علم الانسان

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل
الثالث

الدافع
الجنسي عند الإنسان

13-
الدافع الجنسي في الإنسان

قد
تسال ما معنى الغريزة الجنسية؟وهل هي كالغريزة عند الحيوانات؟ أم أن الإنسان يتميز
بطابع خاص في غرائزه وبالأخص ما يتعلق بالنوع (الجنس).. وكيف يحدث أي انحراف في
مجرى هذه الغريزة وما مظاهر هذه الانحرافات.

مقالات ذات صلة

 

الدافع
الجنسي:

يفضل
علم النفس أن يطلق على الغرائز لفظ الدوافع البيولوجية (الحيوية)
biological وهذه الدوافع هي استعدادات فطرية جسمية نفسية ولها أهداف حيوية في
حياة الكائن وتهدف نحو الأغراض التي خلقت من أجلها سواء شعر بها الكائن أو لم
يشعر.. ولكل دافع انفعال خاص به فالدافع الجنسي انفعاله الشهوة، الخوف انفعاله
الرغبة في الهروب.. ولكي يكون هذا الحديث ملموسا بالنسبة لك أذكرك بما تفعله عندما
تقابل في الطريق خطر يهدد حياتك. إنك تفر هربا بلا شك أنها غزيرة الخوف وقد ظهر
انفعالها في داخلك وتحركت إنزيمات الأدرينالين
adrenalin
واثر على الرجلين التين سابقتا الريح. ما أروع محبة الله الذي خلق فينا هذه
الأجهزة التي تعمل تلقائيا من اجل حمايتنا! أتتذكر انفعالك وإمامك مائدة شهية بعد
جوع طويل؟! إنها غريزة الأكل الموضوعة فينا من أجل حفظ صحتنا. هكذا الدافع الجنسي
موجود في داخل الطفل منذ أيامه الأولى كبذرة صغيرة، فهو دافع فطري ولكنه يمر في
مراحل حتى ينضج ويكون لنضجه علامات جسمية ونفسية واضحة في الإنسان. ومن صفات هذه
الدوافع إنها نوعية خاصة بالأفراد الذين ينتمون إلي نوع واحد، وهي ثابتة لا تتغير
وعامة لدى جميع الأفراد الذين لديهم الدافع، وغير قابلة للمحو والزوال.

 

والدافع
الجنسي يولد مع الإنسان فهو وراثي فطري ولكنه يمر في مراحل حتى ينضج ويكون لنضجه
علامات جسمية ونفسية واضحة في الإنسان. وإذ لم تكتمل هذه الظواهر والعلامات يكون
الإنسان ناقصاً وشاذاً ويحتاج لعلاج جسمي أو نفسي أو كليهما معاً.

 

14-
سمات الدافع الجنسي عند الإنسان: الدوافع الحيوية

إن
الدوافع الحيوية ومنها الجنس موجودة عند الحيوان كما هي في الإنسان أيضاً وتعتبر
هذه الدوافع القوة الدافعة الوحيدة التي تفسر سلوك الحيوان وتصرفاته، لكنها في
الإنسان ليست تختلف عنه في الحيوان، فهي في الإنسان ليست قواه السفلية لأن الإنسان
لديه العقل والعواطف والإرادة كما إن الإنسان يتفوق على الحيوان في نسمة الحياة
الخالدة المستمدة من الله القدوس الذي أراد لنا أن له أبناء وارثين معه في
الملكوت. فالغريزة الجنسية من هذا المنطلق من أرقى الدوافع الحيوية الموجودة في
السلوك الإنساني.. وهي تعطيه الفرادة المتميزة عن الملائكة وعن الحيوانات كلها..
ولكي نفهم معنى “القوة السفلية للإنسان”، دعنا نلقي نظرة سريعة على المخ
البشري.

 

نظرة
تشريحية إلي المخ البشري:

إذا
نظرنا نظرة تشريحية مبسطة إلي المخ البشري نجد فيه:

(1)
جزء أعلى مسئول عن التصرفات الإرادية العاقلة وتسمى بالقشرة (
cortex).

(2)
جزء أسفل يسيطر على التصرفات اللاإرادية والغريزية أي الدوافع البيولوجية البحتة.

 

وهذا
الجزء يتكون من مجموعة المراكز العصبية أسفل المخ ليتحكم في كافة الحركات العضوية
اللاإرادية التي تحفظ للجسد كيانه وحياته كالتنفس وضربات القلب وحركة الأمعاء
وإفرازات الغدد وغير ذلك. أما القشرة فتسيطر على هذه المراكز العصبية التي بأسفل
المخ وتتحكم في الكثير من الأفعال اللاإرادية كالأمثلة التي سنوردها وإن كان بعضها
لا يخضع لها إلا في حدود ضيقة لكي حياة الإنسان رهن إرادته كعمل القلب والتنفس.

 

15-
الفارق بين مخ الإنسان والحيوان في السيطرة على الأفعال اللاإرادية والغرائز

إن
القشرة في الإنسان كبيرة جداً نسبياً وتملأ الجزء الأكبر من فراغ الجمجمة، أما في
الحيوان فهي صغيرة جداً حتى في أعلى درجات الحيوانات (الشمبانزي وإنسان ياندرتال)
الذي يلي الإنسان في درجة الرقي. ولذلك يمتاز الإنسان عن الحيوان في قدرته على
التحكم في الكثير من حركاته اللاإرادية وكذلك في السيطرة على دوافعه الجسدية.

 

كيف
يسيطر الإنسان على بعض الأفعال اللاإرادية وعلى الغرائز؟ سنضرب لك أمثلة ثلاثة:

 

التبول
فعل منعكس (
Reflex) يتم عند امتلاء المثانة بالبول ويتحكم فيها مركز بالنخاع الشوكي،
وهذا يتم في الحيوان وفي الطفل الوليد كلما امتلأت المثانة بالبول وحيثما أتفق وفي
أي مكان بالليل أو النهار، فالطفل الوليد يشبه الحيوان في عدم قدرته على التحكم،
ولكن عندما يكبر تنمو فيه الأعصاب الموصلة التي تصل المراكز العليا في القشرة
بمركز التبول السفلي، عندئذ يستطيع الطفل التحكم فتتم عملية التبول بطريقة إرادية
فيبدأ بعد السنة الأولى في التحكم فيها نهاراً وبعد السنة الثانية التحكم فيها
أيضاً بالليل.

 

ب-
الغضب انفعال يحدث مظهراً معيناً في الإنسان والحيوان، فالقطة عندما تغضب مثلاً
تشد أقدامها وترفع ذيلها وتتسع حدقتا عينيها، ويحدث للإنسان شئ شبيه بهذا عندما
يغضب، والمسئول عن هذا المظهر لانفعال الغضب هو إحدى الغدد الصماء (وموجودة فوق
الكلية) التي تفرز هزموناً خاصاً (الإدرنالين) وهو الذي يحدث هذه التغيرات
الجسمية. ويسيطر على هذه الغدة وغيرها من الغدد الصماء غدة أسفل المخ اسمها الغدة
النخامية، وهذه الأخيرة تتصل بالمخ بواسطة أعصاب وتقع تحت تأثير المراكز العصبية
والقشرة، وعن طريقها يستطيع الإنسان أن يتحكم إلي حد بعيد في باقي الغدد الصماء.
وتعتبر الغدة النخامية بالنسبة لباقي الغدد بمثابة “المايسترو” الذي
يقود الفرقة الموسيقية ويوجهها وينظمها فالإنسان يستطيع أن يتحكم في إنفعال الغضب
عن طريق مراكزه العليا في المخ. وهو مطالب إذن أن ينفذ وصية الله “اغضبوا ولا
تخطئوا؛ ولا يغرب الشمس على غيظكم” (اف4: 26). ولا يستطيع الإنسان أن يقول
إني لا اقدر أن أتحكم في غضبي لأن الله ميزة عن الحيوانات بإمكانية التحكم في
غرائزه.

 

ج-الشهوة
الجنسية: هي انفعال الغريزة الجنسية وهي تحدث نتيجة إفرازات الهرمونات الجنسية من
الخصيتين في الذكر أو المبيضين في الأنثى. ويتحكم في هذا الغدد النخامية التي تؤثر
على كل الغدد بواسطة إفرازات خاصة نوعية تفرزها لتنبيه كل غدة عند اللزوم وبالقدر
المطلوب فإذا سمح إنسان لنفسه أن ينبه مراكزه العصبية بالمؤثرات الجنسية الخارجية
التي تؤثر على الحواس، تنبهت الغدة النخامية وأفرزت إفرازاتها الخاصة بالجنس لتنبه
الخصيتين أو المبيضين فتفرز في الدم الهرمونات الجنسية التي تحدث تورداً للدم في
الأعضاء التناسلية مما ينتج عنه انفعال الشهوة.

 

وعن
هذا الطريق يستطيع الإنسان أن يتحكم إلي حد بعيد في انفعال الشهوة.

 

ويمكننا
تشبيه قدرة المراكز العليا في قشرة المخ على التحكم في المراكز السفلى بغرفة
العمليات في القيادة العليا للقوات المسلحة التي تتحكم في توجيه الكتائب والألوية،
كما يشبه العقل في تحكمه في الغرائز بفارس يركب حصاناً جامحاً ولكن الفارس يستطيع
من خلال اللجام أن يكبح جماحه ويسير بجواده نحو هدفه في سلام إلا طرحه الجواد
أرضاً. وإذا كان رجال علم النفس قالوا لنا إن الغرائز أو الدوافع البيولوجية لها
ثلاث مقومات في الإنسان هي الإدراك والانفعال والنزوع بمعنى إن المخ يدرك فيحدث
الانفعال ثم ينفذ الإنسان ما تتطلبه الغريزة أو قد يكبت الرغبة ولا ينفذها.. إذا
كان هذا في الإنسان فيصبح مفتاح التحكم في الغريزة الجنسية عند الشاب هو العقل.
فإذا كانت حواسه طاهرة كان فكره طاهراً وإن كان فكرة طاهراً فإن الانفعال لا يحدث
إلا في المجرى الطبيعي الذي وضع من أجله وهكذا تكون الغريزة سائرة في وضعها السليم.

 

فالصفة
الأولى في الدافع الجنسي عند الإنسان إنه ليس مجرد فعل منعكس وإنما يمكن ضبطها
وتوجيهها يتحكم فيها العقل وتسيطر عليه الإرادة.. ويخطئ هنا الإباحيون الذين
يقولون إن الجنس طاقة لا يمكن التحكم فيها وإن ضبطها والتسامي بها يضر الإنسان،
على العكس سنرى إن الإباحية والكبت يؤذيان الإنسان في حياته ليست الجنسية فقط بل
في كيانه ككل متكامل.

 

16-
العواطف الراقية

والصفة
الثانية في الدافع الجنسي أنه ليس إزالة التوتر العضوي وإنما هو مفعم بالعواطف
الراقية. كما يلذ للخطيب أن يجوب المحلات التجارية بحثاً عن هدية لطيفة تروق لعين
خطيبته! وكم تلذ للزوجة وقفتها في المنزل تعد أكلة معينة يفضلها زوجها! هذه
العواطف المتبادلة هي التي تلف الطرفين في غلالة رقيقة تضمهما معاً؛ فتقترب
النفسيتان ويتحدان، ويصبح تلقائياً اقتراب الجسدين تعبيراً عن الحب والشركة
والالتزام الذي جمع الاثنين وجعلهما واحداً.. لهذا يقول القديس مكسيموس المعترف إن
الانفعال الروحي أولاً ثم الانفعال الجسدي. وإن كان تناول الطعام إنسانياً ليس
مجرد استهلاك مواد لإطفاء انفعال الجوع، إنما هو وسيلة لمزيد من الشركة والحب
والتعارف، فيجلس الأحباء حول المائدة ويأكلون بطريقة راقية، ويتبادلون الأحاديث
التي تدعم محبتهم، ويكون الأكل هنا تعبيراً عن سر من أسرار الحب الإنساني الذي لا
تقاس لأعماقه حدود، كم بالأحرى الجنس الذي هو أكثر عمقاً في حياة الإنسان والذي
يحاط بالاحترام والوقار، والذي من اجل الارتباط الزيجي وتحقيق اللقاء بين الاثنين
يؤسّس عش الزوجية الجميل.. ويجلس الخطيبان يتفاهمان حول المستقبل ومبادئ الحياة
التي يعتزمان أن يشتركا سوياً في الالتزام بها.

 

حقاً
إن الجنس إنسانياً ليس مجرد التصاق جسدي، وإنما هو مشاعر حب صادق في القلبين تجد
في اللقاء الجسدي تدعيماً لها.. ولعل هذا هو أحد الفوارق الجذرية بين الزواج
والزنا.

 

إن
العلاقة الزيجية لها بُعد داخلي أما الزنا فهو إزالة التوتر الجنسي بإحساس اللذة
السطحية الجنونية التي تنعكس بعدها إلي بغضة بين الطرفين بدلاً من تعميق الحب.
وأمامنا مثال أمنون وثمار في العهد القديم (2صموئيل13). وهو الفارق أيضاً الذي
يجعل الإنسان قادراً أن يقدم طاقته الحيوية على مذبح البذل والعطاء والحب والتكريس
كتقدمة طاهرة.. الأمر الذي لا تستطيع أن تعمله الملائكة أو الخليقة غير الناطقة.

 

صفوة
القول:

أن
الدافع الجنسي في الإنسان يهدف إلي تحقيق الشركة والوحدة وانصهار الاثنين في شركة
“نحن” واختفاء الأنا.

إن
هذه الشركة هي الحل الحقيقي لمشكلة العزلة والفراغ الداخلي وهذا هو التفسير النفسي
العميق لمعنى: أصنع له معيناً نظيره..

 

إن
الغريزة الجنسية ليست بيولوجية (حيوية) يتحكم فيها المثير والاستجابة وإنما تديرها
وتتحكم فيها المراكز العليا في المخ التي تعطي للإرادة قوتها الإنسانية.

 

إن
الدافع الجنسي ليس بيولوجياً فحسب وإنما هو مفعم بأرقي العواطف في مفهومه الإنساني
وقد تسمو العواطف هذه إلي مستوى التكريس والبتولية المقدسة.

 

إن
الدافع الجنسي مرآة للشخصية وحصيلة لقواها المختلفة كما إن هذه القوى لها فاعليتها
على هذه الغريزة الحيوية.

 

17-
انحرافات الدافع الجنسي عند الإنسان

يشبه
الدافع الجنسي في الإنسان تيار النهر الذي يبدأ من المنبع ويستمر في سريانه حتى
ينتهي إلي المصب، وإذ لم يعترض المجرى جنادل أو شلالات كانت مسيرته طبيعية هادئة.
وإذ وضعت عليه السدود فأنها تحجز تدفق الماء وتعطل سلامة السريان..

 

هكذا
يرى رجال علم النفس أن الجنس يبدأ مع الإنسان منذ تكوينه، وعند ولادته، وفي سنينه
الأولى. ويسمون الطاقة الحيوية هذه بالليبيدو التي تغطي جسمه كله. فيجد الطفل لذة
في أن يحتضنه أحد ويلامس جسده، كما تتركز المناطق الشبقية في الفم ومركز الإخراج.
ثم ينمو الدافع فيتجه من مركزيه الذات إلي نفس الجنس وهذا ما تلحظه في تلاميذ
المرحلة الابتدائية وأوائل الإعدادية عندما ينجذبون إلي رفقائهم من نفس النوع..
وفي

 

Deviation

نهاية
المرحلة الإعدادية وأوائل المرحلة الثانوية يتجه التيار ناحية الجنس الأخر وعندما
يتثبت الإتجاه الأول يسمى الشذوذ الجنسي، ولكن كثيراً ما يعجب الفتى بإحدى قريباته
أو صديقات أخته، ثم يتحول هذا الإعجاب سريعاً إلي شخصية أخرى. وهكذا يكون الجنس
الأخر بصفة عامة مثيراً له حتى تنتهي هذه المرحلة إلي الأحادية التي في البداية
يكون اختيارها وفقاً لمعايير سطحية ولكن عند تمام نضج الدافع يكون الاختيار
صادقاً، وتثبت الأيام أصالة ونقاوة العلاقة وتبدأ مرحلة الخطوبة والإعداد للزواج
الصالح. عن مرحلة الكفاح لبناء عش الزوجية يكتنفها الحب الطاهر والفرح القلبي
بالاختيار والإلهام السليم مع التعب والعناء المشترك والجهد المضني في الصراع
لتحقيق متطلبات الحياة الزوجية السعيدة.

 

ونحن
ننصح الفتيان والفتيات ألا يتعجلوا ويصدروا أحكاماً سريعة ويتصورون أنهم قادرون
على اختيار الشريك الأخر وهم بعد في ريعان الصبا، لأن التيار نفسه لا يكون قد وصل
إلي هذه المرحلة، والغريزة قد لا تكون نضجت نضوجاً سليماً.. والشاب المتسرع الذي
يختار بطريقة سطحية أو شهوانية أو باندفاع وتهور كثيراً ما تكون زيجته فاشلة إذ
سرعان ما تنتهي الأيام الأولى، ويكتشف كل طرف إنه لم يكن للأخر، وإنه لم يكن
مدققاً وموفقاً في الاختيار وإنه ليس ثمة أتفاق وتقارب فكري ونفسي وروحي..

 

فالانحراف
الأول هو الوقوف على مرحلة دون استكمال النمو الطبيعي للغريزة وهذا ما يسمونه
التثبيت أو النكوص أي الوقوف عند مرحلة دون تجاوزها إلي النضج الحقيقي الذي تتحدد
معالمه في الاختيار السوي للشريك أو التكريس البتولي الطاهر.

 

18-
العادة الجنسية

وثمة
انحراف أخر هو تركيز الفتى أو الفتاة الشهوة نحو إثارة الأعضاء التناسلية حتى تحدث
الإثارة بعيداً عن مرماها الأصيل وهو الزواج الناضج الملتزم. فإذا تحول هذا الفعل
إلي عادة متأصلة – سواء قبل البلوغ أو بعده – فأنها تحرف تيار المجرى عن وضعه
الأصيل إلي لذة غير طبيعية وناقصة لا تروي النفس، كما إنها كثيراً ما تركز ممارسها
في عشق ذاته (نرجسيته)
Narcissism وتزيده أحياناً انطواء.. الأمر الذي يدفعه إلي الممارسة. وهكذا
يدخل الشاب أو الشابة الصغيرة في الحلقة المفرغة او الدوامة التي يحسن الابتعاد
عنها منذ البداية.

 

وتتعدد
أسبا بممارسة هذه العادة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

 

(1)
أسباب تاريخية: كان يكون قد حدث العبث بالأعضاء في الصغر ولم يجد من ينبهه إلي خطورة
العبث ويحول اهتمامه إلي موضوعات أخرى تشبع نفسه.

 

(2)
أسباب جسمية: كحدوث احتكاكات تثير الأعضاء، أو بسبب سوء وضع الرقاد أثناء النوم
(وأفضل الأوضاع هو الرقاد على أحد الجانبين)، أو لكثرة التهام الأطعمة الدسمة
بشراهة مما يثير الشهوة بلا داع أو لحدوث بعض الالتهابات في الأعضاء وخاصة بسبب
الأمراض المستوطنة في الريف.. لهذا يلزم الإنسان التأكد من سلامة أعضائه صحياً،
واعتدال حياته في كل العمليات البيولوجية.

 

(3)
أسباب نفسية: مثل العطف الشديد على الذات أو احتقار الإنسان الشديد لنفسه أو
التدليل في التربية، أو القسوة العنيفة في المعاملة المنزلية أو المدرسية أو
كليهما، أو الحرمان من العطف الوالدي وجدب الحنان والحب في الطفولة الأولى خاصة،
أو الخجل الشديد أو الخوف الزائد بسبب الإرهاب وعدم تحمل أي مسئولية. لهذا تكثر
هذه الظاهرة في دور الإيواء مثل الملاجئ ودور المشوهين والمعوقين وطلبة المدارس
الداخلية، والقاطنين في المعسكرات بعيداً عن الحياة العائلية ومصادر الشبع
العاطفي.

 

(4)
أسباب اجتماعية: مثل المناظر المعثرة والملامسات واحتكاك الأجساد في المواصلات
العامة أو في المنزل أو الأفلام الهابطة وخاصة بعد انتشار الفيديو والتلفزيون.

 

(5)
أسباب فكرية: وهي عدم طهارة الفكر وتلويثه بالصور الذهنية الشهوانية من خلال عدم
حراسة الحواس وعدم عفة السمع والذاكرة واللمس. ونحن ننصح الفتى أن يهتم بطهارة
فكره وحواسه ونقاوة قلبه لأنه منه مخارج الحياة، والابتعاد عن كافة المثيرات
الشهوانية إذ يقول الكتاب “اهرب لحياتك”، “احفظ نفسك طاهراً”،
“أما الشهوات الشبابية فأهرب منها وأتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع
الذين يدعون الرب من قلب نقي” (2تي2: 22)، كما يقول: كونوا قديسين كما إن
أباكم الذي في السماوات هو أيضاً قدوس؛ وبدون القداسة لن يعاين أحد الرب.. لهذا
يلزم التدقيق في اختيار الصديق والصورة الذهنية والموقف، وسوف نزيد هذا الجانب
إيضاحاً عند الحديث عن حياة الطهارة.

 

19-
الزنا

هناك
انحراف جنسي أخر هو الزنا.. الخطيئة التي يبغضها الرب، والتي تهين الجسد، وتدنس
الهيكل المقدس.. بسببها احرق الرب سدوم وعمورة، وأغرق العالم بالطوفان أيام نوح
البار، وأمات ثماني عشر ألفاً من اليهود في برية سيناء، وهيج عليهم الحيات
والعقارب وهذه الأمور كلها حدثت لنا مثالاً وإنذاراً نحن الذين انتهت إلينا أواخر
الدهور..

 

ونقصد
بالزنا ممارسة الجنس خارج الزواج.. هكذا يقلب الزنا النظام الذي رتبه الله، وهو
خطر شديد على سعادة الزوجين والأسرة معاً.. ويبيد ما أعده الله من السعادة لهما
ولأولادها، ويفسد النموذج المبارك الذي وضعه الرب في الجنة عندما خلق حواء لأدم
وأوضح أن الرجل تكون له زوجته الواحدة، والزوجة لها بعلها الواحد، وما أزوجه الله لا
يفرقه الإنسان.. أي لا يدخل في الوحدة ثالث يصم عري الشركة ويدنس التعهد والالتزام
المبارك. وكثيراً ما تبدأ هذه الخطيئة أولاً ثم بالاشتهاء الداخلي، ثم بالتهاون مع
النفس والسماح بتردد الفكر الدنس، وأخيراً يهيئ العدو الملامسات المناسبة فيحدث
السقوط. يقول سليمان الحكيم عن هذه الخطيئة “لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر
المرء إلي رغيف الخبز، وامرأة رجل أخر تقتنص النفس الكريمة.. أيأخذ إنسان ناراً في
حضنه ولا تحترق ثيابه، أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه.. هكذا من يدخل
على امرأة صاحبه كل من يمسها لا يكون بريئاً” (أم6: 26-29). والعدو يزين
للشاب غير المتزوج الخطيئة ويغريه ويحاول أن يقنعه إنها تشبعه وتمتعه وتسره، ولكن
الحقيقة إن الاتصال الجسدي بدون الحب المقدس المدشن بالالتزام الزوجي لا يحل مشكلة
العزلة والفراغ الداخلي، ولا يقدم للإنسان متعة، وإنما يقدم لذة في لحظة سرعان ما
تنطفئ وتترك الحسرة والندم واليأس والحزن المرير والشعور بالهزيمة وتأنيب الضمير
بإفساد الهيكلين وإعثار الأخر ومكتوب “ويل لمن تأتي منه العثرات”.

 

ويكفينا
مثالاً على ذلك داود النبي الذي كان في قمة السعادة ونقاوة القلب حتى أن الله قال
عنه “وجدت قلب داود عبدي حسب قلبي”.. داود هذا الذي وصل إلي قمة
الروحانية وعمق التسبيح بالمزامير الخالدة يتهاون مع نفسه ويترك لجسده العنان
فينهار وتتحول حياته غماً وحزناً، وبدموع أخذ يبلل فراشه طوال الليل ولم يفارق
السيف بيته، وكما صنع مع امرأة أوريا الحثي هكذا أمر الرب أن يصُنع مع أولاده في
حياته. لنحترس لأنفسنا.. فالكتاب ينبهنا أن نصحو ونسهر ونصلي كي لا نقع في تجربة.
ولكن إن حدث السقوط – لا قدر الله – فلننهض سريعاً بالتوبة والصلاة والتذلل أمام
الله والثقة في مراحمه الواسعة قائلين “لا تشمتي بي يا عدوتي لأني إن سقطت أقوم”.

 

20-
الكبت، القمع، الوسوسة

عندما
قال الرب يسوع: من نظر لامرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.. إنما أكد على نقاوة
القلب وطهارة الفكر ونظافة الداخل. فالعفة الجنسية مسيحياً ليست مجرد الامتناع عن
الزنا والعادات الجنسية، وإنما تتعداها إلي طهارة الفكر والمشاعر.. فقد يحدث أن
شاباً يمتلئ خياله بالصور الجنسية، ويتوق إلي تحقيق الاتصال الجنسي إلا إنه لا
يجرؤ على ذلك بسبب الظروف الاجتماعية والتقاليد العائلية، أو بدافع الخجل أو خوفاً
من عقاب المسئولين عنه أو فقدان سمعته.. هذا كله دون اقتناع بأهمية حياة الطهارة
وجمالها ودون أدنى إرادة للاستفادة من الإمكانيات الروحية الممنوحة بالمسيح
لاقتناء هذه الفضيلة.

 

مثل
هذا الشاب الذي يعاني من الكبت، وليس طاهراً بمعنى الكلمة. والكبت الجنسي عملية لا
شعورية، فيها يشعر الإنسان بثقل الدافع الجنسي وتضارب الدوافع والميول إزاءه فهناك
رغبة بالميل نحو الآداب وهناك رغبة بالمقاومة واشتعال للسقوط.. إزاء خذا الصراع
الداخلي يحدث ما يسمى بالكبت..

 

فالكبت
إذن هو اشتعال الفكر والوجدان بالنجاسة وإرادة داخلية متجهة نحو السقوط مع عدم
القدرة على تحقيق المطلوب لظروف خارجية.. مثل هذا يلجأ إلي نوع من الرياء لأنه
كثيراً ما يتظاهر المكبوت بغيرته الدينية أو الخلقية ويهاجم بشدة الساقطين ويقسو
على الناس في أحكامه وينتقد كل ما هو جنسي عند الآخرين.. إن المسيحي الحقيقي هو من
يتصالح مع نفسه ومبادئه وأهدافه ويهتم بطهارة الداخل كما الخارج أيضاً، ويرفض كل
نفاق ورياء في حياته عامة، وفي حياة العفة بصفة خاصة. وعندما يلحظ بادرة انحراف
يسرع إلي التوبة والاعتراف لتطهير الشعور واللاشعور من كل مل يدنس الهيكل..

 

يلزمنا
أن نوضح إذن الفارق بين الضبط والكبت، الضبط عملية شعورية واعية هادفة إيجابية،
أما الكبت فهو عملية لا شعورية منقسمة مضطربة.. الذي يضبط نفسه حريص على نقاوة
قلبه لسكنى المسيح. مقتنع تماماً بأهمية الطهارة وسموها ومقتنع أيضاً إنه بقوة
المسيح يستطيع أن يحصل عليها. هذا لا يمنع أن نزواته وميوله تظهر أحيانا وتميل إلي
الانحراف، ولكنه بإرادته الحرة يرفضها، فهو لا يقع فريسة الضعف بل يبقى فيه الرجاء
كمرساة للنجاة.. والذي يؤمن بالذي يبرر الفاجر يحسب له إيمانه براً..

 

وقد
يتخذ الانحراف صورة الوسوسة، فالفتاة أو الفتى الذي يخاف من كل ما هو جنسي خوفاً
سلبياً، ويتشكك في نفسه من كل نظرة أو تصرف دون أن يكون في سلوكه شئ يستدعي هذه
الوسوسة، إنما هو يعاني انحرافاً، ويفيده هنا الإشراف الروحي الإيجابي، والثقة في
نعمة الله ومراحمه الواسعة، ويكفيه أن يحترس من العثرة إذ يقول الكتاب “طوبى
لمن لا يدين نفسه فيما يستحسنه”، وهذا ما نقوله أيضاً لأولئك الذين تسيطر
عليهم عقدة الذنب بسبب ذكريات قديمة أخطأوا فيها دون فهم. أو أحداث شوهت مفهوم
الجنس في أذهانهم بسبب أخطاء آخرين تجاههم ولم يكن لهم فيها دور إيجابي.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى