علم التاريخ

القديس اغناطيوس الأنطاكي



القديس اغناطيوس الأنطاكي

القديس
اغناطيوس الأنطاكي

لقد
سام القديس بطرس خلفاً له على كرسي أنطاكية القديس افوذيوس ولكن للأسف ليس لدينا
ما يجعلنا نخوض في البحث بتاريخ أول خليفة للرسول بطرس ولكن هناك تقليد يقول أنه
قد نال إكليل الشهادة في عهد نيرون.

القديس
اغناطيوس الأنطاكي:

(اغناطيوس
ثيوفوروس”حامل الإله”)، لقد عاصر اغناطيوس افوذيوس وقد يكونا اشتركا في
رئاسة كنيسة أنطاكية (المسيحيين من أصل يهودي، المسيحيين من أصل أممي) في وقت
واحد، ومن ثم بعد استشهاد افوذيوس تابع رئاسة الكنيستين لوحده.

 

وهناك
تقليد يقول أن الطفل الذي جاء في بشارة متى 18 هو القديس اغناطيوس، إلا أن الذهبي
الفم لا يؤيد هذا التقليد ويؤكد أن اغناطيوس لم يرَ الرب. وعلماء الكنيسة يجعلون
مولده في سنة 35 وأنه آمن في أنطاكية على أيدي الرسل والتلاميذ، وهو الذي اتخذ
لنفسه لقب ثيوفوروس-حامل الإله-.

 

كنيسة
أنطاكية والقديس اغناطيوس:

في
عهد اغناطيوس بدأت الإمبراطورية الرومانية تلاحق المسيحيين و تضطهدهم، إذ أخذ
الإيمان المسيحي ينتشر في رومة نفسها وهذا كان للرومان بمثابة خيانة الدولة، فدين
الآباء بالنسبة لهم، ميثاق لا يجب فسخه. وهناك عامل أخر حرض الرومان على اضطهاد
المسيحيين وهو الشكاوي اليهودية، إذ جعلتهم ينتبهوا إلى سرعة انتشار البشارة
المسيحية في الإمبراطورية. وبالنسبة للظروف الداخلية في عهد اغناطيوس لم تكن أفضل
حالاً إذ كان الاختلاف بين المؤمنين من اليهود والأممين ما يزال قائماً.

 

سياسته
الرعائية:

لم
يهتم القديس بشرح العقائد المسيحية (الثالوث الأقداس واتحاد الطبيعتين في المسيح)،
بل جلّ اهتمامه كان في تعليم الإيمان المسيحي والحفاظ عليه نقي، وتوحيد صفوف أبناء
كنيسته -أنطاكية-، وهو أول من استخدم لفظ الجامعة (الكاثوليكية) على الكنيسة
واعتبرها مجمعية وليست رئاسية.

 

وأيضاً
قد نظّم الكنيسة، ففي رسالته إلى أفسس، يبين الدرجات الكهنوتية، ويجعل الأسقف رأس
الكنيسة المحلية إذ يقول عنه أنه المسيح وحيث يكون المسيح تكون الكنيسة، ومن ثم
الشيوخ ويجعلهم قدوة للمؤمنين، كما الرسل قدوة للمؤمنين، من ثم الشمامسة واحترامهم
كاحترام وصايا الله، ويجعل أي عمل مقدم للكنيسة بدون موافقة الأسقف هو عمل غير
محبب فلا يجب التصرف بانفراد، ويجعل الذبيحة الإلهية سرّ يمارسه الأسقف فقط و من
خوّله الأسقف.

 

الحكم
على القديس: كان نيرون قد وضع قانون يعتبر كل من يدين بالمسيحية خارجاً على
القانون. وقد ماشاه في ذلك كل من فيزبازيانوس وتيطس ودوميتيانوس. وفي سنة 99 وافق
الأمبراطور تريانوس على قانون نيرون وأمر بتنفيذه، وأوضح القانون لبلينيوس حاكم
بيثينية بأن كل من يُعلن عنه أنه مسيحي يعدم إلا في حال تراجع عن إيمانه. وكان من
الذين استشهدوا اثر هذا القانون القديس اقليمس أسقف رومية الثالث بعد الرسول بطرس
في سنة 100. وسمعان أسقف أروشليم في سنة 107. وقد يكون هذا القانون هو الذي أدى
إلى استشهاد اغناطيوس ثيوفوروس.

 

جاء
في التقليد لقد وجه الحاكم الروماني تهمة لاغناطيوس بأنه يخالف أوامره كشيطان،
ويغر الناس على إهلاك نفوسهم (التبشير بالمسيح). فأجابه القديس أن ألهة الرومان هم
الأبالسة ويخافون من أبناء الله وأنه لا يوجد إلا إله واحد. فقال له الحاكم ألعلك
تقصد المسيح الذي علقه بيلاطس على الصليب؟ فأجابه القديس: يجب أن يُقال أن يسوع
الذي علق الخطيئة وصانعها على الصليب فأعطى الذين يحملونه بقلوبهم سلطاناً لسحق
الجحيم وقوته. فقال له الحاكم: أنت إذاً حامل يسوع في أحشائك؟ فقال اغناطيوس: لا
ريب في ذلك لأنه قيل أحل بينهم وأسير معهم.

 

فما
كان من الحاكم إلا أن يصدر أمره في السادس من كانون الثاني سنة 107 بتكبيل
اغناطيوس وإرساله إلى رومة ليطرح للوحوش أمام الشعب. وهنا هتف القديس قائلاً:
أشكرك يارب لأنك منحتني حباً كاملاً لك وشرفتني بالقيود التي شرفت بولس بها. ثم
صلى لأجل الكنيسة واستودعها وسلم نفسه للشرطة.

 

رسائله:
فانطلق مقيداً بالأغلال ومعه الشهيديّن روفوس وزورسيموس اللذين شملهما الحكم. وفي
أثناء سفره من أنطاكية إلى رومة كتب سبعة رسائل إلى الكنائس التي مرَّ بها. التي
كانت تشجع على تحمل المحن ومصائب الدهر. ووصلت لنا في ثلاث مجموعات: القصيرة
والطويلة والمختصرة. والقصيرة هي الأصلية، وقد حفظت لنا مخطوطة يونانية (القرن
الثاني) هذه الرسائل ولا تشمتمل على الرسالة إلى الرومانيين، وأقدم نص يحفظ لنا
هذه الرسالة يعود للقرن العاشر. وفي القرن الرابع قام من عُني بها وحرفها فأضاف
إليها وجعلها مجموعات تشمل ثلاثة عشر رسالة بدلاً من سبع. فجاء بها علاوةً على
الرسائل إلى كنائس: أفسس ومغنيسية وترّلة ورومية وفيلدلفية وأزمير وبوليكاربوس رسائل
إلى أنطاكية وطرسوس وفيلبي وهيرون ومريم الكبسولة ورسالة هذه الأخيرة إلى
أغناطيوس.

 

وظلت
هذه الرسائل موضوع جدل بين علماء الكتاب المقدس والإنجيليين. فقال البعض أنها
مزورة، والبعض الآخر صحيحة. ثم جاء
Lightfool و Haranck وZahn وFunk ووفّقوا باثبات صحتها بالأدلة الداخلية والخارجية وسكت جميع
القائلين بتزويرها. وأصبحت هذه الرسائل من أفضل ما تبقى من آثار الآباء الأولين.

 

استشهداه:
وصل القديس إلى عاصمة الإمبراطورية. وكان موعد أعياد الختام الرومانية. ونزل
الرومانيون إلى مدرج فلافيانوس ليحتفلوا بانتصارات تريانوس ليشاهدوا المصارعة
الدموية بين الأسر والمجرمين والوحوش الضارية. واستشهد رفيقا القديس في هذا المدرج
في الثامن عشر من كانون الأول. وفي العشرين عُرّيَ القديس الحامل الإله من ثيابه
وطرح إلى الوحوش فمزقت جسده الطاهر، والتهمته. وما تبقى من جسمه إلا العظام فجمعها
المؤمنون وأرسلوها إلى أنطاكية. فدفنت خارج السور. وثم نقلت في أيام ثيودوسيوس
الصغير إلى رفات الكنيسة التي كانت هيكل فورتونة في قلب أنطاكية وأطلق على الكنيسة
اسمه تخليداً لذكره.

 

عيده:
نُقل عن مؤمني رومة بعد أن شاهدوا الميتة المجيدة، أقاموا الليل كله يصلون للرب أن
يشدد ضعفهم، فظهر لهم الشهيد بهيئة مجاهد خرج من القتال ظافراً فامتلأت قلوبهم
فرح، وقام الأخوة في أنطاكية بتعيين يوم استشهاده عيداً تعيد له الكنيسة. ولا تزال
الكنيسة الأرثوذكسية تعيد له بهذا اليوم. أما الكنيسة الكاثوليكية فقد نقلت العيد
إلى الأول من شهر شباط. ربما لجمع يوم استشهاده مع يوم نقل رفاته.

 

من
أقوال القديس إغناطيوس:

 

التدبير
الخلاصي بيسوع المسيح

 يركز
القديس اغناطيوس على الخلاص بيسوع المسيح الاله التام والانسان التام. “..
اله متجسد وفي الموت حياة حقيقية ولد من العذراء ومن الله..” (افسس7: 2). و
يقول في مطلع رسالته الى اهل ازمير: “أمجد يسوع المسيح الذي جعلكم حكماء. لقد
أدركت انكم قد بُنيتم بايمان لا يتزعزع كأنكم مسمَّرون على صليب يسوع المسيح
بالجسد والروح وثابتون بقوة في المحبة بدم المسيح الذي هو حقيقة “من نسل داود
بالجسد”، وولد حقيقة من العذراء واعتمد من يوحنا “لتتم به كل
عدالة”، وسُمِّر من اجلنا على عهد بيلاطس البنطي وهيرودس رئيس الربع، وبثمرة
صليبه وآلامه المقدسة وجدنا الحياة، وبقيامته “رفع رايته” فوق العصور ليجمع
قديسيه ومؤمنيه في اليهودية وفي الامم في جسد واحد في كنيسته”.

 

وقال
ايضا “تحمَّلَ كل هذا من اجلنا ومن اجل خلاصنا. تألم حقا وقام حقا بقدرته.
انه لم يتألم ظاهريا كما يقول بعض الجاحدين” (ازمير 2).

 

ويؤكد
في رسالته عينها: “اني أؤمن واعتقد أن المسيح بعد القيامة كان بالجسد. ألم
يخاطب بطرس ومن معه قائلا “جسُّوني والمسوني وانظروا اني لستُ روحا بدون
جسد”؟ لقد لمسوه فآمنوا فورا واتحدوا بجسده وروحه، لذلك احتقروا الموت
وانتصروا عليه” (ازمير 3: 1-2).

 

سر
الشكر والكنيسة

 

 “اياكم
والاشتراك بغير سر الشكر الواحد لأنه لا يوجد غير جسد واحد لربنا يسوع المسيح وكأس
واحدة توحِّدنا بدمه ومذبح واحد، كما يوجد اسقف واحد مع متقدمين والشمامسة رفقتي
في الخدمة، وهكذا كل ما تفلونه تفعلونه حسب الله” (فيلادلفيا 4). “فإذا
كنتم جميعكم تجتمعون كواحد… تكسرون الخبزة الواحدة التي هي دواء للخلود، تقدمة
مُعدّة لتحفظنا من الموت وتؤمن لنا الحياة الدائمة في المسيح” (أفسس 20: 2).

 

 “من
كان بعيداً عن المذبح يُحرَم من خبز الله” (أفسس 5: 2). “من امتنع عن
الحضور الى الكنيسة فهو يتكبر ويقطع ذاته من الشركة، لقد كُتب “ان الله يقاوم
المتكبرين” (متى 18: 20)، فلنحترس اذاً من مقاومة الأسقف اذا كنا نريد أن
نحافظ على طاعتنا لله” (افسس 5: 3). “حاولوا ان تكثفوا اجتماعاتكم
لتقدموا شكركم وتمجيدكم لله لأن قوى الشيطان تضمحل وقدرته تنحلّ امام اتفاق
ايمانكم” (افسس 13).

 

الأسقف

 

 “حيث
يكون الاسقف هناك يجب ان تكون الرعية كما انه حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة
الجامعة” (ازمير 8: 2).

 

 في
مطلع كل رسالة يتكلم عن اسقف المدينة والشعب، يقول عن اسقف فيلادلفيا: “انا
أعرف ان هذا الاسقف “لم يتسلم خدمة الرعية لا من ذاته ولا من البشر”
(غلاطية 1: 1) ولا حبا بمجد باطل بل محبة بالله الآب وبيسوع المسيح. أَسَرتْنا وداعته،
بصمته يستطيع ان يفعل اكثر بكثير مما تفعله الخطب الطنانة… ان طبعه الهادئ الذي
لا يعرف الغضب يعرّفني ان فضيلة فكره كاملة وانه يعيش كل وداعة الاله الحي”
(فيلادلفيا 1: 1).

 

 الاسقف
يمثّل المسيح في الكنيسة وله طاعة المؤمنين ولو كان شاباً لأن من لا يخالف رأي
الاسقف يحمي نفسه من الوقوع في الهرطقة. يقول: “لا يفعلن احدا منكم شيئا
يتعلق بالكنيسة بدون ارادة الاسقف” (ازمير 8: 1). “عليكم ان تكونوا برأي
واحد مع اسقفكم” (افسس 4: 1). “أغبطكم وقد ارتبطتم بأسقفكم ارتباطا
دائما كارتباط الكنيسة بالمسيح، والمسيح يسوع بالآب، وكل ذلك بائتلاف وحدة
كاملة” (افسس 6: 1).

 

 يشرف
الاسقف على اقامة كل الاسرار الكنسية: “بدون الاسقف لا يجوز العماد ولا ولائم
المحبة” (ازمير 8: 2). “على الرجال والنساء الذين تزوجوا ان يكون
اتحادهم على يد الاسقف حتى يكون الزواج حسب الرب لا حسب الرغبة” (بوليكاربوس
5: 2).

 

 يوصي
القديس اغناطيوس كل اسقف: “بَرِّرْ سموّك بنشاطك الجمّ جسديا وروحيا، واهتم
بالوحدة التي تسمو على كل الخيرات. احتمل الجميع كاحتمال الرب لك، واحملهم بمحبة
كما تفعل. اشغل وقتك في الصلوات الدائمة. زد حكمتك حكمة، واسهر بروح لا تعرف
الرقاد. خاطب كل واحد على حدةٍ ليتخلّق بأخلاق الله” (بوليكاربوس 1: 2و3).

 

وعن
المسيحي في حياته وعمله

 

“المسيحي
لا يملك نفسه وليس بسيدها. ان وقته لله ولا يعمل الا من اجله” (بوليكاربوس 7:
3). “الافضل ان نصمت ونكون من ان نتكلم ولا نكون. جميل ان يعلم الانسان،
الأجمل ان يفعل ما يعلمه” (أفسس 15: 1). “اذا حافظتم على الصمت فانكم لن
تسهموا بعمل افضل من هذا العمل” (رومية 2: 1). “كونوا مسيحيين لا بالاسم
بل في الواقع” (مغنيسية 4). “لا أسألكم ان تطلبوا رضى الناس بل رضى
الله” (رومية 2: 1). “لا تجعلوا المسيح على شفاهكم والعالم في
قلوبكم” (رومية 7: 1). “اذا كنتم ترغبون أن تفعلوا الخير، فإن الله
مستعدّ لمساعدتكم” (إزمير 11: 3). “كونوا طويلي الأناة وودعاء بعضكم مع
بعض بوداعة الله معكم” (بوليكاربوس 6: 2).

 

 “اعتبروا
من يحمل فكرة مخالفة لنعمة يسوع المسيح التي حَلّت علينا مضاداً لفكر الله. مثل
هذا لا يهتم لا بالمحبة ولا بالارملة، لا بالفقير ولا بالمضطهَدين، لا بالاسرى ولا
بالمعتقين، لا بالجائع ولا بالعطشان. يبتعد عن الصلاة وسر الشكر حتى لا يقرّ بأن
سر الشكر هو جسد مخلصنا يسوع المسيح، الجسد الذي تألم من اجل خطايانا والذي اقامه
الله الآب بصلاحه. أولئك الذين يرفضون عطية الله يموتون في مجادلاتهم. الافضل لهم
ان يطبّقوا ناموس المحبة ليكون لهم مجال في القيامة. احترزوا من هؤلاء البشر ولا
تتكلموا عنهم لا في مجالسكم الخاصّة ولا في المجالس العامّة. تعلقوا بالانبياء
وعلى الاخص بالانجيل الذي أرانا الآلام كاملة والقيامة محقَّقة. اهربوا من
الشقاقات لانها رأس الشرور” (إزمير 6: 2 و7: 1-2).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى