علم الانسان

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل
الثانى

الإنجاب
وبداية الحياة

7-
الإنجاب وبداية الحياة

لم
يكن صعباً أن يخلق الله الأولاد بالغين، ولكنه تمجد أسمه خلق الأسرة لتكون ملكوت
الحب. وشاء أن يشرك الإنسان في الخليقة معه عندما ينجب طفلاً.. شاء أن يساعده الأب
والأم على إعطاء الحياة للمولود الجديد – رغم عدم احتياجه لهذا – لذلك وضع في
الرجل وفي المرآة قوة حية تجعلهما قادرين على إعطاء الحياة للأولاد، وسلم إليهما
قبساً من نور محبته، فكما إن الخليقة كلها ثمرة حبه الإلهي، كذلك أراد بتدبيره
السامي أن يكون الطفل ثمرة حب الوالدين. فالرجل يجتمع مع زوجته ويتحد الجسدان
وتلتقي بذرتا الحياة الذكرية والأنثوية، ويكون هذا اللقاء بداية حياة جديدة يصنعها
الله في رحم الأم، ذلك العش الدافئ حيث يأخذ الإنسان والنمو والحياة.

مقالات ذات صلة

 

وفي
خلال التسعة أشهر للحمل يكبر الجنين تدريجياً حتى تتكون جميع أعضائه.

والفتى
المهذب يحترم المرآة الحبلى للإنها تذكره أيضاً بكم تعبت أمه في حمله. لهذا يقف
لها ويعطيها مكانه في المواصلات العامة؛ ويسعى بقدر إمكانياته لراحة كل أم تحمل
جنيناً في بطنها، ولقد دبر الله أن يتغذى الطفل من خلال دماء أمه.. وهذا الدم يسري
في عروقه من الموضع الذي نسميه (السرّة)
navel؛ وسرته هذه تتصل
بجهاز أمه الدموي بواسطة الحبل السري.. فكل نبضة من قلب الأم تدفق دماً في جنينها.

 

أيها
الرب ربنا ما أعجب أسمك في الأرض كلها، وما أعجب تدبيرك في خلقه الإنسان حيث تدبر
للجنين عشاً في بطن أمه دفيئاً يرتاح فيه ويتغذى فيه من الداخل بقوة حيوية وينمو
رويداً رويداً حتى يكتمل بعد تسعة أشهر، وآنذاك لا يعود يسعه عشه الداخلي ولا
يستطيع هو أن يعيش فيه إذ يتحتم أن يخرج إلي الوجود بالولادة.

 

والولادة
لابد أن تكون بالأوجاع والألم. ولعلك قرأت هذا من الإصحاح الثالث في سفر التكوين
كيف ورثت المرآة هذا بسبب الخطية الأصلية.. حقيقة إن الرب بفدائه خلصنا من سلطان
الخطية وأعطانا الولادة الجديدة والحياة الأبدية ولكنه أبقى للبشرية الآثار
الجسدية وانطباعاتها التي تنتهي بالموت إذ يقول الكتاب أخر عدو يبطل هو الموت..
فالمولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. ولقد قال الرب لحواء في
الفردوس عندما حدث العصيان ” تكثيراُ أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين
أولاداً”.

 

ولكن
هذه الأوجاع قال عنها الرب إن المرآة تنساها عندما ترى المولود الجديد كما يقول
الكتاب. لذلك تخاف المرآة وتحزن متى دنت ساعة ولادتها، لكنها متى ولدت طفلها لا
تعود تذكر شدتها لعظم فرحها بولادة إنسان جديد في العالم. (يو16: 21).

 

وكلما
نتأمل في أتعاب الأم في حملها وولادتها كم نصلي ضارعين أن يكافئ الرب أمهاتنا عم
أتعابهن ببركات سماوية.. ويحق أن يقدم لهن كل إكرام وتبجيل متذكرين الوصية التي
أوصانا بها الكتاب ” أكرم أباك وأمك” لأنه أول وصية بوعد..

 

8-
العرفان بجميل الأم

ولنذكر
بعض المواقف فيها عرفان بجميل الأم:

*
عندما تطلب منا شيئاً أو خدمة نسرع إلي الاستجابة وفرح ودون دمدمة.

*
في عيد الأم تقدم لها هدية ولتكن متواضعة إذ كانت ظروفنا المالية محدودة فالمهم
التعبير عن الشعور والعرفان بالجميل.

*
في كل صلاة صباحية ومسائية نذكرها طالبين لها الصحة والسلام.

*
عندما تكبر في السن لا نهملها بل نحرص على إرضائها في الحق ونعمل كل ما فيه
إسعادها.. وكم نكون ناجحين في الحياة عندما تمنحنا صالح دعواتها وبركة محبتها
ورضائها.

 

أما
الذين حرموا من رؤية أمهاتهم لأنهن انتقلن عقب ولادة الطفل أو لمرض أو لحادثة،
فالكنيسة لا تنساهن في صلواتها كل قداس، وترفع البخور عن كل الراقدين اللذين
تنيحوا في الإيمان.

 

وهناك
مناسبات عامة وأعياد كبيرة ترفع الكنيسة بخوراً عن كل اللذين رحلوا إلي عالم البقاء.
وإن كنت يا بني ممن حرموا حنان الأم فلا تحزن، فالكنيسة اليوم هي أمك، فتشدد وتقو
وتشجع لكي تكبر ناجحاً؛ ويصبح لديك ما تقدمه لليتامى في مؤسسات إيوائهم خاصة بعد
زواجك عندما تصحب زوجتك لتكون أماً لهؤلاء المحتاجين حباً وحناناً. إن كل ما تقدمه
يقبله الرب يسوع كأنه عمل معه شخصياً.

 

ولا
يكاد يولد الطفل حتى يتنفس تنفساً جاداً، ويأخذ في الصراخ ليمرن قواه الحية كلها.
أما الأم فهي تبتسم لأنها تدرك من خلال هذه الصرخات إن وليدها حي سليم البنية.

 

وبعد
أن تنظف الممرضة الطفل المولود من الدماء التي حوله وتقطع حبل المشيمة تسلمه لأمه
لتغذيه باللبن وهو غذاء مثالي استودعه الله ثدي الأم لكي يرضع منها لكي ينمو به
ويزداد وزنه.

 

9-
ذخيرة الحياة

لقد
عرفنا كيف ينشأ الطفل في بطن أمه ويقوده الرب إلي الحياة عن طريق الولادة، ولكن
الله وضع في جسم المرآة ذخيرة من تلك البذور في العضو الذي نطلق عليه المبيض. وفي
كل شهر تنفصل بويضة عن ذلك المبيض وتنتقل إلي الرحم، وطالما لم تجد حيواناً منوياً
يخصبها تندفع بويضة الشهر السابق إلي خارج جسم المرآة ويخرج معها قليل من الدم ذلك
ما يحدث عند الفتيات للمرة الأولى ما بين السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة من
العمر وتسمى الدورة الشهرية ويتكرر هذا الحادث بطريقة منتظمة حتى سن الخمسين. ولكن
إن وجد الحيوان المنوي الذي يخصب البويضة يحدث الحمل وتنقطع الدورة الشهرية، ويرى
الأطباء أنه توجد أسباب أخرى غير الحمل تسبب انقطاع الدورة الشهرية أو تأخيرها أو
غيابها كالأنيميا الحادة وبعض الأمراض العضوية أو نقص في إفراز الهرمونات التي
تؤخر سن البلوغ والنضج الجنسي. وتسمى هذه الدماء بالحيض أو الطمث، ومنذ العهد
القديم كان يشار بالنجاسة إلي هذه الدماء، لهذا لم يكن مسموحاً لمن هي حائض أو في
دماء طمثها أن تقترب من أي شئ مقدس سواء في تلك الدورة الشهرية أو خلال مدة معينة
بعد الولادة (أربعون يوماً إذ كان المولود ذكراً وثمانون يوماً إذ كانت أنثى).
ولعل هذا تذكيراً من الله من خلال هذا الرمز بالخطيئة الأصلية التي كانت سبباً في
هذه المتاعب التي تحيط بالأنثى في عملية الإنجاب.

 

ولعله
من المعزي للفتاة المؤمنة أن تجد القديسة العذراء مريم التي حبلت الرب يسوع بلا
دنس خاضعة لهذا الناموس إذ بالرغم من طهارتها الكاملة وحلول الروح القدس عليها
خضعت للوصية وفي اليوم الأربعين ذهبت لتقدم ذبيحة تطهيرها في الهيكل “لما تمت
أيام تطهيرها حسب شريعة موسى” (لو2: 22-24) إن الفتاة المؤمنة لم تعد دمائها
نجسة لأنها نالت الولادة الجديدة، وتقديس الجسد بسري المعمودية والميرون فلا تظن
الفتاة بعد عهد النعمة إنها نجسة أو إن أعضاء جسدها وإفرازاتها نجسة فتمتنع مثلاً
عن الصلاة أو قراءة الكتاب المقدس. وإنما كل ما تطلبه منها قوانين الكنيسة أن
تمتنع في هذه الفترة عن الأسرار الإلهية كما تمنع غير الصائم عن الاشتراك في
المائدة المقدسة.. وفي حالة الضرورة القصوى كالتعرض للوفاة تعطى حلاً ولا تحرم من
جسد الرب ودمه.

 

10-
البذار الحية

أنت
تعلم إنه لابد للإنجاب من أن يشترك فيه الرجل والمرآة معاً، لأن الله وهب الأب قوى
حية مقدسة؛ إنها سر الحياة التي يقدمها الأب للأم ليساعدها على إنشاء حياة جديدة.
هذا أيضاً كانت تعرفه العذراء القديسة مريم عند بشارة الملاك لها بولادة الرب
يسوع، إذ أجابت الرب يسوع مستفسرة “كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف
رجلاً” أي ليس لي زوج يساعدني على الحبل. فأجابها الملاك إن هذا المولود
الوحيد الذي لا يأتي بدون زرع بشري إذ قال لها “الروح القدس يحل عليك وقوة
العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).

 

ففي
الإنسان الطبيعي لا تتكون ثمرة جديدة ما لم يقع زرع الرجل الحي في جسم المرآة حيث
البويضة تنتظر مجيئه إليها فهذا الزرع ما هو إلا خلايا حية صغيرة جداً
(السبرماثوزييد)
Spermatosoid لا ترى بالعين المجردة لصغرها، وقد أودعها الله مع ذلك كل ما يرثه
الإنسان من والديه من السمات التي تميزه عن غيره من الناس.. هذا سر عجيب من أسرار
الخالق البديعة.

 

ويحسن
بنا أن نذكر هنا إن الله عندما صنع عهداً مع إبرام قال له “هذا هو عهدي الذي
تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم
فيكون علامة عهد بيني وبينكم.. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم.
فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً، وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته
فتقطع تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي” (تك17: 9-14). ولهذا حرص اليهود
إلي يومنا هذا أن يختنوا كل طفل في اليوم الثامن. وقد خضع الرب يسوع لهذا الطقس
وأختتن في اليوم الثامن. ونحن نعيد له عيداً يسمى عيد الختان بعد ثمانية أيام من
عيد الميلاد وهو من الأعياد السيدية الصغرى..

 

وإذ
كانت المعمودية قد حققت ما يرمز إليه الختان الجسدي بختانه القلب والولادة الجديدة
إلا إن البعض لا يزال يجري للأطفال الذكور هذه العملية في طفولتهم لأهداف صحية
وليست لأهداف دينية.

 

ونشير
أيضاً إلي إنه إن كان الختان مفيد صحياً للذكر إلا إنه مضر تماماً للأنثى. لذلك لم
يأمر الله به في العهد القديم وكذلك حرمته القوانين الوضعية ويخطئ خطأ جسيماً كل
من يعمل ختاناً للأنثى.. وهذا وضع لا يُعرف إلا في بعض بلاد العالم الغير المتقدمة
حضارياً.

 

11-
طور المراهقة

يحدث
في طور المراهقة إنه في بعض الأحيان تفيض الخصيتان بما فيهما من السائل الحيوي،
فتسعى الطبيعة لقذف ما هو فائض في خزائنها من غير أن يساعدها الفتى، وفي أغلب
الأحيان يتم هذا القذف في الليل أثناء النوم على أثر أحلام يظنها الفتى شنيعة،
ويخشى أن تكون خطيئة، والحقيقة إنه طالما كان طاهراً في حواسه وحريصاً أثناء يقظته
فإن الإحتلام الليلي يمثل ظاهرة طبيعية لا تستوجب القلق. فقط يحرص على الاغتسال
ونظافة الأعضاء والجسد.

 

وعلى
أي حال فمن الأهمية أن يتعود الفتى ألا يلمس أعضائه دون مبرر، وألا ينشغل بها، لأن
الأهتمام الزائد يمكن أن يقود إلي متاعب كثيرة ممكن أن ترهق الذهن والجسد وتعطل
النشاط الروحي وتفقد الإنسان صفاء الصورة الذهنية وروح الصلاة.

 

12-
نقل الحياة

لقد
رأينا كيف إن الله أودع الخلايا التناسلية القدرة على إنجاب الأطفال وعلى الأب أن
ينقل خلاياه إلي داخل جسم الام لينشأ الجنين هناك، وهذا الفعل الناقل للحياة يتم
بالإتحاد الجسدي بين الزوجين تعبيراً عن الحب المتبادل والالتزام والتعهد الذي
التزما به في كنيسة الله أن ينجبا للكنيسة وللمجتمع أولاداً.. لا يلدانهم ولادة
جسدية فقط بل يلدانهم أيضاً ولادة روحية بعد ذلك من حضن الكنيسة بفعل الروح القدس
في سر المعمودية التي هي بالماء والروح. وإذ نتأمل روحياً في هذا الأمر نجد إن هذه
الأعضاء التي قد تكون مسار سخرية من بعض الفتيان الغير روحيين أو مثاراً للشعور
بالقباحة عند بعض الفتيات الغير مستنيرات.. إنما هي أعضاء مكرمة وأجهزة في غاية من
الدقة أبدع الله خلقتها فلا يجب أن نخجل مما لم يخجل الله أن خلقته.. وكلما نعمق
التأمل في هذا العمل نمجد الله خالقنا الذي رضي أن يستخدم أولاده في إنجاب أعضاء
أخر ويشاركونه العمل في امتداد كنيسة الله الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية. وهذا
الإنسان الجديد معروف عند الله من قبل تكوين العالم، وقد أعطى الله من محبته
للوالدين أن يساهما معه في عملية الخلق، وأن يتمتعا بالأبوة والأمومة بكل ما فيهما
من عواطف سامية ونبيلة.. هذا الأمر الذي لا يوجد عند الملائكة ولا عند الحيوانات
أو الخليقة المادية أيضاً.. فالإنسان هو الكائن الوحيد الفريد الذي عندما خلقه
الرب في الجنة سٌر به للغاية ورأى إنه حسن جداً، فالزواج أمر مقدس وهو تعهد يكرس
العلاقة ويقدس حياة الشركة. وفي سر الزواج يطلب الكاهن من الله أن يحرس الزوجين
ويقدس مضجعهما ويبارك وحدتهما لينجبا بنين وبنات كغروس في الكرمة المقدسة التي هي
كنيسة الله..

 

وترفض
الكنيسة أي علاقة جنسية بين رجل وإمرآة إلا من خلا الزواج. وتعتبر هذه العلاقة زنا
نهى الرب عنه في وصاياه المكتوبة بإصبعه على جبل سيناء وأستلمها موسى النبي منذ
أقدم العصور.. والزنا انحراف عن المجرى الحقيقي للدافع الجنسي الذي يهدف إلي حياة
الشركة والزيجة القائمة على البذل والحب والنضج والالتزام.

 

ونود
أن نؤكد إن العلاقة الجنسية بين الأب والأم لا تهدف فقط إلي الإنجاب وحفظ النوع
رغم أن الرب أمر بهذا عندما قال “أثمروا وأكثروا وإملأوا الأرض وأخضعوها
وتسلطوا على كل سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض”
(تك1: 28)، ولكن الهدف الذي يميز الإنسان عن الحيوان في إقامة العلاقة بين
الشريكين هو الوحدة ليحقق الإنسان الهدف المرجو من وجوده. من اجل هذا قيل
“يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرآته ويكونان جسداً واحداً” (تك2: 24)،
وكان هذا الهدف بعد خلقة حواء لأدم..

 

وإذ
كان الإنجاب هو الهدف الرئيسي من الزواج لسمح الرب بفصم العلاقة الزوجية في حالة
العقم..

إن
الوحدة الروحية والنفسية والفكرية تجد في الإتحاد الجسدي تعبيراً عنها وإفصاحاً عن
مضمونها. إن الحسد دائماً يريد يعبر عما يختلج من الداخل. إن هذا الحب الزيجي
يترجم في أن الواحد لا يريد أن يرضي ذاته بل يسعى بكل طاقته لإرضاء الأخر، وليس له
تسلط على جسده بل للأخر. لذلك يجب أن يتم الإتحاد الزوجي بين الرجل وإمرآته في جو
من الاحترام والحب المتبادل وفي مناخ احترام رغبة الأخر وإسعاده.

 

وأما
أنت أيها العزيز.. وقد عرفت قيمة هذا الدافع الحيوي وكرامته فأحرص على أن تحافظ
على قوة التناسل الذي فيك والحيوية التي تملأ كيانك ولا تسلمها للعبث والمجون ولا
تتحدث عنها بطيش وتبذل.. ولكن تذكر قول الرسول بولس إلي تلميذه القديس تيموثاوس
[أحفظ نفسك طاهراً].

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى