آدم إلى موسى” (رو14: 5) أما حضور
اللوغوس فقد “أبطل الموت” (2تى 10: 1) ولم نعد بعد “نموت جميعاً فى
آدم، بل فى المسيح سيحيا (بضم الياء الأولى) الجميع” (1كو22: 15) وعندئذ كان
ينادى بالشريعة من دان إلى بئر سبع. “وكان الله معروفاً فى اليهودية”
(مز1: 76) وحدها. أما الآن فقد “خرج صوتهم إلى كل الأرض” (مز4: 19).
“وقد أمتلأت الأرض من معرفة الله” (أش9: 11). “والتلاميذ تلمذوا كل
الأمم” (متى19: 28). واليوم تم المكتوب “ويكون الجميع متعلمين من
الله” (يو45: 6، أش13: 54).

 

وفى
ذلك الوقت كانت تلك الشواهد مجرد مثال، أما الآن فقد ظهرت الحقيقة نفسها. وهذا
يفسره الرسول مرة أخرى بعد ذلك بشكل أوضح عندما يقول: “على قدر ذلك قد صار
يسوع ضامناً كعهد أفضل” (عب22: 7) ومرة أخرى يقول “ولكن يسوع الآن قد
حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط لعهد أفضل قد تثبت على تعهدات أفضل”
(عب6: 8)، و “لأن الناموس لم يكمل شيئاً. ولكن يصير إدخال رجاء أفضل”
(عب19: 7) ويقول مرة أخرى “فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التى فى السموات تطهر
بهذه الأساليب، أما السماويات عينها فإنها تطهر بذبائح أفضل من هذه” (عب23:
9). والآن إذن، فإن كلمة “أفضل” تشير كلية إلى الرب، الذى هو أفضل من
سائر المخلوقات. ومميزاً عنها. ذلك لأن ذبيحته أفضل، والرجاء فيه أفضل. والوعود
المعطاة بواسطته 0 ليست لمجرد مقارنتها كعظيمة أمام أخرى صغيرة، بل لكونها مختلفة
عن الأخرى بحسب طبيعتها. لأن مدبر هذه الأمور هو “أفضل” من المخلوقات.

 

60-
وأيضاً قوله “قد صار ضامناً”، أى الضمانة المعطاة منه لأجلنا. لأن
اللوغوس قد “صار جسداً”، فإننا نعتبر “الصيرورة” أنها تشير
إلى الجسد، لأن “الجسد مخلوق وهو مصنوع”. وهكذا أيضاً كلمة “قد
صار” فإننا نفسرها بحسب مدلوها الثانى. وذلك بسبب صيرورته إنساناً. وعلى
المعارضين أن يعرفوا أنهم ينزلقون بسبب سوء نيتهم هذه.

 

وليعرفوا
إذن أن بولس الذى عرفه “كإبن” و”حكمة” و”بهاء”
و”صورة” الآب، لم يقصد أن جوهر “اللوغوس” قد “صار”
بل تعتبر “الصيرورة” هنا لخدمة ذلك العهد الذى كان فيه الموت سائداً
يوماً، وهو قد أبطل هذا الموت.

 

وبحسب
هذا فإن الخدمة من خلاله قد صارت أفضل، إذ أيضاً “لأن ما كان الناموس عاجزاً
عنه حينما كان ضعيفاً من ناحية الجسد، فالله إذ أرسل ابنه فى شبه جسد الخطيئة
ولأجل الخطيئة دان الخطيئة فى الجسد” (رو3: 8) نازعاً الخطيئة من الجسد. الذى
كان أسيراً لها على الدوام لدرجة أنه لم يستوعب الفكر الإلهى. وإذ جعل الجسد
قادراً على تقبل “اللوغوس” فإنه خلقنا حتى “لا نسلك بعد بحسب الجسد
بل بحسب الروح”. ونقول ونكرر نحن “لسنا فى الجسد بل فى الروح”
(رو9: 8)، وأن ابن الله جاء “إلى العالم لا لكى يدين العالم” بل لكى
يفدى الجميع “ويخلص به العالم” (يو17: 3). لأنه سابقاً إذ كان العالم –
كمسئول – وكان يدان بواسطة الناموس. أما الآن فإن اللوغوس أخذ الدينونة على نفسه،
وبتألمه لأجل الجميع بالجسد. وهب الخلاص للجميع. هذا ما رآه يوحنا فصاح قائلاً
“الناموس بموسى أعطى. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا” (يو17: 1).
فالنعمة أفضل من الناموس، والحقيقة أفضل من الظل.

 

61-
إذن. فإن “الأفضل” – كما سبق أن قيل، لم يكن ممكنا أن يصير بواسطة أى
شخص آخر بل بواسطة الإبن “الجالس عن يمين أبيه”. وما الذى يعنيه هذا سوى
أصالة الابن وأن ألوهية الآب هذه إنما هى ألوهية الابن؟

 

فإن
الإبن وهو مالك ملكوت الآب، فإنه يجلس فى ذات العرش مع الآب، ونراه مرتبطاً
بألوهية الآب. إذن فاللوغوس هو الله، و “الذى يى الابن يرى الآب” (يو9:
14). وهكذا فهو إله واحد.

 

إذن
فبجلوس الإبن عن اليمين، لا يعنى بذلك أن الآب على يساره بل يعنى أن ما يكون
يميناً وكريماً فى الآب، فهذا أيضاً يكون للابن. وهو يقول “كل ما هو للآب فهو
لى” (يو15: 16). ولذا فإن الابن وهو جالس على اليمين يرى الآب نفسه على
اليمين، بالرغم من أنه بصيرورته إنساناً يقول “أنى أرى الرب أمامى فى كل حين،
أنه عن يمينى لكى لا أتزعزع” (مز8: 16). وهذا يوضح أيضاً أن الإبن فى الآب،
والآب فى الإبن (أنظر يو10: 14) ولكون الآب على اليمين يكون الإبن على اليمين.
ومثلما يجلس الابن على اليمين يكون الآب فى الإبن. والملائكة يخدمون صاعدين
ونازلين.

 

أما
عن الابن فيقول “ولتسجد له كل ملائكة الله” (عب6: 1). عندما تقوم
الملائكة بالخدمة يقولون “أرسلت (بضم الألف) اليك” (لو19: 1).
“الرب قد أوصى” (أنظر مز11: 91).

 

أما
الابن فإنه يقول وهو فى الصورة البشرية: “الآب قد أرسلنى” (يو36: 5)
وإنه “أتى لكى يعمل” (يو36: 5) ولكى “يخدم” (يو36: 5) إلا أنه
لكونه “اللوغوس” و”الصورة” يقول “أنا فى الآب والآب
فى” (يو10: 14)، “ومن رآنى فقد رأى الآب” (يو9: 14) “والآب
الحال فى هو الذى يعمل الأعمال” (يو10: 14). لأن الأشياء التى نراها فى تلك
الصورة، فهذه هى أعمال الآب. إن ما سبق أن قيل كان ينبغى أن يخجل الذى يصارعون ضد
الحق. ولكن إن كانوا بسبب ما كتب “صائراً أفضل” يرفضون أن يفهموا أن
“صائراً” إنما تقال عن الإبن فى حالة صيرورته إنساناً. أو تقال عنه بسبب
الخدمة الأفضل التى صارت بالتجسد، كما قلنا. بل يفهمون بهذه العبارة أن اللوغوس
مخلوق، فليسمعوا مرة أخرى بإيجاز هذه الأقوال لأنهم قد نسوا ما كان قد قيل.

 

62-
لأنه لو كان الابن يحسب من بين الملائكة، واستعملت كلمة “صائراً” عنه
كما عن الملائكة. وإن كان لا يختلف عنهم فى شئ بحسب الطبيعة: ففى هذه الحالة، أما
أن يكون الملائكة جميعاً أبناء، أو يكون هو ملاكاً. وهكذا فإما أن الجميع يجلسون
عن يمين الآب، أو أن يقف الابن مع الملائكة “كأحد الأرواح الخادمة المرسلة
للخدمة” (عب14: 1) مثله مثل الملائكة.

 

ولكن
من الجهة الأخرى. إن كان بولس قد ميز بين الابن والمخلوقات قائلاً “لأنه لمن
من الملائكة قال قط أنت أبنى” (عب5: 1). لأن الابن قد خلق السماء والارض، أما
الملائكة فإنهم قد خلقوا بواسطته، هو يجلس مع الآب، أم هم فيقفون ويخدمون، فلمن لا
يكون واضحاً أنه لم يستعمل “صائراً” عن جوهر اللوغوس، بل عن الخدمة
الصائرة منه؟.

 

فكما
أنه لأنه “اللوغوس” قد “صار جسداً”، فإنه حينما صار إنساناً،
فإنه فى خدمته “قد صار أفضل بمثل هذا القدر” من الخدمة الصائرة من
الملائكة. وبقدر ما يختلف الابن عن العبيد، والخالق عن المخلوقات هكذا فليكفوا عن
إعتبار كلمة “صائراً” أنها عن جوهر الابن، لأن الابن ليس من بين
المخلوقات، وليعلموا أن “صائراً” إنما تشير إلى خدمته، والتدبير الذى
صار فعلاً.

 

أما
كيف قد صار أفضل فى الخدمة، إذ هو أفضل بالطبيعة عن المخلوقات فهذا يثبت مما سبق
أن قلناه، وأعتقد أنه يكفى لتخجيلهم. ولكنهم أن استمروا فى إنكارهم، ففى هذه
الحالة يكون من المناسب أن نقاوم جسارتهم المتهورة، ونعارض أولئك بنفس الأقوال
التى قيلت عن الآب ذاته. وهذا يؤدى أما إلى تخجيلهم لكى يكفوا ألسنتهم عن الشر،
وأما أن يعرفوا إلى أى مدى سحيق وصل جنونهم.

 

أنه
مكتوب “لتكن لى إله معين. وبيت أحتمى به لكى تخلصنى” (مز2: 31) وأيضاً
“صار الرب ملجأ للمعدم” (مز9: 9) وغيرها كثير مثلها فى الكتب المقدسة.
فإن كانوا يقولون أن هذه الأقوال قد كتبت عن الابن وهو المحتمل أن يكون هكذا حقاً،
فيجب عليهم أن يعرفوا بأن القديسين يطلبون اليه بإلحاح أن يكون معيناً لهم وبيت
إحتماء. لأنه ليس بمخلوق. ولذلك فإن “صائراً” و”صنع” ولفظ
“قنى” من الواجب فهمها أنها تشير إلى حضوره المتجسد، لأنه بتجسده قد
“صار معيناً”، “وبيت حماية” عندما “حمل خطايانا فى جسده
على الخشبة” (1بط24: 2)، وهو الذى قال “تعالوا إلى يا جميع المتعبين
والثقيلى الأحمال، وأنا أريحكم” (متى28: 11).

 

63-
إلا أنهم أن قالوا أن هذه الأقوال إنما هى عن الآب، فهل سيحاولون أن يقولوا أن
الله مخلوق بسبب ما جاء فى هذه الأقوال من عبارات “لتكن لى” أو
“صار الرب” نعم أنهم سيتجاسرون على ذلك مثلما يفكرون بنفس الأفكار عن
اللوغوس. لكن حاشا أن يأتى قط مثل هذا التفكير إلى فكر أى واحد من المؤمنين فالابن
ليس من بين المخلوقات، كما أن المكتوب هنا “لتكن” “وصار” لا
يعنى بداية الوجود، بل يعنى المعونة التى تعطى للمحتاجين إليها. لأن الله هو هو دائماً،
أما الناس فقد صاروا بعد ذلك بواسطة اللوغوس، حينما أراد الآب ذاته. فإن الله لا
يرى. ولا يمكن الدنو منه بالنسبة إلى المخلوقات. وخاصة بالنسبة للناس. إذن فعندما
يتوسل الناس فى ضعفهم. ويطلبون العون وهم مطاردون، وعندما يصلون وهم مظلومون، فإن
غير المنظور – لكونه محباً للبشر – يظهر لهم بوجوده وأحسانه الذى يقدمه بواسطة وفى
شخص “كلمته” الذاتى. وحينئذ تكون علامات الظهور بحسب حاجة كل واحد فيظهر
قوياً للضعفاء، ويظهر “ملجأ” للمطرودين. “وبيت حماية”
للمظلومين” ويقول “بينما أنت تستغيث، أقول هأنذا أنى حاضر بجوارك”
(أش9: 58).

 

فأن
معونة تأتى لأى واحد بواسطة الإبن، فإن ذلك الواحد يقول أن الله قد
“صار” له، حيث أن المساعدة من الله قد صارت بواسطة اللوغوس وأن عادة
استعمال الناس تعرف هذا الأمر، والجميع يعترفون بهذا ويتكلمون بالحق.

 

وكثيراً
ما أعطى البشر معونة لبشر مثلهم، فهناك من يتعاطف مع المصاب مثلما فعل إبراهيم مع
لوط (أنظر تك13: 14-16). وهناك من فتح داره للمطرود، كما فعل عوبديا لبنى الأنبياء
(1ملوك4: 18). وهناك من أراح الغريب، ملما أراح لوط الملائك (أنظر تك3: 19)، وهناك
من أعطى للمحتاجين، مثلما أعطى أيوب للذين سألوه (أنظر أيوب15: 29-16) فلو قال
واحد من هؤلاء الذين نالوا المعونة: “مثل هذا المعين قد صار لى” ولو قال
آخر “صار لى ملجأ”. ويقول آخر “قد صار واهب”. فأنهم عندما
يقولون لا يقصدون بداية وجود المحسنين إليهم. ولا جوهرهم، بل يقصدون الإحسان الصائر
إليهم من أولئك المحسنين. هكذا عندما يقول القديسون، عن الله أنه “قد
صار” “ولتكن لى” فإنهم لا يعنون أى بدء للوجود، لأن الله ليس له
بداية، وليس مخلوقاً، بل يقصدون الخلاص الذى صنعه هو للبشر.

 

64-
فإن كانت الأمور تفهم هكذا، فإنهم سيفهمون هكذا عن الابن أيضاً، حينما يقال
“قد صار” و “لتكن” حتى أنه حينما نسمع القول
“صائراً” أفضل من الملائكة” (عب4: 1)، “وقد صار”، فحاشا
أن نفكر فى أية بداية لوجود اللوغوس، ولا أن نتخيل أبداً من مثل هذه الأفكار أنه
مخلوق. بل يجب أن نفهم ما يقوله بولس أنه يشير إلى الخدمة والتدبير الخاص بصيرورته
إنساناً. لأنه عندما “صار الكلمة جسداً وسكن فلينا” (يو14: 1). جاء لكى
يخدم” (متى28: 20). ولكى يهب للجميع خلاصاً، وعندئذ صار لنا خلاصاً. وصار لنا
حياة. وصار فداء. عندئذ فإن تدبيره من أجلنا “قد صار أفضل من الملائكة”.
وصار طريقاً. وصار قيامته.

 

وكما
أن القول “لتكن لى إله معين” (مز2: 31) لا يشير إلى صيرورة جوهر الله
ذاته، بل تشير إلى محبته للبشر، كما قيل، هكذا الآن: “صائراً أفضل من
الملائكة” و”صار”. و”بقدر هذا قد صار يسوع ضامناً أفضل”
(عب22: 7)، لا تعنى أن جوهر اللوغوس مخلوق (حاشا). بل يقصد الإحسان الصائر لنا
بتأنسه، رغم جحود الهراطقة. ومشاغبتهم بسبب عدم تقواهم.

(72)
كانت المانوية مماثلة لمذهب الغنوسية (أى مذهب العارفين. وهم المسيحيون الذين
يعتقدون أن الخلاص بالمعرفة دون الإيمان). وكانت المانوية تؤمن بالمبدأ الثنائى:
فالعالم تحكمه قوتان مضادتان: النور والظلام، والخير والشر. الله والمادة وبحسب
أعتقادهم أن المسيح قد صلب لأن لديه فى داخله عنصر خاضع للألم والمعاناة.

(73)
أساء أهل تسالونيكى فهم محتويات رسالة الرسول بولس الأولى الموجهة إليهم بخصوص مجئ
المسيح الفجائى، وتركوا أعمالهم فى انتظار المجئ الثانى، لذلك أضطر الرسول أن يكتب
إليهم الرسالة الثانية كى يهدئ خواطرهم، معلنا لهم العلامات التى سنسبق هذا المجئ.

(74)
كان المسيحيون المتهودون يعملون على غواية الغلاطيين، وكان هؤلاء المتهودون
يعتبرون الاحتفاظ بشريعة موسى والختان ضرورة ملحة للمسيحية وكتب بولس رسالته إليهم
– خاصة لأجل دحض وجهة النظر هذه.

(75)
فالنتينوس هو المثل الرئيسى للغنوسية فى القرن الثانى وبحسب مذهبه أن العالم نشأ
من الإله الأعلى بواسطة سلسلة لا نهائية من الآلهة الوسطاء – أى الدهور. وقد وصلت
إلينا أخبار هذه الهرطقة أساساً من أيريناوس وهيبوليتوس.

 

أما
كاربوكراتوس: فقد كان فيلسوفاً من الأسكندرية تأثر كثيراً بأفلاطون أكثر من غيره
من الغنوسيين، وكان يعلم بأن الله غير المولود هو أبو الملائكة والأرواح، وبعض من
هؤلاء الملائكة هم خالقوا العالم – وبحسب مذهبه ولد يسوع أبناً طبيعياً من مريم
ويوسف رغم أنه أكث براً من كل البشر.

 

(*)
فى مواضع أخرى من المقالات الأربعة فسر القديس أثناسيوس هذه الآية وآيات أخرى
مشابهة بمعنى أن الآب أعظم من جسد الأبن. (المقالة 7: 3) (المغرب).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى