علم

الفصل السابع: اعتراضات الأريوسيين والرد عليها



الفصل السابع: اعتراضات الأريوسيين والرد عليها

الفصل
السابع: اعتراضات الأريوسيين والرد عليها

 

22-
إذن فالذى يبحث متسائلاً، لماذا لا يكون الابن والداً لابن؟. فليبحث أولاً، لماذا
لم يكن للآب والد. ولكن كلا هذين الأمرين بعيد عن الصواب. وملئ بكل أنواع الكفر
والجحود. لأنه كما أن الآب هو دائماً أب، وأنه لا يستطيع أن يصير أبناً فى يوم من
الأيام. هكذا بنفس الطريقة، فان الابن هو دائماً ابن. ولن يصبح أباً فى يوم من
الأيام. لأنه فى هذا بالأحرى يثبت ويتضح أن رسم الآب وصورته. ويظل باقياً كما هو
بدون تغيير، لكنه قد حصل على ذاتيته من الآب ومماثلته له.

 

أما
أن كان الآب يتغير، فان الصورة أيضاً ستتغير فى هذه الحالة. فأنه هكذا تظل الصورة
والبهاء ثابتة تجاه ذاك الذى ولدها.

 

فان
كان الآب غير متغير ويبقى هكذا دائماً كما هو، فمن الضرورى أيضاً أن تبقى صورته
كما هى ولن تتغير.

 

إذن
فالابن هو ابن من الآب، ولذلك فهو لن يصير شيئاً أخر سوى ذاك الذى هو من جوهر الآب
الذاتى.

 

إذن
فمن العبث أن يخترع الحمقى هذا (الاعتراض) أيضاً. وهم الذين يرغبون فى فصل وأبعاد
الصورة عن الآب، لكى يساووا الابن بالمخلوقات.

 

وبناء
على ذلك، فان مشايعى أريوس – وضعوا الابن بين مصاف المخلوقات – بحسب تعليم
أوسابيوس -(59) معتبرين كأنه مثل الاشياء التى خلقت بواسطته. وبذلك فانهم ابتعدوا
عن الحقيقة.

 

وهم
فى بداية اختراعهم لهذه الهرطقة، كانوا يجولون معبأين بكليمات خداع ماكرة، جمعوها
معاً، بل وهم إلى الآن، عندما يلتقى بعضهم مع الصبية، ويسألونهم، ليس من الكتب
المقدسة طبعاً، بل من “فضلة قلوبهم” يتقيأون قائلين: “من هو ذاك
الذى خلقه الكائن من الكائن هل هو ذلك الغير كائن أم هو الكائن؟.

 

“فهل
إذن قد خلقه (الابن) وهو كائن أم وهو غير كائن؟. “وهل يوجد واحد فقط غير
مخلوق أم اثنان غير خلوقين؟”.

 

“وهل
هو ذو أرادة حرة، ولا يتغير بأختياره الذاتى، رغم أنه من طبيعة متغيرة؟. لأنه ليس
كالحجر يظل ثابتاً بلا حركة من ذاته، ثم يتقدمون بعد ذلك الى النسوة الغريرات،
ويخاطبوهن أيضاً، بكليمات مخنثة قائلين: “هل كان لك ولد قبل أن تلديه”؟
فكما أنه لم يكن لك ولد هكذا أيضاً ابن الله لم يكن موجوداً قبل أن يولد”
وهكذا فان عديمى الشرف يتلاعبون بمثل هذه الأقوال وهم يسخرون مشبهين الله بالناس،
زاعمين أنهم مسيحيون ويبدلون مجد الله “بشبه صور الانسان الذى
يفنى”(60).

 

23-
ومثل هذه الأقوال المفرطة فى الغباء والحماقة كان يجب ألا يرد أحد عليها، إلا أنه،
لكى لا تبدو هرطقتهم وكأنها أمر أكيد، فإنه يكون من الواجب أن نفندها، خاصة من أجل
النساء الغريرات اللاتى أنخدعن منهم بسهولة.

 

وما
داموا يقولون هذه الأقوال، فينبغى عليهم أن يسألوا المهندس أيضاً هكذا “هل
تستطيع أن تبنى بدون استخدام المواد الضرورية؟” فكما أنك أنت لا تستطيع فهكذا
الله أيضاً لم يكن ليستطيع أن يخلق كل شئ بدون استخدام المواد الضرورية.

 

أو
كان من الواجب أن يسألوا كل إنسان “هل يمكنك أن تكون موجوداً بغير مكان؟ فكما
أنك لا تستطيع هكذا فان الله أيضاً يوجد فى كل مكان”. ليتهم يواجهون
السامعين، وعندئذ سيخجلون منهم.

 

أو
فلماذا عندما يسمعون أن لله ابناً، ينكرون هذا الأمر، مفسرين هذا الإنكار بما يحدث
بينهم؟

 

فى
حين أنهم أن سمعوا أن الله يخلق ويصنع، لا يعودوا يعارضون ذلك بالأمور البشرية؟
وكان يجب عليهم فى حالة الخلق أيضاً أن يفهموه بحسب ما يحدث بين البشر، وأن يزودوا
الله مقدماً بالمادة اللازمة، وبذلك فإنهم ينكرون أن الله هو الخالق، وتبعاً لذلك
فأنهم يصلون إلى التمرغ فى الوحل مع المانويين.

 

فإن
كانت الفكرة عن الله تسمو فوق هذه الأفكار فإن من يسمعها يؤمن ويعرف أن الله موجود
ليس كما نوجد نحن، ب أنه موجود كإله، وأنهن يخلق لا كما يخلق الناس، بل هو يخلق
كإله. ومن هذا يتضح أنه يلد ليس كما يلد الناس، بل هو يلد كإله. لأن الله لا يقتدى
بالبشر، بل الأحرى البشر (هم الذين يقتدون بالله) لأن الله – على وجه الخصوص – هو
وحده حقاً الآب لابنه الذاتى، أما الآباء (البشريون) فقد دعوا كذلك آباء لأولادهم،
من الله “الذى منه تسمى كل أبوة فى السموات وعلى الأرض”(61) وأن كان ما
يقولونه يبقى بدون تحقيق أو مراجعة، فإنه سيظنون أن كلامهم معقول، وأما عند مراجعة
كلامهم بفهم واع، فسنجد أن كلامهم هذا يستدعى الضحك والسخرية الشديدة.

 

24-
أول كل شئ. فان أول سؤال من أسئلتهم هذه، يعتبر لا معنى له بل هو غامض، لأنهم لا
يوضحون، من هو الذى يسألون عنه، حتى يجيب عليه من وجه إليه السؤال. فهم يقولون
بسذاجة “الكائن، هو ذلك الذى لا يكون موجوداً”.

 

إذن،
فمن هو الكائن، وما هى الأشياء غير الكائنة أيها الآريوسيون؟. أو من هو
“الكائن” ومن هو “غير الكائن”؟ ومن الذى يقال عنه
“كائن” أو “غير كائن”؟ إذ أنه فى وسع ذلك الذى هو الكائن أن
يصنع الأشياء غير الكائنة، والأشياء الكائنة، والأشياء التى كانت من قبل.

 

إذن
فالنجار والصائغ والفخارى، كل منهم بحسب فنه الخاص، يشكل المادة الموجودة قبلاً،
صانعاً منها الشكل الذى يريده.

 

والله
ذاته، إله الكل، إذ قد أخذ من تراب الأرض الذى كان موجوداً، جعل منه الانسان فى
الحال، وهذه الأرض نفسها التى خلق منها الانسان لم تكن موجودة من قبل، ومن ثم أتى
هو بها الى الوجود بواسطة كلمته الذاتى.

 

فإن
كانوا يتساءلون هكذا عن الأمور، فإنه يتضح أن الخليقة لم تكن موجودة قبل أن تخلق،
فى حين أن البشر (أى النجار والصائغ والفخارى)، يشكلون المادة الموجودة قبلاً،
وهكذا يظهر كلامهم مفككاً غير مترابط. ولذا فإن كلاً من الكائنات وغير الكائنات
يمكن أن تخلق كما سبق أن قلنا.

 

ولكن
إن كانوا يتحدثون عن الله وعن كلمته، فليضيفوا على سؤالهم ما ينقصه، ودعهم يسألون
هكذا. “هل كان الله، الذى هو كائن، موجوداً فى وقت ما، بدون كلمة؟”
وكونه هو نور، فهل كان بلا ضياء (هل كان مظلماً)؟ أم أنه كان هو دائماً أبا
الكلمة؟.

 

أو
بمعنى آخر: “هل خلق الآب الذى هو كائن الكلمة غير الكائن، أم أن الكلمة الذى
هو مولود فى جوهره الذاتى، كان دائماً موجوداً عنده فى داخله؟.

 

وهذه
الأسئلة تجعلهم يعرفون أنهم إنما يتجاسرون ويقحمون أنفسهم فى اختراعات ومغالطات عن
الله وعن ذلك الذى هو منه. فمن يستطيع أن يحتمل سماعهم وهم يقولون أن الله كان فى
وقت ما بدون كلمة.؟ لأنهم يسقطون ثانية ويهوون فيما هم عليه من ضلالات سابقة،
بالرغم من محاولاتهم للتهرب من هذه واخفائه بمغالطاتهم ودهائهم المضلل، ولكنهم لم
ينجحوا فى ذلك.

 

فلا
يرغب أحد إطلاقاً أن يسمعهم وهم يشككون قائلين أن الله لم يكن أباً دائماً، بل صار
أباً فيما بعد، لكى يتخيلوا أن كلمته أيضاً، لم يكن موجوداً فى وقت ما.

 

إذ
أنه توجد براهين كثيرة سبق ذكرها، تدحض وتكذب أقوالهم. فها هو يوحنا يقول
“كان الكلمة”(62) وهذا بولس يكتب أيضاً “الذى هو بهاء
مجده”(63) وأيضاً “الكائن فوق الكل الهاً مباركاً إلى الأبد.
آمين”(64).

 

25-
كان من الأفضل لهم أن يهدأوا ويصمتوا، ولكن بما أنهم لا يصمتون، فلا يتبقى إلا أن
يقوم أحد بالرد بجرأة على سؤالهم الوقح. فربما عندما يرون أنفسهم وهم مقيدون بنفس
هذه السخافات والضلالات، فقد يتوقفون عن الصراع ضد الحق.

 

وأننا
ندعو الله بشدة أن يترآف علينا، ويأتى لمعونتنا لكى نتمكن من الرد عليهم عندما
يتساءلون ويقولون: “هل الله الكائن قد صار إلى الوجود فى حين أنه لم يكن
موجوداً؟ أم أنه كان موجوداً قبل أن يصير إلى الوجود؟ فإن كان هو كائن، فهل هو صنع
نفسه أم أنه جاء من العدم وأظهر نفسه بغتة؟”. أن مثل هذا التساؤل لهو سخيف
ومناف للعقل، بل أكثر من ذلك فهو ليس منافياً للعقل فقط بل هو ملئ بالتجديف أيضاً،
إلا أنه فى الواقع لا يختلف عما هو عندهم. لأن أقوالهم الأخرى (أى جوابهم على
السؤال) مليئة بكل أنواع الكفر وعدم التقوى. لأنه إن كان أحد يتساءل عن الله بهذا
الأسلوب، فيعتبر هذا تجديفاً وكفراً شنيعاً، فإنه يعتبر أيضاً تجديفاً أن يسألى
أحد نفس هذه الأسئلة عن كلمته. فلأجل دحض مثل تساؤلهم الأحمق وغير المعقول هذا،
فمن الضرورى إذن أن نجيب هكذا: أن الله كائن وهو كائن منذ الأزل، وحيث أن الآب
كائن دائماً، فإن بهاءه أيضاً الذى هو كلمته، هو أزلى كذلك. وأيضاً فإن الله
الكائن، عنده الكلمة من ذاته وهو أيضاً كائن.

 

فلا
الكلمة أتى الى الوجود فيما بعد، أى بعد أن لم يكن موجوداً من قبل، ولا الآب كان
فى وقت ما بدون كلمة. لأن التجاسر المتهور على الأبن يؤدى إلى التجديف على الآب،
كما لو كان قد ابتدع لنفسه من خارجه حكمة وكلمة وأبناً. لأنك أن استخدمت واحدة من
هذه ا(الأوصاف الثلاثة)، فإنما هى تعنى المولود من الآب كما سبق أن قيل.

 

ولذلك
فإن سؤالهم هذا يعتبر متناقضاً، ولأنهم ينكرون الكلمة (مصدر العقل)، فمن الطبيعى
أن يكون سؤالهم مناقضاً للعقل والمنطق.

 

وكما
أنه عندما يرى أحدهم الشمس، فيأخذ فى التساؤل عن بهائها ويقول: “هل ما هو
كائن (الشمس)، قد صنع ما هو غير موجود أم ما هو موجود” فمثل هذا الشخص الذى
يسأل هكذا يعتبر أنه لا يفكر تفكيراً سليماً، بل يعتبر خرقاً فاقد اللب، لأنه
يتصور أن ما هو صادر بكليته عن النور، أنه من خارج النور، ويتساءل عنه قائلاً متى؟
وأين؟ وعندما؟. فإن كانت (الشمس) قد صنعت، فأنه يتصور مثل هذه الأشياء عن الابن
وعن الآب، ويأخذ فى التساؤل عنهما بنفس الطريقة ولكن تساؤله يكو بجنون أعظم بكثير،
متصوراً أن الآب جلب إليه الكلمة من خارج ذاته، ويقول عن الذى هو بطبيعته مولود،
أنه مخلوق، وهو يجادل بذهن مبلبل قائلاً “أنه لم يكن موجوداً قبل أن
يولد” فليسمعوا الجواب على سؤالهم، فإن الآب الكائن قد صنع الابن الكائن، لأن
“الكلمة صار جسداً” (يو14: 1). وبينما هو ابن الله فقد جعله ابن الانسان
ايضاً عند انقضاء الدهور، إلا إذا قالوا حسب تعليم الساموساطى(65)، أنه لم يكن
موجوداً قبل، يصير انساناً. ويكفيهم هذا رداً منا على سؤالهم الأول.

 

26-
يا معشر الأريوسيين، وأنتم تذكرون نفس أقوالكم، خبرونا: “هل الذى هو كائن، أم
الى من هو كائن، لأجل خلقة كل الأشياء؟” لأنكم قلتم أنه صاغ لنفسه الابن
كأداة لكى يخلق بواسطته كل الأشياء.

 

أيهما
أفضل، أذن هل الذى يحتاج أم الذى يسد الاحتياج؟.

 

أم
أن لكلاً منهما يستكمل احتياج الواحد للآخر؟ لأنه بقولكم مثل هذا الكلام فانكم
تثبتون ضعف الخالق، ان كان لا يقوى وحده على أن يخلق كل الأشياء بل يبتكر لنفسه
أداة من الخارج، كما لو أن نجاراً أو صانع سفينة لا يستطيع أن يعمل أى شئ بدون
مطرقة أو منشار.

 

هل
هناك، إذن، ما هو أكثر كفراً من هذا؟ أو ما الذى يدعو عموماً للانشغال بمثل هذه
الأمور المخيفة، إذا كان ما سبق أن قيل يكفى لاثبات أن اقوالهم ما هى إلا محض وهم
وخيال.

(59)
كان أوسابيوس أسقفاً لنيقوميدية وكان زميلاً لأريوس فى مدرسة لوسيان بأنطاكية وظل
صديقاً له على الدوام. وأخذ على عتقه أن يقول بتأييد آريوس تأييداً مطلقاً بعد
أدانته بواسطة المجمع المسكونى الأول (نيقية 325) وعمل بجد عملاً متواصلاً لأجل
قبول آريوس من جديد فى الكنيسة وعلى الرغم من عدم نجاحه فى ذلك، فان الأريوسية
تدين له بأنها لم تتلاشى وتختف فوراً بل ظلت كخطر داهم جسيم لفترة طويلة على
الكنيسة.

(60)
أنظر رو23: 1.

(61)
أفسس 15: 3.

(62)
يو 1: 1.

(63)
عب 3: 1.

(64)
رو 5.

(65)
كان بولس الساموساطى أسقفاً لانطاكية (260 – 268) وأدين فى عام 268 بعد سلسلة من
المجامع التى من خلالها ظهر ضلال عقائده.

 

وحسب
تعليم هرطقته اعتبر، المسيح كان مجرد انساناً عادياً ثم صار الها بسبب جدارة عظمة
شخصيته التى استحقها بسبب التبنى (ولذلك) سمى مشايعوه باسم أصحاب التبنى وهكذا
أنكر الساموساطى تعليم الثالوث القدوس وتعليم التجسد ولكنه اعترف فقط أن المسيح
أفضل من موسى والأنبياء.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى