علم التاريخ

أوطيخة ومجمع خلقيدونية – "المجمع المسكوني الرابع"



أوطيخة ومجمع خلقيدونية – “المجمع المسكوني الرابع”

أوطيخة
ومجمع خلقيدونية –  “المجمع المسكوني الرابع”

نقدمة:
بعد قانون الوحدة -الذي وضعه لاهوتيّون من الاسكندرية وانطاكية- حصل اختلاف حول
بعض التعابير الواردة فيه، وذلك أن ثمة بعضا من الاسكندرانيين المتشددين رفضوا
الاصطلاحات الأنطاكية، ولا سيما اصطلاح “طبيعتين” الذي كان يوازي عندهم
(الاسكندرانيين) لفظة “اقنومين” (شخصين). وكانوا يفضلون عليها تعابير
أخرى وردت عند كيرلّس مثل عبارة “طبيعة واحدة” في قولته الشهيرة:
“طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد”، غير انهم، احتراما لكيرلّس، لم
يجهروا بآرائهم قبل رقاده (+444). أبرز القائلين ب”الطبيعة الواحدة” كان
أُوطيخا، وهو رئيس دير في القسطنطينية يضم اكثر من 300 راهب، يدعمه ديوسقورس
بطريرك الاسكندرية.

 

أوطيخا:
(387-455) راجت تعاليم كيرلس الإسكندري في الأوساط الرهبانية ونزعم هذه الأوساط
بعد وفاة القديس دلماتوس (440) الراهب أوطيخة وافتيشيس
Eutyches.
وكان أوطيخة راهباً زاهداً ورعاً محترماً وقد تقدَّم جميع رهبان العاصمة وبرز.
وكان الأمبراطور يجلّه كما كان الخصي خريسافيوس ابنه في المعمودية يحترمه ويستشيره
في جميع المشاكل الإدارية الدينية.

 

واهتم
أوطيخة للجدل بين كيرلس ونسطوريوس. وكان يكره نسطوريوس فقال قول كيرلس. غير انه
سقط في المصيدة التي نصبها ابوليناريوس، اذ انه كان يقرأ تعاليم ابوليناريوس
المزوّرة -التي استعملها كيرلس- ويعتبرها من الآباء الاولين. آمن اوطيخا بوجود
طبيعتين للمسيح قبل التجسد (ربما يكون قد شايع اوريجنس الاسكندري في نظرية الوجود
الأزلي للأرواح)، غير انه لم يعترف سوى بطبيعة واحدة بعد التجسد معتقدا بأن
اللاهوت قد امتص الناسوت الذي ذاب في اللاهوت كما تذوب نقطة عسل عندما تسقط في
محيط من الماء. إذ فقال أن الطبيعة الإنسانية في المسيح امتزجت بالطبيعة الإلهية
حتى تلاشت فيها “تلاشي نقطة خمر وقعت في بحر ماء”. فالمسيح والحالة هذه
أقنوم واحد وطبيعة واحدة. وراجت هذه التعاليم في القسطنطينية وخارجها، نظراً
لروابط الصداقة التي كانت تربط أوطيخة بأصدقاء كيرلس وأتباعه ونظراً لبراعة أوطيخة
في وضع الخطط ونصب المكايد. فإنه تودد إلى أورانيوس أسقف هيميرية في منطقة الرها
ليحارب به ايبا الأسقف الشهير. وتحبب إلى الناسك برصوم ليشاغب على دومنوس أسقف
أنطاكية وثيودوريطس أسقف قورش في سورية وفي العاصمة.

 

دومنوس
أسقف أنطاكية: (441-449) هو دومنوس الثاني. ولد في أنطاكية ونشأ فيها وأخذ العلم
عن أساتذتها ثم عكف على الصلاة والتأمل في جوار القديس افثيميوس الكبير في ساحل
أريحا. وكان بإمكانه أن يلجأ دير افبريبيوس حيث تقبل النذر خاله يوحنا أسقف
أنطاكية ونسطوريوس أيضاً. ولكنه آثر طهر افثيميوس وقفار أريحا. فأطل على هذا
القديس في سنة 428 وتقبل النذر على يده. ثم هاله موقف خاله من كيرلس سنة 431 فأحب
أن يعود إلى أنطاطية ليقنع خاله بوجوب تأييد العقيدة القويمة كما رآها معلمه
ومرشده. فنهاه افثيميوس عن ذلك مبيناً أنه إذا عاد إلى أنطاكية فإنه لا يستفيد
شيئاً وأنه سيبقى هناك وسيقام أسقفاً ليخلف خاله على كرسي الرسولين. ولكن المنافقين
سيحطونه من مقامه. والواقع أن القديس الكبير افثيميوس عرف دومنوس حق معرفة، فقدر
فيه طهره وقداسته وتواضعه وحسن نواياه. ولكنه لمس فيه “بساطة” وضعفاً في
تقدير الرجال لم يؤهلاه للزعامة والرئاسة.

 

دومنوس
وأوطيخة: ولم يرضَ دومنوس عن تعليم أوطيخة ولم يخشَ خريسافيوس الخصي ولا سيده
الأمبراطور. فرأى رأي ثيودوريطس ورضي تصنيف كتاب يرد به على أوطيخة. فظهر في أواخر
سنة 447 ايرانيستيس ثيودوريطس أي كتابه “الشحاذ”. وراج هذا الكتاب في
الأوساط الرسمية والدينية فوجد المؤمنون فيه رسالة متينة تثبت أن الله لا يتغير
ولا يتألم وأن الطبيعتين وجدتا معاً في المسيح بدون امتزاج. ورصَّع ثيودوريطس
فقراته بمقتطفات من كلام الآباء القديسين. ولم يستهدف شخصاً معيناً ولكنه لم يترك
لقرائه مجالاً للشك في أنه إنما يقصد أوطيخة و”الأوطخة”. وفي مطلع سنة
448 كتب دومنوس إلى الأمبراطور نفسه يلفت نظره إلى خروج أوطيخة وهرطقته.

 

الأمبراطور
يدافع عن أوطيخة: ولم يرضَ الأمبراطور عن هذه الشكوى فأجاب في السادس عشر من شباط
سنة 448 بإرادة أمبراطورية قضت بتحريم مصنفات بورفيريوس ونسطوريوس وجميع المصنفات
التي لم تتفق ونصوص قرارات نيقية وأفسس و”بنود كيرلس”! وأمر أيضاً بعزل
ايريناوس اسقف صور من منصبه. فاتخذ لنفسه بعمله هذا صلاحيات لم يسبقه إليها
قسطنديوس من قبل. ولا يخفى أن القومس ايريناوس كان أحد أصدقاء نسطوريوس وأنه نفي
إلى البتراء ثم أطلق سراحه بعد وفاة كيرلس وأن أساقفة فينيقية الساحلية ألحوا
بوجوب سيامته أسقفاً على صور فوافق بروكلوس نفسه على ذلك وقام بفروض السيامة
ثيودوريطس أسقف قورش.

 

وذاع
خبر هذه الإرادة السنية ودبت عقارب أوطيخة وخريسافيوس بين القوك فخاض عملاؤهما في
الأخبار الكاذبة إيقاداً للفتنة. فأمَّ أنطاكية من الرها من شكا الأسقف أيبا إلى
رئيسه دومنوس. فاحتار دومنوس في أمره، وأجّل وسوّف. فرفع المتذمرون شكواهم إلى
القسطنطينية والإسكندرية وشكوا دومنوس نفسه وثيودريطوس. فصدرت إرادة أمبراطورية
جديدة تقضي بوجوب بقاء ثيودوريطس ضمن حدود أبرشيته وحصر اهتمامه بأبنائه الروحيين.
وكتب ديوسقوروس إلى دومنوس كتاباً ناشفاً أشار فيه إلى تأخر دومنوس عن سيامة خلف
لايريناوس في صور واهتمامه بأعداء الأرثوذكسية ومعاونته لهم. فاحتج دومنوس على
تدخل ديوسقوروس في شؤون غيره ولكن دون جدوى.

 

وفي
الثامن والعشرين من تشرين الأول سنة 448 صدر أمر سني إلى القائد دمسكيوس بوجوب نقل
كل من إيبا الرها ودانيال حرّان ويوحنا الرسينة إلى فينيقية لإجراء محاكمتهم أمام
هيئة روحية مؤلفة من اورانيوس أسقف هيميرية وفوطيوس أسثقف صور وافستاثيوس أسقف
بيروت. ومثل المتهمون أمام الهيئة الحاكمة في صور أولاً ثم في بيروت. وترافع
الطرفان فنصحت الهيئة الحاكمة بالصلح والمسالمة. فتم ذلك في بيروتع في ربيع 449.

 

فلابيانوس
وأوطيخة: وفي الثامن من تشرين الثاني سنة 448 أثار افسابيوس أسقف دورلة قضية
أوطيخة أمام المجمع القسطنطيني. وكان افسابيوس قد اطّلع على مجلد من ثلاثة أجزاء
عنوانه “الشحاذ” (والمقصود اوطيخا)، وضعه ثيودوريتوس اسقف قورش، وقام
بنشره في العام 447، والذي على أساسه اعتبر أن تعاليم اوطيخا هي غير ارثوذكسية.
وكان افسابيوس قد نبّه أوطيخة إلى ضلاله فلم يصغِ. واضطر فلابيانوس أسقف قسطنطينية
-الذي وصل إلى السدة البطريركية رغماً عن خريسافيوس الخصي إذ كان معارضاً لجلوسه
على كرسي القسطنطينية- أن يأمر الأرشمندريت أوطيخة بالمثول أمام المجمع المقدس
للإجابة عما يوجه إليه من أسئلة تتعلق بتعاليمه. فلم يحضر ولم يمتثل إلا بعد
التهديد. وفي الثاني والعشرين من تشرين الثاني خرج أوطيخة من ديره يحف به عدد كبير
من الرهبان والموظفين واتجه نحو الأسقفية. ومثل أمام الأساقفة في المجمع وأصرَّ
على القول بالطبيعة الواحدة فحكم عليه المجمع بالهرطقة وقطعه من كل رتبة كهنوتية
ومن الشركة ومن رئاسة الدير. وكان بين الأساقفة الجالسين أربعة أنطاكيون: باسيليوس
سلفكية وسابا “بلدة” عند مصب نهر السن بين بانياس وجبلة وبروكلوس اذرح
وذيفرنطيوس حلبان في شرقي حماه. ولم يرضخ أوطيخة وأكّد أنه سيرفع أمره إلى مجامع
رومة والإسكندرية وأورشليم وتسالونيكية.

 

لاون
وأوطيخة: وكتب أوطيخة إلى لاون أسقف رومة وبطرس أسقف رابينة وغيرهما من الشخصيات
الكبيرة راجياً إنصافه. فكتب لاون إلى الأمبراطور يفيد أن فلافيانوس لم يكتب إليه
بشيء مما جرى وأنه بناء على ما أفاد به أوطيخة نفسه لا يرى ما يستعاب به للبت في
الأمر.

 

تلصص
في أفسس: ولما كان أوطيخة هذا يتبع الحزب الإسكندري والمدافع عن قول الطبيعة
الواحدة -كما يفهمه هو- فكان لا بد له من أن يلجأ إلى رئيسه وهو ديوسقوروس أسقف
الإسكندرية. وعقد هذا الأخير بتوصية من خريسافيوس الخصي مجمعاً محلياً وحلّ أوطيخة
من القطع واعتبره أرشمندريتاً على ديره. ثم طلب إلى القيصر أن يدعوا إلى مجمع
مسكوني للنظر في قضية أوطيخة -ضارباً بذلك قرارات المجمع المسكوني الثاني-.
وبمداخلة خريسافيوس وافذوكية زوجة الأمبراطور وغرهما من رجال البلاط انتصر
الأمبراطور لأوطيخة وكتب إلى لاون أسقف رومة يلمح بوجوب النظر في قضية أوطيخة أمام
مجمع مسكوني. فكتب لاون إلى فلابيانوس بعناية الأمبراطور في الحق والعدل واستعلم
منه ما جرى. فأرسل فلابيانوس أعمال المجمع القسطنطيني الذي حكم على أوطيخة. فعقد
لاون مجمعاً محلياً ودقق في هذه الأعمال، فوافق عليها. وكتب إلى الأمبراطور يعتذر
عن حضور المجمع بشخصه ويفيد أن يوليوس أسقف بوزولة سيرأس الوفد الروماني إلى
المجمع، وأن ليوليانوس اسقف كوش الحق بتمثيله أيضاً.

 

ودعا
الأمبراطور إلى مجمع في أفسس يبدأ أعماله في أول آب سنة 449. وأكد الأمبراطور أنه
لا يجوز إشتراك ثيودوريطس في هذا المجمع -العدو اللدود للقائلين بطبيعة واحدة
للمسيح- إلا إذا طلب الأساقفة المجتمعون ذلك. وأمر أن يمثل الرهبان والنساك في
الشرق الأرشمندريت برصوم -عدو ثيودريطس والمقرب من الإسكندرية- وأوجب الأمبراطور
على إلبيذيوس وأفولجيوس من رجال المعية أن يمثلاه في المجمع. ومنع فلابيانوس وجميع
أعضاء مجمع القسطنطينية المحلي بأن يصوتوا في هذا المجمع. كما أعلن مسبقاً أن
رئاسة هذا المجمع ستكون لديوسقوروس أسقف الإسكندرية ويعاونه فيها كل من يوبيليانوس
أسقف أورشليم -الساعي لاستقلال أورشليم عن أنطاكية والذي كان متحزباً للإسكندرية
سعياً لهذا الغرض- وثلاثيوس أسقف قيصرية.

 

ومثَّل
كنيسة أنطاكية في هذا المجمع دومنوس رئيسها وواحد وعشرون أسقفاً بينهم ملاتيوس
شيزر وفوطيوس صور وثيودورورس دمشق وافستاثيوس بيروت واسطفانوس عين زربة وثيودوروس
طرسوس وروفينوس سميساط وسمعان آمد وبوليكاريوس جبلة. ومنع ثيودوريطس كما مرّ بنا.
وألقي القبض على إيبا أسقف الرها في أواخر حزيران وتجاذبته أيدي الشرطة مدة من
الزمن.

 

طوموس
لاون: وحمل الوفد الروماني عدداً من الرسائل منها واحدة للمجمع بكامله وثانية
للأمبراطور وغيرها للأمبراطورة ورابعة لرهبان العاصمة. وأهمها طوموس لاون وهي
رسالته إلى زميله فلابيانوس أسقف القسطنطينية. وفيها أيد موقف فلابيانوس ضد أوطيخة
وشرح تعليم الكنيسة بالطبيعتين في الأقنوم الواحد شرحاً مدققاً واضحاً.

 

المجمع
اللصوصي: ودعا ديوسقوروس الوفود إلى الاجتماع في كنيسة السيدة في أفسس في الثامن
من آب سنة 449. فلبى الدعوة مئة وثلاثون أسقف وأكثر. وافتتح ديوسقورس الأعمال
بتلاوة أوامر الأمبراطور. وعند الانتهاء من تلاوتها طلب إليه ممثل رومة الأسقف
يوليوس أن يقرأ رسائل رئيسه. فتناولها ديوسقوروس ولكنه أمر بتلاوة ما تعلق بمهمة
الأرشمنيدرت برصوم. ثم طلب إلى أوطيخة أن يعترف بالإيمان. فأكد أوطيخة أن إيمانه
هو إيمان الآباء وإيمان كيرلس ولعن جميع الهرطقات ولا سيما تلك التي ادعت بأزلية
جسد المسيح. وقال أوطيخة في إيمانه بالمسيح: “أنا اعترف في المسيح في طبيعتي
قبل الاتحاد وطبيعة واحدة بعد الاتحاد”. وكما يرى الدارسين أن جوابه كان
دبلوماسياً إذ قال: “أنا أعترف بطبيعتين قبل الاتحاد ولا أقول باثنتين بعد
الاتحاد”. واحتج على قطعه وطلب انصافه. فأشار فلابيانوس بوجوب استماع افسابيوس
أسقف دورلة ولكن البيذيوس ممثل الأمبراطور رفض ذلك. ولم يُسمح أيضاً بقراءة رسائل
أسقف رومة.

 

وكان
قد ساد الآباء الأرثوذكسيين وغير الأرثوذكسيين في هذا المجمع أن المجمع منعقد وفي
نيته إعلان براءة أوطيخة إذ منع أعضاء مجمع القسطنطينية -الذي حرم أوطيخة الهرطوقي-
من التصويت وتسلم رئاسة المجمع ديوسقورس -الذي برّأ أوطيخة الهرطوقي- الطرف الخصم
لفلابيانوس ومجمعه. وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير عدم قراءة طوموس لاون في
المجمع.

 

ثم
بدأ بتلاوة أعمال المجمع القسطنطيني الذي حكم على أوطيخة بالقطع. وعندما بلغ
القارئ إلى العبارة: “إن افسابيوس الدولي قد بذل جهده في حمل أوطيخة على
الإقرار بأن في المسيح طبيعتين” هتف عدد كبير من الحاضرين: “فليُحرق
افسابيوس حياً وليقطع لأنه أراد أن يقسم المسيح”. ثم طرح ديوسقوروس قضية
أوطيخة للتصويت فقال باستقامة رأيه مئة وأربعة عشر أسقفاً أولهم دومنوس أسقف
أنطاكية. فشهر أوطيخة أرثوذكسياً وأُعيد إلى مقامه ورئاسة ديره.

 

وذكَّر
ديوسقوروس بعد هذا، الأعضاء الجالسين بموقف المجمع المسكوني الثالث ممن يجسر على
مخالفة دستور نيقية وطلب إدانة فلابيانوس وافسابيوس على هذا الأساس. فاحتج
فلابيانوس وصرخ الشماس الروماني هيلاروبوس باللاتينية “
Contradicitur” وتقدم بعض الأساقفة نحو ديوسقوروس ورجوه التبصر والتريث،
ولكن الحقد والحسد المتراكم من المجمع المسكوني الثاني من الإسكندرية على
القسطنطينية، جعله يدعي بأنهم هددوه فلم ينتظر ديسقوروس حل الموضوع بطريق البحث
المعتاد وقرر إستعمال القوة فجمع جمهوراً من الرهبان المنتمين إلى اوطيخة وغيرهم
كان قد نقلهم إلى مكان المجمع، وطلب المعونة من ممثلي الأمبراطور. ففتح هؤلاء
أبواب الكنيسة وأدخلوا إليها الجند والرهبان والبحارة المصريين وغيرهم من عناصر
الغوغاء.

فحدث
اضطراب عظيم، وتمزقت الأعمال المجمعية التي بدئ بها وكسرت أصابع الكُتّاب وطرد
الأساقفة الأرثوذكس بعد ضرب كثير وأما الذين بقوا فأجبروا بالقوة على التوقيع على
صفحات بيضاء من البرغامنت وعبثاً حاول فلافيانوس الالتجاء إلى قدسية المذبح، فإن
الرهبان جروه جرّأً فوقع على الأرض فداسه ديوسقوروس وجماعة برصوم وأُخرج خارجاً
وسجن وتوفي بعد ثلاثة أيام وهو في طريقه إلى المنفى. واتهم ديوسقوروس بقتله. أما
أفسابيوس أسقف دورلة فإنه كان أسعد حظاً فتمكن من الفرار والالتجاء إلى رومة.

 

وعقد
هذا المجمع جلسته في الثاني والعشرين من آب من السنة نفسها فنظر في قضية ايبا أسقف
الرها. فاستمع إلى أعمال المجمع الأنطاكي وقرار محكمة بيروت وإفادات قاضي الرها
فحطّه عن مقامه الأسقفي ونزع عنه ممارسة السلطات الكهنوتية.

 

ونظر
المجمع أيضاً في قضية دانيال أسقف حران فاعتبره غير أعل لأن يكون كاهناً. وحرم
المجمع ايريناوس أسقف صور واكلينوس أسقف جبيل. وكان هذا قد سيم أسقفاً على يد
ايريناوس. وطلب المجمع إلى فوطيوس أسقف صور الجديد أن يرسم أسقفاً آخر على جبيل.
وجاء دور صفرونيوس أسقف القسطنطينية. وكان قد اتهم بالسحر والعرافة وبكسر الصوم
والاشتراك في الأكل والقصف مع يهودي معين. فقرر المجمع إحالة ملف صفرونيوس إلى
عهدة متروبوليت الرها.

 

ثم
تليت بعض فقرات من مصنفات ثيودوريطس أسقف قورش فاتهم بالنسطرة وأوجب ديوسقوروس حرق
هذه المصنفات وخلع صاحبها من كرسي الأسقفية وإبعاده مع أنه لم يكن في المجمع إذ
انه لم يدعَ. ولفت ديوسقورس نظر دومنوس إلى هذه الأمور فوافق دومنوس على هذه
الاقتراحات وخرج بذلك على الإيمان القويم. ومن هنا في الأرجح امتناع المجمع
الخلقيدوني عن إعادة النظر في قضيته. واستجار ثيودوريطس بأسقف رومة وأساقفة الغرب
ولكن دون جدوى. وترجى أن يُسمح له بالعودة إلى ديره القريب من أبامية، فكان له
ذلك.

 

وكان
دومنوس قد وعد مسبقاً بأنه يوافق على جميع الاجراءات التي تتخذ ضد النساطرة. ولكن
هذا لم يكفِ لغض النظر عنه. فإنه كان في نظر ديوسقوروس وأعوانه صديق فلابيانوس
أسقف القسطنطينية وثيودوريطس وحامي النساطرة. فحكم عليه بالخلع. فعاد إلى فلسطين
إلى ساحل أريحا وجاور معلمه الكبير افثيميوس. وخلف فلابيانوس في كرسي القسطنطينية
أتاتوليوس ممثل ديوسقوروس في العاصمة. وخلف دومنوس مكسيموس (449-455) عدو يوحنا
الأنطاكي وصديق الأسكندرية. وهكذا أشبع ديوسقوروس حقده وجشعه حتى لو كلفه ذلك
مخالفة الإيمان القويم. بأن جعل في المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين.

 

رومة
تحتج: ولم يرضَ لاون الكبير عن هذا التلصلص -وهو الذي أعطاه هذا الاسم- ولم يسكت
فكتب في خريف سنة 449 إلى الأمبراطور والأمبراطورة والاكليروس والشعب يعترض على ما
جرى ويوجب انعقاد مجمع مسكوني لإعادة النظر على أن يكون مجمعاً عادلاً. ولكن
ثيودوسيوس لم يكترث ولم يجب. فحرر الأسقف الروماني ثانية يوم عيد الميلاد. ثم وصل
إلى رومة في مطلع سنة 450 كل من فالنتنيانوس الثالث وأمه بلاكيدية وزوجته
افذوكسية، فتوسل لاون بالدموع إليهم أن يكتبوا إلى ثيودوسيوس. فكتبوا ولكن
ثيودوسيوس أجاب أن ما جرى كان كافياً وأنه لا حاجة إلى عقد مجمع آخر.

 

بوليخارية
ومركيانوس: ووقع ثيودوسيوس عن حصانه ومات في الثامن والعشرين من تموز في سنة 450.
ولم يكن له ولد فاستلمت بوليخارية أخته زمام الأمور. ثم تزوجت من قائد جيشها مركيانوس
شرط أن تبقى عذراء وأن تقتصر الزيجة على الإشتراك في إدارة الأمبراطورية.

 

وكان
مركيانوس رجلاً حازماً يتمتع بتأييد الجيش فوفقت فيه رومة الجديدة إلى حاكم مناسب.
وأعلن مركيانوس انتهاء الظلم والفوضى باعدام خريسافيوس الخصي وابعاد مستشاره
أوطيخة. فسعى الأساقفة المظلومون لديه وأسقف رومة أيضاً. فأرجع المنفيين ووافق
لاون في الدعوة إلى عقد مجمع مسكوني جديد ينظر في أمر أوطيخة ويصلح ما هدَّمه
ديوسقوريوس. ولكنه لم يرضىَ أن يلتئم هذا المجمع في أرض إيطالية كما رغب في ذلك
لاون.

 

المجمع
المسكوني الرابع: وفي السابع عشر من أيار سنة 451 صدرت عن بلاط مركيانوس دعوة إلى
مجمع مسكوني رابع يفتتح في اليوم الأول من أيلول. ولبى هذه الدعوة خمس مئة أسقف
وتلاقوا في القسطنطينية ليقوموا منها إلى نيقية في الموعد المعين. وقضت ظروف
عسكرية بتأخر مركيانوس عن الحضور فتأجل انعقاد المجمع مدة وجيزة. وانتهز ديوسقوروس
هذه الفرصة للدس والتخريب فسعى سعياً حثيثاً لقطع لاون أسقف رومة. ولكنه لم يلقَ
آذاناً صاغية خارج أوساط الأساقفة المصريين. واُعترِف في هذه الآونة نفسها
بمكسيموس أسقفاً على أنطاكية.

 

ثم
رغب مركيانوس أن تعقد جلسات المجمع في خلفيدونية لقربها من العاصمة. وأمر بإخراج
رهبانها منها لتأمين السلام والصفاء، فاخرجوا. وبدأ المجمع المسكوني الرابع أعماله
في الثامن من تشرين الأول سنة 451 في خلقيدونية.

 

الوفد
الأنطاكي: وتألف الوفد الأنطاكي من مئة وثلاثين أسقفاً وذلك على الوجه التالي:

 

أساقفة
سورية الأولى: مكسيموس أسقف أنطاكية وماراس أسقف خناصير (جنوب شرق حلب على بعد
ستين كيلومتراً عنها) وثيوكتيستوس أسقف حلب ورومولوس أسقف قنسرين وبوليكاريوس أسقف
جبلة وبطرس أسقف الجبّول ومكاريوس أسقف اللاذقية وسابا أسقف بلدة وجيرونتيوس أسقف
سلفكية.

 

أساقفة
سورية الثانية: دومنوس أسقف أبامية ومرقس أسقف الرستن وتثموثاوس أسقف بانياس
وافتيخيانوس أسقف حماه وملاتيوس أسقف شيزر وبولس أسقف مريمين إلى شرقي المشتى
ولمباذيوس أسقف رفنية وافسابيوس أسقف جسر شغور.

 

أساقفة
أسورية: وهم اثنان وعشرون أولهم باسيليوس أسقف سفلكية الساحلية ويأتي بعده يعقوب
أسقف أنيموريون واكاكيوس أسقف أنطاكية.

 

أساقفة
قيليقية الأولى: ثيودوروس أسقف طرسوس وفيليبوس أسقف ادنه وثيودوروس أسقف أوغسطة
وخمسة آخرون.

 

أساقفة
قيليقية الثانية: كيروس أسقف عين زربة ويوليانوس أسقف الإسكندرية وباسيانوس أسقف
موبسوستي ويوليانوس أسقف أرسوز وخمسة آخرون.

 

أساقفة
الفرات: اسطفانوس منبج وقوزمة قورش وتيموثاوس أسقف دولك وداود أسقف جرابلس ويوحنا
أسقف مرعش وبتريقيوس أسقف صفين وماراس أسقف روم قلعة واثناثيوس أسقف بيرين
ومايانوس أسقف الرصافة وروفينوس أسقف سميساط واوراتيوس أسقف سوريه وسوره على
الفرات وايفولغيوس أسقف بلقيس.

 

أساقفة
الرها: نونوس أسقف مدينة الرها ودانيال أسقف بيره جك ودميانوس أسقف الرقة وابراهيم
أسقف كيراسيوم ولعلها قرقيسيون عند مصب الخابور في الفرات وصفرونيوس أسقف قسطنطينة
ويوحنا أسقف حرَّان وقيومة أسقف مركوبوليس وهي مجهولة الموقع ويوحنا أسقف العرب.

 

أساقفة
ما بين النهرين: سمعان أسقف آمد وماراس أسقف غزة (وهي مجهولة الموقع) وقيومة أسقف
انجل ونوح أسقف كيفا وزبنوس أسقف ميافارقين وافسابيوس أسقف صوفانة.

 

أساقفة
العربية: قسطنطين أسقف بصرى وبروكلوس أسقفة درعة ومالك أسقف مسمية وثيودوسيوس أسقف
القنوات وسُليم أسقف قسطنطينة اللجا وماراس أسقف السويدا ويوحنا أسقف الصنمين
وزوسيس أسقف حسبان واناستاسيوس أسقف حران وبلانكوس أسقف جرش وغيانوس أسقف مادبا
وسويروس أسقف نوى وغوطوس أسقف مشنّف وافلوجيوس أسقف عمان وهورميداس أسقف شحبة
ونونوس اسقف اذرح.

 

أساقفة
فينيقية الأولى والساحلية: فوطيوس أسقف صور والكسندروس أسقف طرطوس وبولس أسقف
أرواد وايراقليطس أسقف عرقة وافستاثيوس أسقف بيروت ويورفيريوس أسقف البترون وبطرس
أسقف جبيل وفوسفوروس أسقف عرطوز واوليمبوس أسقف بانياس وتوما أسقف النبي يونس
Porphyreon وبولس أسقف عكة ودميانوس أسقف صيدا وثيودوروس أسقف طرابلس.

 

أساقفة
فينيقية الثانية واللبنانية: ثيودوروس أسقف دمشق ويردانوس أسقف سوق وادي بردى
وإبراهيم أسقف حرلانة في الغوطة وذاذاس أسقف قارة وكناكر وبطرس أسقف جيرود
وثيودوروس أسقف مهين وأورانيوس أسقف حمص وتوما أسقف حوارين ويوسف أسقف بعلبك
وافسابيوس أسقف يبرود وفاليريوس أسقف قطيية ويوحنا أسقف تدمر وافستاثيوس أسقف
العرب.

 

الوفود
الأخرى: وتألف الوفد الروماني من الأسقفين باسكاسينوس ولوشنتيوس والقسين
بونيفاتيوس وباسيليوس وانضم إليهما يوليانوس أسقف جزيرة كوس للمرة الثانية. وجاء
ديوسقوروس ووراءه سبعة عشر أسقفاً. وانضم إلى هؤلاء أساقفة آسية وتراقية واليونان
واليرية وأفريقيا. ومثل الدولة الرومانية أناتوليوس القائد الكبير وبلاذيوس
برايفكتوس الشرق وتاتيانوس برايفكتوس العاصمة وخمسة عشر موظفاً.

 

الجلسة
الأولى: وافتتحت أعمال المجمع في الثامن من تشرين الأول في كنيسة القديسة افيمية
في خلقيدونية بحضور هذا العدد الكبير من الأساقفة (وصل عدد الآباء في هذا المجمع ل
600) ووجود عدد من وجهاء الدولة في صدر المجمع أمام الباب الملوكي وعن يسارهم نواب
رومة القديمة وأناتوليوس أسقف رومة الجديدة فمكسيموس أسقف أنطاكية وعن يمينهم
ديوسقوروس أسقف الإسكندرية يوبيناليوس أسقف أورشليم ثم سائر الأساقفة من الجهتين.

 

وبعد
الافتتاح قام باسكاسينوس ووقف في وسط المجمع وقال لعظماء الدولة: “إن أسقف
مدينة الرومانيين الرسولي الجزيل الغبطة رأس جميع الكنائس أمرنا أن نخاطبكم بأن لا
يجلس معنا ديوسقوروس أسقف الإسكندرية. فإما أن يخرج هو وإما أن نخرج نحن”.
فرأى ممثلو السلطة أن يجلس ديوسقوريوس في وسط المجمع فجلس. ثم وقف افسابيوس أسقف
دورلة ودفع كتاباً مضمونه ملخص ما جرى من التلصص في أفسس. وتليت بعد ذلك أعمال
المجمع اللصوصي ثم أعمال المجمع القسطنطيني قبله. وبعد أخذ ورود شديدين اقترح
ممثلو السلطة قطع كل من ديوسقوروس الإسكندرية ويوبيناليوس أورشليم وثلاثيوس قيصرية
وافسابيوس أنقيرة وافستاثيوس بيروت وباسيليوس سلفكية باعتبارهم زعماء التلصص في
أفسس. ثم ارتفعت الجلسة فخرج الآباء يرددون: “قدوس الله قدوس القوي قدوس الذي
لايموت ارحمنا” وهي أول مرة يرد فيها ذكر التريصاجيون في تاريخ الكنيسة.
وهتفوا بعد ذلك قائلين: “لتكن سنو الأمبراطور عديدة! المسيح أسقط ديوسقورس
القاتل! قدوس الله قدوس القوي قدوس الذي لا يموت ارحمنا”.

 

الجلسة
الثانية: وعاد الآباء إلى العمل في العاشر من تشرين الأول وظل ديوسقوروس
ويوبيناليوس وسائر المتهمين بأعمال التلصص في أفسس خارج المجمع. فطلب ممثلو السلطة
من الآباء المجتمعين أن ينظروا في أمر الإيمان وأن يتفقوا على صيغة نصبح هي المعول
عليها. فذكر الآباء أن المجمع المسكوني الثالث حرم أي تعديل في قانون الإيمان
النيقاوي. ولكن نظراً لإلحاح السلطة فإن الآباء أصغوا إلى نصوص رسائل كيرلس إلى
نسطوريوس ويوحنا وإلى “الطوموس” رسالة لاون إلى فلابيانوس الشهيد. فهتف
معظم الآباء هذا هو إيمان الآباء هذا إيمان الرسل. جميعنا هكذا نؤمن. الأرثوذكسيون
هكذا يؤمنون. محروم من لا يؤمن هكذا. بطرس نادى بهذا التعليم بواسطة لاون. كيرلس
هكذا علم. محروم من لا يؤمن هكذا. وتردد أساقفة فلسطين وطلبوا شرح الطوموس ولم
يتخذ أساقفة مصر موقفاً معيناً نظراً لتغيب رئيس وفدهم ديوسقوروس. وقبيل ارفضاض
الجلسة هتف بعض الاليريين للأساقفة المتهمين.

 

الجلسة
الثالثة: والتأم المجمع في جلسته الثالثة في الثالث عشر من تشرين الأول وفي كنيسة
مجاورة لكنيسة القديسة افيمية تضم رفاة بعض الشهداء. وتغيب ممثلو السلطة. ونهض
افسابيوس أسقف دورلة وقرأ مذكرة جديدة يبين فيها هفوات ديوسقوروس وذنوبه. ثم تلاه
أربعة اكليريكيين اسكندريين انتقدوا ديوسقوروس من حيث موقفه من أسرة سلفه كيرلس
وقساوته وظلمه ومن حيث طمعه بالمال وجشعه في جمعه. فدعا المجمع ديوسقوروس ثلاث
مرات فلم يحضر فقال باسكاسينوس -مترأس المجمع- لقد دعي ديوسقوروس ثلاث مرات ولم
يحضر فماذا يستحق هذا الذي يزدري بالمجمع؟ فقال المجمع: يستحق جزاء العصاة. ثم قال
لوقيانوس أسقف بيزا ونائب أسقف هرقلية: لقد أجرى المجمع المسكوني السابق أعمالاً
ضد نسطوريوس فلنقف على إجراءاته ولنعمل بموجبها. فقال باسكاسينوس: أتأمرون أن نطبق
في حقه عقوبات كنسية؟ فقال المجمع: “إننا نوافق على ما هو حسن”. وخاطب
الأسقف يوليانوس وفد رومة وطلب إلى رئيسه باسكاسينوس أن يبين القصاص المعين في
القوانين. فقال باسكاسينوس: إني أكرر ماذا تستحسنون؟ فقال مكسيموس أسقف أنطاكية
العظمى: “كل ما يستحسنه برّكم نوافق عليه”. فاقترح باسكاسينوس قطع
ديوسقورس لأنه برَّأ أوطيخة وقبله في الشركة قبل اجتماع افسس ولأنه لم يسمح بقراءة
رسالة لاون إلى المجمع ولأنه أصرّ على قطع العلاقة مع الأرثوذكسيين. فقال
أناتوليوس أسقف رومة الجديدة: إني أعتقد في كل شيء مثل الكرسي الرسولي أوافق على
قطع ديوسقوروس. وقال مكسيموس أسقف أنطاكية: إني أضع ديوسقوروس تحت العقاب الكنسي
الذي فاه به لاون أسقف رومة القديمة وأناتوليوس أسقف رومة الجديدة. ووافق كثيرون
آخرون فحكم على ديوسقوروس بالقطع. أما الأساقفة الباقون من المتهمين فإنهم قدموا
ندامة ونالوا الصفح.

 

الجلسة
الرابعة والخامسة: وبحث الآباء في الجلستين الرابعة والخامسة أمر العقيدة. فنظروا
في طوموس لاون على ضوء دستور الإيمان الذي سُنَّ في المجمعين المسكونين الأول
والثاني وعلى ضوء تحديدات القديس كيرلس كما جاءت في أعمال المجمع المسكوني الثالث.

 

وقدم
ثلاثة عشر أسقفاً مصرياً لائحة إيمان أثبتت تعلقهم بإيمان الآباء منذ عهد مرقس
الإنجيلي حتى أيام كيرلس وشجبوا آريوس وفتوميوس وماني ونسطوريوس ولكنهم سكتوا عن
أوطيخة. فوبخهم المجمع، فقالوا أنهم يعملون بموجب القانون النيقاوي السادس إذ لا
يجوز لهم أن يقطعوا رأياً بدون موافقة أسقف الإسكندرية.

 

وحاول
برصوم أن يدافع عن ديوسقوريوس ولكنه لم يُفلح. فإنه ما كاد يطل على الآباء
المجتمعين حتى تعالت الأصوات بوجوب خروجه. فقال البعض: “إلى الخارج أيها
القاتل إلى المرسح المدرج إلى الوحوش الضارية”. فخرج برصوم والوفد الرهباني
الذي كان يرافقه.

 

وأُلِّفت
تمثل جميع الآراء في المجمع لتعد صورة اعتراف يبت في قضية الطبيعة الواحدة التي
أثارها أوطيخة. فقامت هذه اللجنة بالمهمة الموكولة إليها خير قيام وتقدمت من
المجمع في جلسته الخامسة بمشروع اعتراف هذا نصه:

 

إننا
نعلّم جميعنا تعليماً واحداً تابعين الآباء القديسين. ونعترف بابن واحد هو نفسه
ربنا يسوع المسيح. وهو نفسه كامل بحسب اللاهوت وهو نفسه كامل بحسب الناسوت. إله
حقيقي وإنسان حقيقي. وهو نفسه من نفس واحدة وجسد واحد. مساوٍ للآب في جوهر
اللاهوت. وهو نفسه مساوٍ لنا في جوهر الناسوت مماثل لنا في كل شيء ماعدا الخطيئة.
مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاهوت. وهو نفسه في آخر الأيام مولود من مريم
العذراء والدة الإله بحسب الناسوت لأجلنا ولأجل خلاصنا. ومعروف هو نفسه مسيحاً
وابناً وربّاً ووحيداً واحداً بطبيعتين بلا اختلاط ولا تغيير ولا انقسام ولا
انفصال من غير أن يُنفى فرق الطبائع بسبب الاتحاد بل إن خاصة كل واحدة من الطبيعتين
ما زالت محفوظة تؤلفان كلتاهما شخصاً واحداً واقنوماً واحداً لا مقسوماً ولا
مجزّءاً إلى شخصين بل هو ابن ووحيد واحد هو نفسه الله الكلمة الرب يسوع المسيح كما
تنبأ عنه الأنبياء منذ البدء وكما علّمنا الرب يسوع المسيح نفسه وكما سلّمنا دستور
الآباء.

 

الجلسة
السادسة: وفي هذه الجلسة في الخامس والعشرين من تشرين الأول حضر الأمبراطور بشخصه
وخطب في الآباء فحضهم على استقامة الرأي والسلام. وتلي تحديد المجمع فأمضى عليه
الآباء وصدق الأمبراطور.

 

صور
وبيروت: ونظر الآباء في الجلسة الرابعة في الدعوة التي أقامها فوطيوس أسقف صور على
افستاثيوس أسقف بيروت. وخلاصة هذه الدعوة أن أناتوليوس أسقف القسطنطينية وهب
افستاثيوس أسقف بيروت لمناسبة ارتقائه إلى رتبة متروبوليت الرئاسة على أسقفيات
جبيل والبترون وطرابلس وعرطوز وعكار وطرطوس وذلك بعد أن كانت هذه جميعها خاضعة
لمتروبوليت صور. فلام المجمع أناتوليوس على هذا التعدي وحكم بإرجاع هذه الأسقفيات
إلى متروبوليت صور.

 

ثيودوريطس
وإيبا: وفي الجلسة الثامنة فاه ثيودوريطس أسقف قورش لأول مرة بقطع نسطوريوس
“وكل من لا يدعو مريم العذراء والدة الإله يجعل من الابن الوحيد اثنين”.
وحذا حذوه كل من صفرونيوس أسقف قسطنطينة الرها ويوحنا أسقف مرعش. فعرف المجمع جميع
هؤلاء أرثوذكسيين. وفي الجلسة العاشرة تبرأ إيبا.

 

كنيسة
أورشليم: وكان الآباء القديسون المجتمعون في نيقية في المجمع المسكوني الأول قد
خصوا أسقف أورشليم بامتيازات معينة نجهلها وحافظوا في الوقت نفسه على حقوق
متروبوليت الأبرشية أسقف قيصرية. وكان يوبيناليوس منذ أن تسلّم عكاز الرعاية قد
بدأ يمارس صلاحيات أوسع بكثير مما سمح به العرف والتقليد. فإنه تشوّف إلى ممارسة
السلطة في العربية وفي فينيقية فساك الأساقفة في هاتين الأبرشيتين. وزوَّر الوثائق
وأبرزها في أفسس ليثبت حقاً لم يعرف به أحد. واعترض كيرلس سبيله وكشف أمره فسكت
وبات ينتظر فرصة موآتية. فلما تعكّر الجو واجتمع الآباء لينظروا في أمر أوطيخة عاد
إلى سابق مطلبه. وفي الجلسة السابعة من جلسات المجمع الخلقيدوني المنعقدة في
السادس والعشرين من تشرين الأول سنة 451 تفاهم الأسقفان الأنطاكي والأورشليمي
فاعترف مكسيموس بسلطة يوبيناليوس على أمهات المدن ببسان وقيصرية والبتراء. وامتنع
يوبيناليوس عن المطالبة بأية صلاحية في فينيقية والعربية.

 

أسقف
رومة الجديدة: وفي الجلسات الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة حلَّت مسائل تتعلق
بأساقفة آسية. وفي الجلسة الخامسة عشرة سنَّ المجمع ثلاثين قانوناً لا تزال سارية
المفعول. وجاء في القانون التاسع أنه إذا وقع خلاف بين اكليريكي وبين متروبوليت
الأبرشية يرفع إلى اكسرهوس الولاية وإلى الجالس على كرسي القسطنطينية. وجاء مثل
هذا في القانون السابع عشر. ونص القانون الثامن والعشرون بالمساواة في الكرامة بين
أسقفي رومة الجديدة ورومة القديمة. فاعترض الوفد الروماني على هذه المساواة.

 

انتهاء
الأعمال: وصدّق الأمبراطور على هذه القرارات والقوانين وحلَّ المجمع المسكوني
الرابع. ومنع أتباع أوطيخة عن إقامة الحفلات الدينية. ونقي أوطيخة فتوفي بعد ذلك
بقليل، ونفي أيضاً ديوسقوروس فجعل اقامته جبرية في كنغريس افلاغونية.

 

تعقيب
مأخوذ من نشرة رعيتي: اوضح المجمع المسكوني الرابع العقيدة المستقيمة عن طريق
استعمال عبارة “الطبيعتين” في المسيح، غير ان الكنائس الشرقية لم تجتمع
كلها حول هذا التحديد، وذلك أن بعضا منها (السريانية والقبطية والارمنية) رفضته،
ورأت في العبارة عودة الى النسطورية. غير أن ثمة آراء كثيرة إيجابية اليوم بين
صفوف رافضي مجمع خليقدونية، ترى أن الخلافات حول المجمع لفظية، وتدعو الى قبوله عن
طريق فهم قراراته على انها إعادة تأكيد لمقررات المجمع المسكوني الثالث.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى