علم التاريخ

27- بداية النزاع بين البابوية والإمبراطورية



27- بداية النزاع بين البابوية والإمبراطورية

27- بداية النزاع بين البابوية والإمبراطورية

شاءت
الظروف، يتبلور النزاع بين البابا جريجوري السابع
Pope Gregory VII والإمبراطور هنري الرابع إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة
(1056-1105) حول شغل بعض الاسقفيات الشاغرة وبخاصة في شمال إيطاليا، إذا صر كل من
البابا والإمبراطور علي، لكل منهما الحق في سيامه الاساقفه وتمسك كل منهما برأيه
لانه رأي، في انتصار خصمه تحطيماً للمبدأ الذي يسعي هو من اجله.

 

فهنري
الرابع وجد في تمسكه برأيه محافظه علي حقه الذي ورثه عن أسلافه، وان يخصه في فرض
رأيه أمر تتوقف عليه هيبته في إيطاليا وغير إيطاليا من بلاد الإمبراطورية، لذلك
أسرع بتعين اثنين من اتباعه علي أسقفيتي فرمو
fermo
وسبوليتو
spoleto، علي الرغم من أن هاتين الأسقفيتين تقعان فعلاً في دائرة اختصاص
البابا.

 

أما
جريجوري السابع فقد تمسك من جانبه بنظرته السمو البابوي بحكم، البابا خليفة السيد
المسيح علي الأرض ووريث القديس بطرس في الغرب، كما اعتبر نجاحه في فرض راية علي
الإمبراطور أمرا تتوقف عليه هيبته ومستقبل البابوية، فضلا عن سياسته في الإصلاح
الكنسي – وهي السياسة التي شرع فعلاً في تنفيذها.

 

ثم
تأزم الموقف بشكل خطير عندما عين هنري الإمبراطور أسقفا جديداً لميلان هو الأسقف
تدالد
tedald في عام 1075، وحينئذ أدرك البابا انه لابد من العمل السريع،
ويبدو، جريجوري السابع كان مستعداً عندئذ التحدي والصراع

 

فارسل
رسالة شديدة اللهجة إلى هنري الرابع في أواخر عام 1075 انذره فيها بالعزل وهدده
بالويل والعذاب، هو لم يخضع لرأي البابوية، وفي ذلك الوقت ثارت ثائرة الإمبراطور
فعقد تجمعاً في ورمز
worms في يناير 1076 قرر فيه بطلان انتخاب البابا جريجوري السابع بل
وعزله من منصبه.

 

وعندما
سمع البابا بذلك قابله بهدوء، ودعا هو الأخر بعقد مجمع في الفاتيكان في فبراير
1076 قرر فيه توقيع الحرمان علي هنري الرابع وعزله من منصبه وتحرير جميع رعاياه
واتباعه من إيمان الطاعة والتبعية التي اقسموها له، وبذلك بدأت الحرب بينهما ومع،
موقف الطرفين كان حرجاً وصعباً ألا انه من الواضح، هنري الرابع وجد نفسه في موقف
اصعب من خصمه، لان البابا كان يستطيع، يعتمد علي عطف كثير من إنباء العالم المسيحي
بوصفه الأب الروحي للكنيسة، في حين كان هنري الرابع لا يستطيع حتى الاعتماد علي
ولاء رعاياه بعد، وقع عليه البابا قراره بالحرمان بوصفه مسيحياً وعقوبة العزل
بوصفه ملكاً

 

وبعبارة
أخري فإن كفتي البابوية والامبراطوريه لم تكونا متعادلتين أبدا عند بداية النزاع
بل طيلة أدوار النزاع الآتية، لان البابا كان يستطيع، يعتمد دائماً علي أسلحه قويه
أهمها شعور الشعب من حوله، فضلاً عن الأسانيد المستفادة من الكتاب المقدس التي
تعطي البابا هذا الحق العظيم، في حين استند الإمبراطور فيما ذهب إليه إلى:

 

1-
القانون الروماني الذي يمجد الإمبراطورية وسلطتها وهو مستمد من أصول وثنية يسهل
علي البابوية الطعن فيها.

 

2-الجيش
الإمبراطوري الذي ثبت عجزه في اكثر من مناسبة عن إخضاع البابوية

 

3-
والواقع، الإمبراطور لم يجد له نصير سوي تلك الفئة قليلة العدد من رجال الدين
والإيمان الذين عرفوا بالسيمونية وسوء السيرة، وهؤلاء لم يكن لهم من النفوذ أو
المقومات الخلفيه ما يجعل منهم سنداً حقيقياً للإمبراطور، أما ذو المكانة من
القديسين وكبار رجال الدين فقد شايعوا جميعاً البابوية في موقفها المعادي للملك.

 

وهكذا
تلفت هنري الرابع حوله فلم يجد من يعتمد عليه من الدوقات والأمراء، إذ كانوا
جميعاً يخشون نزعته الاستبدادية، فكان، عقد أمراء ألمانيا وأساقفتها مجمعاً في
تريبور
tribur في اكتوبر 1076 وقرروا فيه الخروج علي طاعه هنري الرابع وإنذاره
باختيار إمبراطور غيره علي ألمانيا، لم يغفر له البابا في مده أقصاها فبراير 1077
م علي، يقضي الفترة ما بين اكتوبر 1076 وفبراير 1077 في أحد الأديرة محروماً من
الإمبراطورية

 

وكان،
انسحب هنري الرابع إلي ذلك الدير الذي جعل يفكر فيه في حاله، وان كان الموقف لم
يكن في حاجه إلى تفكير، ذلك أنه وجد نفسه وحيداً أمام خصم عنيد لا يرحم، فلا بدله
من التراجع والاستسلام إذا أراد إنقاذ عرشه، مما تطلب من هنري الرابع سرعة العمل
قبل، يجتمع أعداؤه في ألمانيا فيؤدي ذلك إلى مظاهره عدائية ضد الملك تضعف مركزه
وتجعل البابا يتشدد في موقفه، واخيراً لم يجد الإمبراطور هنري الرابع حلاً أمامه
سوي، يرحل سراً إلى البابا، في الوقت الذي كان البابا قد بدأ رحلته إلى ألمانيا،
ولكنه أسرع عندما علم، خصمه هنري الرابع عبر الألب ساعياً إليه، واحتمي البابا في
قلعه ” كانوسا” التابعة لماتيلدا ملكه تسكانيا، وكان البرد قاسياً عندما
اخذ هنري الرابع يصعد الطريق الجبلي الواعر إلى قلعه كانوسا، حيث بقي ثلاثة أيام
واقفاً علي الجليد أمام أبواب القلعه الموصدة في وجهه، حتى تعطف عليه البابا وسمح
له بالمثول بين يديه علي الشرط بأن يسلم للبابوية بكل ما نطلبه دون أي قيد وكان
ذلك في يناير 1077.

 

ويقال،
الإمبراطور دخل علي البابا حافي القدمين مرتدياً ثوباً من ثياب الرهبان المصنوعة
من الصوف الخشن، حتى أذا ما وجد نفسه أمام خصمه ارتمي عند قدميه وانفجر باكياً وهو
يصيح ” اغفر لي يا أبتاه المقدس ”

 

فغفر
له البابا بعد أن فرض عليه شروطاً قاسيه وزوده بالنصح والإرشاد اكتسب بهذا هنري
الرابع غفران البابا وطالب بولاء رعاياه ولكن بعد، دفع الثمن غالياً، كلفه كرامته
ومكانته، فها هو حاكم الامبراطوريه العظيم بذل نفسه أمام البابا ويعترف للبابوية
بحقوقها كاملة حتي حرمانه من رعاية الكنيسية وعزله من منصبه، وها هو حليفه قيصر
وشارلمان ارتضي، يقف البابا منه موقف الحكم بينه وبين شعبه،، شاء أمرهم بالخروج
علي طاعه وان شاء أمرهم بالامتثال له، لذلك ليس من المبالغة، نقرر، الضربه التي
أنزلها البابوية بالإمبراطور في كانوسا كانت قاصمه، وان الأخيرة لم تسترد هيبتها
ومكانتها السابقة مطلقاً بعد ذلك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى