علم

كيف أصوم؟



كيف أصوم؟

كيف
أصوم؟

(أ)
الصوم. وكمية الأكل (الطعام)

+
قل شيخ:


كما أن الذئب لا يجتمع مع النعجة لانتاج ولد شبع البطن لا يجتمع مع توجع القلب
لانتاج فضيلة “.

+
وقال آخر:


لا تملأ بطنك من الخبز والماء، ولا تشبع من نوم الليل، فأن الجوع والسهر ينقيان
أوساخ القلب من الأفكار، والجسد من قتال النجاسة، فيسكنه الروح القدس، لا تقل
” اليوم عيد آكل وأشرب ” فأن الرهبان ليس لهم عيد علي الأرض،/ وانما
فصحهم هو خروجهم من الشر، وعنصرتهم تكميل وصايا المسيح، ومظالهم حصولهم في ملكوت
السماء فأما الشبع من الخبز فأنما هو والد الخطية ”

+
قال أنبا أولوجيوس لتلمذه:


يا بني عود نفسك أضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا، لأن بطن الانسان انما يشبه زقا
فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته، كذلك الأحشاء التي تحشي بالأطعمة
الكثيرة، ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل “.

 

+
قال أخ:


مقاتلا بالزني، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمره لكيلا يقهره الشيطان، فسأل الشيخ الله
في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حالته فقال له: ” لم يخف القتال بعد
” فتعجب الشيخ لذلك، واذا بالشيطان قد ظهر له قائلا: ” أما أنا، فمنذ
اليسوم الأول في ابتهالك الي الله بشأنه، انصرفت عنه، انما هو يقاتل ذاته وحده،
لأنه يأكل ويشرب وينام كثيرا “.

(ب)
الصوم. ونوع الطعام (الأكل)

+
قالت القديسة سفرنيكي:


لا يخدعنك تنعم العلمانيين الأغنياء، كأن فيه شيئا نافعا من اجل اللذة، لن أولئك
يكرمون صناعة الطباخين لا غير، فجز أنت بالصوم ساعة الأطعمة، لأنه قد قيل: ”
أن نفسا مترفهة، اذا أنتهرت من أربابها ألا تشبع خبزا، فلن تطلب خمرا “.

+
قيل عن يوحنا ذهبي الفم:


أنه مدة اقامته في البرطيركية كان غذاؤه ماء الشعير والدشيشة يوميا كما كان يأخذ
طعامه بوزن ومقدار، وهذا ما جعله أن ينسي الشهوة، أما ثوبه فقد كان من خرق وشعر
خشن، ولم يكن له ثالث “.

(ج)
الصوم. وفترة الانقطاع

+
قال الأب أوغاريتوس:


أقرن محبة اللاهوتية بالجوع، لأنه يأتي بالراهب الي ميناء عدم الأوجاع”

+
قال الأب لوقيوس:


توجعت معدتي مرة وطلبت طعاما في غير أوانه، فقلت لها: موتي ما دمت قد طلبت طعاما
في غير اوانه، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك أياه في أوانه “.

+
قالت القديسة سفرنيكي:


إذا صمت قلا تحتج بمرض. لأن الذين يصومون قد يسقطون في مثل هذه الأمراض، وإذا بدأت
بالخير فلا تتعرق بقطع الشيطان أياك، فأنه سيبطل بصبرك”

(د)
الاعتدال في الصوم

+
سؤال:


كيف ينبغي للراهب أن يمارس خدمته في الترتيل وتقدير الصوم؟ “.

+
الجواب:


سبيله الا يعمل شيئا يزيد علي المرسوم، وذلك لأن كثيرين أرادوا أن يزيدوا علي ما
رسم، فما أستطاعوا فيما بعد أن يعملوا، حتي ولو أقل منه “.

+
سأل أخ الأب لوقيوس قائلا: ” أريد أن أصوم يومين يومين “

فقال
له شيخ: ” قد قال أشعياء النبي أن أنت أضنيت عنقك كالحلقة، وأفترشت المسوح
والرماد، فلن يعتبر ذلك صوما مقبولا، أما أردت الصوم حقا فأصرف الأفكار الخبيثة
“.

+
قيل:

أنه
كان في الصعيد راهب قد بلغ من التقشف مبلغا عظيما، ظافرا علي صلوات وطلبات وسهر،
ومالكا عدم القنية الي أبعد غاية، يفني جسده بالأصوام والأتعاب. هذا كان قد بدأ
جهاده بأن كان يتنازل كل عشية ملء راحته قطينية مبلولة وكفي. وصار يتدرج الي أن
أصبح يتناول ذلك القدر يوما بعد يوم، وهكذا حتي استطاع بعد مدة أن يأكله مرة واحدة
كل أسبوع مساء الأحد أو يأكل مما اتفق له من الحشائش النباتنية، ومكث علي هذه
الحال مدة من الزمان، فحسده الشيطان وأراد أن يرميه في الكبرياء، فوسوس له بأنه قد
سلك في النسك مسلكا لم يبلغه أحد من البشر، وأنه يجب أن يجترح الآيات كي يزداد
نشاطه، ويري الناس العجدائب فيمجدوا الله، لأن الرب نفسه ايضا قال: ” ليري
الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات “.

فسأل
الرب من أجل هذا الأمر / وإذا لم يشأ الاله المتعطف أن يظلم تعبه، فقد ألهمه فكرا
بأن الرسول يقول: ” لسنا كفأة أن نري رأيا من أنفسنا “.

وقال:
” أن كان ذلك السيد لم يجد نفسه كفئا لان يري رأيا من ذاته، فكم بالحري يجب
علي أنا الشقي أن أقول هذا القول، أقول أذن وأمضي إلي فلان المتوحد، ومهما قال لي
أقبله كمرسل لي من قبل الله “.

وكان
ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل المشورة، حتي استطاع أن يفيد من يسأله.
فقام للوقت ومضي اليه، فلما دخل قلايته رأي المتوحد قردين جالسين علي كتفيه،
ممسكين عنقه بسلسلة، وكان منهما يرهقه جذبا اليه، فلما شاهد هذا المنظر عرف السبب
اذ كان متفقها جدا. وأنه تنهد باكيا بسكون ومن بعد الصلاة وما جرت بع العادة من
السلام، جلسا مدة ساعة صامتين لأنه هكذا كانت عبادة الآباء الذين هناك، ثم فتح
الراهب القادم فاه قائلا: ” أيها الأب، انفعني وأردني مرشدا للخلاص. لا تردني
يا أبي ني موقن بفضلك وقد ألزمت قبول مشورتك “.

فأجاب
الشيخ: ” أني أخشي أنك لا تسمع مني، ولذلك أفضل أن أمتنع من ذلك ” فحقق
وأكد له أنه قبل مجيئه قد عاهد نفسه قائلا: ” مهما قلت لي اقبله كما من فم
الله “.

فقال
الشيخ: ” خذ هذه النقود وأمض الي المدينة وابتع عشر خبزات وقسط نبيذ وعشر
أرطال لحم وعد بها الي “. فحزن الأخ لذلك جدا، لكنه علي كل حال أخذ ما أعطاه
له مضي كئيبا، وفي طريقه جاءته الأفكار قائلة:


أي شيء يقصده هذا الشسخ؟ وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف أحملها. وما
هي موقفي من العلمانيين مما يضطرني الي أن أذوب خجلا؟ ” وهكذا سأل واحدا
فابتاع له الخبز، وآخر ابتاع له النبيذ، ولما جاء دور اللحم قال: ” يا ويلي
كيف أحصل علي اللحم، سواء أبتغيه أنا بيدي أم كلفت آخر “، ثم كلف رجلا
علمانيا فأبتاع له اللحم، وحمل الجميع وجاء بها الي الشيخ مفكررا.

 فقال
له الشيخ: ” أطبخ اللحم وطجنه ” ففعل ذلك معبسا.

فقال
له الشيخ: ” لا تنسي ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميع ما أشر به عليك، فخذ
هذه الأشياء جميعها، وأمضي الي قلايتك، وصل وتناول خبزة واحدة وشربة واحدة من
النبيذ ورطل لحم في كل يوم عند المساء. ومن بعد عشرة ايام عد الي:. فلم يتجاسر علي
أن يرد له جوابا.

 وهكذا
أخذ كل ما اعطاه ومضي حزينا باكيا قائلا في نفسه: ” من أي درجة في الصوم
هبطت، وفي أي حالة حصلت؟ ” ثم قال لنفسه: ” أن لم أفعل ما أمرني به أكون
قد خالفت الله، لأني قد عاهدته أنه مهما قال لي أفعله كما من فم الله والأن يارب،
أنظر الي شقاوتي وارحمني وأغفر لي خطيئتي لأني مضطر أن أعمل خلاف هواي:. وجاء الي
قلايته باكيا، وتمم ما قاله له الشيخ، وانعكف علي الصلاة انعكافا بليغا، وكان اذا
ما اكل، يبل الخبز بدموعه قائلا:  ” يا الله قد أهملت وخذلت من يدك ”
فلما رأي الله حزنه وبكاءه ومسكنته، عزي قلبه وكشف له السبب، فشكر الله واعترف
بالقول النبوي: ” أن كل بر الانسان مثل خرقة الطامث، وأيضاً ” لأن يبن
الرب البيت فباطلا يتعب البناؤن وان لم يحرس الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس
“.

وهكذا
عاد الي الشيخ منهوك الجسم موعوكا أكثر مما كان وهو يطوي الأسابيع صائما. فلما رآه
الشيخ متذللا متمسكا قبله بفرح بوجه طلق، وصليا وجلسا صامتين مدة ساعة، ثم قال
الشيخ: يا ولدي، أن الله المحب للبشر قد تعاهدك، ولم يمكن العدو من الاستيلاء
عليك، لأنه من عاداته دائما خدعة من يسلك مسلك الفضيلة بوجوه تتبين أنها واجبة،
ويسوقهم بها الي مرض الكبرياء ويأمرهم أن يخوضوا في خوض عظيم من الفضائل حتي
من هذه الوجهة يهبطهم هبوطا عظيما، لآنه ليس عند الله شيء مرزول مثل مرض
الكبرياء. ولا ثمة فضيلة تساوي التواضع، فتأمل الأمرين من مثل الفريسي والعشار،
لأن بعض الشيوخ يقولون أن بعض الافراطات من أعمال الشياطين، فاسلك طريقا ملوكية
كما قال الكتاب، ولا تمل يمنة ولا يسرة، اتبع التوسط في الأمور. في كل عشية يكون
اغتذاؤك وان دعت الضرورة لمرض أو عارض يعرض، فاسلك للوقت بحسب ما تقتضيه الحال،
كذلك أن أقتضي الأمر حل الساعة المحدودة فلا تحزن، وأن اقتضي أن تتناول في يوم غير
مطلق، فتناوله، لسنا تحت ناموس بل تحت نعمة. فماذا أكلت فلا تمتليء بل اقتصر سيما
من الأطعمة الحنجرانية، وأحب دائما ما كان دونا، وأحفظ قلبك لأن النبي يقول:
” ضحية الله روح منسحقة، والله لا يرذل القلب المتواضع المنكسر “.

وقد
قال أيضاً: ” تواضعت فخلصني الرب: والرب يقول بلسان أشعياء النبي: ” الي
من أنظر، الا الي الوديع الخائف من كلامي:. فألق يابني أتكالك علي الرب واسلك
طريقك بسلام وهو يفعل لك الخير / ويخرج عدلك كضوء وحكمك كالظهيرة.

 وبعد
ان دعم الأخ بأقوال كثيرة، اخلي سبيله مسرورا بالرب، واذ كأن يمضي ترنك قائلا:
” خائفوك وعارفو شهادتك ليروني، وأدبا أدبني الرب وإلي الموت لم يسلمني،
ويؤدبني الصديق برحمة ويوبخني: وقال لنفسه ” أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك
لأن الرب قد أحسن اليك ” وبقية القول. وهكذا جاء الي قلايته، وأمضي بقية عمره
حسب مشورة الشيخ.

(د)
عنصر الخفاء في الصوم

علمت
في بعض القلالي أغابي وتفسيرها ” المحبة “، وتقال بلغة القبط(افراشي)،
وتفسيرها ” الفرح “، وجلسوا يأكلون، وكان بينهم أخه لا يأكل طبيخا، فقال
أحد الأخوة للخادم:


أن ههنا أخا لا يأكل طبيخا قط، وهو يريد قليلا من الماء والملح، فأعلي الخادم صوته
ونادي خادما آخر: ” أن الأخ فلان لا يأكل طبيخاً، فأحضر له قليلا من الماء
والملح “.

فقام
أحد الشيوخ من المائدة وقال له: ” لقد كان خير لك لو جلست في قلايتك وأكلت
لحما، من ان تصدر عنك هذه الغضبة هكذا علي رؤوس الملأ “.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى