علم التاريخ

26- أهم الشخصيات الإصلاحية في أوروبا في القرن الحادي عشر



26- أهم الشخصيات الإصلاحية في أوروبا في القرن الحادي عشر

26- أهم الشخصيات الإصلاحية في أوروبا في القرن
الحادي عشر

من
الشخصيات البارزة التي ظهرت في هذا المجمع الكاردينال هلدبرانت الذي رأى بثاقب
بصره إقناع أعضاء المجمع بعدم المساس بحقوق الإمبراطور القائم وهو هنري الرابع
علي، يحرم خلفاؤه من أي حق في اختيار الباباوات فيما بعد ذلك، ولم تلبث شهره
هلدبراند ومكانته، أدت إلى المناداة به بالإجماع لتولي منصب البابوية في عام 1073
تحت اسم جريجوري السابع، وبذلك بدأت صفحة في تاريخ البابوية بل في تاريخ الكنيسة
الغربية الكاثوليكية في العصور الوسطي.

 

والواقع،
البابا جريجوري السابع (1073-1085) لم يكن مجدداً ومتكراً، ولم يسهم ألا بقسط ضئيل
في نظريه السمو البابوي، لان هذه النظرية القديمة ترجع إلى أيام اغريغوريوس الأول
(590-604) وكثير غيره من الباباوات وحاولوا، يطبقوا هذه النظرية بسمو البابوية في
علاقتها مع الأباطرة، ولكن إذا كانت نظرية السمو البابوي في ذاتها ليست وليده
أفكار جريجوري السابع ألا، من حقه، يفخر بان أول من طبق هذه النظرية في إصرار
وعناد، ذلك انه كان يقدر ضخامة مهمة البابوية وعظم رسالتها، حتى انه قال
“أنني لا اقبل البقاء في روما يوما واحد إذا أدركت أنني عديم الفائدة في الكنيسة”

 

وقد
بدأ جريجوري عمله بأن عقد مجمعاً في روما عام 1074 لمعالجة مشاكل الكنيسة في ذلك
الوقت، وهي كما سبق وعرضنا السيمونية وزواج رجال الدين والتقليد العلماني، وقد
اصدر هذا المجمع عده قرارات تنص كل من توصل إلى منصباً في الكنيسة عن طريق الشراء،
وان لا يسمح في المستقبل بشراء الحقوق الكنسية وبيعها، كذلك تقرر فصل كل عضو من
الكنيسة اتهم بالاستسلام لشهواته.

 

أما
عن زواج رجال الدين، فقد دعا جريجوري السابع الشعب المسيحي إلي عدم التعاون مع أي
قس أو أسقف لا يحرص علي التمسك بسنه الرسل وتعاليم البابوية كما منع القساوسة
المتزوجين من الخدمة والوعظ في الكنائس، وحرم علي الشعب الاستماع إليهم.

 

علي
انه إذا كان البابا جريجوري السابع قد استطاع مكافحة السيمونية وزواج رجال الدين
عن طريق تشريعات داخلية في الكنيسة، فإنه كان من المتعذر عليه مكافحة مبدا التقليد
العلماني دون الاصطدام بالحكام العلمانيين، وعلي رأسهم إمبراطور الدولة الرومانية
المقدسة صاحب النفوذ السياسي الواسع في ألمانيا وإيطاليا، وتتضح لنا نظره جريجوري
السابع إلى الحكام العلمانيين ومكانتهم من رجال الدين في عبارته الشهيرة (أن قوة
الملوك مستمدة من كبرياء البشر، وقوة رجال الدين مستمدة من رحمه الله، وان البابا
سيد الأباطرة لانه يستمد فداسته من تراث سلفه القديس بطرس).

 

أما
خير ما يلخص أراء البابا الخاصة بعظمة الوظيفة البابوية وسموها وسلطانها الروحي
العالمي، فهي المجموعة التي تنسب أليه والتي جمعت بعد وفاته بقليل حوالي عام 1087،
وتعرف بمجموعة باسم الإدارة البابوية أو الأوامر البابوية واهم مواردها:

+
البابا وحده هو الذي يتمتع بسلطة عالمية.

+
البابا وحده يمتلك سلطه رسامة الاساقفه وعزلهم

+
جميع الأمراء العلمانيين يجب، يقبلوا قدم البابا وحده

+
للبابا الحق في عزل الأباطرة

+
لا يجوز عقد أي مجمع ديني عام ألا بأمر البابا

+
ليس لأي فرد، يلغي قراراً بابوياً، في حين انه من حق البابا، يلغي قرارات بقيه
الشعب.

+
لا يسال البابا عما يفعل ولا يحاكم علي تصرفاته

+
للبابا، يجيز لرعايا أي حاكم علماني تحلل من العهود و إيمان الولاء الذي اقسموها
لحاكمهم.

 

وهكذا
يبدو من المبادئ السابقة، جريجوري السابع أمن إيمانا قوياً بأن البابا له السلطة
العليا في حكم المجتمع المسيحي، وانه يعزل الملوك والأباطرة بوصفه نائباً القديس
بطرس، فإذا امتنع حاكم علماني عن تنفيذ تعاليم الكنيسة، فإن لها، تحاربه بالأسلحة
الروحية والمادية، وبعبارة أخري فإن جريجوري السابع رأي الطريق الوحيد لأصلاح
العالم وتخليصه من الفوضى والشرور، هو إخضاعه للكنيسة، وإخضاع الكنيسة للبابوية،
لذلك وجه جريجوري السابع مجمع روما الديني عام 1075نحو اتخاذ قرار حاسم بشان
التقليد العلماني هذا نصه:

 

(إن
أي فرد من ألان فصاعدا بتقليد مهام وظيفته الدينية من أحد الحكام العلمانيين يعتبر
مطروداً من الوظيفة ومحروماً من الكنيسة ومن رعاية القديس بطرس، وإذا جرؤ إمبراطور
أو ملك أو دوق أو كونت، أو أي شخص علماني علي تقليد أحد رجال الدين مهام وظيفته
الدينية فانه يحرم من الكنيسة فوراً)

 

ومن
الواضح، تطبيق هذا القرار يعني تحرير كافة رجال الدين في الاسقفيات والكنائس
والأديرة من إشراف الملوك والأمراء في مختلف البلاد، كما يعني جعل البابا في روما
هو المشرف الوحيد علي جميع رجال الدين في كل العالم المسيحي الغربي: من حيث تعينهم
أو رسا متهم في مناصبهم والفصل في مشاكلهم والإشراف علي أعمالهم

 

وهكذا
أخذت سياسة جريجوري السابع تنذر بصدام عنيف مع الحكام العلمانيين فرفض وليم الفاتح
ملك إنجلترا الاعتراف بسيادة البابوية والتبعية لها، في حين لم يعبأ فيليب الأول
ملك فرنسا (1060-1108) بآراء البابا وطلباته، واستمر في سياسته نحو الكنيسة.

 

أما
أباطرة ألمانيا فكان من الطبيعي ألا يقبلوا إقرار جريجوري السابع العنيف الذي يمس
سيادتهم وإشرافهم علي رجال الدين في بلادهم، ولا سيما، نحو نصف مساحة أراضى
ألمانيا وثروتها كانت في أيدي رجال الدين من اساقفه وأديرة، فكان معني تنفيذ قرار
البابا جريجوري السابع خروج هذه الأراضي من قبضه الإمبراطور ودخولها تحت سيطرة
البابا، الأمر الذي يجعل الحكومة الإمبراطورية ضرباً من الشكليات أو المستحيلات
وبهذا وأوشكت البابوية، تقع في صدام عنيف مع السلطة السياسية وهو النزاع الذي شغل
أوروبا طوال القرنيين التاليين، حتى اصبح تاريخها في هذه الفترة من العصور الوسطي
يدور حول محور واحد، هو البابوية والإمبراطورية وهنا نشير إلى، البابا جريجوري
السابع عندما شرع في سياسته الإصلاحية العنيفة لم يعتمد علي سلاح التشريعات
والأوامر البابوية التي أصدرها فقط، وانما اعتمد أيضا علي سلاح قوي، هم رجال
الأديرة الكلونية أو كما كانوا يسمون (الرهبان السود) كما اسماهم معاصروهم، من
كثرة اصوامهم وصلواتهم، وهؤلاء كانوا قوة عظمي ساندت البابا في سياسته، واعتمد
عليهم في تنفيذها، كما اختار منهم مندوبيه ورسله إلى الزعماء العلمانيين
والدينيين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى