علم الاخرويات

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

1- القيامة معجزة ضرورية تدل على قدرة الله
اللانهائية

يسرنى يا أبنائى وأخوتى أن أهنئكم بعيد القيامة
المجيد راجياً لكم فيه حياة سعيدة مباركة، ومصليا أن يعم السلام أرجاء المسكونة
كلها.

 

وإذ نتحدث عن القيامة، وإنما نذكر هذه المعجزات
المرتفعة جداً في مستواها، إذ كيف يمكن أن تقوم كل تلك الأجساد التي امتصتها الأرض،
وتحولت إلى تراب، أو أكلها الدود، أو أحتراق بعضها، والبعض أفتراسه الحيوان.. كيف
يقيم الله كل هذه الأجساد التي تعد بملايين الملايين، من شتى العصور والبلاد.
ويأتى بأرواحها من حيث شاء لها أن تقيم، ويجعلها تتعرف على أجسادها وتتحد بها،
وتقوم من الموت حية.. إنه أمر مذهل بلا شك..!!

 

2- إمكانية القيامة

إن كان العقل عاجزاً أمام فهم القيامة وكيف تكون،
فإن الإيمان بالله وقدرته قادر على استيعاب ذلك

فنحن نؤمن أن الله قادر على كل شئ ولا حدود
لقدرته الإلهية. ومهما كان الأمر صعباً أمام الملحدين أو غير المؤمنين، أو أمام
الذين يعتمدون على الفكر والعلم وحدهما، فليس شئ عسيراً أمام. “إن غير
المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله” (مر 10: 27).

 

إن عملية قيامة الأجساد، أسهل بكثير جداً من
عملية خلقها من قبل.

 

الله الذي أعطاها نعمة الوجود، هو قادر بلا شك
على إعادة وجودها. هو الذي خلقها من تراب الأرض، وهو قادر أن يعيدها من تراب الأرض
مرة أخرى.. بل ما هو اعمق من هذا، أن الله خلق الكل من العدم. خلق الأرض وترابها
من العدم، ثم من تراب الأرض خلق الإنسان.

 

أيهما أصعب إذن: الخلق من العدم، أم إقامة الجسد
من التراب؟‍‍!

 

إن الذي يقدر على العمل الأصعب، من البديهى أنه
يقدر على العمل الأسهل. والذى منح الوجود يقدر بالحرى على حفظ هذا الوجود..

 

فالذى يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل
القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفى أن يريد، فيكون كل ما يريد،
حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. أو يصدر أمراً.. إنها إرادته، التي هي جوهرها أمر
فعال قادر على كل شئ
..

 

نسمى القيامة إذن معجزة، ليس لأنها صعبة، وإنما
لأن عقلنا البشرى القاصر يعجز عن إدراكها وكيف تكون.. ولكن الإيمان دائرته أوسع
وأعمق.. يقبل ذلك بسهولة معتمداً على الوحى الإلهى.

 

لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين.

 

الذى يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن
بالقيامة. والذى يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضاً مقيماً للموتى. أما الملحدون
وأنصاف العلماء، فلا يصل إدراكهم إلى هذا المستوى. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، كما
لا يؤمنون بالروح وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه.. وعندما أقول أنصاف العلماء،
إنما أبرئ العلماء الكاملين في معرفتهم.

 

نصف الحقيقة أن الجسد قد تمتص الأرض بعض عناصره،
ويتحلل جزء منه، وقد يتداخل في أجساد أخرى. والنصف الثانى أن المادة لا تفنى.
فأينما ذهب الجسد، فمكوناته موجودة، ومصيرها إلى الأرض أيضاً.. والله غير المحدود
يعرف تماماً أين توجد عناصر الجسد، ويقدر على إعادتها مرة أخرى إلى حالتها، الله
بقدرته اللانهائية. وبخاصة لأنه يريد هذا، ولأنه قد وعد به البشرية على ألسنة
الأنبياء. وفى كتبه المقدسة.

 

إذن القيامة في جوهرها، تعتمد على الله تبارك
اسمه. تعتمد على إرادته، ومعرفته، وقدرته

 

فمن جهة الإرادة: هو يريد للإنسان أن يقوم من
الموت، وأن يعود إلى الحياة. وقد وعده بالقيامة والخلود. وتحدث عن القيامة العامة
بصراحة كاملة وبكل وضوح. وما دام الله قد وعد إذن لابد أنه ينفذ ما قد وعد به.

 

ومن جهة المعرفة والقدرة: فالله يعرف أين يوجد
عناصر الأجساد التي تحللت، وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكليها وتركيبها.
كما يعرف أيضاً أين توجد أرواح تلك الأجساد، ويسهل عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها،
ويسهل عليها ذلك. وهو يقدر على هذا كله، جل إسمه العظيم، وتعالت قدرته الإلهية.
وبكل الإيمان نصدق هذا..

 

إن الذي ينكر إمكانية القيامة، هو بالضرورة ينكر
المعجزات جملة. وينكر الخلق من العدم. وينكر قدرة الله، وقد ينكر وجوده أيضاً.

 

مثال ذلك الصدوقيون الذين “يقولون إنه ليس
قيامة، ولا روح، ولا ملاك” (أع 23: 8). حقاً، إن عدم الإيمان بأمر ما، يؤدى
إلى عدم الإيمان بأمور أخرى كثيرة.

 

أما المؤمنون، الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون
بالمعجزة، ويؤمنون بعملية الخلق من العدم، يؤمنون بالقدرة غير المحدودة التي
للخالق العظيم، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلى أبعد الحدود.

 

3- ضرورة القيامة

وكما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله،
كذلك هي ضرورية بالنسبة إلى عدل الله وصلاحه وجوده.

 

1- إنها لازمة من أجل العدل:

من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التي عملها خلال
حياته على الأرض، خيراً كانت أم شراً

فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. ولو لم تكن
قيامة، لتهالك الناس على الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما
يحدث فيما بعد! وأيضاً

 

إن لم تكن قيامة، لساد الظلم واستبداد القوى
بالضعيف، دون خوف من عقوبة أبدية. أما الإيمان بالقيامة وما يعقبها من دينونة
وجزاء، فإنه رادع للناس. إذ يشعرون أن العدل لابد سيأخذ مجراه: إن لم يكن في هذا
العالم، ففى العالم الآخر.

 

2 – إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية.
ووعده هو للإنسان كله. وليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان.

 

فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم
والأبدى، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء
واحد منه فقط، بينما قد حرم بالجسد. إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت
وتتحد به الروح. ويكون الجزاء الأبدى للإنسان كله..

 

3 – ولولا القيامة لكان مصير الجسد البشرى كمصير
أجساد الحيوانات!

ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى
العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع والقدرة على صنع
مركبات الفضاء التي توصله إلى القمر، وتدور به حول الأرض وترجعه إليها سالماً..
والذى قد قام بمخترعات أخرى مذهلة كالكومبيوتر والفاكس وغيرهما.. هل يعقل أن هذا
الإنسان العجيب الذي سلطه الله على نواح عديدة من الطبيعة، يؤول جسده إلى مصير
كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهواء؟! إن العقل لا يمكن أن يصدق هذا..

 

إن قيامة الجسد تتمشى عقليا مع كرامة الإنسان.

 

الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات الأخرى
ذوات الأجساد، والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً، وأن يقوم لها
بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد، أو أن يقوم عليها بحق السيطرة والاستخدام..
فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير
العاقلة وغير الناطقة، التي هي تحت سلطانه.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى