الفصل الخمسون
الفصل
الخمسون
بموت المسيح افتضح ضعف المغالطين ومنافساتهم. قيامته لا مثيل لها حتى في الأساطير
اليونانية.
1 وقبل المسيح كان هناك ملوك وطغاة[1]
كثيرون فى العالم، كما سجلّ التاريخ أسماء العديد من الحكماء والسحرة بين الكلدانيين
والمصريين والهنود[2].
فمَن منهم استطاع ليس فقط بعد موته، بل فى حياته أيضًا[3]،
أن يملأ كل المسكونة بتعليمه وأن يرد كل تلك الجموع الغفيرة عن أباطيل الأوثان مثلما فعل مخلّصنا، إذ نقلهم من عبادة الأوثان إلى شخصه؟
2 لقد ألّفَ فلاسفة اليونانيين كتابات كثيرة بحكمة[4]
واضحة ومهارة فهل كان لهذه الكتابات تأثير مثل التأثير العظيم الذى لصليب المسيح؟[5]
فالفلسفة والأفكار التى علّموا بها كانت مقبولة حتى وفاتهم فقط، ولكن حتى فى أثناء
حياتهم فإن هذا التأثير العظيم كان موضع تنافس متبادل بينهم. لأنهم كانوا يغارون
من بعضهم البعض ويهاجم كل منهم الآخر[6].
3 أما كلمة الله، فالعجيب جدًا أنه بينما علّم بلغة أبسط[7]
إلاّ أنه قد حجب بنور تعليمه (تأثير) أعظم الفلاسفة، وإذ جذب الجميع إلى نفسه فإنه
قد ملأ كنائسه بينما أفرغ مدارسهم. والأمر المدهش أنه بنزوله إلى الموت كإنسان[8] أبطل
أصوات الفلاسفة وتعاليمهم عن الأوثان.
4 فهل هناك مَن كان موته يطرد الشياطين؟
أو مَن هو الذى ارتاعت الشياطين من موته كما فعلت عند موت المسيح؟ فحيث سُمّى اسم المخلّص[9] هناك يُطرد
كل شيطان. ومَن هو الذى حرّر البشر من شهواتهم النفسانية حتى صار الزناة عفيفين[10]
والقتلة لا يعودون يحملون السيف[11]
والذين كان يتملكهم الجبن قبلاً صاروا شجعانًا؟[12]
5 وبالإجمال، ما الذى أقنع سكان البلاد
البربرية والوثنيين فى كل مكان أن يتخلوا عن عنفهم الجنونى وأن يميلوا للسلام إلاّ
الإيمان بالمسيح وعلامة الصليب؟ أو ما الذى أعطى للبشر مثل هذا اليقين بالخلود كما فعل صليب
المسيح وقيامة جسده؟[13]
6
فرغم أن اليونانيين[14]
قد تكلموا بكل نوع من الأساطير الكاذبة لكنهم لم يستطيعوا أن يؤلفوا أساطير تنسب
لأوثانهم القيامة، إذ لم يخطر ببالهم أبدًا أن الجسد يمكن أن يحيا أيضًا بعد الموت[15].
وهنا نحن نقبل ما يقولونه إذ بأقوالهم هذه يكشفون ضعف عبادتهم الوثنية، وذلك يؤدى للاعتراف بقيامة المسيح بالجسد، وبذلك أيضًا يُعرف عند الكل أنه ابن الله.
1 في مقالته
ضد الوثنيين: 9ـ11 يتحدث القديس أثناسيوس عن ملوك وطغاة كثيرون قد أقامهم البشر آلهة لهم وعبدوهم.
2 في فصل47/4 ذكر
القديس أثناسيوس أن السحر الذي كان منتشرًا بين الكلدانيين والمصريين والهنود كان يبعث
الخوف والرهبة في كل مَن شهده.
3 في فصل 49/5
يقارن القديس أثناسيوس (في صيغة سؤال استنكارى) بين أعمال السيد المسيح التي تمت بعد موته وقيامته وأعمال أى إنسان آخر. وهنا في هذا
الفصل (وباستخدام سؤال استنكارى أيضًا) يقارن بين أعمال السيد المسيح التي عملها
أثناء حياته بالجسد وبين أعمال البشر.
4 في الفصول
71ـ79 من كتابه ” حياة انطونيوس ” يسرد القديس أثناسيوس الحوار الذي جرى
بين الأنبا انطونيوس واثنين من الفلاسفة اليونانيين وفي الفصول 77ـ79 يورد رد
الأنبا انطونيوس فيما يتعلق بعلاقة الإيمان بالحجج الفلسفية فيقول ” إننا نحن
المسيحيين نتمسك بالسر لا في حكمة الحجج الفلسفية بل في قوة الإيمان أننا نحن الآن
مدعمون بالإيمان بالمسيح أما أنتم فتعتمدون على مماحكاتكم الكلامية، هوذا خرافات
الأوثان قد تلاشت، أما إيماننا فيمتد في كل مكان. هوذا أنتم بحججكم
ومماحكاتكم لم تحولوا أحد من المسيحية إلى الوثنية أما نحن فإذ ننادى بالإيمان
ندحض خرافاتكم. لأن الجميع يعترفون بأن المسيح هو الله وابن الله، وبينما أنتم بفصاحتكم لا تعطلون تعليم المسيح فإننا
نحن فبمجرد ذكر المسيح مصلوبًا نطرد كل الشياطين التي تخشونها كأنها آلهة. فحيث
وُجدت اشارة الصليب ضعف السحر وتلاشت قوة العرافة” (فصل78).
2 يرى القديس
أثناسيوس أن عدم اتفاق اليونانيين فيما بينهم يدل على عدم صحة تعاليمهم، وعلى
العكس من ذلك فإن اتفاق آباء الكنيسة على العقيدة السليمة يؤكد صحتها وحقيقتها،
فيقول في كتاب دفاعه عن مجمع نيقية فصل 4: ” إن اليونانيين إذ لا يشهدون لنفس
العقائد بل يشكك كل منهم في تعايم الآخر فإن تعاليمهم لا تحوى أى حقيقة، أما
القديسون الحقيقيون والذين يعلنون الحقيقة فهم متفقون معًا ولا يختلفون فيما بينهم
فبالرغم من أنهم عاشوا في أزمنة مختلفة، إلاّ أنهم يتبعون نفس الطريق لكونهم
أنبياء لله الواحد ويبشرون برأى واحد عن الكلمة.
4 موت السيد
المسيح بالجسد اعتبره كل من اليهود والوثنيين أنه ضعف ودليل على أن السيد المسيح ليس هو الله انظر فصول31 وما بعده. غير أن المدهش هو أنه بالموت على الصليب صارت النصرة على الموت انظر فصول27ـ29.
1 هنا يوضح
القديس أثناسيوس ما سبق ذكره في فصل 49/3 عن الفرق بين تعاليم السيد المسيح وتعاليم الفلاسفة بالنسبة للأمور الأخلاقية.
2 استخدام
السيف لا يدل على أن المرء يتمتع بفكر راجح ” كما لو أصيب إنسان بآفة في عقله
وطلب سيفًا ليشهره ضد كل من تعبه وظن أن هذا هو العقل السليم ” انظر ضد الوثنيين4/1، كما أن السيف مؤذٍ ”
فاليد تستطيع أن تستل السيف والفم يقدر أن يذوق السم لكن كليهما لا يعرف أن هذه
مؤذية إن لم يقرر العقل ذلك ” انظر ضد الوثنيين31/5. والوثنيون تلطخت أذهانهم
بالخطية انظر فصل14 ولهذا لم يستطيعوا أن يردوا الإنسان للصواب ويقنعوه بتغيير
مسلكه.
3 في فصل 30
ذكر القديس أثناسيوس أن هذا التحول في حياة البشر هو برهان على حقيقة القيامة وإبطال الموت. راجع أيضًا فصل 28/1
حيث يشير إلى شجاعة الشبان في مواجة الموت بعد أن صار ضعيفًا بقيامة السيد المسيح. وفي فصل 47/5 يركز عن أن تعاليم الفلاسفة لم تقنع أحدًا بأن
يحتقر الموت ويتأمل في الخلود ويتغاضى عن الزمنيات وينظر إلى الأبديات.