علم

الفصل الثانى: مقتطفات من ثاليا أريوس



الفصل الثانى: مقتطفات من ثاليا أريوس

الفصل
الثانى: مقتطفات من ثاليا أريوس

 

5-
أن بدء ثاليا أريوس عبارة عن أقوال ركيكة جوفاء. وقد أتخذت لها أسلوباً أنثويا وهى
هكذا: “حسب إيمان مختارى الله” الذين لهم أدراك ووعى بالله من الرجال
القديسين الذين يتصفون بالعقائد المستقيمة، هؤلاء الذين حصلوا على روح الله
القدوس. وأنا على الأقل تعلمت هذه الأمور من أناس لهم نصيب كبير من الحكمة. أناس
مدهشون من المعلمين لأمور الله. وعموماً فأنهم يعتبرون من الحكماء. وقد أقتفيت أنا
آثار هؤلاء وسرت على دربهم. وها أنا أسير فى نفس الطريق، معلماً لنفس هذه المبادئ،
أنا الذائع الصيت، ولقد عانيت الكثير لأجل مجد الله، وعرفت الحكمة والمعرفة، وهى
التعاليم المستقاه من الله، أن مثل هذه الثرثرة الجوفاء التى يتشدق بها ثاليا،
والتى ينبغى تجنبها والابتعاد عنها، إذ هى مليئة بالكفر والضلال، إذ قد جاء فيها
“لم يكن الله أباً فى كل حين” بل كان هناك وقت حين كان الله وحده، ولم
يكن أباً بعد، بل قد صار أباًُ فيما بعد… والابن لم يكن موجوداً دائماً. لأن كل
الأشياء قد خلقت من العدم، وكان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجوداً، ولم يكن له
وجود قبل أن يصير، بل هو نفسه كان له بداية تكوين وخلقة ويقول: “لأن الله كان
وحده. ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد.. من ثم فعندما أراد الله أن يخلقنا، فإنه
عندئذ قام بصنع كائن ما وسماه اللوغوس والحكمة والابن، كى يخلقنا بواسطته”
ولذلك فهو يقول أن هناك حكمتان: الأولى مستقلة وموجودة مع الله. أما الابن فقد جاء
من خلال هذه الحكمة الأولى، وقد سمى الحكمة والكلمة بسبب اشتراكه فقد فى هذه
الحكمة الأولى. وقد سمى الحكمة والكلمة بسبب اشتراكه فقد فى هذه الحكمة الأولى،
لأنه يقول “أن الحكمة جاء إلى الوجود بواسطة الحكمة بمشيئة الله
الحكيم”.

 

وهكذا
يقول أيضاً: أنه توجد كلمة أخرى فى الله غير الابن. وأيضاً أن الابن قد سمى كلمة
وأبناً بسبب مشاركته للكلمة حسب النعمة.

 

وهذا
التعليم أيضاً إنما هو أحد الأفكار الخاصة بهرطقتهم كما يتضح من مؤلفاتهم الأخرى.
“أنه توجد قوات كثيرة، أحداها هى قوة الله ذاته بحسب طبيعته الذاتية الأبدية.
أما المسيح فليس هو قوة الله الحقيقية، بل أنه هو أيضاً قوة من تلك التى تدعى
قوات. والتى تعتبر احداها هى قوة الله ذاته بحسب طبيعته الذاتية الأبدية، أما
المسيح فليس هو قوة الله الحقيقية، بل أنه هو أيضاً قوة من تلك التى تدعى قوات،
والتى تعتبر أحداها أيضاً “الجرادة” و “الدودة”. وهى ليست قوة
وحسب بل أعلن عنها أيضاً أنها قوة عظيمة(6). أما القوات الأخرى المتعددة فهى مثل
الابن. وأن داود أنشد عنها بقوله: “رب القوات” (مز10: 24). والكلمة نفسه
أيضاً. مثل كل القوات متغير بحسب طبيعته. ويبقى صالحاً بإرادته الحرة – الى أى وقت
يريده. ولكنه حينما يريد، فإنه يستطيع أن يتحول مثلنا، إذ انه قوة طبيعة متغيرة.
ويقول أيضاً “بما أن الله عرف بسبق علمه. بأن الكلمة سيكون صالحاً فقد منحه
هذا المجد. مقدما الذ1ى حصل عليه بعد ذلك. كإنسان، بسبب الفضيلة، ولهذا فإن الله –
بسبب أعماله التى كان يعرفها بسبق علمه أنها ستعمل – خلقه بمثل هذه الصورة التى
صار عليها الآن”.

 

6-
بل أنه تجاسر مرة أخرى أن يقول “الكلمة ليس إلهاً حقيقياً، وحتى ان كان يدعى
الهاً لكنه ليس الهاً حقيقياً. وإنما هو إله بمشاركة النعمة مثل جميع الآخرين،
وهكذا فإنه يسمى إلهاً بالاسم فقط. وكما أن جميع الكائنات غريبة عن طبيعة الله
ومختلفة عنه فى الجوهر. هكذا الكلمة أيضاً يعتبر غريباً عن جوهر الآب وذاتيته
ومختلفاً عنه، بل هو ينتمى إلى الأشاء المخلوقة والمصنوعة. وهو نفسه أحد هذه
المخلوقات”.

 

وفضلاً
عن ذلك، فإنه كما لو كان قد صار خليقة للشيطان ووارثاً لتهوره ووقاحته، فقد ذكر فى
“ثاليا” ما يلى: “وحتى الابن فإنه لا يرى الآب” وأن
“الكلمة لا يستطيع أن يرى أو أن يعرف أباه تماماً بصورة كاملة. ولكن ما يعرفه
وما يراه، فإنه يعرفه ويراه بقدر طاقته الذاتية، مثلما نعرف نحن أيضاً بقدر طاقتنا
الذاتية”. كما يقول “أن الابن ليس فقط لا يعرف تمام المعرفة، إذ هو يعجز
عن هذا الإدراك، بل أن الابن نفسه لا يعرف حتى جوهره الخاص به. وأن كل من الآب
والابن والروح القدس، جوهره منفصل عن الآخر حسب الطبيعة. وأنهم مقسمون ومتباعدون
وغرباء عن بعضهم البعض، وليس لهم شركة أحدهم مع الآخر، إذ يدعى هو نفسه “أنهم
غير متشابهين تماماً فى الجوهر والمجد بلا نهاية”. ويقول “أنه فيما
يتعلق بتشابه المجد والجوهر. فإن الكلمة يعتبر مختلفاً تماماً عن كل من الآب
والروح القدس” وهكذا بمثل هذه الكلمات يزعم ذلك العديم التقوى أن “الابن
منفصل بذاته وليس له شركة مع الآب اطلاقاً”. هذه مقتطفات من النصوص الأسطورية
كما جاءت فى كتابات أريوس الهزلية.

 

7-
فمن هو الذى يسمع مثل هذه الأقوال، ومثل هذا النغم فى ثاليا، ولا يبغض أريوس وهو
يقول بتمثيليته هذه؟ وبينما هو يدعو باسم الله ويتحدث عنه، فمن لا يعتبر هذا الرجل
مثل الحية التى قدمت المشورة للمرأة؟. ومن لا يرى – وهو يقرأ ما كتبه – تجديفه
وتضليله، مثلما فعلت الحية وهى تحاول أغواء المرأة؟ فمن لا يفزع من هول هذه
التجاديف؟. فكما يقول النبى “السماء تنذهل، والأرض تقشعر” (أر12: 2) من
جراء التعدى على الشريعة. أما الشمس فإذ لم تحتمل تلك الاهانات المثيرة التى وقعت
على جسد الرب المشترك لنا جميعاً. والتى احتملها هو نفسه من أجلنا بإرادته. فإنها
أستدارت وحجبت أشعتها. وجعلت ذلك اليوم بلا شمس وأزاء تجديفات أريوس، كيف لا تتمرد
حياة البشرية فتصاب بعدم النطق، فيصمون آذانهم، ويغلقون عيونهم. هرباً من سماع هذه
التجديفات. ومن رؤية وجه كاتبها؟.

 

وبالأحرى
كيف لا يصخ الرب ذاته ضد هؤلاء العديمى التقوى، بل والجاحدين أيضاً. بتلك الكلمات
التى سبق ونطق بها على لسان هوشع النبى “ويل لهؤلاء لأنهم هربوا عنى.
بالشقاوتهم لأنهم إذنبوا الى. أنا أفتديتهم لكنهم تكلموا على بالكذب” (هو 13:
7). وبعد ذلك بقليل “وهم يفكرون على بالشر”. “وعادوا الى
العدم” (هو16: 7 السبعينية)؟.

 

لأنهم
بعد أن أبتعدوا عن كلمة الله الذى هو كائن، ابتكروا لأنفسهم ما هو غير كائن.
فسقطوا فى العدم. ومن أجل ذلك السبب أيضاً، فإن المجمع المسكونى(7). طرد، أريوس
الذى علم بهذه الأمور، من الكنيسة وحرمه، إذ لم يحتمل المجمع كفره وجحوده. ومنذ
ذلك الحين، فقد أعتبر ضلال أريوس. هرطقة تفوق سائر الهرطقات، حيث لقب بعدو المسيح.
وممهداً للمسيح الدجال.

 

ولكن
رغم أن هذا الحكم ضد الأريوسية، يعتبر فى ذاته كاف جداً لأن يجعل الناس يهربون بعيداً
عن هذه الهرطقة الكافرة، إلا أنه، كما سبق أن قلت. يوجد البعض من الذين يدعون
مسيحيين، يعتبرون – عن جهل أو عن تظهر بالجهل – أن هذه الهرطقة لا تختلف إلا
قليلاً عن الحق، ولذلك يسمون الذين يعترفون بها. مسيحيين.

 

لذلك
هيا بنا إذن بكل ما عندنا من جهد. لنكشف القناع عن حيل الأريوسية وخداعها. بأن نضع
أمامهم بعض أسئلة، فبعد أن تدحض آراؤها. فأنهم سينفضون من حولها ويهربون كما لو
كانوا يهربون من وجه أفعى.

(6)
أنظر (يوئيل 25: 2) حيث يشير الى الجراد والطيار بلقب “جيش الله
العظيم”.

(7)
يقصد مجمع نيقية المسكونى الأول الذى أنعقد سنة 325م.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى