علم الانسان

الخليقة الجديدة للإنسان أو الميلاد الثاني



الخليقة الجديدة للإنسان أو الميلاد الثاني

الخليقة
الجديدة للإنسان
أو الميلاد
الثاني

سألني
صديق: هل يمكن أن تُلخِّص لي موضوع الخليقة الجديدة التي تقول عنها أنها الميلاد
الثاني للإنسان؟ فقلتُ له:

لقد
تولَّى نيقوديموس عني وعن البشرية كلها هذا السؤال لَمَّا تعثَّر في خطوات الخوف
والريبة ليُقابل المعلِّم ويسأله هذا السؤال بصورة أخرى أهم، وهي: كيفية الدخول
إلى ملكوت الله؟ ومَنْ هو الذي يُؤهَّل لهذا الشرف الأسمى؟

فأجابه
المعلِّم وقال: “الحق الحق أقول لك: إن كان أحدٌ لا يُولَد من فوق لا يقدر أن
يرى ملكوت الله” (يو 3: 3). فبرهن نيقوديموس عن عدم استعداده للفهم، وأسقط من
إجابة المسيح كل ما فيها عدا عبارة “يُولَد الإنسان ثانية”، وردَّ عليه بسؤال جاهل:
“كيف يمكن الإنسان أن يُولَد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أُمه ثانيةً
ويُولَد؟” (يو 4: 3)

مقالات ذات صلة

فعَلِم
الرب صعوبة الأمر على ذهن اليهودي وأعطاه كيفية الميلاد من فوق، ولكن والإنسان هنا
على الأرض، فقال له: “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يُولَد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو 5: 3).
ولكي يقطع المسيح خط الرجعة على تفكير نيقوديموس حتى لا يفكِّر في إمكانية
الولادة
الثانية من الجسد، قال له: “المولود من الجسد جسدٌ هو، والمولود من الروح هو
روحٌ” (يو 6: 3)، بمعنى أن الميلاد الثاني هو ميلاد روحاني ولا يمتُّ للجسد
بصلة.

ولكي
يرفع التعجُّب من فكر نيقوديموس، قال له: “لا تتعجَّب أني قلتُ لك: ينبغي أن
تُولَدوا من فوق. الريح تَهُبُّ حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي
ولا إلى أين تذهب” (يو 7: 3و8)

يقصد
المسيح بذلك أمراً هاماً وخطيراً، وهو أن الميلاد الثاني من فوق، الذي يكون من
الماء والروح، أي المعمودية، هو عمل فوقاني يتم فيه ميلاد الإنسان ثانية بالروح
على الأرض، إنما بسرٍّ فائق لا يستطيع الفكر أن يتتبَّعه.

إلى
هنا يكون نيقوديموس قد سمع تفسير الميلاد الثاني من فوق وهو يتم على الأرض بالماء
والروح، ولكن بسرٍّ لا يُنطق به.

ويهمنا
هنا أن نشرح للقارئ بأكثر مما شرحنا، أن موضوع الميلاد الثاني للإنسان من فوق هو
الموضوع الأساسي الذي جاء المسيح ليُتمِّمه للإنسان في نفسه أولاً، وقد تمَّمه
أولاً باتحاده بجسدنا الذي أخذه من العذراء القديسة مريم ومن الروح القدس ليضمن
مسيرتنا معه من البداية حتى النهاية، وبميلاد جديد روحاني من فوق هتفت له الملائكة
يوم تمَّ مهلِّلة بالمجد لله في الأعالي والسلام على الأرض. بمعنى أن بهذا الميلاد
تمَّ بالفعل مجد الله، وسلام الإنسان، ومسرة بعد عداوة وأحزان، ملأت كل الدهور
السالفة. فكان ميلاد المسيح ونحن فيه، أول صورة للإنسان الجديد المولود من فوق.

وإذا
سِرنا مع المسيح في حياته، ونحن معه، حتى مماته وقيامته من بين الأموات، نراه أول إنسان جديد يقوم من موت اللعنة الأبدي الذي حلّ على
آدم
وذريته. فكانت قيامة المسيح أول صورة للخليقة الروحية الجديدة للإنسان.
ودعاه القديس بولس “بكر الأموات”، باعتباره المولود الأول للإنسان القائم من بين
الأموات، ونحن معه قمنا بقيامته ليُقدِّمنا إلى الله أبيه كخليقة جديدة للإنسان.

ثم
بصعود المسيح إلى أعلى السموات وجلوسه عن يمين الآب بجسده الروحاني المُقام ونحن
فيه، يكون هو أول مَنْ افتتح ملكوت الله ودخل، ومعه البشرية الجديدة المُفدَّاة.

من
هذا يتبيَّن لك، أيها القارئ العزيز، أن خلقة الإنسان الجديد أو ميلاده الثاني من
فوق أو من الماء والروح، هي شُغْل الآب الشاغل الذي اختارنا في المسيح قبل تأسيس
العالم منذ الأزل، وهي مضمون النبوَّات قبل المسيح، وهي المسيح، وهي الإنجيل، وهي
ملكوت الله.

وإن
أردتَ مزيداً من تفسير، اقرأ كتاب: “الخلقة الجديدة”، بجزئيه.

(1999)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى