علم التاريخ

مجمع القسطنطينية الثالث – المجمع المسكوني السادس



مجمع القسطنطينية الثالث – المجمع المسكوني السادس

مجمع
القسطنطينية الثالث
المجمع
المسكوني السادس

قسطنطين
الرابع: (668-685) وأساء قسطنطين الثالث الظن بأخيه ثيودوسيوس فألبسه ثوب الرهبنة
ثم أمر به فقتل. فثار به ضميره وأصبح أخوه يتراءى له حاملاً كأساًَ من دمه ويقول
له: “اشرب يا أخي”! فكره قسطنطين الإقامة في المدنية التي ارتكب فيه
إثمه ونزح عنها. وفي السنة 662 ذهب إلى روما فاستقبله فيها البابا فيتاليانوس
بالحفاوة والإكرام. أما الشعب في القسطنطينية فإنه لم يرضَ عن تغيب قسطنطين ومنع
التحاق زوجته وأولاده به. ثم بعد ست سنوات دخل قسطنطين حماماً في سرقوسة فضربه خادم
الحمام بصندوق من الصابون على رأسه فتوفي في السنة 668.

وفي
أثناء غياب هذا الأمبراطور كان ابنه قسطنطين الرابع يسوس الملك وهو بعد فتى. فلمّا
علم بقتل والده ونشوب الثورة في صقلية نهض إليها فأخذ بالثأر ثم عاد والشعر قد نبت
في وجهه فلُقِّب بالألحى
Pogonatos.

 

التوسع
الإسلامي: خلال السنوات الخمسين التي سبقت انعقاد المجمع المسكوني السادس، رأت
بيزنطة نفسها فجأة أمام انطلاقة الإسلام المقلقة. إن أكثر ما يثير الانتباه في
انتشار الدعوة المحمدية إنما هو سرعتها. فعند وفاة محمد سنة 632، كانت سلطته لا
تتجاوز الحجاز أو تكاد. لكن خلفاءه وسّعوا سلطتهم فوصلوا سوريا وفلسطين ومصر خلال
خمس عشرة سنة بعد وفاته.

وكانت
الاضطرابات الداخلية التي نجمت في الدولة الإسلامية عن مقتل عثمان بن عفان قد
انتهت. فاستتب الأمر لمعاوية ابن أبي سفيان (661-680). ومعنى هذا أن الأمر استتب
لتجار قريش أولئك الذين قدروا عظمة التجارة التي كانت تربط حوض المتوسط بالشرق
الأقصى. فكان بالتالي طبيعياً أن يدركوا مبلغ الخسارة التي حلّت بأبناء الساحل
اللبناني السوري المصري من جراء ما سبب لهم الفتح الإسلامي من انقطاع عن أسواقهم
في آسية الصغرى والبلقان وإيطالية وأوربة الغربية. وهكذا فإنهم لم يروا بدّأً من
متابعة الحرب ضد الروم ودفعها إلى نتيجة حاسمة.

وكان
معاوية ومن حوله يعلمون علم يقين أن رغبة الروم في العودة إلى القتال لم تنتهِ.
وقد اغتنم قسطنطين الثالث فرصة انشغال معاوية بالمشاكل الداخلية فدس إلى جبال
العلويين فلبنان بضعة آلاف من المردة يغيرون منها على الحواضر والأرياف فيهددون
سيادة المسلمين في الشام. وكان معاوية قد صالح قسطنطين هذا على مال يؤديه له كل
سنة شرط أن يقطع قسطنطين الإعانة عن المردة.

 

واغتيل
قسطنطين الثالث في سنة 668 واعتلى أريكة الملك بعد فتى يافع هو قسطنطين الرابع.
وتمرد الجند مطالبين بحق أخوي هذا الملك الفتى. وثار مزيزيوس في صقلية وسابوريوس
في أرمينيا. واستنجد سابورويوس بالعرب. فرأى معاوية أن الفرصة سانحة. وكان قد
احتاط لأمرة المردة فاستقدم عدداً من الفرس وأسكنهم مدن الساحل اللبناني وأتبعهم
في السنة 669 غيرهم من أهل العراق. ثم عُني بترميم الحصون الساحلية. وفي السنة 669
قام بمناورة عسكرية بحرية وبرية في الغرب ليضلل خصمه. ولكنه في الوقت نفسه سير غور
الدفاع البيزنطي في آسية الصغرى فإذا بطلائع جيشه تصل إلى القسطنطينية. وكان زعيم
هذه الحملة أبا أيوب الأنصاري وقد توفي في أثنائها فدفن خارج أسوار عاصمة الروم!

 

وفي
ربيع السنة 673 وصلت عمارة إسلامية كبيرة إلى مياه القسطنطينية تحاصر عاصمة الروم
وتحاول إنزال الجنود. فصدّتها مراكب الروم. وفي الخريف عادت هذه العمارة إلى شبه
جزيرة كيزيكوس لتمضي فصل الشتاء وتتلقى المؤن والذخائر من قواعدها في الساحل
اللبناني السوري. وفي الربيع التالي استأنف المسلمون الحصار فارتدوا ثانية. فعادوا
يصرفون الشتاء في كيزيكوس. وظلوا كذلك حتى المرة الرابعة. واستعمل الروم في هذا
الحصار النار الاغريقية فنشروا الذعر في صفوف المسلمين. وجاءت السنة 677 فإذا
بالمسلمين يعودون إلى الحصار. فانطلقت لصدهم مراكب النار البحرية فأحرقت عدداً
كبيراً من مراكب المسلمين فاضطر ما بقي إلى العودة إلى قواعده في الشام. وهبّت
عاصفة هوجاء حطمت قسماً آخر وطارد الروم البقية الباقية فغنموا معظمها. وفي السنة
678 فاوض معاوية الروم في الصلح فأقروه عليه لثلاثين سنة شرط أن يدفع في كل سنة
ثلاثة آلاف من الذهب وخمسين جواداً عربياً وخمسين عبداً.

 

وتوفي
يزيد ابن معاوية في السنة 683 فتولى الخلافة بعده معاوية الثاني ورأى هذا أنه ليس
بأهل للخلافة فخلع منها نفسه ولم يعين له خليفة. فعادت الأمور إلى ما كانت عليه
قبل ثلاث سنوات عندما توفي معاوية الأول. وتبوأ العرش مروان ابن الحكم وكان رجلاً
طاعناً في السن. فاستغل قسطنطين الرابع مشاكل يزيد فأكرهه على الخروج من قبرص.
وجاءت مشاكل معاوية الثاني ومروان فزحفت جيوش قسطنطين عبر الحدود الجنوبية فدكّت
حصون ملاطية وأجلت المسلمين عن مرعش. وتوفي مروان فاضطر ابنه وخليفته عبد الملك أن
يفاوض الروم وأن يدفع مالاً سنوياً أكثر مما كان غيره يدفع من قبل. وتم الصلح على
هذا الشرط في السابع من تموز سنة 685.

 

المجمع
المسكوني السادس: (680-681) ولم يقوَ زوان سرجيوس وكيروس وأونوريوس على حنطة
صفرونيوس ومكسيموس. وأثمر التقارب الذي تم بين الأمبراطور قسطنطين الرابع وبين
البابا فيتاليانوس فرقي السدة القسطنطينية بطاركة ثلاثة عرفوا بالمحبة والمسالمة
وهم: “توماً (667-669) ويوحنا (669-675) وقسطنطين (675-677)”. ثم جاء
ثيودوروس في صيف سنة 677، وكان ضعيف الرأي شديد الإصغاء إلى زميله مكاريوس بطريرك
أنطاكية، فالتبس عليه وجه الصواب وطالب بحذف اسم فيتاليانوس بابا رومة من
الذبيتيخة. وكان قسطنطين الرابع قد نجح في صدّ المسلمين ورغب في إخماد الفتن
الداخلية وتوحيد الصفوف فلم يكتفِ برد طلب ثيودوروس بل إنه عمد إلى عقد مؤتمر شرقي
غربي (مسكوني) تبحث فيه أهم نقاط الخلاف الديني.

فكتب
في صيف هذه السنة نفسها إلى دونوس بابا رومة وطلب إليه أن يوفد اثني عشر أسقفاً
إيطالياً إلى مؤتمر ينظر في الخلاف القائم في العقيدة. وكتب الأمبراطور إلى
اكسرخوس رابينة يأمر بتسهيل سفر هؤلاء الأساقفة وإبحارهم إلى القسطنطينية. وكان
دونوس قد توفي في نيسان سنة 679 فخلفه اغاثون. فاتصل البابا الجديد بأساقفة الغرب
مستمزجاً. فتأخر جوابه فانتهز ثيودوروس القسطنطيني هذه الفرصة فحذف اسم فيتاليانوس
من الذبيتيخة. فردّ عليه الأمبراطور بأن أمر به فخلع واستعيض عنه بجاورجيوس. وكان
هذا أقل تمسكاً بالمونوثيلية (طبيعتين ومشيئة واحدة) من سلفه.

 

التأم
المجمع: وفي أوائل أيلول سنة 680 وصل الوفد الروماني إلى القسطنطينية. وكان مؤلفاً
من أساقفة ثلاثة وقسيسين وشماس وابيوذياكون. وحمل هذا الوفد رسالة من أغاثون إلى
قسطنطين تُنبئ بتأليف الوفد وباستعداد أعضائه لتأييد قرارات المجامع المسكونية
السابقة. وحمل الوفد أيضاً بياناً بالإيمان موقّعاً من البابا ومئة وخمسة وعشرين
أسقفاً غربياً يؤكدون فيه نبذ التعليم بالمشيئة الواحدة. ولدى وصول هذا الوفد طلب
الأمبراطور إلى كل من جاورجيوس بطريرك القسطنطينية ومكاريوس بطريرك أنطاكية أن
يدعوا الأساقفة الخاضعين لسلطتهما إلى القسطنطينية للاجتماع بزملائهم الغربيين.
فلبّى الدعوة بادئ ذي بدء ثلاثة وأربعون أسقفاً ثم تكاثروا حتى أصبح مجموع
الموقعين مئة وأربعة سبعين. وعندما التأم المجمع ومن جلسته الأولى أخذ طابع المجمع
المسكوني إذ كانت البطريركات الخمس ممثلة فيه، حتى الإسكندرية وأورشليم اللتان
كانتا في ذلك الوقت تحت الحكم الإسلامي أرسلوا ممثلين عنهما. إذ مثل كنيسة
الإسكندرية القس بطرس وكنيسة أورشليم القس جاورجيوس. وبدأت أعمال المجمع في السابع
من تشرين الثاني سنة 680 وانتهت في السادس عشر من أيلول سنة 681. وبلغ عدد الجلسات
الرسمية ثماني عشر جلسة.

 

مكان
ورئاسة المجمع: عقد المجمع جلساته في قاعة القبة “الأطرولّوس”
in Trullo. وجلس قسطنطين الرابع في حفلة الافتتاح في صدر المجلس وعن جانبيه
قضاة الدولة. ثم جلس عن يساره نواب الباب ونائب بطريرك أورشليم. وجلس عن يمين
الأمبراطور جاورجيوس بطريرك القسطنطينية ثم مكاريوس بطريرك أنطاكية ثم نائب بطريرك
الإسكندرية فسائر الأساقفة بعضهم عن اليمين والبعض عن اليسار وجعل الإنجيل المقدس
في الوسط.

 

أعمال
المجمع: وطلب نواب البابا في الجلسة الأولى إلى اكليروس القسطنطينية أن يشرحوا
القول بالفعل الواحد والمشيئة الواحدة. فطلب الأمبراطور إلى البطريركين جاورجيوس
ومكاريوس أن يجيبا. فقال بطريرك أنطاكية: أنه موجود في مجامع أشهر الآباء وبطاركة
القسطنطينية ومعتقدات كيروس الإسكندري واونوريوس بابا رومة. فطلب القصر البينة على
ذلك. فأُحضرت أعمال المجامع وقرئت في الجلسات الأربع التالية. وتبين أن الرسالة
التي نسبها سرجيوس بطريرك القسطنطينية إلى سلفه في الكرسي ميناس لم تتفق في الخط
والترقيم وما قبلها وما بعدها من أعمال المجمع الخامس. ولدى التفتيشي في محفوظات
بطريركية القسطنطينية وجدت نسخة أخرى من أعمال هذا المجمع -الخامس- نفسه وتبين أنها
خالية من نص الرسالة موضوع البحث.

 وفي
الجلستين الخامسة والسادسة في السابع من كانون الأول سنة 680 والثاني عشر من شباط
سنة 681 قدّم مكاريوس البطريرك الأنطاكي ثلاثة مجلدات ضمنها نصوصاً ادّعى أنها
تؤيد القول بالمشيئة الواحدة. وفي الجلسة السابعة في الثالث عشر من شباط قدّم
الوفد الروماني مقتطفات من أقوال الآباء في تأييد القول بالمشيئتين.

 وفي
الجلسة الثامنة في السابع من آذار سنة 681 طلب الأمبراطور إلى البطريركين جاورجيوس
ومكاريوس أن يبديا رأيهما في بيان البابا اغاثون. فعاد جاورجيوس إلى نصوص الآباء
ودرسها على ضوء ما جاء في بيان زميله الروماني فتبيّن له وجه الصواب وقال
بالمشيئتين ووافقه في ذلك جميع الأساقفة الخاضعين لسلطته. وطلب هذا البطريرك إعادة
اسم البابا فيتاليانوس إلى الذبيتيخة فأُعيد. ثم سئل مكاريوس والأساقفة الأنطاكيون
عن رأيهم. فوافق هؤلاء الأساقفة على القول بالمشيئتين ولكن مكاريوس أبى مدّعياً أن
القول بالمشيئتين يعرضهما إلى الاختلاف والتناقض. فأعاد الأمبراطور الطلب فأنكر
البطريرك مُفضِّلاً الموت مقطعاً على القول بالفعلين والمشيئتين.

 وانصرف
الآباء في الجلسة التاسعة إلى التدقيق في المجلدات الثلاثة التي وضعها مكاريوس
لتأييد القول بالفعل الواحد والمشيئة الواحدة. وقابلوا بعض ما أخذه عن الآباء
بالأصول فظهر التبديل والتحريف. فاقترح الآباء قطع مكاريوس وتلميذه اسطفانوس.
وخصصت الجلسة العاشرة للتدقيق في ما قدّمه الوفد الروماني ومقابلته بالأصول.

 واجتمع
الآباء للمرة الحادية عشرة والثانية عشرة في العشرين والثاني والعشرين من آذار
لدرس جميع ما صنف مكاريوس. فتليت جميعها وسئل مكاريوس عنها فاعترف بصحة نسبتها
إليه. فسأل القضاة المجمع ماذا يكون مصير مكاريوس بعد الندامة والتوبة وهل يظل
بطريركاً على أنطاكية. فلم يرضَ الآباء الأعضاء. فخُلِع مكاريوس ونوّه بثيوفانس
خلفاً له.

 وفي
الجلسة الثالثة عشرة حكم بالحرم على سرجيوس وبيروس وبطرس بطاركة القسطنطينية وعلى
كيروس بطريرك الإسكندرية وعلى اونوريوس بابا رومة وثيوذوروس أسقف فارانة سيناء.

 ودخل
على الآباء في الجلسة الخامسة عشر في السادس والعشرين من نيسان قس متوحّد من أبتاع
مكاريوس اسمه بوليخرونيوس. وادعى هذا القس أنه رأى في حلم ملائكة سماويين وفيهم
رجل عظيم الجلال أوصاه أن يذهب إلى الأمبراطور وينذره إلا بقول بمشيئة واحدة.
وأدعى القس أيضاً أنه يستطيع إقامة الأموات تصديقاً لرسالته. فخرج الأساقفة
والرؤساء إلى ساحة الحمام ووضعوا أمام القس ميتاً على نعش وطلبوا إليه أن يقيمه.
فوضع القس على صدر الميت اعترافه بالمشيئة الواحدة وانحنى عليه يبتبت فلم يستطع أن
يفعل شيئاً فقطعه المجمع وحرمه.

 وفي
الجلسة السابعة عشر صدّق المجمع جميع أعماله السابقة وحرم المعتقدين بالمشيئة
الواحدة والفعل الواحد. وفي الثامنة عشر في السادس عشر من أيلول سنة 681 تلي
اعتراف المجمع هكذا:

“بمسيح
وابن ورب وحيد هو نفسه بطبيعتين وأقنوم وشخص واحد وبمشيئتين طبيعيتين وفعلين
طبيعيين بلا انقسام ولا تغير ولا تجزؤ ولا اختلاط… وليست المشيئتان متضادتين.
حاشى! بل بالمشيئة البشرية تتبع بلا مقاومة ولا مناكفة وتخضع لمشيئته الإلهية
القادرة على كل شيء”.

 

 وجاء
حرم البابا اونوريوس هكذا: “وإننا نحرم اونوريوس الذي قام بابا على رومة
القديمة لأننا وجدناه في تحاريره إلى سرجيوس تابعاً في كل شيء لرأيه ومواقفاً على
عقائده الفكرية”. ووافق نواب البابا على هذا الحرم وأيده البابا لاوون الثاني
لأن اغاثون توفي في مطلع السنة 681.

 واعتبر
المجمع رسالة صفرونيوس إلى سرجيوس من أعمال المجمع ودعا آباء المجمع للرؤساء
فقالوا: “إننا ندعو بالسنين الكثيرة لأغاثون بابا رومة وجاورجيوس وثيوفانس
بطريركي القسطنطينية وأنطاكية وللمجمع والسينودوس.” ودعوا أيضاً لقسطنطين
الرابع “نصير الأرثوذكسية وعمود الكنيسة وحارس الإيمان”. ووافق
الأمبراطور على جميع أعمال هذا المجمع وأوجب القول والعمل بها بإرادتين
امبراطوريتين الأولى بتاريخ السادس عشر من أيلول والثانية بتاريخ الثالث والعشرين
من كانون الأول سنة 681.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى