علم الانسان

كيف أتخذ قراراً؟



كيف أتخذ قراراً؟

كيف
أتخذ قراراً؟

الأنبا
موسى – أسقف الشباب

الفهرس

1 مقدمة

مقالات ذات صلة

2 أهمية اتخاذ القرار

3 سمات الحكمة الإلهية

4 خطورة الحكمة البشرية

5 القوى الإنسانية المشتركة في اتخاذ القرار: الروح – الضمير –
العقل – النفس – الجسم

6 مثال في اتخاذ قرار اختيار شريكة الحياة

7 يجب أن تكون قوى اتخاذ القرار متناسقة ومترابطة

8 مظلة الصلاة

9 ضوابط اتخاذ القرار: الروح القدس، الأب الروحي، الحوار

10 كيف أميز مشيئة الله؟ العلامات – القرعة الهيكلية

11 إذن كيف أعرف مشيئة الله؟

 

1- مقدمة

هذا
الكتيب الصغير هو محاولة للإجابة على سؤال طالما يسأله الشباب، وهو: “كيف
أتخذ قراراً؟”.

وهو
بلا شك سؤال هام، فالقرارات في حياة الإنسان، وخصوصاً في مرحلة الشباب، كثيراً ما
تكون مصيرية، وذات أثر خطير في خلاص، أو سعادة، أو بنيان صاحبها. كما أن القرار
يتأثَّر بقوى كثيرة: روحية وعقلية وعاطفية واجتماعية، بحيث لابد من تناغم وتناسق
بين هذه القوى، كل قدر حجمها وخطرها، ليخرج القرار سليماً ونافعاً وناضجاً.

 

كما
أن هناك ضوابط هامة يجب أن يستعين بها الشاب، ليضمن سلامة قراراته.. فما هي؟ وكيف
يستخدمها لسلامة نفسه؟

وأخيراً
يبقى سؤال: “كيف أميز مشيئة الله؟” حتى أطمئن أن الله يبارك قراراي.

هذا
ما نحاول الإجابة عليه باختصار، طالبين من الرب حياة مقدسة وسعيدة لشبابنا
المبارك..

 

2- أهمية اتخاذ القرار

*
الإنسان كائن حر:

خلق
الله الإنسان كائنا حرا مريداً، واعطاه فرصة دائمة لاتخاذ القرار، دون إلغاء
لمشيئته، بل في حرية كاملة، كان الله قادرا” ان يسلبها منه وما يزال. لكن
إلهنا المحب لا يريد ان يكون اولاده وسكان ملكوته الابدى، مجرد دمى أو قطع شطرنج،
بل يريدهم احرارا” في قراراتهم، صادقين في إختياراتهم، جاءوا إلى شركته عن
اقتناع دون ضغط أو إرغام، وسلموا إرادتهم له في حي ورضى كامل. لهذا دعيت مشيئة
الله ” مرضية “، أي مقبولة بفرح كامل من جانب الإنسان.

 

*
هل نلغى مشيئتنا؟

والإنسان
في هذا المجال، لا يلغى مشيئته، أو يقرها او حتى يتحايل عليها ليصنع مشيئة الله عن
خوف، ولكنه – بالعكس تماما – يجعل مشيئته ومشيئة الله شيئا واحدا، في رضى وقناعة
وحب. إنها ليست ” إستقالة إنسانية ” ولكنها ” تسليم واثق “..
فهو لا يتنازل عن مشيئته وتفكيره وكل قدراته البشرية في روح المستسلم المقهور أو
في روح المستقيل المرغم، ولكنه بالعكس، يوجد مشيئته بمشيئة الله، وفكره بفكر
المسيح ” اما نحن فلنا فكر المسيح ” (1كو2: 16). “مستأسرين كل فكر
إلى طاعة المسيح” (2كو10: 5). حيث أسر الافكار البشرية هنا، يعنى الاقتناع
بأنها كثيرا ما تنحرف ” القلب اخدع من كل شىء، وهو بخيس من يعرفه؟ ”
(أر17: 9)، وكثيرا ما تكون خادعة ” توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها
طرق الموت ” (أم14: 12)، وكثيرا ما تكون ناقصة ” لا تكون حكيما في عينى
نفسك ” (أم3: 7)، ” غريب أنا في الارض، فلا تخفي عنك وصاياك ”
(مز119: 19).

 

وهكذا
يحس الإنسان بفرحة غامرة إذ يجعل مشيئته تتوافق مع مشيئة الله، الكلى الحكمة،
والقدرة: ” ما ابعد احكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء، لان من عرف فكر
الرب أو من صار له مشيرا.. يا لعمق غنى الله، وحكمته، وعلمه! ” (رو11: 33،
34). لهذا قال الرسول: ” ان كان احد يظن انه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر
جاهلا لكي يصير حكيما ” (1كو3: 18). أي لابد ان يتخلى الإنسان عن حكمته
البشرية المحدودة، ليقتنى حكمة الرب الالهية غير المحدودة.

 

3- سمات الحكمة الإلهية

يحدد
لنا معلمنا يعقوب سمات الحكمة الالهية فيقول:


اما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة
واثمارا صالحة، عديمة الريب والرياء ” (يع3: 17). إذن، فالحكمة الالهية تتسم بما
يلى:

 

1-
طاهرة: أي نقية من كل خطية، بعكس الحكمة البشرية الملوثة بالضعف البشرى والطمع
والاغراض الشخصية..

 

2-
مسالمة: أي فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشرى
المجرد، يعنى العجرفة والكبرياء، ويقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات
والمهاترات..

 

3-
مترفقة: أي انها طويلة الاناة، طويلة البال، تجعلك تحاور في هدوء وصبر حتى تريح
الاخرين وتريح نفسك، دون تسرع أو تطير أو تعسف أو ثورة.

 

4-
مذعنة: أي تجعلك قابلا لتصحيح موقفك، فاتحا صدرك للرأى الاخر مهما بدا مضايقا أو
مناقضا لك، فهي تعلمك ان تذعن للحق، والحق هو الله، وكتلميذ للرب تتفاهم في هدوء
عارضا رأيك في وداعة، منتظرا آراء الاخرين ونقدهم، مستعدا للتنازل عنه حين يبدو لك
ضعف الرأى أو خطأه.

 

5-
مملوء رحمة: أي انها حانية رقيقة غير متكبرة على الاخرين، بل تحس باحاسيسهم،
وتحترم مشاعرهم، وتحنو عليهم حتى في اخطائهم أو ضعفاتهم كى تقودهم إلى فكر المسيح.

 

6-
واثماراً صالحة: وما هي اثمار الحكمة الالهية الا ثمر الروح من محبة وفرح وسلام
وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غلا5: 22، 23)؟

 

7-
عديمة الريب والرياء: أي خالية من التشكك والوسوسة، اذ يكون الإنسان واثقا من فكر
الله، وقادرا على تمييز مشيئته ” كى يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد
روح الحكمة والاعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانهم ” (اف1: 17، 18).
” من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب ” (اف5:
17). ” وهذا اصليه: ان تزداد محبتكم ايضا، اكثر فأكثر، في المعرفة، وفي كل
فهم، حتى تميزوا الامور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح
” (في1: 9، 10).

 

وهي
ايضا حكمة عديمة الرياء، ليس فيها غش ن ولا كذب ولا إلتواء، ولا يظهر الإنسان فيها
ما لا يبطن، بل بالحرى يكون واضحا ومستقيما ونقيا، امام الله والناس، في السر
والعلانية.

 

هذه
هي سمات الحكمة الالهية، وهي عكس الحكمة البشرية، التي لوثتها الخطية فصارت سبب
غيرة مرة، وتخرب وتشويش، وكل امر ردىء.. ذلك لانها ارضية (أي نابعة من العقل
الترابى المهتم بالترابيات)، نفسانية (أي نابعة من الانفعالات والغرائز والعواطف
والعادات والاتجاهات الخاطئة التي تموج بها النفس)، وشيطانية (أي مقودة بروح
ابليس، العامل في ابناء المعصية).. (اقرأ يعقوب 3: 13-18).

 

4- خطورة الحكمة البشرية

من
هنا كان لابد للإنسان من ان يتخذ قراراته في الحياة اليومية حسب مشيئة الله وفكر
المسيح، ومن خلال قنوات محدودة نستعرضها في الفصول التالية. وهذا امر في غاية
الاهمية، فلا شك ان استسلام الإنسان لفكره أو شهواته او حكمته المحدودة، امر خطير
يورد الإنسان موارد التهلكة، لانه ” توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها
طرق الموت ” (ام16: 25)، فلا تكن اذن ” حكيما في عينى نفسك ” (ام3:
7)، وذلك:

1-
لانك محدود في امكانياتك الفكرية..

2-
ومحدود في قدراتك التنفيذية، فقد تقتنع بشىء ما، ولكنك لا تستطيع الوصول اليه.

3-
ومحدود في معرفة ما هو لصالحك، فالحياة مليئة بالمنعطفات والمتاهات.

4-
ومحدود في معرفة المستقبل والغيب، فقد تختار ما هو صالحا الان، ثم يثبت انه غير
صالح في المستقبل، مثالا لذلك قد تختار شريكة حياة معينة وتتشبث بها، ولا تعرف
ماذا قد يصيبها في المستقبل..

5-
لهذا فالافضل ان تعترف بضعفك ومحدوديتك، وتتفاهم مع الله طالبا منه ان يقود سفينة
حياتك فهو:

 

1)
الآب الحنون الذي يحبك، صانع الخيرات..

2)
وهو القادر على كل شىء، ضابط الكل..

3)
وهو العالم بمسار حياتك، وحياة غيرك، حتى النفس الاخير، بل حتى الابدية.

 

ومن
هذا المنطلق الثلاثى: الحنان، والاقتدار، والعلم، يسلم الإنسان نفسه في ثقة ورضى واقتناع،
ليختبر كل يوم عجبا من فيض حنان الرب!

 

يمكنك
يا اخى الشاب ان تعاند مشيئة الله وتتمسك بفكرك الخاص، لكن ثق ان هذا الطريق مهلك،
وفاشل.

 

ويمكنك
ان تستطلع مشيئة الله في كل امر، فتسير في نور المسيح، ومساندة النعمة، وحراسة
الاله، فتثمر وتنجح وتعود فرحا.

 

لقد
اراد الرسول بولس ان يبشر في آسيا، فمنعه الروح. قصد ان يذهب إلى بيثينية، فرفض
الروح ايضا. فنام في هدوء في ترواس منتظرا إعلانات الله، ولما راى الرجل المكدونى
يناديه قائلا ” اعبر إلى مكدونية وأعنا ” (اع16: 9)، ذهب إلى اليونان،
ونجح هناك مؤسسا خمسة كنائس مباركة.

 


العناد كالوثن ” (1صم15: 23)، لانه عبادة للذات، اما ” الانقياد بالروح
” (رو8: 14) فهو كفيل بان يجعلنا اولاد الله، وما اعظمه من مركز!

 

5- القوى الإنسانية المشتركة في اتخاذ القرار

هناك
قوى عديدة، لكل منها وطأتها وضغطها ودفاعاتها وتأثيرها الخاص، ومن حصيلة هذا كله
يصدر القرار. إنها “مراكز صنع القرار” إذا استعرنا التعبير الذي تستعمله
الدول وهي تتخذ قراراتها المصيرية والهامة. فما هي مراكز صنع القرار في حياة
الإنسان؟

 

1-
الروح:

وهي
ذلك العنصر الالهي الذي يقود الإنسان إلى التامل في الله، والغوص في بحار ما وراء
الطبيعة والمادة والموت، عنصر الخلود، والايمانيات، والتعرف على امور الحياة
الاخرى والعالم السماوى.

 

2-
الضمير:

وهو
ذلك الصوت القادم من السماء، حيث الله، الخير والحب والجمال المطلق. انه صوت يهز
اعماقنا من الداخل، مرة يباركنا حينما نصيب، ومرة يوبخنا حينما نخطىء. وهو بالقطع
ليس نتاج المجتمع أو التربية أو القيم السائدة، بدليل انه يحرمنا من النوم، لا من
اجل خطأ علنى، بل من اجل خطيئة سرية، بين الإنسان والله فقط.

 

3-
العقل:

وهو
الطاقة المفكرة في الإنسان، والتي تجعله يناقش، ويدرس ويحلل، ويستنبط، ويربط،
ويستدل، ويستنتج.. انه التفكير البشرى، المحدود طبعا، والذي يميز الإنسان (مع
القوتين السابقتين) عن الحيوان والنبات.

 

4-
النفس:

وهي
ذلك الجهاز الإنساني الذي يحوى الكثير من مكونات الشخصية الإنسانية مثل:

 

أ‌)
الغرائز: أي الدوافع الاساسية في الإنسان، والتي ولد بها، من اجل حفظ الحياة،
والنوع البشرى. كغريزة الجوع والعطش والجنس وحب الحياة والتملك والخوف.. إلخ.

 

ب‌)
العادات: التي اكتسبها الإنسان أثناء مسيرته في الحياة، سواء أكانت نافعة كالصلاة،
ودراسة كلمة الله، والتردد المنتظم على الكنيسة، والتناول، والتعامل الراقى في الكلام
والتصرف، أو كانت هدامة مثل إدمان المخدرات أو الخمور أو التدخين، أو الالفاظ
النابية، او الغضب..

 

ت‌)
الاتجاهات: وهي الخطوط الرئيسة التي يسير فيها قلب الإنسان وشهواته، فهذا يتجه نحو
جمع المال، وذلك نحو خطايا الجسد، بينما الثالث يتجه نحو الدراسة والتفوق العلمي،
أو نحو تكريس القلب والحياة لله وللخدمة..

 

ث‌)
العواطف: وهي المشاعر التي تتكون وتتثبت نتيجة انفعال متكرر تجاه شخص ما أو شىء
ما. فهذا تحبه، وذاك لا نحبه، من الأشخاص والفضائل والرذائل المختلفة..

 

5-
الجسم:

ولا
شك ان له وطأة خاصة في إتخاذ القرار سواء من جهة الضعف والقوة، أو الجمال والقبح،
أو الطول والقصر.. فالشاب يختار العمل المناسب لطاقته الجسمانية، ويختار

شريكة
الحياة واضعا في الاعتبار الملامح الجسمية وهكذا..

 

6-
المجتمع:

لان
الإنسان اجتماعى بطبعه، ولا يستطيع ان يحيا في جزيرة منعزلة عن الواقع المجتمعي
المحيط به، بما يسوده من قيم وتقاليد وعرف. لهذا فقد يفشل زواج ما لانه لم يراع
الفوارق الاجتماعية بين العروسين، أو قد يفشل مشروع ما بسبب عدم مراعاته لظروف
المجتمع وتقاليده..

 

وهكذا..
ومن هذا الخضم الهائل من القوى، يصنع القرار. حقيقة ان قوة قد تبرز لتأخذ مكان
الصدارة، وتنقاد لها باقى القوى، ولكن – على العموم – هناك دورا ما لكل من تلك
القوى.

 

6- مثال في اتخاذ قرار اختيار شريكة الحياة

إنسان
يريد ان يختار شريكة حياته، نجد انه:

1-
يصلى طالبا من الرب ان يقوده ويوفقه.

2-
يسأل ضميره باستمرار: هل أخطأ ام أصاب، سواء في الاختيار، أو في السلوك.

3-
يفكر بإمعان في إمكانية إتمام هذا المشروع، من جهة موافقة الأسرتين، والامكانيات
المادية، ومكان المعيشة، ونوع العمل، والمشاركة في الاعباء المنزلية.. وهكذا.

4-
يتحسس راحته العاطفية من نحو هذه الشخصية، وهل هو مستريح نفسيا لها، ويحس أنها
ستساعده في تحقيق اتجاهاته، وتتوافق مع ميوله وعاداته، وستكون سبب سعادة له..

5-
ينظر.. هل هناك فيمن اختارها قدر مناسب من الجمال، دون مغالاة أو تطرف..

6-
يدرس.. هل يتفق قراره مع التقاليد والقيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه، ام ان
هناك مآخذ ستقض مضجعه اذا أتم هذا المشروع؟

 

7- يجب أن تكون قوى اتخاذ القرار متناسقة ومترابطة

وهكذا
تكون هذه القوى سيمفونية متناسقة ومترابطة، ليس فيها نشاز. والنشاز هنا هو ان
تنفرد قوة أو تبرز بحيث تتوارى خلفها باقى القوى..

مثال:

1-
يهتم الإنسان بالجانب الروحى في شريكة الحياة، ويتناسى بقية الجوانب، فقد تكبره
سنا، أو يكون هناك عدم إرتياح في المشاعر، أو عدم إمكانية تنفيذ عملى للمشروع.

 

2-
او ان يهتم الإنسان بالمشاعر فقط، فيولع بمن يختارها بطريقة متطرفة تعمى عينيه عن
أمور إجتماعية أو روحية أو عملية، فيدخل في صراع مع الاسرة، أو مخالفة روحية، او
يكتشف بعد ذلك صعوبة الاستمرار العملى في الحياة، خصوصا بعد ان تخبو نار العاطفة
المتأججة، لتحل محلها المسئولية العاقلة.

 

3-
او ان يركز الشاب على زاوية الجمال الجسدى متجاهلا جمال الروح، فيسقط في غيبوبة
عقلية وروحية، اذ يتوقف العقل عن التفكير، والروح عن العمل. وربما ينسى الشاب ان
الجمال الصارخ كثيرا ما يخفي وراءه غرورا خطيرا، او بلاهة عقلية، نتيجة التركيز
على الحسيات دون المعنويات. بل كثيرا ما يكون الجمال الصارخ سبب غيرة وتشكك لدى
الزوج، يحول الحياة إلى جحيم مقيم.

 

4-
او قد يهتم الشاب بنسب الاسرة ومالها، وما يمكن ان يحصل عليه من مقابل مادى في هذا
الزواج، فيتحول الزواج إلى صفقة تجارية سرعان ما تنفض عنها غبار العواطف
التمثيلية، ليبقى منها الصراع على التراب والنقود.

 

وإن
كنا قد ركزنا الامثلة في إطار اختيار شريك الحياة – من الطرفين طبعا – الا ان هذا
ينطبق قطعا على كل قرارات الحياة..

 

مثال:

+
اختيار نوع الدراسة: يحتاج إلى صلاة، وتفكير، وسؤال آخرين قادرين على إعطاء
المشورة، ودراسة للامكانيات العقلية والنفسية وظروف المجتمع..

+
اختيار نوع العمل واختيار خط الحياة: بتولية ام زواج؟.. نفس القوى تشترك في هذا
الامر ايضا..

وهكذا
تتناغم تلك القوى، لنحصل في النهاية على ترنيمة عذبة وقرار مريح.

 

8- مظلة الصلاة

إن
كل ما مضى من قوى، هي قوى بشرية محضة، محدودة، عاجزة عن إسعاد الإنسان، أو إنارة
الطريق، ما لم تكن جميعها تحت مظلة الصلاة: أي ان يكون الإنسان في روح صلاة مستمرة
قبل واثناء وبعد المشروع، وان يكون ايضا في روح تسليم مستمرة طوال المشوار، تاركا
للرب ان يقول كلمته في أي مرحلة، ومهما كانت، بالموافقة، أو بالرفض، أو بالتأجيل،
في ثقة كاملة انه اكثر حنانا، واكثر قدرة، واكثر علما.. لذلك فهو يلح على الله
باستمرار ان يكون سائرا في طريقه، وان تكون مشيئته متسقة ومتحدة مع إرادة الله
الصالحة المرضية الكاملة ” (رو12: 2). ومن خلال الصلاة والتسليم، يتدخل الله،
ويتمم مشيئته المقدسة، ويعلن رأيه في الامر، ورأيه هو الرأى البناء والكامل والمريح.

إن
خير شعار ينبغى ان يرفعه الإنسان هو قول الكتاب: “توكل على الرب بكل قلبك،
وعلى فهمك لا تعتمد” (ام3: 5).

 

9- ضوابط اتخاذ القرار: الروح القدس، الأب الروحي، الحوار

ان
أي قرار نتخذه في حياتنا له – بالضرورة – الاثر البعيد، إما إيجابيا أو سلبيا.
لذلك كان لابد من ضوابط تساعددنا على الوصول إلى القرار الصحيح، خصوصا اذا تذكرنا
محدودية الإنسان: عقله، وقدراته، ورؤيته، وعدم قدرته على معرفة ما يحمله المستقبل
من مفاجآت، والمصادمات اليومية في الحياة مع النفس، ومع الاخرين، الاكبر والأصغر
منا..

 

وكما
ان الإنسان يحتاج نفسيا إلى “الحرية”، ولا ينمو بدونها، الا انه محتاج
ايضا إلى “الضبط”، ويستحيل ان ينمو بدونه. هنا يكون الاتزان والتوازن،
وهذه شريعة الحياة. فلو اننا اسرفنا في إعطاء انفسنا الحرية، انفلتنا إلى نوع من
الفوضى أو التفكك أو الاحساسا بالضياع. ولو اننا اسرفنا في جرعة الضبط المطلوبة،
سقطنا في الاحباط والقنوط وحتى اليأس.

 

من
هنا تحتاج الطبيعة الإنسانية إلى مزيج بناء من الحرية والضبط، بحيث لا نتطرف يمينا
نحو انفلات مدمر، او يسارا نحو إحباط يحطمنا. ولهذا السبب بالضبط خلقنا الله
احرارا، وتركنا نختار طريقنا وطريقتنا في الحياة كما نريد، لانه لا يحب ان يرانا
دمى تافهة أو قطع شطرنج في جنته السعيدة، بل يريدنا ان نختار الحياة معه وله، عن
قناعة وفرح ورضى. كما انه وضع في اعماقنا الضمير او الشريعة الادبية أو الناموس
الطبيعى، حتى يساعدنا بانواره الكاشفة واصواته البناءة في تحديد المسار في حرية
وفرح، بعد ان نختبر متاعب الانحراف والمعاندة، وبركات الحياة مع الهه في طريق
الخير.

 

فما
هي يا ترى الضوابط الذي تساعدنا على التحقق من صحة اختيارنا وسلامة قراراتنا؟

 

1-
الروح القدس:

العامل
في الضمير، ذلك الصوت الالهي، الذي يأتينا من عند الله، والذي يزداد ارهافا
وحساسية بسكنى روح الله فينا. فالروح القدس غير الضمير، وغير الروح الإنسانية. انه
الاقنوم الثالث في الهنا الواحد، الاقنوم الذي يفعل فينا، وينقل الينا بركات
الفداء، ويضىء لنا الطريق: يبكتنا كلما اخطأنا، ويشجعنا كلما اصبنا، ويسكب النور
في قلوبنا فنميز الامور المتخالفة، كما يغرس طريقنا بالنور فنعرف كيف نسير وفي أي
طريق نتجه. وهكذا فالذين ” ينقادون بروح الله، اولئك هم ابناء الله ”
(رو8: 14). والإنسان الذي يحب ان يضبط مساره، ويتأكد من صحة قراره، عليه ان يصلى
في إلحاح، وبروح كلها إخلاص في طلب معرفة مشيئة الله، وفي تسليم صادق لارادته
وتفكيره لارادة الله وتفكيره.. وهكذا.. اذ يشعر براحة ضمير، واستقرار وسلام نفسى،
دون انفعال او تشنج، يحس ان روح الله مستريح فيه لهذا القرار متفقا مع معطيات،
الانجيل وطريق القداسة.

 

هذه
قوة ضابطة هامة، عودتنا الكنيسة ان نطلبها باستمرار في صلاة الساعة الثالثة،
ونكررها في صلوات نصف الليل: “ايها المعلم السمائى المعزي روح الحق، الحاضر
في كل مكان والمالئ الكل كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من
كل دنس ايها الصالح وخلص نفوسنا”. وما تطهير القلب من تلوث الخطية وانحراف الغرض
والمشيئة الذاتية الانانية، سوى خير ضمان لسلامة المسيرة وصحة القرار. ألم يقل لنا
الرب عن الروح القدس: ” متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع
الحق” (يو16: 13)؟

 

علينا
اذن ان نصلى باستمرار كلما تحيرنا، طالبين من الرب ان يكشف لنا مشيئته، وسوف
نستريح إلى إتجاه معين، يشهد الكتاب المقدس على صحته وسلامته، فنتحرك في هذا
الاتجاه في روح الصلاة والتسليم، تاركين للرب ان يكمل الطريق أو يلغيه، كاشفا لنا
مشيئته التي سنتقبلها بكل فرح.

 

وليكن
شعارنا قول المرنم: “تمسكت خطواتى بآثارك، فما ذلت قدماى” (مز17: 5).
ولنسمع في كل حين وعد الرب: ” اعلمك وارشدك الطريق التي تسلكها، انصحك عينى
عليك ” (مز32: 8).

 

2-
الاب الروحى:

وهذا
ضابط آخر غاية في الاهمية، ذلك عملا بقول القديسين: الذين بلا مرشد هم كأوراق
الخريف، سريعا يسقطون. وتنبع اهمية اب الاعتراف في القرارات المصيرية من عدة

منطلقات:

 

أ‌)
الاب الحانى المحب، الذي يهمه امرى، ويحب ان يطمئن إلى كل خطوات مسارى.

ب‌)
وهو وكيل السر، الذي يصلى معى اثناء الاعتراف طالبا من الرب ان يرشده ويرشدنى لما
فيه خير حياتى..

ج‌)
هو الاكثر خبرة، بسبب المواقف الكثيرة التي عاشها شخصيا، أو من خلال الخدمة..

د‌)
وهو الانضج سنا، بحيث يرفعنى من انفعالات واندفاعات الشباب المبكر، وينبهنى إلى
خطورتها..

ه‌)
وهو الصوت الروحى والصوت العاقل، الذي يمكن ان يخرجنى من ” الحصر النفسى
” الذي احياه حينما ادرس مشكلتى بمفردى داخل ” خزانتى النفسية “.
ان مجرد ” فرد ” النفس وكشفها امام اب روحى، كفيل بأن اعيد تقييم
الامور، إذ افرغ شحنتى الانفاعلات فلا تتحكم نفسى في، ولا عواطفي، ولا انفعالتي،
بل يتحكم روح الله، والعقل المستير بالروح والانجيل، في مسار حياتى.

 

وهكذا
يكون دور اب الاعتراف غاية في الاهمية في ضبط المسار، وإتخاذ القرار، وبالذات في
الامور المصيرية. خصوصا إذا اضفنا إلى ذلك عنصر إخلاص الاب لابنه الروحى، وصلواته
من اجله، وكتمانه لاسرار حياته.

 

لذلك
ليتك تعرض افكارك يا اخى الحبيب على ابيك الروحى، ويجب ان يكون واحدا ثابتا، لا
يتغير ما لم تكن هنالك ضرورة قصوى، حتى يكون شاعرا بمسار حياتك من مرحلة إلى
مرحلة، وبظروفك الفردية والعائلية والعامة، ومن هنا يقدم لك المشورة المناسبة
مسترشدا بروح الله القدوس.

 

3-
الحوار:

وهذا
هو الضابط الثالث في الحياة، فما اخطر ان يعتمد الإنسان على فكره الخاص، ويرفض ان
يتحاور مع غيره حتى في اموره الخاصة. ان فكرك الخاص هو بالقطع فكر محدد، معرض
للصواب والخطأ. كما ان تفكيرك بمفردك يسقط في “شرك نفسى”، هو التفكير
الانفعإلى المقود بالعاطفة، واحيانا بالغريزة. كما انك بمفردك ستركز على زاوية في
الموضوع ناسيا أو متناسيا زوايا اخرى هامة. أما خروجك من هذه القوقعة الذاتية إلى
شركة المحبة، مع الاسرة، او الاصدقاء البنائين، أو خادمك في الكنيسة، أو ابيك في
الاعتراف.. هذا كله يغمر موضوعك بالضوء، ويساعدك على اكتشاف نفسك، ودوافعك، وزوايا
الخطأ والصواب في الامر، والمسار المطلوب والبناء، وطريقة الوصول اليه وتنفيذه..
وهكذا. اما ” الانحصار في الذات “، والحياة داخل قوقعة ذاتية محضة، فأمر
اشيه بالحياة داخل حجرة تسرب فيها الغاز، واضحت محفوفة بالمخاطر الخانقة او
الحارقة.

 

إذن،
فلنخرج من ذواتنا، ونناقش في روح هادئة، قابلة للنقد، والتعلم، معترفة بإمكان
الخطأ وبحقيقة ان الإنسان ضعيف ومحدود.. وهكذا بالحوار الوديع، بقلب مفتوح، وعقل
واع، نصل إلى القرار الحسن.

 

ولكن
هذا لا يعنى ان احاور أي إنسان أو كل إنسان في امورى، فقديما قال الآباء: ”
لا تكشف نفسك الا امام ما يمكنه ان يساعدك لخلاص نفسك “. فالكلام ينطبق هنا
على الاسرة والاصدقاء البنائين والخادم الكنسى واب الاعتراف.. ولكنه بالقطع لا
ينسحب إلى ” الشلة “، أو الاصدقاء المنحرفين، الذين هم في حاجة إلى من
يرشدهم. فلا تكن مثل رحبعام بن سليمان الملك، الذي ترك مشورة الشيوخ بأن يخفف على
شعبه ويعاملهم بحب واتضاع، وإنساق إلى مشورة الشبان الذين نصحوه بأن يقسو على
الشعب، فتمزقت المملكة، واستمرت هكذا لمئات السنين. ولنذكر كلمات الحكيم:
“المساير الحكماء يصير حكيما، ورفيق الجهال يضر ” (أم13: 20).

 

10- كيف أميز مشيئة الله؟ | العلامات، القرعة الهيكلية

والآن
وبعد ان ادركنا:

1-
ضعفنا البشرى ومحدودية معرفتنا بالحاضر وجهلنا بما يخبؤه المستقبل.

2-
ضرورة توافق مشيئتنا مع مشيئة الله المحب، القادر على كل شىء، صانع الخيرات.. مع
قناعة كاملة وثقة في حنان الله وحكمته.

3-
ضرورة الاحتماء بمظلة الصلاة وروح التسليم طوال مسيرتنا ونحن نناقش موضوعا معينا،
لنستطيع ان نضمن التدخل الالهي بالصورة المناسبة وفي اللحظة المناسبة.

4-
ضروروة ان تتاغم كل قوى النفس، وتعمل معا، بقيادة روح الله القدوس، فيأخذ كل من:
الضمير والعقل والنفس والجسم والمجتمع، الدور المناسب، بالحجم المناسب.

5-
اهمية سؤال الله باستمرار، والتشاور مع اب الاعتراف، والدخول في حوار هادىء وهادف،
دون تشبث أو عناد، بل في إحساس بالضعف والقصور، والحاجة إلى مشورة بناءة.

بعد
كل ذلك.. كيف اميز مشيئة الله؟ هل هناك علامات معينة استطيع بها ان اتأكد ان ما
استقر عليه الرأى هو مشيئة الله؟

 

العلامات:

يتصور
البعض ضرورة ان يعطينا الرب علامات معجزية او محددة، نتعرف بها على مشيئة الله،
كأن نحلم بشىء، او يحدث شىء محدد، أو نسمع كلمة معينة من شخص ما.. الخ. ولكن هذا
الاسلوب غير سليم لاسباب:

 

1-
ان الله اعطانا روحه القدوس ليرشدنا إلى جميع الحق، فلا يصح ان نتعامل مع الله من
باب الخرافات والتخمين والرؤى والاحلام، لانه حاضر معنا، وعامل فينا وقادر على
ارشادنا..

 

2-
سهولة تدخل عدو الخير في هذه الامور، اذ يعرف إلحاحنا عليها واهتمامنا بها، وهكذا
يصور لنا هذه العلامة او تلك ليسقطنا في حفرة..

 

3-
احتمالات الخداع النفساني، فلا شك ان الاحلام مرآة لشهوات واهتمامات النفس، فاذا
اشتهيت امرا ما – حتى اذا كان سلبيا – فمن الممكن ان يدخل في احلامى، ويحدث
الارتباك.. وحتى الانحراف.!

 

وهكذا
فالإنسان المؤمن لا يعلق نفسه بامور غريبة، فكم اضاعت الرؤى والاحلام قديسين فقدوا
الافراز أو الاتضاع، وانساقوا وراء ايحاءات عدو الخير. وهناك باب في بستان الرهبان
مخصص لهذا الخطر. كما ان القديس انطونيوس الكبير يعتبر فضيلة الافراز اهم الفضائل،
وبدونها تتحول الفضائل إلى رذائل. فهذا يصلى دون افراز لدوافعه، فيطيل في صلاته
طالبا مديح الناس، فتحسب صلاته عليه ولا تينى حياته اطلاقا، بل بالحرى تضخم من
ذاته فيسقط في الكبرياء.. وهكذا.

 

لذلك
لا يصح ان ننتظر علامات غريبة لنعرف مشيئة الله في امر ما، بل هناك روح الله
القدوس، وهناك التفكير الإنسانى، واب الاعتراف، والاسرة والاحباء المشيرين.. الخ.

 

القرعة
الهيكلية:

يلجأ
البعض إلى هذا الاسلوب لكي يتعرف على مشيئة الله، ولكن هذا الاسلوب غالبا ما لا
يكون مناسبا.. والحالة الوحيدة التي يكون فيها مناسبا تستلزم شروطا صعبة التنفيذ
وهي:

1-
ان يكون الإنسان مخلصا تماما في التعرف على مشيئة الله، وتاركا النتيجة بصفة
نهائية وحاسمة لله.

2-
ان يكون الاختيار بين امرين متساويا تماما بحيث استحال على الإنسان ان يختار هذا
ويترك ذاك.

3-
ألا يتردد الإنسان بعد خروج النتيجة بل يعتبرها نهائية.

 

وعموما،
هذه الامور صعبة التواجد في الحياة اليومية، اذ لابد ان يجد الإنسان – بروح الله،
وبالتفكير، وبالمشورة – ما يجعله يرجح كفة على الاخرى. وما نلاحظه عموما ان
الإنسان بعد خروج النتيجة يتضح انه:

 

1-
إما كان يشتاق اليها فيستريح، وقد يكون اشتياقه على اساس خاطىء.

2-
وإما انه كان ينتظر الرفض مثلا فتأتى النتيجة بالايجاب (أو العكس)، فيطلب تكرار
القرعة.

3-
وإما انه أقتنع فيما بعد باختيار لم تفرزه القرعة فيتشكك.. انه خالف المذبح.

 

لهذا
فيستحسن عدم اللجوء إلى القرعة الهيكلية عموما، ما لم تتوافر الشروط التي ذكرناها
قبلا. واذا ما تحير الإنسان فعليه ان يلجأ إلى المزيد من الصلاة والتفكير والتشاور
والرب سيحسم الامر لاولاده سلبا أو ايجابا بآلاف الوسائل.

 

ان
الآباء الرسل لم يلجأوا إلى القرعة إلا:

1-
قبل حلول الروح القدس..

2-
في حالة تساوى الاختيارات، فالشروط توافرت بالتساوى بين متياس ويوسف (أع1: 21 –
26).

3-
فلنصلى من عمق القلب طالبين تدخل الرب، وارشاده، وحسمه للامور، وقطعا سيتدخل،
ويوضح كل شىء!

 

11- إذن كيف أعرف مشيئة الله؟

إن
مشيئة الله، حينما تتضح لنا من خلال الصلاة المتوترة التي تلح على روح الله،
والتسليم الصادق لمشيئة الله عن ثقة واقتناع، والتفكير الهادىء الرزين، والحوار
البناء مع اخرين.. تحمل معها علامات معينة:

 

1-
السلام الداخلى:

اذ
يحس الإنسان بصفاء نفسى وسلام داخلى نحو القرار الذي اتخذه، مع ضمير مستريح انه
ترك للرب ان يحدد ما يختاره بحكم عمله الواسع وحنانه الدافق وقدرته اللانهائية.

 

2-
موافقة الكتاب المقدس:

اذ
يستحيل ان يتعارض الاختيار الالهي مع وصايا الكتاب، فما كان العمل المعثر والذي
يسبب نكوصا على الاعقاب ليس من الله، وشريكة الحياة البعيدة عن المسيح ليست من
الله، والقرار المادى الذي تفوح منه رائحة الطمع أو استخدام وسائل غير مشروعة ليس
من الله.. وهكذا.

 

3-
سير الظروف:

اذ
يتحرك الإنسان تحت حمى مظلة الصلاة، تاركا للرب ان يتدخل بالصورة التي يراها، بحيث
تسود مشيئته كل مشيئة. حينئذ سوف يتدخل الله قطعا، إما ايجابا أو سلبا او تأجيلا..
وسوف يكون الإنسان في قمة الراحة لاى اختيار الهي من هذه الثلاثة، “لان شهوة
قلبه مختارة أفضل من الذهب والحجر الكثير الثمن، وأحلى من العسل والشهد. عبدك
يحفظها، وفي حفظها ثواب عظيم” (مز19: 10).

 

وهكذا
يتحرك الإنسان في الطريق دون توتر، ودون شهوة ذاتية أو مشيئة خاصة، وصرخة قلبه
المستمرة: ” لتكن مشيئتك ” (مت6: 10).

 

من
حقه ان يطلب، حسب وصية الرب: ” اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا ” (مت7: 7)،
“لا تهتموا بشىء، بل في كل شىء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى
الله” (في4: 6)، ولكنه يسلم كل شىء لله، تاركا له تحديد المسار، والنتيجة
النهائية: ” لتكن لا ارادتى بل ارادتى ” (مت22: 42).

 

وقديما
قال الآباء: “سوف يأتى فيه نشكر الله على أصلوات غير المستجابة أكثر من
الصلوات المستجابة”.

 

ونحن
كثيرا ما نطلب دون ان نأخذ لاننا حسب تعبير الرسول ” نطلب رديا لكي نتفق في
لذاتنا ” (يع4: 3). فلنطلب اولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لنا
“(مت6: 33).

 

فليعطنا
الرب القلب المرتبط به، والحياة السالكة فيه، والاذن الواعية لصوته، لنتعرف على
مشيئته المقدسة، ونصنعها بفرح قائلين: ” طعامى ان اعمل مشيئة الذي ارسلنى
واتمم عمله” (يو4: 34). ولا شك ان مشيئته “صالحة ومرضية وكاملة”
(رو12: 2).

 

والان
اتركك يا اخى الشاب لتراجع ما قلناه، واذ تقف متحيرا: ماذا افعل؟ تسمع الصوت
الالهي: ” سر امامى وكن كاملا، اجرك كثير جدا ” (تك15: 1)، (تك17: 1)
الرب مع روحك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى