علم

الرسالة الثانية



الرسالة الثانية

الرسالة الثانية

عيد القيامة في 24 برمودة سنة 46 ش

19 أبريل سنة 330م

 

لنقتد بالأولين في حفظ العيد

إخوتي..
هل جاء عيد الفصح وحل السرور، إذ أتى بنا الرب إلى هذا العيد مرة أخرى، لكي إذ
نتغذى روحيًا
كما هي العادة- نستطيع أن نحفظ العيد كما ينبغي؟!

إذًا
فلنعيد به فرحين فرحًا سماويًا مع القديسين الذين نادوا قبلاً بمثل هذا العيد،
وكانوا قدوة لنا في الاهتداء بالمسيح. لأن هؤلاء ليس فقط أؤتمنوا على الكرازة
بالإنجيل فحسب، وإنما حتى فحصنا الأمر نجدهم كما هو مكتوب أن قوته كانت ظاهرة بهم،
لذلك كتب (الرسول) “كونوا ممتلئين بي”(1).

هذه
الوصية الرسولية تنذرنا نحن جميعًا، لأن الوصايا التي أرسلها (الرسول) إلى أشخاص،
إنما يأمر بها في نفس الوقت كل إنسان في كل مكان، إذ كان “معلمًا لكل الأمم
في الإيمان والحق”(1).

على
وجه العموم، تحثنا وصايا كل القديسين على ذلك بالقدوة، وذلك كما استعمل سليمان
الأمثال قائلاً: “اسمعوا أيها البنون تأديب الرب، أصغوا لأجل معرفة بفهم،
لأني أعطيتكم تعليمًا صالحًا، فلا تتركوا شريعتي. فإن كنت ابنًا لأبي غضًا ووحيدًا
عند أمي” (أم 1: 4). لأن الأب البار يربي أولاده تربية حسنة، إذ يجتهد في
تعليم الآخرين بسيرته المستقيمة الفاضلة. حتى إذا ما حدثت مقاومة، لا يخجل من
سماعه هذا القول “فأنت الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك” (رو 21: 2)، إنما
يكون بالحري مثل خادم أمين يقدر أن يخلص نفسه ويربح الآخرين. وإذ تتضاعف النعمة
المعهودة إليه يستطيع أن يسمع ذلك القول “نعمًا أيها العبد الصالح والأمين.
كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك” (مت 21: 25).

_________________

(1)
1تي7: 2.

 

لنسكن سامعين عاملين

ليتنا
لا نكون سامعين فقط بل وعاملين بوصايا مخلصنا، فأن هذا يليق بنا في كل
الأوقات وبالأخص في أيام العيد، أننا بإقتدائنا بسلوك القديسين يمكننا أن ندخل
معهم إلى فرح ربنا الذي في السموات، هذا الفرح غير الزائل بل باق بالحقيقة.

هذا
الفرح يحرم فاعلو الشر أنفسهم منه بأنفسهم، ويتبقى لهم الحزن والغم والتنهدات مع
العذابات..

لنرى
هؤلاء الذين ليس لهم الافتداء باهتداء القديسين، ليس لهم الفهم الحقيقي الذي به
كان الإنسان منذ البداية عاقلاً وعلى صورة الله.. ماذا يشبهون؟!

أنهم
بسبب عدم نعمتهم يشبهون بالوحوش التي بلا فهم، إذ صاروا في اللذات الدنسة مثل
الحيوانات، كفرسان جامحة(1)!

لقد
دعوا “أولاد الأفاعي”(2) كقول يوحنا، بسبب أهوائهم وأخطائهم والخطية
التي تقودهم إلى الموت، إذ لم يرتفعوا بأذهانهم عن الأمور المنظورة، بل يحسبون أن
هذه الأمور المنظورة هي أمور صالحة، ويسرون بها لأجل خدمة شهواتهم لا الله.

 

الكلمة المكتوبة توبخ الأشرار

أنه
لأجل هذا السبب عينه جاءت الكلمة المحبة للإنسان.. تبحث لتجد ما قد فقد، وتطلب أن
تصدهم عن غباوتهم هذه، صارخة قائلة “لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام
وزمام زينته لكم لئلا يدنو إليك”(3).

وإذ
كان هؤلاء متهاونين ومقتدين بالأشرار، لهذا يصلي النبي في الروح قائلاً بأنهم في
نظره كانوا يشبهون تجار فينيقية(4).

ويعترضهم
الروح المنتقم ضدهم بهذه الكلمات “يا رب عند التيقظ تحتقر خيالهم”(5).

وهكذا
إذ يتغيرون إلى شبه الأغبياء، ينطمس فهمهم.. لذلك “بينما يزعمون أنهم حكماء
صاروا جهلاء.. وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن
مرفوض ليفعلوا ما لا يليق”(6). لأنهم لم ينصتوا إلى الصوت النبوي الذي وبخهم
قائلاً “فبمن تشبهون الله. وأي شبه تعادلون به؟!”(7) ولا أنصتوا إلى
داود الذي صلى من أجل أمثالهم وترنم قائلاً “مثلها يكون صانعوها بل كل من
يتكل عليها”(8) إذ صاروا عمي عن التطلع إلى الحق…

_______________

(1)
أر8: 5.

(2)
مت7: 3

(3)
مز9: 32.

(4)
إش2: 23.

(5)
مز20: 73

(6)
رو22: 1،28.

(7)
إش8: 40.

(8)
مز8: 115.

 

لنفرح بالعيد بحفظنا الوصايا

والآن
فإن أولئك الذين لا يحفظون العيد.. هؤلاء مقدمون على أيام حزن لا سعادة، لأنه
“لا سلام قال الرب للأشرار” (إش 22: 48). وكما تقول الحكمة إن الفرح
والسعادة منتزعان عن فمهم. هكذا تكون أفراح الأشرار.

أما
عبيد الرب الحكماء، فقد لبسوا بحق الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله(2)، هؤلاء
يتقبلون كلمات الإنجيل، ويحسبون الوصايا التي أعطيت لتيموثاوس على أنها وصايا عامة
إذ جاء فيها “كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح،
في الإيمان، في الطهارة”(3).

وهكذا
يحفظون العيد حسنًا، حتى ينظر إليهم غير المؤمنين. ويقولون “إن الله بالحقيقة
فيكم”(4).

فكما
أن من يقبل رسولاً إنما يقبل الذي أرسله(5)، هكذا من يسلك على منوال القديسين يجعل
الرب هدفه وقصده في كل شيء، لذلك فإن بولس وهو مرتبط بالمسيح يقول “كما أنا
بالمسيح”.

لأنه
توجد أولاً كلمات مخلصنا ذاتها، إذ وهو الإله العظيم قال لتلاميذه “تعلموا
مني لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم”(6).

كذلك
عندما صب ماء في مغسل واتزر بمنشفة وغسل أقدام تلاميذه قال لهم “أتفهمون ما
قد صنعت بكم. أنتم تدعونني معلمًا وسيدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت
أنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني
أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا”(7).

 

لنقتد بالرب

آه
يا أخوتي، ما أعجب حب المخلص المملوء ترفقًا؟!

بأي
قوة، وبأي بوق يلزمنا أن نهتف صارخين ممجدين بركاته علينا؟! فلا نحمل صورته فحسب،
بل ونأخذ منه مثلاً ونموذجًا للتعييد السماوي. وكما ابتدأ هو هكذا يلزمنا نحن أن
نكمل، فلا نرتعب من الآلام، ولا نشتم من يشتمنا، بل نبارك لاعنينا. ونسلم أمورنا
في كل شيْ لله الذي يقضي بعدل(8).

(1)

(2)
أف12: 4.

(3)
1تي12: 4.

(4)
1كو25: 14.

(5)
مت40: 10.

(6)
مت29: 11.

(7)
لو12: 13-16.

(8)
1بط21: 2-23.

لأن
أولئك الذين طبعوا على هذا، وشكلوا أنفسهم حسب الإنجيل، يكونون شركاء مع المسيح، وممتثلين
بالتحول الرسولي، الذي على أساسه يصيرون مستحقين للمديح منه، ذاك الذي مدح أهل
كورنثوس عندما قال، فأمدحكم أيها الإخوة على أنكم تذكرونني”(1)..

 

لنتمسك بالتقليد وليس بتعاليم
الناس

هؤلاء
الأشرار لا يتخفون فقط من جهة الظاهر حاملين كقول الرب ثياب الحملان، ظاهرين كقبور
مبيضة، بل وينطقون بالكلمات الإلهية بينما دوافعهم الداخلية شريرة.

وأول
من أخذ هذه الصورة هو الحية، التي نفثت بالشر منذ البداية، فتحدث الشيطان (عن
طريقها) مع حواء خادعًا إياها.

وجاء
بعد ذلك أولئك الذين يبعثون بالهرطقات الباطلة، فيستخدمون كلمات الكتاب المقدس،
لكنهم لا يتمسكون بما تسلمناه من القديسين، ناظين إلى أن ما يتسلموه من القديسين
هو من تقاليد الناس. هذا خطأ، إذ هم لا يعرفون من هم القديسين ولا ما هي قوتهم؟!

لذلك
بحق مدح بولس أهل كورنثوس، لأن أفكارهم كانت متفقة مع التقاليد التي سلمهم
إياها(2).

وقد
وبخ الرب بحق اليهود قائلاً لهم “وأنتم أيضًا لماذا تتعدون وصية الله بسبب
تقليدكم؟!(3). وذلك لأنهم غيروا الوصايا التي استلموها من الله بحسب فهمهم مفضلين
إتباع تقاليد الناس.

بعد
هذا بمدة قصيرة أصدر بولس الطوباوي توجيهاته إلى أهل غلاطية الذين كانوا في خطر من
هذا، كاتبًا لهم يقول “إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن
أناثيما”(4).

 

الفرق بين التقليد وتعاليم
الناس

لا
توجد صداقة بين كلمات القديسين والأوهام التي من خلق البشر، لأن القديسين هم خدام
للحق، كارزين بملكوت السموات، أما هؤلاء الذين يسلكون في اتجاه مضاد، فأنه ليس لهم
سوى أن يأكلوا ويفكروا فيما سينتهي، قائلين “لنأكل ونشرب لأننا غدًا
نموت”(5). لذلك ينتهر لوقا الطوباوي ما هو من خلق الناس مسلمًا إيانا ما هو
مروٍ من القديسين ذاكرًا في بدء الإنجيل “إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة
في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا
للكلمة. رأيت أنا أيضًا إذ تتبعت كل شيء من ألأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك
أيها العزيز

____________

(1)
1كو2: 11.

(2)
1و2: 11.

(3)
مت3: 15

(4)
غلا9: 1.

(5)
إش13: 22.

 

ثاؤفيلس
لتعرف صحة الكلام الذي علمت به(1).

فكل
قديس من القديسين يتسلم التقاليد يساهم بغير تحريف أن يثبت تعاليم الأسرار.

لذلك
فأن الكلمة الإلهية تطالبنا بالتلمذة على يدي هؤلاء فهم معلمون لنا بالحق، ولهؤلاء
وحدهم يلزمنا أن نصغي، لأن لهم وحدهم “صادقة هي الكلمة ومستحقة كل
قبول”(2) هؤلاء ليسوا تلاميذ لأنهم سمعوا من الآخرين بل هم شهود عيان وخدام
للكلمة إذ سمعوا منه ما قد سلموه.

فالبعض
منهم يتحدث عن الأعمال العجيبة التي صنعها مخلصنا مبشرين بلاهوته السرمدي، والبعض
كتب عن ميلاده حسب الجسد من العذراء، كما أعلنوا عن ميلاده حسب الجسد من العذراء،
كما أعلنوا عن عيد الفصح المقدس قائلين “لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذبح
لأجلنا”(3) حتى أننا نتذكر كأفراد وكجماعة، فتتذكره كنائس العالم جميعها، كما
هو مكتوب أن المسيح قام من الأموات، هذا الذي من نسل داود، كما جاء في الإنجيل.

ليتنا
لا ننسى ما قد سلمه.. أي عن قيامة الرب، إذ يقول عنه أنه أباد الذي له سلطان الموت
أي الشيطان وأنه أقامنا معه، إذ حل رباطات الموت، ووهبنا بركة عوض اللعنة، وأعطانا
الفرح عوض الحزن، وقدم لنا العيد عوض النوح، ذلك في الفرح المقدس الذي لعيد
القيامة، العيد الدائم في قلوبنا، إذ نفرح به على الدوام كأمر بولس “صلوا بلا
انقطاع اشكروا في كل شيء”(4). وهكذا لا نتغافل عن أن نقدم التعاليم في هذه
المواسم كما تسلمنا من الآباء.

مرة
أخرى نكتب لكي نحفظ التقاليد الرسولية، مذكرين بعضنا بعضًا بالصلاة، حافظين العيد
معًا بفم واحد، شاكرين الرب بحق.

وهكذا
إذ نقدم الشكر للرب مقتدين بالقديسين، فأن لساننا يمجد الله اليوم كله كقول
المرتل(5).

وإذ
نحفظ العيد كما ينبغي نتأهل للفرح الذي في السماء.

__________________

(1)
لو1: 1.

(2)
1تي5: 1.

(3)
1كو7: 5.

(4)
1تس17: 5.

(5)
مز28: 35

 

موعد العيد

أننا
نبدأ صوم الأربعين في 13 من شهر
Phamenoth (9 مارس) وبعدما نصوم هذه الفترة نبدأ بأسبوع البصخة المقدس في 18
من شهر برمودة (13 أبريل)، ونحفظ العيد في أول الأسبوع أي في 24 من الشهر (19
أبريل). وبإضافة السبعة أسابيع التي للبنيكستي العظيم بفرح مقدس متهللين في ربنا
يسوع المسيح، الذي خلاله للآب المجد والسلطان في الروح القدس إلى أبد الآبدين.
آمين.

يسلم
عليكم الإخوة الذين معي.

قبلوا
بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى