علم الانسان

الخليقة الجديدة والأُخرويات في المزامير والأنبياء



الخليقة الجديدة والأُخرويات في المزامير والأنبياء

الخليقة
الجديدة والأُخرويات
في المزامير
والأنبياء

الخليقة
الجديدة والأُخرويات في المزامير:

الأُخرويات
يُقصد بها حوادث الدهر الآتي أو مستقبل الزمان، والحديث فيها قديم قِدَم المزامير
والأنبياء. ونقصد نوعاً خاصاً من المزامير، وهي التي كانت تُسمَّى بمزامير “الملك”،
وهي تسابيح تُقال في موسم خاص تمجيداً ليهوه، وتُسمَّى مزامير تجليس يهوه على عرشه.
وكان هذا اليوم يُسمَّى عيد يهوه (لا 39: 23و41)، وبه تُفتتح السنة الجديدة أي رأس
السنة العبرية ويأتي في عيد الحصاد، وكان يُعيَّد له لثمانية أيام (لا 33: 23) في
منتصف الشهر القمري حيث كان مطلع المزمور:

+
“لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون، ولك يُوفَى النَّذر.. كلَّلتَ السنة
بجُودِك وآثارُك تقطر دسماً” (مز 1: 65و11)

مقالات ذات صلة

ومزامير
تتويج الملك هذه، أغلبها كان قبل السبي، ولكن بعضها كُتب بعد سنة 536 ق.م، وهي سنة
الرجوع من السبي. وظلَّت تُعيِّد بها إسرائيل حتى في خرائب أورشليم كما يحكي إرميا
النبي (مرا 19: 5)، لأنها كانت تحمل كل أمجاد التراث.

أما
بداية التعييد بهذا العيد، فيذكرها سفر القضاة، وذلك فيما قبل قيام المملكة
الفردية:

+
“هوذا “عيد الرب”في شيلوه من سنة إلى سنة شمالي بيت إيل شرقي الطريق
الصاعدة من بيت إيل إلى شكيم” (قض 19: 21و20)

كما
يذكره أيضاً صموئيل النبي:

+
“وكان هذا الرجل (ألقانة) يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب
الجنود في شيلوه” (1صم 3: 1)

وما يهمُّنا من مزامير التتويج ليهوه تخصُّصها في ثلاثة
مواضيع على درجة كبيرة من الأهمية: الأول: تجديد الخليقة، والثاني: الخلاص،
والثالث: مجيء يهوه.

أولاً:
تجديد الخليقة:

كان
تجليس يهوه على عرشه فرصة لتمجيد أعماله في الخليقة، لأنه في مفهوم إسرائيل أن
يهوه أقام الخليقة من أجل إسرائيل، فهي تعتبر فرصة تجليسه السنوية تذكاراً جيداً
حتى تستمر أعمال الله في تجديد هذه الخليقة من سنة إلى سنة: السماء بشمسها وقمرها
ونجومها، والأرض بجبالها وبحارها وأنهارها، والأمطار لإرواء الأودية، والجبال لنمو
الزراعات والفواكه التي يقتات منها الشعب. فتذكار تجديد الخليقة كان محسوباً أنه
واجب تذكره أمام يهوه.

+
“تُرسِل روحك فتُخْلَقُ، وتُجدِّد وجه الأرض” (مز 30: 104)

+
“لك النهار ولك أيضاً الليل. أنت هيَّأتَ النور والشمس. أنت نَصَبتَ كل تخوم
الأرض، الصيف والشتاء أنت خلقتهما” (مز 16: 74و17)

+
“تعهَّدتَ الأرض وجعلتها تفيض، تُغنيها جداً. سواقي الله ملآنة ماءً. تُهيِّئ
طعامهم لأنك هكذا تُعِدُّها. أرْوِ أتلامها، مهِّد أخاديدها. بالغيوث تُحلِّلها،
تُبَارِك غلَّتها. كلَّلتَ السنة بجودك وآثارك تقطر دسماً. تقطر مراعي البرية
وتتنطَّق الآكام بالبهجة. اكتست المروج غنماً والأودية تتعطَّف بُرًّا، تهتف
وأيضاً تُغَنِّي” (مز 9: 6513)

+
“أنت متسلِّطٌ على كبرياء البحر، عند ارتفاع لُججه أنت تُسَكِّنها. أنت سحقت
رَهَبَ مثل القتيل.. لك السموات، لك أيضاً الأرض. المسكونة ومِلْؤها أنت أسَّستهما.
الشمال والجنوب أنت خلقتهما. تابور وحرمون باسمك يهتفان” (مز 9: 8912)

+
“الأرض أعطت غلَّتها، يُباركنا الله إلهنا” (مز 6: 67)

+
“الذي بيده مقاصير الأرض وخزائن الجبال له. الذي له البحر وهو صنعه ويداه
سبكتا اليابسة” (مز 4: 95)

وُيلاحَظ
أن التعييد لتجليس يهوه ملتحم بالسنة الجديدة، والسنة زراعية بموسميها: القحط
والجفاف والعطش الذي يهدِّد الأرض، ثم موسم الأمطار وإحياء الطبيعة من بعد موات،
ثم الزراعة والحصاد وقطف الزيتون والكروم. فالسنة يُمثِّل نصفها الأول الموت،
ونصفها الثاني الحياة والنماء. فهذا ترك أثره في حياة الشعب وظلت الطقوس تخدمه
بمحافل رهيبة حتى يتحنن يهوه ويجدِّد وجه الطبيعة والأرض. وهنا نركِّز ذهن القارئ:

فالتجديد
الذي شمل كل مظاهر الطبيعة كخلقة جديدة تتجدَّد كل سنة برحمة يهوه في عيد جلوسه هو
الذي انتهى إلى تجديد خليقة الإنسان نفسه؛ الأمر الذي تمَّ بموت المسيح خالق
الخليقة، ثم بحياة المسيح حامل الخليقة الجديدة. وكان التعييد لتجديد الخليقة
الطبيعية في ذِكرى جلوس يهوه السنوي هو الذي صار التعييد ليسوع المسيح لقيامته
سنوياً الذي نعيِّده ونحن خليقة جديدة بالتسبيح لمجده.

هكذا
خدمت الاسخاتولوجية بإشاراتها المتعددة لتجديد الخلقة الطبيعية كل سنة، مفهوم
تجديد الخلقة البشرية في النهاية. فالأولى كانت تُقام في ذِكرى جلوس يهوه السنوي
في عيد يهوه؛ أما الثانية وهي الخليقة الجديدة للإنسان فقد دشَّنها لنا المسيح
بقيامته وجلوسه عن يمين الآب.

ثانياً:
الخلاص:

كانت
أيضاً فرصة تجليس يهوه على عرشه تذكاراً للخلاص الذي صنعه يهوه لشعبه، وهو خلاص
متعدِّد الأشكال، سواء من العبودية في مصر أو من الملوك الأعداء أو من الظلمة
وقواتها المعادية أو من الطبيعة الهائجة.

فصارت
المزامير تُسبِّح للخلاص بلا هوادة، ولكن بصورة تحمل الخلاص فوق الزمن كعمل يهوه
الفائق. فكان هذا بدوره يكوِّن اسخاتولوجية الخلاص الكبير كعمل آتٍ يكمِّل مفهوم
الخلاص بكل صوره.

+
“يا رب خلِّص. ليستجِب لنا الملك في يوم دعائنا” (مز 9: 20)

+ “يا رب بقوَّتك يفرح الملك، وبخلاصك كيف لا
يبتهج جداً” (مز 1: 21)

+
“لأنك أنت خلَّصتنا من مُضايقينا وأخزيت مبغضينا. بالله نفتخر اليوم
كله، واسمك نحمد إلى الدهر” (مز 7: 44و8)

+
“قُمْ عوناً لنا، وافْدِنا من أجل رحمتك” (مز 26: 44)

+
“ارحمني يا رب. انظر مذلَّتي من مُبغضيَّ يا رافعي من أبواب الموت. لكي
أُحدِّث بكل تسابيحك في أبواب ابنة صهيون مُبتهجاً بخلاصك” (مز 13: 9و14)

+
“نترنَّم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا” (مز 5: 20)

+ “لكي يُعرف في الأرض طريقك، وفي كل الأُمم خلاصك”
(مز 2: 67)

+
“قدَّام أفرايم وبنيامين ومنسَّى، أيقظ جبروتك وهَلُمَّ لخلاصنا. يا
الله أَرْجِعْنا وأَنِرْ بوجهك فنخلُص” (مز 2: 80و3)

+
“يا إله الجنود ارجِعَنَّ، اطَّلِعْ من السماء وانظر وتعهَّد هذه الكرمة،
والغرس الذي غرسته يمينك، والابن الذي اخترته لنفسك.. لتكن يدك على رَجُل يمينك
وعلى ابن آدم الذي اخترته لنفسك، فلا نرتدَّ
عنك. أَحْينا فندعو باسمك. يا رب إله الجنود أرجِعنا. أَنِرْ بوجهك فنخلُص!
(مز 14: 8019)

+
“ألا تعود أنت فتُحيينا، فيفرح بك شعبك. أَرِنا يا رب رحمتك، وأعطِنَا
خلاصك”
(مز 6: 85و7)

+
“أعلن الرب خلاصه، لعيون الأُمم كشف برَّه.. رأت كل أقاصي الأرض خلاص
إلهنا”
(مز 2: 98و3)

وذِكْر
الخلاص بكل أنواعه كثير جداً في مزامير عيد يهوه، وهو يعلو فوق الزمن لأنه خلاص
مصدره يهوه. لذلك ظلَّت المزامير تردِّده ويعيش الشعب رجاءه سنةً بسنةٍ وعيداً
لعيد حتى انفجر نوره:

+
“الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله
أشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت
السموات” (مت 16: 4و17)

وهكذا
خدمت اسخاتولوجية الخلاص في مزامير تجليس يهوه الخلاص بإلحاح ورجاء وتذلُّل، عارضة
حال الإنسان وبؤسه أمام يهوه حتى تحنَّن وأرسل المخلِّص! فلم يأتِ الخلاص من فراغ،
بل خدمته إسرائيل بالدموع كل أيام حياتها، ولكن من خلال ضباب كثيف.

وها
الخليقة الجديدة بنت الخلاص الذي خدمته إسرائيل على طول حياتها، تحيا في نوره بلا
ذهب ولا فضة: “لأنك إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع، وآمنتَ بقلبك أن الله أقامه
من الأموات، خَلَصتَ” (رو 9: 10). وهكذا صار الخلاص ملء الأرض.

وهكذا
كان الخلاص مطلباً أساسياً مطلوباً في “عيد يهوه”السنوي. فمع أنه كان قد
حقَّقه لهم بصورة علنية باهرة في خروجهم من مصر وعبورهم البحر الأحمر وتيه سيناء
الذي كمل لهم بتسكينهم في أرض كنعان، إلاَّ أنهم ظلُّوا يُعيِّدون لِمَا فات
ويطلبون ما هو آتٍ من الخلاص.

وهكذا
انكشف لنا صدق تعييدهم وصدق رجائهم الذي تمَّمه الله لهم ولنا ولكل الشعوب بالخلاص
الذي أكمله يسوع المسيح بالموت والقيامة، الذي به نقل خلقتنا الأولى من التراب إلى
ملكوت السموات؛ فصارت لنا السماء موطناً عِوَض الأرض، وورثنا المواعيد العظمى
والثمينة والشركة في الطبيعة الإلهية، والوقوف أمام الله قديسين وبلا لوم في
المحبة كمطلب الآب.

والعجب
أننا وعلى نمط تعييد شعب إسرائيل للخلاص، وبعد أن حصلنا على الخلاص الذي أورثنا
الطبيعة الإلهية والسماء موطناً، لا زلنا ننتظر تكميل الخلاص الذي تمَّ، مما يثبت
أن عقيدة شعب إسرائيل وإيمانه الذي استمده من الله هو على صحة ونحن نكمِّل ما
بدأوه.

ثالثاً:
مجيء يهوه:

كان
تعييد شعب إسرائيل لتجليس يهوه على عرشه كل رأس سنة يقوم أيضاً على أساس أن يهوه
أتى ويأتي وسيأتي. فالتعييد ليهوه وإن كان يتمم لهم كل ما يطلبونه من تجديد
الخلقة
كما يرونها ويعيشونها، سواء في الطبيعة بمعناها الشامل من سماء وأرض
وبحار وأنهار وجبال وما تحتويه جميعاً، أو بمعناها الملموس من أمطار وخيرات
وزراعات وثمار وبهائم الحقل، وكل ما يرجونه من خلاص سواء من أعداء ظاهرين
أو خفيين أو قسوة طبيعية وزمان؛ إلاَّ أنهم كانوا يطلبون وينتظرون ويترجّون “مجيء
يهوه”، إنْ في صورته الزمانية كل عيد رأس سنة، أو في صورته غير الزمانية كإله يحكم
ويدين ويغفر ويحب. وإليك المزامير:

+ “يأتي إلهنا ولا يصمت. نارٌ قدَّامه تأكل وحوله
عاصفٌ جداً” (مز 3: 50)

+
“أمام الرب لأنه جاء، جاء ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل والشعوب
بأمانته” (مز 13: 96)

+
“أمام الرب لأنه جاء ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل والشعوب
بالاستقامة” (مز 9: 98)

ويصف
المزمور كيفية القضاء والدينونة التي ستتم:

+
“من السماء أسمعتَ حكماً. الأرض فزعت وسكتت، عند قيام الله للقضاء لتخليص كل
ودعاء الأرض. سلاه” (مز 8: 76و9)

كما
أن الجماعة المجتمعة بحضرة يهوه في عيده تجدها فرصة سنوية لتقدِّم اعترافها
الجماعي ولكن بصيغة المفرد:

+
“من الأعماق صرختُ إليك يا رب. يا رب اسمع صوتي، لتكن أُذناك مصغيتين إلى صوت
تضرعاتي. إن كنتَ تراقب الآثام يا رب يا سيد فمَنْ يقف. لأن عندك المغفرة لكي يخاف
منك.. لأن عند الرب الرحمة، وعنده فِدًى كثيرٌ. وهو يفدي إسرائيل من كل
آثامه” (مز 1: 1303و7و8)

+
“إليك رفعتُ عينيَّ يا ساكناً في السموات. هوذا كما أن عيون العبيد نحو أيدي
سادتهم، كما أن عيني الجارية نحو يد سيدتها، هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى
يترأَّف علينا. ارحمنا يا رب ارحمنا، لأننا كثيراً ما امتلأنا هواناً..”
(مز 1: 1233)

ونحن
نتعجَّب على هذا الطقس البديع الذي يقف فيه الشعب كله يعيِّد لمجيء يهوه ليطرح
أمامه كل آماله ورجاءه واعترافه. ثم يطلب مجيئه أيضاً بتكرار لا يملّ على مدى
الأجيال.

حتى
جاء الرب فعلاً في وحي المزمور مجيئاً هو في حقيقته صورة حيَّة لمجيئه الأخير لنا
بتصوير محكم لكي يَجُبّ بجسده كل ذبائح إسرائيل؛ ويفعل مشيئة الله
التي أخفق إسرائيل فعلها حسب ترتيب الله فيما قبل الدهور والأزمان،
هناك كما نواها الله في الأزلية. وفي المزمور يتكلَّم الابن الوحيد لأبيه هكذا
بصورة نبوية:

+ “بذبيحة وتقدمة لم تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فتحتَ([1]).
محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قلتُ هأنذا جئتُ بدَرْج الكتاب مكتوبٌ عني، أن
أفعل مشيئتك يا إلهي سُرِرْتُ. وشريعتك في وسط أحشائي” (مز 6: 408)

وكان
هذا المزمور الوصلة الحيَّة التي ربطت القديم بالجديد حينما حقَّق فعلاً ابن الله
الوحيد مجيئه إلى العالم في اكتمال الزمن متجسِّداً بهيئة عبد، وكان جسده حقًّا
عِوَضَ كل الذبائح جميعاً، إذ قدَّمه على الصليب ذبيحة عن خلاص كل العالم، وذاق
الابن فعلاً الموت من أجل كل واحد!

والعجيب
حقًّا أننا ومثل الطقس القديم لا نزال نترجَّى مجيئه!!
ننتظر مجيئه بفارغ الصبر، ليُلبسنا نحن المخلَّصين ثوب البهاء والمجد، ويضع علينا
إكليل البر فنصلح أن نكون عروساً:

+
“فإنَّ سيرتنا نحن هي في السموات، التي منها أيضاً ننتظر مُخلِّصاً هو
الرب يسوع المسيح، الذي سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب
عمل استطاعته أن يُخضِعَ لنفسه كل شيء” (في 20: 3و21)

+
“نُشْهِدُكُم لكي تسلكوا كما يَحِقُّ لله الذي دعاكم إلى ملكوته ومجده..
وتنتظروا ابنه من السماء..
الذي يُنقذنا من الغضب الآتي” (1تس 12: 2؛ 10:
1)

+
“وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع، بعد ما
تألَّمتم يسيراً، هو يُكمِّلكم، ويُثبِّتكم، ويُقويكم، ويُمكِّنكم” (1بط 10: 5)

+
“والقادر أن يحفظكم غير عاثرين، ويُوقِفكم أمام مجده بلا عيب في
الابتهاج” (يهوذا 24)

+
“متى أُظْهِرَ المسيح حياتنا، فحينئذ تُظْهَرون أنتم أيضاً معه في
المجد” (كو 4: 3)

+
“لأنه لاقَ بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آتٍ بأبناءٍ كثيرين إلى
المجد، أن يُكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام” (عب 10: 2)

+
“ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يَبْلَى” (1بط 4: 5)

+
“كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي
دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي
تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية” (2بط 3: 1و4)

+
“فإني أنا الآن أسكب سكيباً، ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن،
أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيراً قد وُضِعَ لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك
اليوم، الرب الديَّان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره
أيضاً” (2تي 6: 48)

هذا
هو الخلاص الذي نطلبه ونترجاه من المسيح بعد أن أكمل خلاصنا بالآلام كما يقول بولس
الرسول: “إن كنَّا نتألَّم معه (في خلاصنا الحاضر الذي لن يكمل لنا إلاَّ
بالآلام معه)، لكي نتمجَّد أيضاً معه (في خلاصنا المنتظر الموضوع أمامنا)”
(رو 17: 8)

فنحن
الآن نعيش الخليقة الجديدة في ملء خلاصنا الذي تمَّ بدم المسيح وقيامته. ولكن لا
تزال حياتنا الجديدة غير منظورة، بل مستترة كالمسيح القائم من بين الأموات: “لأنكم
قد مُتُّمْ وحياتكم مستترة مع المسيح في الله” (كو 3: 3). فكما يقول
القديس بولس: “متى أُظْهِرَ المسيح حياتنا، فحينئذ تُظْهَرون أنتم أيضاً معه
في المجد” (كو 4: 3)

هذه
هي اسخاتولوجية الإيمان المسيحي، التي نعيش نحن أيضاً في رجائها، كما كان شعب
إسرائيل في رجاء اسخاتولوجية تحقَّقت فينا.

وإذ
نعود الآن إلى مزامير تجليس يهوه على عرشه في عيده السنوي لندرس قوة العقيدة
والإيمان والمنطق في هذه المزامير في تطلُّعها الاسخاتولوجي لمجيء يهوه للخلاص
بصورة دائمة ومتكررة مدى كل أجيال إسرائيل الملتزمة بالعيد والطقس؛ نُدرك تماماً
أن الإيمان الذي تقوم عليه إيمانٌ حقيقي، والتطلُّع الذي كان الشعب يتطلَّع إليه
من وراء بؤس الزمن هو حقًّا تطلُّع إلهي بكل معنى، وكان تسبيحهم وتهليلهم بالآلات
والصفوف تعبيراً نودُّ من كل القلب أن نحاكيه، لأنه كان نابعاً من ثقة وبساطة قلب
وفرح حقيقي.

الخليقة
الجديدة والأُخرويات عند الأنبياء:

ولعل
الأنبياء كانوا أكثر توضيحاً واستعلاناً لِمَا كان الشعب يسبِّح له ويرجوه من جهة
المجيء والخلاص المنشود. فنسمع إشعياء يقول عن اليوم الذي طالما ذكرته المزامير
والذي فيه يترجون مجيئاً أكثر وضوحاً وخلاصاً أكثر شمولاً:

+
“وتقول في ذلك اليوم أحمدك يا رب لأنه إذ غضبت عليَّ ارتدَّ غضبك فتُعزيني.
هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوَّتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصاً.
فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص.

وتقولون
في ذلك اليوم: احمدوا الرب، ادعوا باسمه، عرِّفوا بين الشعوب بأفعاله، ذكِّروا بأن
اسمه قد تعالى، رنِّموا للرب لأنه قد صنع مفتخراً. ليكن هذا معروفاً في كل
الأرض” (إش 1: 125)

+
“ويُقال في ذلك اليوم: هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلَّصنا. هذا هو الرب
انتظرناه، نبتهج ونفرح بخلاصه” (إش 9: 25)

وهنا
نجد أن رنَّة النبوة تكاد تقول إنه قد جاء كل المجيء المرجو، وقد خلَّص كل الخلاص
المنتظر. فالتغيير هنا تغيير مستقبلي حاضر أو قد حضر. إلى هذا الحدِّ كان النبي
كثير الشفافية عن أيامنا هذه التي نحياها في الخلاص والفرح والبهجة والترنُّم.
والرب حاضر في وسطنا بل وفينا.

بل
هوذا إشعياء النبي نفسه يرى وكأنه معنا وكأن كل شيء قد صار، فيتكلَّم عن الخلاص
الذي حدث مرة واحدة وفي يوم عجيب واحد، بل وفي شخص إلهي واحد، بموته وقيامته؛
فخرجت الخليقة الجديدة إلى الوجود بخروج جسد المسيح المُقام من بين الأموات،
وأُعلنت وشاعت، وآمن وأخذ وعاش بها الإنسان من كل شعب ولسان وأُمة، كل مَنْ اعتمد
مؤمناً وأخذ الجسد واستقى الدم، فتقدَّس وتبرَّر ودخل عهد القيامة وصار مواطناً
سماوياً. هكذا يقول إشعياء:

+
“هل تمخض بلاد في يوم واحد، أو تولَد أُمَّة دفعة واحدة،

فقد
مخضت صهيون بل ولدت بنيها..

افرحوا
مع أورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها” (إش 8: 6610)

ثم
يعود إشعياء ويتسمَّع النبوَّة من فم الرب، وقد تكلَّم بما هو قد أزمع أن يكون في
تجديد وجه السماء والأرض تجديداً يكون القديم فيه في خبر كان الذي نُسِي:

+
“لأني هأنذا خالقٌ سموات جديدة وأرضاً جديدة، فلا تُذكر الأولى ولا تخطر على
بال،

بل
افرحوا وابتهجوا إلى الأبد في ما أنا خالقٌ،
لأني هأنذا
خالقٌ أورشليم بهجةً وشعبها فرحاً” (إش 17: 65و18)

وهذا هو الخلق الجديد الذي نعيش فيه وقد صارت أرض الشقاء
تحت أرجلنا أرض بشارة بحياة جديدة وأخبار سارة، أخبار تدوم إلى الأبد، حقائق معاشة:

+
“ما أجمل على الجبال قَدَمَي المُبشِّر المُخبر بالسلام، المُبشِّر بالخير،
المُخبر بالخلاص..” (إش 7: 52)

وقد
هتفت الملائكة من السماء يوم ميلاد المخلِّص أنَّ: “المجد لله في الأعالي،
وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرَّة” (لو 14: 2). فقد دشن الرب يسوع أرضنا
بالسلام يوم مولده! أما السماء فقد أصبحت لنا موطناً، وقد رفع المسيح جبلتنا
الجديدة لتصير معه في السماء وتجلس أيضاً عن يمينه: “أقامنا معه، وأجلسنا معه
في السماويَّات” (أف 6: 2)

وتمادى
هذا النبي البارع في إتقان الرؤيا، فاستعلن ثوب الخلاص الذي ألبسنا الله وكيف
زيننا بإكليل البر:

+
“فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني
رداء البر. مثل عريس يتزيَّن بعمامة، ومثل عروس تتزيَّن بحُليها” (إش 10: 61)

وقد
تمَّت الزينة على يدي بولس الرسول نبي العهد الجديد حينما مخض بنا مخاض الإنجيل
لنولد على يديه بشبه المسيح (غل 19: 4) لنصلح أن يخطبنا له عذراء عفيفة (2كو 2: 11):
“هذا السرُّ عظيمٌ، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة” (أف 32: 5).
ويبدو أنه قد استُعلن لإشعياء النبي ما لبسناه يوم اعتمدنا للمسيح:

+
“لأن كلَّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل 27: 3)

وهكذا التحمت اسخاتولوجية المزامير باسخاتولوجية الأنبياء،
فرأى الموهوبون في العهد القديم المواعيد العُظمى والثمينة، فآمنوا بها ورأوها من
بعيد وترجوها وحيَّوها وماتوا ولم ينالوا، ولكنهم أقرُّوا أنهم غرباء ونزلاء على
أرض شقائهم، فكانوا يطلبون وطناً أفضل (عب 13: 11و16). هذا الذي نلناه ونعيشه، لا
في ضباب الرؤيا كما رأوا، ولكن في تمام الصحو والتحقيق، كما يقول بطرس الرسول:

+
“بل قد كنَّا مُعاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامةً ومجداً، إذ أقبل
عليه صوت كهذا من المجد الأسْنَى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُرِرْتُ به. ونحن
سمعنا هذا الصوت مُقبلاً من السماء، إذ كنَّا معه في الجبل المقدَّس” (2بط 16:
118)

وهذا أيضاً القديس يوحنا الذي رأى ولمس وشاهد وشهد، بل أخذ
وأعطانا لنفرح:

+
“الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة
(الرب يسوع). فإن الحياة أُظْهِرَت، وقد رأينا ونشهد ونُخبركم بالحياة الأبدية
التي كانت عند الآب وأُظْهِرَت لنا (في الرب يسوع). الذي رأيناه وسمعناه نُخبركم
به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع
المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً” (1يو 1: 14)

فإن
كنَّا نحن أيضاً نكتب هذا لك، عزيزي القارئ، فلكي يكمل فرحك، وتعطي تسبيحاً؛
لا بتسبحة الرجاء والتمني التي كانت لهم في القديم، بل تسبحة الغلبة والخلاص.

(20
سبتمبر 1998)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى