علم

الخلاص فى حياة آباء البرية



الخلاص فى حياة آباء البرية

الخلاص
فى حياة آباء البرية

القمص
بطرس وليم

الكنيسة
المرقسية الكبرى بالأزبكية

مقدمة

+
نحن في حرب لم نعرف نتيجتها بعد لأنه من الجائز ان يكسب انسان الجولة الاولى ويخسر
في الجولة الثانية عشر… من يضمن النصر قيل النهاية؟ “فَإِنَّ
مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ
السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ
أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ” (أف 12: 10)
ولايستطيع محارب أن يقول أنه انتصر إلا بعد نهاية الحرب أي بعد خلع هذا الجسد…

 

+
لذلك يقول الرسول” تمموا خلاصكم بخوف ورعدة” (في12: 2) ويقول ايضا
” انظروا الى نهاية سيرتهم” (عب 7: 13).

+
ويقول كذلك “هَكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضاً، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ
يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ
لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ” (عب28: 9).

+
ويقول لتمليذه تيموثاؤس ” لاحظ نفسك وداوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا، تخلص
نفسك والذين يسمعونك ايضا ” (1تي16: 4)

وقد
ظهرت بعض مفاهيم ومبادىء هذا الخلاص في حياة آباء البرية وفي سيرتهم العطرة
المملؤة بالفضائل وفي تعاليمهم ورسائلهم.. منها:

 


أهمية الأعمال فى الحصول على الخلاص.


الجهاد والنعمة.


الروح القدس وعمله فى الخلاص.


المسيح هو مخلصنا الصالح وانه لا خلاص إلا بدم المسيح.


تتميم الخلاص بخوف ورعدة.

 

1-
أهمية الأعمال في الحصول على الخلاص:

الأعمال
الصالحة لا يتم الخلاص بسببها ولكنها لازمة للحفاظ على هذا الخلاص الذى لا يكون
الا بدم المسيح وحده. فمثلا:

 

من
سيرة الانبا شنودة رئيس المتوحدين

[…
كان على الأنبا شنوده ان يتعمق في النسك والتقشف حتى يصل إلى مرتبة الكمال الروحي
وقد تطلب هذا الامر مجهودا شاقا لقد كان عليه ان يحارب الشهوات ولا سيما وهو في سن
الشباب ثم كان عليه ان يتقوى بالسلاح الكامل ليصد مكايد عدو الخير. لقد كان الأنبا
شنوده في حياته الديرية يقوم بأمرين هامين بجانب الدراسة أولهما هو الصلاة والصوم
وثانيهما العمل اليدوي حسب القوانين الديرية حتى ينتج ما يكفيه من القوت وهو في
ذلك صابرا صائما طوال يومه ليأكل عند غروب شمس كل يوم خبزا وملحا ويشرب كوبا من
الماء بينما يقضى طوال ليله قائما للصلاة ويقال عنه انه كان يذهب في بعض الأيام
الى جوار بركته القديمة ليصلي طوال الليل ويداه مبسوطتان مثل الصليب موصيا ألا
يأتي احد اليه ليقطع صلته الروحية بربه ثم عند الفجر ينسل راجعا للدير..]

 

ومن
رسائل الانبا انطونيوس ابو الرهبان (الرسالة الثالثة)

[أما
بالنسبة لي انا الأسير الفقير ليسوع فان الوقت الذي نعيش فيه قد تسبب في فرح ونوح
وبكاء لان الكثير من جنسنا (الرهبان) قد لبسوا الثوب الرهباني ولكنهم انكروا قوته.
أما الذين اعدوا انفسهم للخلاص بمجئ يسوع، فهؤلاء أنا أفرح بهم. اما الذين يتاجرون
باسم يسوع بينما هم يعملون مشيئة قلوبهم واجسادهم فهؤلاء انا انوح عليهم أما الذين
نظروا الى طول الوقت وخارت قلوبهم وخلعوا ثوب الرهبنة وصاروا وحوشا فإنا أبكي
لأجلهم. لذلك اعلموا أن مجئ يسوع يصير دينونة عظيمة لمثل هؤلاء لكن هل تعرفون
نفوسكم يا أحبائي في الرب لكي تعرفوا ايضا هذا الوقت وتستعدوا بتقديم نفوسكم ذبيحة
مقبولة لدى الله وبكل يقين يا احبائي في الرب انا اكتب لكم كأناس حكماء قادرين ان
يعرفوا انفسهم وانتم تعرفون ان من يعرف نفسه يعرف الله وان من يعرف الله يعرف ايضا
تدابيره التي يصنعها من اجل خلائقه.

….
هيئوا نفوسكم طالما أن لكم من يتوسلون عنكم لله لأجل خلاصكم، لكى ما يسكب الله فى
قلوبكم النار التى جاء يسوع لكى يلقيها على الأرض “جِئْتُ لأُلْقِيَ نَاراً
عَلَى الأَرْضِ فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟” (لو49: 12)، لكى
تستطيعوا أن تدربوا قلوبكم وحواسكم وتعرفوا كيف تميزوا بين الخير والشر واليمين من
الشمال والحقيقة من الوهم].

 

2-
الجهاد والنعمة:

إن
كانت الاعمال لازمة كثمرة للخلاص فهل يخلص الانسان بجهاده ضد الخطية أم بنعمة
الروح القدس العاملة معه؟

 

لا
يمكن للإنسان ان يخلص بجهاده وحده فقد قال السيد المسيح له المجد “بدوني لا
تقدرون ان تفعلوا شيئا” (يو 15: 15)؛ وايضا النعمة وحدها لا تشاء ان تخلصك
بدون استجابة ارادتك لها. إنصت إلى قول القديس يوحنا ذهبي الفم [… ان الله لا
يريدنا ان نكون مستلقين على ظهورنا ويعطينا الملكوت لذلك فالنعمة لا تعمل كل شئ
وحدها…] فهي ليست مجالا للكسل والتهاون والتراخي.

 

وقد
أعطى الانبا باخوميوس أب الشركة ملخصا لجهاده عندما جمع الاخوة ورؤساء الأديرة قبل
نياحتة بثلاثة ايام وقال لهم:

 

[أنتم
تعرفون قصدي فقد سرت بينكم دون ان انتهر احدا بفظاظة كمن له سلطان، انما كنت اجتهد
من اجل خلاص نفوسكم فقط.

 

كما
أنني لم انقل أحدا من موضع الى اخر، او من عمل الى اخر الا وانا عالم ان هذا لخيره…
لم أكافئ أحداً شراً بشر، ولا لعنت انسانا كان لعنني مضطجرا غاضباً، إنما كنت أؤدب
بدعة وطول أناة حتى لا يخطئ الى الله الذي خلقه. لم يعاتبني احد فتذمرت حتى لو كان
ذلك الشخص صغيراً، انما كنت اقبل الكلام من اجل الرب، كما لو ان الرب ارسله الىَّ.
ولم امضى قط الى مجمع او موضع كمن له سلطان عليه ولا طلبت دابة اركبها من موضع الى
اخر بل كنت اسير على رجلي بشكر… فان كان احدكم يجري ورائي بدابة ويطلب مني ان
اركبها اسمع له ان كان جسدي ضعيفا، اما اذا كان قويا فما كنت اقبل. اما بالنسبة
للاكل والشرب او ما اشبه ذلك من راحات الجسد فانتم لستم غير عارفين بها… انتم
تعملون كيف كنت اهتم بها].

 

كذلك
الانبا انطونيوس في سيرته العطرة:

[كان
دائما يحث النساك الذين يزورونه على الايمان بالله وعلى محبتهم له، وحفظ انفسهم من
الافكار الشريرة واللذات الجسدية، وشبع البطن.. “لا تنخدعوا بشبع البطن”
(امثال 15: 24) وعلى تجنب المجد الباطل، والترتيل قبل النوم وعند الاستيقاظ،
والصلاة المستمرة، وحفظ وصايا الكتاب المقدس عن ظهر قلب وتذكر أعمال القديسين
وتقليد غيرتهم كيما تفكر نفوسهم في الوصايا].

 

اما
الانبا شنودة رئيس المتوحدين فيذكر الانبا ويصا تلميذه في سيرته:

[لما
حلت جمعة الألام صنع خشبة مثال الصليب المقدس وربط نفسه عليها ووقف وهو مبسوط
اليدين كخشبة الصليب ولم يزل قائما هكذا وهو قدام صدره الى تمام الاسبوع وكان يصنع
ذلك كأنه يتألم مع سيده ويصلب اعضاءه.. ان فضائله كثيرة يطول شرحها مما كان يكابده
من مشقات العبادة منذ شبابه الى حد الشيخوخة الحسنة. ودفعة اقام شهرا من الايام
يعيش بنصف خبزة واحدة مغموسة بملح وانه اكمل سيرة الرهبنة بنسك عظيم وصلوات كثيرة
وكان يصلي اثنى عشر صلاة ويضرب في كل صلاة اربعة وعشرين مطانية في كل حين وكان لا
ينام الليل البته الا وقت الصباح يجيه نعاس قليل ودموع كثيرة ولا يأكل خبزا سوى
بقل وحبوب وقد رق عظمه وذبل جسمه. ومع هذا كله لم يخلو الأنبا شنوده من التداريب
في هذه الفترة الاولى من حياته اذ يقال انه بينما كان يعمل بعض الاعمال اليدوية
حسب قوانين الدير جاءه الشيطان في شكل ملاك وقال له انني مرسل اليك لأعزيك فكف عن
الصلاة وانتقل من هذا القفر الى الريف لتأكل الخبز مع الاخوة وانه سيعطي لك عمرا
مديدا ولكن إن ظللت في هذا التقشف والجهد فانك ستموت…. وحلل القديس هذا الكلام
فوجده متناقضا لذلك رد على هذه المكيدة بقوله (اذ كنت انت ملاكا بالحقيقة اتيت
لتعزيني فابسط يديك مثال الصليب وصلي للرب يسوع) فلما سمع عدو الخير ذكر الصليب
واسم يسوع انصرف في الحال وفشلت تلك المؤامرة التي دبرها للقديس الأنبا شنوده].

 

كذلك
من أقوال القديس مقاريوس الكبير عن النعمة:

[الانسان
الاول لما رأى نفسه عريانا خجل فما اعظم فضيحة العري، فان الجسد اذا تعرى هكذا
يعرضنا لفضيحة كبرى، فكم تكون النفس العارية من القوة الالهية التي لم تكتس
باللباس الابدي الروحاني الذي هو الرب يسوع المسيح نفسه. لذلك فكل من كان غير مكتس
بذلك المجد الالهي يجب ان يستحي ويقر بفضيحته كما استحى آدم من عري جسده… ويطلب
من المسيح ليكسوه بالمجد والنور. ومع ان آدم ستر نفسه بورق التين ألا ان خجله لم
يفارقه لعلمه بفقره وعريه، هكذا ينبغى ان لا تنخدع النفس بزعمها انها بارة وان
عليها لباس الخلاص وهي في الحقيقة قد عملت لنفسها غطاء من الافكار الباطلة. فان
استند احد على بره ولم يطلب بر الله البر الحقيقي الذي هو يسوع المسيح الذي جعله
الله لنا برا وقداسة وفداء كما قال الرسول بولس (1كو30: 1) فان تعبه يصبح باطلا
ولا تكون له فيه ثمرة لان كل بر الأنسان يصير في اليوم الاخير بمنزلة خرقة نجسة
كما قال النبي إشعياء (إش 6: 46)… فلنطلب اذن، من الله بتوسل وصلاة لكي نلبس
لباس الخلاص الذي هو الرب يسوع المسيح النور الفائق الوصف الذي اذا لبسته النفس لا
ينزع منها قط. هكذا النفس التي جرحت بشهوات الفساد والتي عميت بظلمة الخطي فهي لا
تزال على كل حال لها ارادتها حتى تصرخ الى يسوع تناديه ليأتي اليها بنفسه ويصنع
لها فداء ابدياً].

 

3-
الروح القدس وعمله في الخلاص:

تقول
البركة الرسولية “نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع
جميعكم” (2كو14: 13) فما معنى شركة الروح القدس؟؟

إنها
شركة بين اثنين يعملان معا سويا الروح القدس والانسان. فالروح القدس يقدر أن ينقذك
وينجيك، ولكنه لا يشاء أن يفعل هذا بمفرده، وإنما يريدك أن تشترك معه فى تدبير
حياتك… وهذه هى شركة الروح القدس.

لعلك
تحتج وتقول: كيف هذا؟! ألا يستطيع الروح القدس وحده أن يخلصنى؟ نعم إنه يستطيع، ولكنه
لا يشاء لأنه ليست فى سياسة الله أن يرغمك على عمل الخير، لأن العمل الذى لا إرادة
لك فيه، لا يجوز مطلقا أن تكافأ عليه.

لو
إن الروح القدس هو وحده الذى يعمل، فلماذا اذن وجد أبرار وأشرار؟ لو إن الأمر
يتلخص فى عمل الروح القدس وحده، ما وجد خاطىء واحد على الأرض. إن الروح القدس
يستطيع أن يجعل الخاطىء يتوب ولكنه لا يشاء أن يفعل هذا ما لم تتحد إرادة الخاطىء
معه.. انها شركة.

 

ففي
عظات القديس مقاريوس الكبير مصباح برية شيهيت عن نار الروح القدس وفداء المسيح
(العظة الحادية عشرة):

[إن
تلك النار السماوية نار اللاهوت التي تعمل فى قلوب المسيحيين من الداخل الآن وهم
في هذا العالم الحاضر هذه النار نفسها سوف تصير ظاهرة من الخارج حينما ينحل الجسد
ويتحلل ثم تجمع الأعضاء ثانية وتسبب (هذه النار) قيامة الأعضاء التي كانت قد انحلت
واضمحلت… فكما ان النار التي كانت تتقد على المذبح في أورشليم، ظلت مدفونة في
حفرة اثناء فترة السبي، وعندما حل السلام ورجع المسبيون الى اورشليم تجددت هذه
النار نفسها واشتعلت كما كانت سابقا قبل السبي (انظر 2مكابيين 19: 1-22) هكذا الآن
ايضا فان النار السماوية تعمل في هذا الجسد الذي ألفناه – هذا الجسد الذي فى
انحلاله (بالموت) يتحول إلى فساد – ستجدد هذا الجسد وتقيمه بعد ان يكون قد اضمحل
وفسد.. ان النار الداخلية التي تسكن الان في القلب سوف تستعلن حينئذ من الخارج،
وتتم قيامة الجسد. وكما ان الثلاثة فتية كان لهم افكار البر فقبلوا نار الله في
داخلهم وعبدوا الرب بالحق كذلك الآن فان النفوس المؤمنة تنال النار الالهية
السماوية في انسانها الداخلي وهي في هذا العالم وتلك النار نفسها تطبع صور سماوية
في طبيعتهم البشرية. وكما ان الاسرائيليين طرحوا الاواني الذهبية في النار فصارت
صنما كذلك الانسان الان قد سلم افكاره النقية الصالحة للشر فاندفنت في وحل الخطية
وصارت صنماً… وما الذي يفعله الانسان حتى يكتشفها ويعرفها ويميزها ويطرحها بعيدا
عن ناره الخاصة؟.. هنا تحتاج النفوس الى المصباح الالهي وهو الروح القدس الذي ينير
ويجدد البيت المظلم… ان النفوس تحتاج الى شمس البر الساطعة التي تضئ وتشرق على
القلب وهي السلاح الذي تكسب به المعركة.

وفي
حالة تلك المرأة التي أضاعت الدرهم فإنها أوقدت المصباح اولاً وبعد ذلك كنست البيت
وهكذا اذ كنست البيت والمصباح مشتعل فقد وجدت الدرهم المفقود مدفوناً في التراب
والوسخ….

هكذا
النفس ايضا لا تستطيع من ذاتها ان تجد افكارها وتميزها وتحررها ولكن حينما يوقد
المصباح الالهي فإنه ينير البيت المظلم، وحينئذ تنظر النفس افكارها وكيف كانت
مدفونة في وحل ووسخ الخطية. وتشرق الشمس وترتفع فترى النفس حينئذ هلاكها وتبدأ في
استراداد افكارها التي كانت مشتتة ومختلطة بالوسخ وعدم الطهارة، لان النفس في
الحقيقة كانت قد طمست صورتها حين خالفت الوصية].

 

ومن
رسائل القديس انطونيوس(الرسالة الثالثة) يتكلم عن الروح القدس وعمله في العهد
القديم والعهد الجديد:

[إن
نفس الروح الذى كان مع موسى النبى كان يعمل أيضا فى جماعة القديسين (جوقة
الأنبياء) وإنهم جميعا صلوا لابن الله الوحيد… واذ كانوا لابسين الروح رأوا أنه
ولا واحد من الخليقة قادر أن يشفي هذا الجرح العظيم وانما فقط صلاح ونعمة الله أي
ابنه الوحيد الذي ارسله ليكون مخلصا للعالم كله].

 

4-
المسيح هو مخلصنا الصالح ولاخلاص الا بدم المسيح وحده:

لا
إيمان ولا أعمال بدون هذا الدم. إن الإيمان هو إيمان بدم المسيح، والأعمال هى
أعمال مؤسسة على استحقاقات دم المسيح. وكما يقول الرسول بولس: “بدون سفك دم
لا تحدث مغفرة ” (عب 22: 9).

لا
يوجد خلاص إلا بدم المسيح، جميع الأعمال الصالحة مهما سمت، مهما علت، مهما كملت،
لا يمكن أن تخلص الإنسان بدون دم المسيح. لذلك فإن الأبرار الذين أرضوا الرب
بأعمالهم الصالحة فى العهد القديم، إنتظروا هم أيضا فى الجحيم إلى أن أخرجهم منه
السيد المسيح بعد صلبه. ان الأعمال الصالحة وحدها لا يمكن أن تخلص الإنسان بدون
الإيمان بدم المسيح. وإلا كان الوثنيون ذوو الأعمال الصالحة يخلصون بأعمالهم!!
حاشا. لأنه بدون دم المسيح لا يمكن للأعمال أن تفيد شيئا..

 

لهذا
نجد فى سيرة الأنبا انطونيوس:

[بعد
ذلك اتى لزيارته بعض الفلاسفة الاخرين الذين يحسبهم اليونانيون حكماء، وطلبوا منه
كلمة في الايمان بالمسيح. ولما حاولا استعمال القياس المنطقي على بشارة الصليب
الإلهي وذلك بهدف السخرية بقى صامتا لفترة وجيزة،لأنه اشفق في البدء على جهلهم. ثم
قال بواسطة مترجم نقل كلامه بدقة: أيهما أفضل، الإعتراف بالصليب،أم نسب دعارة وفسق
بالغلمان الى تلك التي تسمى الهتكم؟ لأن مانؤمن به دليل شجاعة وازدراء بالموت، أما
ما تؤمنون به فهو أهواء دنيئة وشهوات الخلاعة فأيهما أفضل أن نقول ان كلمة الرب
بقى من غير تغير بعد أن اتخذ جسدا بشريا لكي يجعل البشر مشاركي الطبيعة الالهية
والروحية، أو تشبيه الإله بالحيوانات عديمة الحس وبالكائنات التي لا عقل لها فنكون
بذلك قد قدمنا العبادة الى ذوات الاربع والزحافات واصنام البشر؟ فأنتم أيها الحكماء
تحترمون هذه الأمور فكيف تجرؤون على السخرية منا نحن الذين نقول ان المسيح ظهر
كأنسان في الوقت الذي تفصلون فيه النفس عن السماء وتزعمون انها ضلت وسقطت من قوس
السماء على جسم الانسان ويا ليتكم تؤمنون بأنها تنتقل وتنحدر الى الجسم الانساني
من دون انحدارها الى الزحافات والبهائم ذوات الأربع. لأن إيماننا يعلم بأن المسيح
أتى كأنسان لخلاص البشراما انتم فتضلون عندما تتكلمون على نفس غير مخلوقة. وفى حين
أننا ندرك قوة العناية الإلهية ومحبتها للبشر، وندرك أن هذا غير مستحيل عند الله.

 

اننا
لا نملك سر الحياة المسيحية في حكمة كلام اليونانيين (انظر 1كو17: 1) بل في قوة
الايمان الذي منحنا اياها الله بيسوع المسيح والدلالة على صحة كلامنا اننا نؤمن
بالله ونميز بواسطة مخلوقاته عنايته في كل الامور مع اننا لم نتلق العلم. والدلالة
على فاعلية إيماننا اننا نستند الى الايمان بالمسيح، بينما تعتمدون أنتم على
فلسفتكم الكلامية. ان صور اوثانكم تضمحل وتتلاشى اما ايماننا فينتشر في كل مكان
انتم لا تستطيعون عن طريق قياسكم المنطقي وسفسطتكم أن تربحوا مسيحيا واحدا
بإقناعكم اياه. أما نحن فاذ ننادي بالايمان بالمسيح نعري بالايمان خرافاتكم لان
الجميع يعترفون بان المسيح هو الله وابن الله. أنتم لا تعيقون بكلامكم الجميل
تعليم المسيح اما نحن فبمجرد ذكرنا المسيح المصلوب نطرد الشيطان التي تحترمونها
أنتم كآلهة فحيث توجد إشارة الصليب يضعف السحر وتتلاشى قوة العرافة.

 

قولوا
لي أين سحركم الان واين هم سحرة مصر اين هي أوهام وضلالات السحرة؟ متى ضعفت هذه
وبطلت أليس عند ارتفاع صليب المسيح؟ فاما ان يكون الصليب مستحقا الهزء او ان تكون
الامور التي ابطلها بلا قوة؟ ومما يدعو للعجب ان عبادتكم للوثن لم تضطهد بعد لان
الجميع يكرمونها في كل مدينة أما المسيحيون فيضطهدون دائما، ومع ذلك فان ايماننا
يزدهر ويزداد أكثر من ايمانكم. وعلى الرغم من ان ايمانكم يتلقى دعما واكراما ويتخذ
صفة رسمية فاننا نراه يضعف ويتبدد في حين ان الايمان بالمسيح وتعليمه ملأ المسكونة،
رغم هزئكم بهما ورغم اضطهاد الملوك لهما.

 

متى
اصبحت معرفة الله لامعة هكذا؟ متى ظهرت العفة وفضيلة البتولية وضبط النفس على هذا
النحو؟ ومتى احتقر الموت الى هذا الحد إلا عندما رفع الصليب؟ لا يقدر احد ان يشك
في هذا لأنه يرى بعينيه الشهداء وهم يحتقرون الموت من اجل المسيح، والعذراى وهن
يحفظن اجسادهن بعفة وطهارة بلا دنس من اجل المسيح.

 

هذه
الاشارات كافية للدلالة على ان الايمان بالمسيح هو وحده الامر الحقيقي لاتقاء الله.
أنتم لا تؤمنون بالله لأنكم تطلبون مقاييس منطقية. نحن لا نعتمد على أساليب الحكمة
اليونانية في الاقناع كما قال معلمنا بولس (1كو4: 2) بل نقنع بالايمان الذي يسبق
البراهين المنطقية. وكان هناك في ذلك المكان مرضي يعانون من الشياطين فأتى بهم الى
الوسط وقال: ابرئوا هؤلاء بقياسكم المنطقي أو بأي فن آخر أو بالسحر وادعوا أصنامكم
وإذا كنتم لا تقدرون ان تخرجوا الشياطين فأوقفوا حربكم ومنازعتكم ضدنا لتروا قوة
صليب المسيح ولما قال هذا دعا المسيح ورسم إشارة الصليب ثلاث مرات على المرضى.
فنهضوا للحين أصحاء كاملي العقل ومسبحي الرب.

 

فتعجب
أولئك المدعوون فلاسفة واندهشوا جداً من حكمة الرجل ولهذه الآيات التي حصلت على
يده فقال لهم أنطونيوس لم تتعجبون من هذا نحن لا نفعل هذه الأمور بقوتنا بل ان
المسيح يفعلها بواسطة المؤمنين به. آمنوا لتروا أن ما نؤمن به ليس فناً من فنون
الكلام، بل الايمان العامل بالمحبة في المسيح (غلاطية 6: 5). واذا اقتنيتم الايمان
لن تطلبوا فيما بعد براهين منطقية، بل ستدركون انه أمر كاف. هذه هي أقوال انطونيوس
أما هم فتعجبوا من هذا وانصرفوا مقبلين إياه ومعترفين بالفائدة التي نالوها منه].

 

ومن
عظات القديس مقاريوس الكبير في العظة الحادية عشر:

[ولذلك
فقد جاء الذي خلق النفس والجسد اي المسيح، جاء بشخصه وأبطل كل عمل الشرير، وكل
أفعاله التي عملها عدو الخيرفي أفكار البشر وجدد وأعاد خلقة الصورة السماوية، لكي
يصنع تجديدا للنفس لكي يعود آدم مرة اخرى ملكا وسيدا على الموت… وفي ظلال
الناموس سمى موسى مخلصا لاسرائيل لأنه اخرجهم من مصر وكذلك الآن فان المسيح المخلص
والمحرر الحقيقي يدخل الى مكامن النفس الخفية ويخرجها من ظلمة مصر ومن النير
الثقيل والعبودية القاسية المرة ولذلك فهو يأمرنا ان نخرج من العالم ونصير فقراء
في الأمور المادية المنظورة ولا نهتم بالإهتمامات الأرضية، بل نقف ليلاً ونهاراً
على الباب وننتظر الوقت الذي يفتح فيه الرب القلوب المغلقة ويسكب علينا موهبة
الروح القدس. ولكن ما المقصود بالحية الميتة؟ الحية المثبتة على راس الساري كانت
تشفي اولئك الذي لدغتهم الحيات.

 

فالحية
النحاسية التي بلا حياة قد أبطلت فعل سم الحيات التي فيها حياة. وهذا رمز إلى جسد
الرب فالجسد الذي أخذه من العذراء مريم الدائمة البتولية، قد قدمه على الصليب،
وعلقه هناك مثبتا على الخشبة وهذا الجسد المائت على الصليب غلب وقتل الحية التي
تعيش وتزحف داخل القلب. هو أعجوبة عظيمة كيف ان حية مائتة ذبحت الحي، ولكن كما ان
موسى صنع أمرا جديدا لما عمل حية من نحاس، هكذا الرب أيضا قد صنع شيئا جديدا من
العذراء مريم، ولبس هذا الجسد بدلا من أن يحضر معه جسدا من السماء فالروح السماوي
دخل في الطبيعة الإنسانية وعمل فيها، وجعلها تدخل في شركة مع اللاهوت إذ لبس الجسد
البشري الذي صوره وشكله في بطن العذراء. وكما ان الرب لم يأمر بصنع حية من نحاس في
العالم إلا في عهد موسى، هكذا ايضا لم يظهر في العالم جسد بلا خطية الا جسد الرب
يسوع. لانه حينما تعدي آدم الأول الوصية، ملك الموت وتسلط على جميع ابنائه بدون
استثناء ولذلك جاء الرب وغلب بجسده المصلوب الحية العائشة].

 

5-
تتميم الخلاص بخوف ورعدة:

ان
سير القديسين ليست مجرد تاريخ ولا مجرد وقائع واحداث، انها مشاعر ومشاعل… انها
شركة اناس مع الروح القدس في كل مايحيط بهم… انها عمل النعمة في قلوب استسلمت
ارادتها لعمل النعمة.. في حياة القديسين نري المبادئ الروحية ممثلة عمليا. ونثق ان
الفضائل ليست أمورا نظرية بل هي واقع ملموس. فنثق ونطمئن ان طريق الكمال ممكن
التنفيذ….

 

من
سيرة الأنبا باخوميوس:

[لقد
سئل القديس باخوميوس مرة: قل لنا منظرا من المناظر لنستفيد منها تخشعا وايقاظا؟
اجاب: إن من كان مثلي سقيما وخاطئا اثيما لن يعطي المناظر الروحية والاستعلانات
الالهية ولا يتجاسر احد على طلب هذا من الله لئلا يكون مخالفا لارادته. ومن توقح
وطلب ذلك فهو من الجهلاء. بل إن شئت ان ترى منظرا الهيا وتشاهد امرا بهيا يفيدك
فأنا ادلك: وهو متى رأيت شخصا ورعا متضع القلب طاهرا فهذا اعظم من سائر المناظر
لأنك تشاهد الله غير المنظور في هذا الانسان المنظور فعن أفضل من هذا المنظر لا
تسأل… ]

 

وقد
ظهر اتضاع الأنبا باخوميوس في تطبيقات عملية كان يحيا بها ويطالب أولاده الرهبان
ان يسلكوا بها منها:

 

1-
عدم اشتهاء صنع المعجزات:

سمع
جماعة من الرهبان الهراطقة بسيرة الأنبا باخوميوس فأرسلوا اليه بعضهم لابسين جلودا.
الذين التقوا بأولاد باخوميوس وقالوا لهم ان كبيرنا مقدونيوس قد أرسلنا الى ابيكم
قائلا: ان كنت رجل الله حقا وما سمعناه عنك صحيحا فتعال نعبر انا وانت النهر
ماشيين بأرجلنا على سطح الماء فيعرف كل واحد عمليا من منا له دالة عند الله.

 

فلما
سمع الاخوة بذلك اخبروا أباهم بالقول. أما هو فقال لهم لماذا سمحتم لأنفسكم أن تسمعوا
مثل هذا القول لأن مثل هذه الامور لا ترضي الله وهي لا تتناسب مع سيرتكم.

سألوه:
وهل يتجاسر هرطوقى بعيد عن الله ان يستدعيك لمثل هذا العمل؟!

أجابهم:
قد يمكن لهرطوقى أن يعبر النهر كعبوره على أرض يابسة، بمظافرة الشيطان له، وبسماح
من الله… لذلك إمضوا وقولوا لهؤلاء المخدوعين: هكذا قال عبد الله باخوميوس ان
حرصى واجتهادى لا أن أعبر على سطح ماء النهر ماشياً، بل كيف يمكننى أن أفلت من حكم
الله وقصاصه…

 

وبقوله
هذا إقتنع الإخوة بعدم افتخارهم بأعمالهم وعدم اشتهائهم صنع المعجزات. إذ هى
لاتشغل أذهان المؤمنين، إنما ترتفع أنظارهم دوماً إلى تلك المعجزة الخالدة
“ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه
عمانوئيل” (أش 14: 7). وعندما طلب الناس من الرب معجزة رفع انظارهم إلى موته
ودفنه وقيامته (مت 39: 12،40)… ففى هذا الفداء يكفى الحب الإلهى العجيب… معجزة
المعجزات الأبدية. من أجل هذا نحتاج كمؤمنين الى روح التميز غير طالبين معجزة أكثر
من أن يكون لنا نصيب مع الرب فى الحياة الأبدية، لئلا تصير لنا شهوة صنع المعجزات
فخاً يستخدمه الشيطان ويضللنا خلاله.

 

2-
عدم تميز نفسه عن أولاده:

لقد
كان لباخوميوس مكانته فى قلوب أولاده الذين فى الاديرة الباخومية جميعها، وهى
حوالى عشرة أديرة، وإذ كان يعمل بروح الرب كان خادماً للجميع لايميز نفسه عن أحد
منهم بحجة انه الرئيس الأعلى للاديرة والمسئول عن تدبير جميعها وتنظيمها.. لكنه فى
أبوة متضعة كان يخضع للكل، يود أن يخدم الجميع. فقد قيل عنه أنه مضى يوما لقضاء
أمر ما، وكان على كل راهب أن يحمل بعض الخبز، فقال له شاب: حاشاك أن تحمل شيئاً يا
أبانا هوذا قد حلمت كفافى وكفافك. أجابه الآب: لا يكن هذا. أن كان مكتوب عن الرب
أنه يليق به أن يتشبه باخوته فى كل شىء. فأنا الحقير كيف أميز نفسى عن أخوتى ولا
أحمل حملى مثلهم؟! من أجل هذا كانت بعض الاديرة فى انحلال لأن صغارهم مستبعدون
لكبارهم.

 

وقد
ظهر عدم ادانه القديس مقاريوس الكبير للآخرين من سيرته:

[كان
فى بعض القلالى أخ صدر منه امر شنيع، وسمع به الاب المغبوط مقار المصرى، ولم يرد
أن يبكته، فلما علم الأخوة بذلك لم يستطيعوا صبراً، فمازالوا يراقبون الأخ إلى أن
دخلت المرأة عنده، فأوقفوا بعض الأخوة لمراقبته، وجاءوا إلى القديس أبا مقار. فلما
أعلموه قال: يا أخوة لا تصدقوا هذا الأمر، وحاشا لأخينا المبارك من ذلك. فقالوا: يا
أبانا، إسمع وتعال لتبصر بعينيك حتى يمكنك أن تصدق كلامنا. فقام القديس وجاء معهم
إلى قلاية ذلك الأخ كما لو كان قادماً ليسلم عليه وأمر الأخوة أن يبتعدوا عنه
قليلاً.

 

فما
أن علم الأخ بقدوم الأب حتى تحير فى نفسه، وأخذته الرعدة وأخذ المرأة ووضعها تحت
ماجور كبير عنده، فلما دخل الأب جلس على الماجور، وأمر الإخوة بالدخول. فلما دخلوا
وفتشوا القلاية لم يجدوا أحد ولم يمكنهم أن يوقفوا القديس من على الماجور، ثم
تحدثوا مع الأخ وأمرهم بالإنصراف. فلما خرجوا أمسك القديس بيد الأخ وقال: يا أخى
على نفسك أحكم قبل أن يحكموا عليك، لأن الحكم لله. ثم ودعه ومضى، وفيما هو خارج،
إذ بصوت أتاه قائلاً: طوباك يا مقار الروحانى، يا من تشبهت بخالقك تستر العيوب
مثله. ثم أن الأخ رجع إلى نفسه وصار راهباً حكيماً مجاهداً وبطلاً شجاعاً].

 

[إعتادوا
أن يقولوا عن أبا مقار الكبير أنه متشبهاً بإلهه لأنه كما أن الله يستر على العالم
هكذا كان يفعل أبا مقار أيضاً ويستر على الأخطاء التى يراها، كأنه لم يرها. والتي
سمعها كأنه لم يسمعها. ففى إحدى المرات أتت إمرأة إلى مقارة لتشفى من شيطان. ووصل
أخ من دير كان فى مصر أيضاً. وخرج الشيخ بالليل، فرأى الأخ يرتكب الخطية مع المرأة.
ولكنه لم يوبخه وقال: إذا كان الله الذى خلقه يراه ويطيل أناته – لأنه إن كان يشاء
يفنيه لفعل – فمن أكون أنا حتى أوبخه؟!].

 

[بينما
كان الأب مقارة يمشى فى بعض الأوقات فى البرية أبصر شيطانين بشبه صبين، وأحدهما
يخطىء مع الآخر. وكتم الله أمرهما، أنهما شيطانين، فلما شاهدهما رفع عينيه إلى
السماء، وبدأ يدق على صدره ويبكى، ولم يبكتهما ولا قال لهما شيئاً بل كان يبكى
ويقول: هوذا خالقهما يعاينهما ويرى أمرهما ظاهراً وباطناً. وحزن القديس من أجلهما
بالأكثر فأتاه صوت من السماء قائلاً له: مغبوط أنت يامقارة لأنك صرت كإلهكً على
الأرض، تشاهد خطايا الناس ولا تدينهم. وللوقت إنصرف ذلكما الشيطانان].

 

وفى
زهد ابينا مقار الكبير فى المقتنيات الأرضية فى حرصه على خلاص نفسه الى النفس
الأخير:

[فى
هذه الأيام، حدث أن خرج من قلايته، فرأى شخصاً يسرق حاجاته ويضعها على جمل، فإقترب
إليه متظاهراً أنه غريب وعاونه فى ترتيب الحاجات على الجمل. وبعد هذا ضرب السارق
الجمل لينهض ويسير، فلم يقم الجمل، فدخل أبا مقار قلايته فوجد فيها مخلاة تركها
السارق، فحملها للسارق قائلاً: يبدو أن الجمل يرفض القيام قبلما يأخذ المخلاة
أيضاً. فوضع المخلاة على الجمل ونخسه فقام الجمل طاعة للقديس وسار الجمل خلف
السارق مع القديس أنبا مقار الذى أخذ يناجى نفسه قائلاً: إننا دخلنا العالم بلا
شىء، وواضح أننا لن نأخذ منه شيئاً. الرب أعطى والرب أخذ. وما حدث فهذا مشيئته
ومسرته، أشكر الله. وبعدما سار الجمل مدة من الزمن برك على الأرض ورفض القيام
إطلاقاً، إلا بعد ان حلوا الحِمْل وأنزلوه عن الجمل، وعندئذ قام ومشى بسهولة.
وهكذا إسترد القديس أمتعته ]…

 

و
فى حرص القديس أبو مقار على خلاصه الى آخر لحظة:

[وشهد
أبونا القديس أنبا سرابيون أسقف نقيوس وببنودة رئيس تلاميذ أبينا أبا مقار قائلين:
إنه فى ذلك الوقت الذى سلم فيه روحه – وكنا مجتمعين عنده – كان قوم من الشيوخ
جلوساً. وأبصروا نفس القديس وقد خرجت من جسده وهي أكثر بهاء وضياء من الشمس
أضعافاً، وسلمت إلى يد الكاروب الذى نزل من السماء ومعه القوات السمائية التى لا
يستطيع أحد أن يصف بهاءها. فلما نظرت الشياطين نفسه هكذا صاحوا قائلين: خلصت
وإنفلت من أيدينا يامقارة. فأجابهم قائلاً: لا، ما خلصت بعد. فلما وصل إلى الجو
صاحت الشياطين: مضيت وخلصت يامقارة. فأجابهم: لا، ما خلصت. فلما جعل رجله الواحدة
داخل الباب صاحت بأصوات عالية: دخلت يامقارة. فأجابهم: لا، ما دخلت بعد. فلما وصل وجعل
رجليه الإثنتين داخلاً، صاحوا قائلين وهم باكون: وصلت يا مقارة. فصاح بصوت عالٍ
حتى أن السماء والأرض إرتعدتا من صوته وقال: قبلت نعمة ربنا يسوع المسيح وأنا شاكر
إلهى الحقيقى الذي خلصني من أيديكم ومن فخاخكم التي لا عدد لها، وأهلنى برحمته
لنعمته السمائية بكثرة محبته للبشر. وحدث إن الكاروب حفظه وحجبه عنهم، ودخل إلى
المنازل المجيدة التي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أحبه من كل قلبه. نسأل الله
أن يكون لنا نحن أيضاً أن نستحق تلك المساكن التي إستحقها أبونا القديس أبا مقار
بالنعمة والرأفة ومحبة البشر التي لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى له المجد
والسجود مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين أمين ].

 

كلمة
أخيرة:

ليس
الايمان هو مجرد اعتناق مجموعة من العقائد نتلوها فى قانون الايمان… انما
الايمان هو حياة نحياها أو هو عقيدة تقود الى حياة.. لانه ما فائدة الايمان
بالأبدية والحياة بعد الموت ان لم تعد نفسك بها بالقوة وبالسهر الروحى الدائم
ومحبة الله.

ان
هناك فرقاً كبيرا جداً بين الايمان النظرى الذى لا يخلص النفس والايمان العملى
الذى ظهر ثماره فى حياة هؤلاء الآباء القديسين.

 

فحياتهم
ترتبط بنقاوة سيرتهم لانهم يشعرون دائماً ان الله أمامهم يرى ويسمع ويسجل كل ما
يعملون.

ان
أبطال الايمان ليسوا هم فقط الذين دافعوا عن العقيدة وانما هم الذين عاشوا فى
الايمان الحى المثمر العامل بالمحبة.

لإلهنا
كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.

——-

المراجع

البابا
شنوده الثالث: تأملات فى حياة القديس أنطونيوس، الطبعة الخامسة (القاهرة، الأنبا
رويس 4206/1980م)

 

البابا
شنوده الثالث: حياة الايمان، الطبعة الثانية (القاهرة، الانبا رويس بالعباسية
5063/1984م)

 

البابا
شنوده الثالث: الخلاص فى المفهوم الارثوذكسى، الطبعة الرابعة عشر (الانبا رويس
بالعباسية، سبتمبر 2003م)

 

الراهب
مقار السريانى: حياة ومعجزات انبا مقار الكبير، (دير السريان العامر 15385/2002)

 

القمص
تادرس يعقوب: باخوميوس أب الشركة وتادرس تلميذه، 1967م

 

القس
انطونيوس فهمى: سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم البابا أثناسيوس، الطبعة الاولى
(الاسكندرية، كنيسة القديسين العظيمين مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك، يناير
2004)

 

الشماس
عبد النور سيفين عبد المسيح: تاريخ القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين،
الطبعة الاولى (الاسكندرية، المطبعة الاقتصادية 1959م)

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى