علم

دراسات فى علم الآباء



دراسات فى علم الآباء

دراسات
فى علم الآباء

الراهب
القس بنيامين المحرقي

مدرس
علم الأباء بالكلية الإكليريكية بالدير

المحرق
والمشرف الروحي

مقالات ذات صلة

 

مقدمة

إنَّ تراث كنيستنا الآبائيّ هو تراث عريق وعميق،
لأنَّ رأس زاويته هو السيد المسيح ” مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ،
وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ ” (أف20: 2)، هذا التراث
تسلَّمه آباؤنا الرسل من المسيح، وقد سلَّموه لمن عايشوهم وتتلمذوا عليهم، وهكذا
انتقل الإيمان بالتسليم من جيل إلى جيل ” الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً
لِلْقِدِّيسِينَ ” (يه3)، وأصبح هناك ما يُعرف بالتلمذة الروحيّة وهى في
اليونانية
μαθŋтης)) وتعني: التلميذ الملاصق لمعلمه.

أمَّا
البحث في هذا التراث فقد صار ” عِلماً “، من أهم العلوم الكنسية،
أُطلقَ عليه ” علم الباترولوجى
patrologia “، فهو يُعطي للمؤمنين صورة حية لتمتع الآباء بالإنجيل
الحي المعاش، فهو ليس مجرد سرد سير أو كتابات.. لكنه فكر حي مُعاش
.

وترجع
أهمية (علم الباترولوجي) إلى كونه يعود بنا إلى الجذور الأولى.. إلى
الينابيع ا
لآبائيه.. إلى
الإيمان النقي… وكما يقول الأرشدياكون حبيب جرجس: ” إن كتابات
الآباء لها المقام الأسمى في عالم الكتابات الدينية، لقرب عهد كاتبيها بالعصر الرسولي،
وأقوالهم حُجج قوية على تعاليم الكنيسة في عصرها الأول “.

فنحن
نفتخر بحياة آبائنا العطرة، وبأقوالهم وكتاباتهم، ولهذا يقول البابا أثناسيوس
الرسولى
للأريوسيين: ” قد أظهرنا أنَّ فكرنا قد سُلم من أب إلى أب، وأمَّا
أنتم أيها اليهود الجدد وتلاميذ قيافا (يقصد الأريوسيين) فإلى أي أب من الآباء
تستطيعون أن تنسبوا أقوالكم “.

لا
نُنكر أننا نعيش بروح الآباء الأصلية، وهذا ليس بغريب ف
في العهد القديم نجد
الآباء كانوا يعرفون الله من خلال علاقة آبائهم به.

+
فنوح يُسمّي الله ب ” إله سام ” (تك9: 26)

+ ويعقوب أب الآباء يقول لخاله لابان: ”
لَوْلاَ أَنَّ إِلَهَ أَبِي إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَهَيْبَةَ إِسْحَاقَ
كَانَ مَعِي لَكُنْتَ الآنَ قَدْ صَرَفْتَنِي فَارِغاً. قَدْ نَظَرَ اللهُ مَشَقَّتِي
وَتَعَبَ يَدَيَّ فَوَبَّخَكَ الْبَارِحَةَ
” (تك42: 31)،
وعندما صلّى يعقوب نادي الله قائلاً: ”
يَا إِلَهَ
أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ الرَّبَّ الَّذِي قَالَ لِيَ: ارْجِعْ
إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ
” (تك32:
9).

+ وقد قال لابان أخو رفقة لأبينا يعقوب: ” إلَهُ
إِبْرَاهِيمَ وَآلِهَةُ نَاحُورَ آلِهَةُ أَبِيهِمَا يَقْضُونَ بَيْنَنَا “”
(تك31:
53).

+ وأليشع النبي تعرف على الله من خلال علاقة
إيليا النبي بالله، فنجده بعد صعود إيليا إلى السماء، يمسك برداء إيليا ويضرب به
الأردن قائلاً: ”
أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُ إِيلِيَّا؟
ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضاً فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ

(2مل2: 14).

+
وقد تعرّف
عبد
إبراهيم

(اليعازر
الدمشقي)
على الله من خلال علاقة
إبراهيم بالله، فنجده
عندما ذهب ليأخذ زوجة لاسحق يصلى قائلاً: ” أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهَ سَيِّدِي
إِبْرَاهِيمَ يَسِّرْ لِي الْيَوْمَ وَاصْنَعْ لُطْفاً إِلَى سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ

” (تك24: 12).

+
كما أن الله ينسب نفسه بقديسيه، فعندما ظهر لأبينا اسحق قال له: ”
أَنَا إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ وَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ
نَسْلَكَ مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِي” (تك26: 24)، وقد ظهر ليعقوب وهو
هارب من أخيه عيسو وقال له: ” أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ
إِسْحَاقَ، الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ
” (تك28: 13)، وعندما ظهر لموسى النبي في العليقة قال له: ” أَنَا إِلَهُ
أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ ” (خر3: 6).

لكننا ونحن بصدد الحديث عن (علم الباترولوجى)،
نؤكد أنّه ليس علم مستقل بذاته، يل هو مرتبط بالعلوم الكتابية
واللاهوتية
الأُخرى، فمن خلاله ندرس تفاسير الآباء للكتاب المقدس، وكتاباتهم اللاهوتية والعقائدية..
ولهذا يقول البابا أثناسيوس الرسولى: ” الإيمان اعطاة الرب، كرز ب
ه الرسل، حفظة
الآباء”.

كما أننا من خلال دراستنا لكتابات الآباء في
مجابهة الهراطقة ندرس اللاهوت المقارن،
ونرى فيه كيفية تعامل الكنيسة مع أصحاب
البدع، وأظهار روح الحب في عودتهم إلى الأمانة السليمة، فالهدف ليس تحطيم الأشرار
بل تحطم الشر والفكر الغريب الذي تبنوه!

ومن خلال دراستنا لكتابات الآباء ندرس لحياتهم،
ونتعرف على جهادهم الروحي ضد قوى الشر الروحية، وهذا يقودنا إلى دراسات أُخرى
عميقة في (اللاهوت الروحي)، كما ندرس أيضاً من خلال كتاباتهم، الليتورجية والطقس الكنسي
وقوانين الكنيسة..

تشكل
هذه الكتابات تراثاً ضخماً للغاية تتنوع لُغاته، ما بين يونانية ولاتينية وشرقية
متعددة، ومواضيعه ما بين رسائل رعوية أو ظرفية، أو مؤلفات دفاعية أو تفسيرية للكتب
المقدسة أو عقائدية ايمانية أو نسكية أو شعرية… كذلك الآباء أنفسهم ينقسمون إمَّا
بحسب الزمن الذي وجدوا فيه، أو المكان الذي خدموا فيه، أو الشعب الذي انتموا إليه،
أو المكانة العالية التي اشتهروا بها…

نعترف
بأننا نتبارك ونستنير عندما نقرأ أو ندرس كتابات الآباء، إذ فيها نشتم
رائحة المسيح الذكية، لهذا نحن نصلى أن يجعلنا الله مستحقين نصيبهم وميراثهم، وأن
يجعلنا نسير على خطاهم.. ويُعوض كل الذين انتفعت بكتباتهم في ملكوته الأبديّ، بشفاعتهم
والدة الإله العذراء القديسة مريم، وقداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث،
وشريكة في الخدمة الرسولية أبينا الأسقف المكرم الأنبا ساويرس.. آمين.

بنيامين
المُحرَّقيّ

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى