علم الاخرويات

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل العاشر

39- نؤمن بقيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي

إننا نقول في (قانون الإيمان): “ننتظر
قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتى “..

فبالقيامة ننتقل إلى السماء، إلى الدهر الآتى.
إلى عالم آخر غير عالمنا الحالى فما هو؟ وما طبيعة الحياة فيه؟

 

لو كانت الحياة في الآخرة مثل حياتنا ههنا على
الأرض، إذن ما هو الفرق؟! وما معنى النعيم الأبدى؟ وما معنى ملكوت السموات؟ وما هي
المكافآت التي تعطى للمؤمنين الغالبين؟

طبيعى أن الحياة على الأرض، غير الحياة في
السماء.

والحياة في هذا الدهر، غير الحياة في الدهر
الآتى.

بل إننا نقول في صلاتنا بالمزامير “أنت
يارب تنجينا، وتحفظنا من هذا الجيل وإلى الدهر” (مز 12: 7).

 

لقد لخص السيد المسيح الحياة في الدهر الآتى
بعبارة جميلة دقيقة موجزة قال فيها:

“.. يكونون كملائكة الله في السماء”
(مت 22: 30).

هنا عجيب شديد، وهنا الفارق الأساسى بين الدهر
الحاضر، والدهر الآتى. بين هذا العالم المادى، والعالم السماوى الروحانى بعد
القيامة.

 

الأشرار في الدهر الآتى، سوف يلقون في جهنم، في
الظلمة الخارجية (مت 25: 30)، أى خارج مجمع الأبرار.

وحديثنا حالياً هو عن حالة الأبرار في الدهر
الآتى: كيف يجدونه؟

فى الدهر الآتى سكون كل الأبرار معاً، في وحدة
شاملة.

 

تجتمع كل الشعوب والأمم والبائل والأجناس، بلا
تمايز بينها. لا تمايز من جهة الجنس أو اللون، لا خلاف عرقى ولا قبلى ولا قومى.
الكل معاً في سلام، وفى وحدة القلب والفكر.

 

تبطل العدوات والحقد والحروب. ولا يكون صراع ولا
منافسة..

الكل بلغة واحدة. أهى لغة الروح، أم لغة
الملائكة؟

 

لست أدرى.. المهم أنهم سيفهمون بعضهم بعضاً، ولا
يحتاجون إلى مترجم. بل لهم فهم واحد، ومفاهيم واحدة وفكر واحد.

 

تبطل الألسنة واللغات التي تميز مجموعة عن أخرى..

إن وجد تمايز، فإنه يكون في الدرجة الروحية.

وفى درجة المكافأة. لأن كل إنسان سينال جزاءه
بحسب أعماله (مت 16: 27).

 

وطبيعى أن أعمال الناس على الأرض كانت متفاوتة
في النوع والعمق والدرجة. فعلى هذا القدر تكون مكافأتهم في السماء أيضاً متفاوتة.
ولكن الكل يكونون سعداء.

 

ويتكون المجتمع السمائى في الدهر الآتى، من
الملائكة والبشر.

الكل يكونون معاً. وهنا نوع آخر من النعيم
الأبدى، وهو عشرة البشر مع الملائكة بكافة درجاتهم وطغماتهم السمائية، ومعهم جموع
الأنبياء والرسل، والشهداء والأبرار، في حفلة تعارف كبرى تضم الجميع..

 

حياة الدهر الآتى تتميز بالفرح الدائم

لذلك يطلق عليها لقب (التعب الأبدى). وكلمة
(الأبدى) تعنى لا نهاية لها. فالدهر الحالى له نهاية. وحتى عندما تطول سنى حياة
إنسان على الأرض، تدركه الشيخوخة بكل ما فيها من تعب وضعف.

 

أما الأبدية فهى الفرح الدائم الذي لا ينقص ولا
يهتز. إنه الموضع الذي لا حزن فيه ولا كآبة، ولا خوف ولا دموع، ولا عوز ولا فقر.

 

إنه يقدم أروع مثال لما حاول الفلاسفة يتخيلوه.
كما كتبوا عن (المدينة الفاضلة) أو(مدينة الله)

فى الدهر الآتى سوف يبطل عمل الشيطان وتبطل
حريته، وينتهى الشر.

 

لا تكون خطية فيما بعد. لا تكون هناك أية شهوة
بطالة، ولا آى فكر شرير. الدهر الآتى سوف يتميز بالطهارة الكاملة، وبحياة القداسة
التي تشبه ملائكة الله في السماء..

وطبعاً سوف لا توجد حروب روحية من عدو الخير
يجاهد البشر في الانتصار عليها.

بل سوف يتمتع الجميع بنقاء تلقائى وصفاء في
الروح والعقل. لخصه الكتاب في عبارة “إكليل البر” (2 تى 4: 8)

 

يتكلل البشر بالبر، أى تصبح طبيعتهم في حالة من
القداسة غير قابلة للخطأ، ومنزهة عن كل شر.

فى هذا الدهر نعيش في عالم مادى. فهل في الآخرة
في الدهر الآتى، سنعيش في عالم مادى أيضاً؟‍!

هل سنعيش في ثقل هذا الجسد المادى وفى شهواته؟!
وهل شهوات الجسد تتفق مع طهر السماء وقدسية السماء؟!

 

لا شك أن الجسد في السماء، سوف لا يكون كما هو
حالياً على الأرض. إنه ستخلص طبعاً من الجاذبية الأرضية.

 

محال أن تجذبه الأرض وهو في السماء!! وإلا فإنه
يسقط من السماء إلى الأرض.

 

لذلك نؤمن أن الأجساد – في القيامة – ستقوم
بطبيعة سماوية، لكى يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية التي ستعيش فيها
بعد القيامة. وهكذا يعلمنا الإنجيل أننا سنقوم بأجساد سماوية (1 كو 15: 49).

 

ستكون الأجساد في الدهر الآتى غير قابلة للتعب،
ولا للمرض، ولا للموت ولا للتحلل، ولا للفساد. أجساد لها الطابع الروحانى (1 كو 15:
44، 53).

 

المتعة في السماء، ستكون غير المتعة على الأرض.

لأنه لو كانت المتعة في الدهر الآتى من نوع
المتعة الأرضية، فما الفرق إذن بين مباهج الأرض ومباهج السماء؟! وماذا عن الذين
جربوا كل أنواع المتعة الأرضية، وملوها وسئموها؟! وارتفع الأنقياء عن مستواها! هنا
يقدم لنا الكتاب نوعاً أسمى من هذا كله، في قوله:

 

” ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم
يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه” (1 كو 2: 9)

 

هنا إذن ارتفاع عن كل الأرضيات وكل الماديات،
وكل الجسدانيات. فكلها قد رأتها العيون، وسمعت بها الآذان. ولا يستطيع أحد أن
يقترح أو يستنتج نوعاً آخر من المتعة، وإلا يكون قد خطر على بال إنسان!

 

وفى حياة الدهر الآتى، لا يوجد تزواج ولا توالد.

فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد، ويجد نفسه
في النعيم الأبدى دون أن تختبر إرادته ويثبت استحقاقه لهذا النعيم. حينما خلق الله
آدم وحواء، كانا عريانين في الجنة وهما لا يخجلان (تك 2: 25). ما كانت الهوة
الجنسية قد دخلت إلى طبيعتهما، ولا حتى مجرد معرفة الجنس والتمايز الجنسى.. لكنهما
عرفا ذلك بعد الخطية والسقوط. فهل سيعود البشر إلى السمو الذي كان له قبل السقوط؟
أم سيبقى في عبودية (الجنس) وشهواته وضغطاته؟!

 

فى الدهر الآتى سيرجع الإنسان إلى البساطة
الأولى والنقاوة الأولى.

ولكن بوضع ثابت لا يتحول عنه ولا ينحرف.

حياة الدهر الآتى هي الشهوة الروحية التي
اشتهاها القديسون.

واعتبروها انطلاقاً للروح من ضباب الجسد
ورباطاته، ومن الحياة على المستوى المادى. حتى قال سمعان الشيخ “الآن يا رب
تطلق عبدك بسلام حسب قولك” (لو 2: 29) كما قال القديس بولس الرسول “لى
اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً” (فى 1: 23).

إذن حياة الدهر الآتي هي حياة الانطلاق من قيود
الجسد والمادة ومن رباطات هذا العالم الحاضر.

إنها حياة الحرية الحقيقية، حرية مجد أولا الله
(رو 8: 21)
.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى