علم

9- البتولية عند مار آفرآم السرياني



9- البتولية عند مار آفرآم السرياني

9- البتولية عند مار آفرآم السرياني

رأى
القديس مارِأفرآم السُرياني قِيثارة الروح أنَّ مسكن البتولية هو الفِردوس مع الله
والملائكة، فالبتولية استباق للحالة الفِردوسية، ومُشابهة لله لا تظهر فقط في
الكلام والعقل بل في الإرادة الحُرَّة، هذه الحُرية التي غرست فِردوساً روحياً
يفوق لمعاناً الجنة السمائية التي صنعها الخالِق.

 

وامتدح
مارِأفرآم السُرياني موهبة وعطية البتولية بل كان مذهولاً بها، مُعتبِراً أنها
تُدخِلنا الفِردوس أكثر من الأسهار والأصوام، وأنَّ صورة المسيح موضوعة في قلب
البتوليين والبتولات، فالمسيح حاضِر فيهم، ويرى أنَّ يوحنَّا الإنجيلي هو عنوان
طهارة فاقت بتولية الملائكة.

 

ويتحدَّث
مارِأفرآم السُرياني عن البتولية في الميمر السَّابِع (نقلاً عن كِتاب ”مارِأفرآم
السُرياني“ (بتصرُّف) – إعداد اسبيرو جبور والأب أفرآم كرياكوس – مُطرانية الروم
الأُرثوذُكس باللاذِقية – 1994م – ص 145: 149) فيقول:

 

(إنَّ
بولس الرَّسول يُعلِّمنا جميعاً عن بتولية النَّفْس وطهارتها ويحسب رُتبة البتولية
أفضل وأغلى من رُتبة الحياة في العالم، لأنه قال: ”إنَّ غير المُتزوج يهتم فيما
للرب وأمَّا المُتزوج فيهتم للعالم كيف يُرضي امرأته“ (1كو 7: 32 – 33) فذلك
الاهتمام يُؤدي إلى العذاب وأمَّا هذا فيُؤدي إلى الحياة الخالدة.

 

فالطوبى
لِمَنْ يهتم بأن يرى الله ويصون جسده طاهراً ليصير هيكلاً مُقدساً وطاهراً للمسيح
الملك.. أيها الإنسان إنَّكَ باختيارك قد صِرتَ هيكلاً لله لا عن إلزام أو إكراه
بل عن رغبة ونشاط، وإذ صرت إنساناً للإله العلي عرفت بتدقيق أنَّ روح الله يسكُن
في الهيكل (1كو 6: 19 – 20) فإن كان طاهراً نقياً يُقدِّسه (روح الله) لكي يكون
استعماله مرضياً لسيِّده، اسمع ما أقوله لك واطبعه في ذِهنك: تمنطق وتدرَّع
بالإيمان النقي الخالِص والرجاء والمحبة، وقِفْ كالرجُل الشهم حافِظاً هيكل الله
من جميع الأفكار النجِسة التي زرعها العدو، إبذِل كلّ جهدك مُراقِباً على الدوام
تجارِب العدو لأنها تتوالى باستمرار لتجد إنساناً مُسترخياً لكي تُفسِد جسده فلا
يرغب فيما بعد أن يستمِع لسيِّده، فاحذر أن تُدخِل تجارِب العدو عِندك، أتجهل مَنْ
هم المُحارِبون الخُبثاء ومُروجو الأفكار الدنِسة والشهوات الرديئة، والغضب
والاضطرابات والسخط والعبودية للأهواء؟ إنهم المُجرِبون الأشرار الذين لا يكفُّون
عن الشر ولا يشبعون منه، وإذا غُلِبوا يُعيدون الكرَّة دائماً لأنَّ أصل الشهوة
واقع، فاقتلِع جذور الشهوة لئلاَّ تتجذَّر وتثبُت، فإذا اجتزرتها ربوات من
المرَّات تثبت بالقدر عينه مُضاعفاً إن لم تقلع الجذور تماماً، جاهد حسناً لتكون
هيكلاً لله لا دنس ولا عيب فيه، إن هيَّأت هيكلك لله فالإله القدوس يُعطيك لراحتك
عِوَضاً عنه في فِردوس النعيم. احتفِظ بانتصارك على العدو أي الأفكار والأهواء
الدنسة حافِظاً الهيكل المُقدس ليكون بهياً لله ومقبولاً قبولاً حسناً، إنتبه
لذاتك لئلاَّ تدخل وتُقتبل في الهيكل، عِوَضاً عن السيِّد القدوس الطاهر، العدو
النجِس فيفسد هيكلك بوقاحته، ويُزاحم ليدخل، وأمَّا الله فإنه غير سقيم بل طاهر
وقدوس لا يبتعد عنك إنما أنت تطرده، فإذا أدخلت الدنس وتمرغت في الحمأة، وفقدت
النور واشتركت في الظُّلمة بسبب تراخيك أسلمت ذاتك إلى العدو النجِس.

 

إنَّ
الإله القدوس رضى بأن يسكُن في هيكلك على الدوام وأمَّا أنت فأحزنت السيِّد
الصَّالِح الرب الذي لا يُشبع منه والتائِق إلى أن يُعطيك مُلْكه لأنَّ الله يسكُن
في الصَّائرين هياكِل طاهرة لا عيب فيها، فإن وددت أن يسكُن الله دائماً في هيكل
جسدك كلّ أيامك التي تعيشها على الأرض فهو يسكُنك ويُريحك في فِردوسه، في النور
الذي لا يُوصف والحياة التي لا تموت إلى أبد الدهور في فرح عظيم.

 

أتراني
قد سمعت بهذا وقرأته: ”يوماً واحداً في دِيارك خير لي من ألف“ (مز 83: 11) افتح
قلبك وارتضِ أن تشتاق إلى الله كلّ أيام حياتك، إنه حلاوة واستنارة وفرح دائم فإن
صبوت دائماً إلى الاشتياق إلى الله يسكُن هذا فيك إلى الأبد، الله غيور وطاهر قدوس
يُقيم في نِفوس الذين يتقونه ويصنع مُراد الذين يحبونه، أتوِد أن تكون طاهراً لا
عيب فيك؟ إذاً ارسم أيقونته دائماً في قلبك، وأعني بأيقونة الله لا تلك المرسومة
بالأصابِع على ورقة أو خلافها بل تلك المُلونة في النَّفْس على منوال باهر
بالأعمال الحسنة والأصوام، بالإمساك وصُنع أعمال الفضائِل الحسنة والأسهار
والصلوات، فأصباغ صورة السيِّد السمائي هي مُمارسة الفضائِل والأفكار النقية
والتجرُّد من الأرضيات مع الطهارة والوداعة، إذ بدون الجهاد لا يُكلَّل أحد في
العالم وفي الحياة النُّسْكية لا يُمكن أن ينال أحد الأكاليل التي لا تذبُل
والحياة الخالدة بدون صبر واجتهاد.

 

أطلُب
منك يا أخي المحبوب أن تصير مُشابِهاً للآباء السالكين في البتولية الطاهرة
والنُّسْك، في الصلاة والصوم.. أحبِبْ النُّسْك وتُقْ إلى الصلاة التي هي مُخاطبة
السيِّد لأنَّ كلّ صلاة مُقدسة ونقية تُخاطِب السيِّد، إنَّ صلاة المُشتاقين
كُلّياً إلى الله ترتقي إلى السماء باستمرار وفرح عظيم وتبتهِج بها الملائكة
ورؤساء الملائِكة ويرفعونها إلى عرش العلي القدوس حينئذٍ يكون السرور إذ يُقدِّمون
لله صلوات الصِّدِّيقين).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى