علم التاريخ

البابا بطرس السابع (الجاولى) البطريرك ال 109



البابا بطرس السابع (الجاولى) البطريرك ال 109

البابا
بطرس السابع (الجاولى) البطريرك ال 109

ولد
في قرية الجاولى التابعة لمركز منفلوط، ترهب في دير القديس الانبا انطونيوس وكان
اسمه العلماني منقريوس، ورسم قسا في الدير مرقوريوس ثم رقى لدرجة القمصية لما
لاحظه فيه رئيس الدير من التقشف والاستقامة، وقد وصلت سمعته الى مسامع البابا مرقس
فاستدعاه اليه وكان في حاجة شديدة الى رجل صالح برسمه مطرانا للحبشة بناء على طلب
الملك الحبشي عجوا لاسيون وارسل وفدا اثيوبيا لهذا الفرض وكان يطلب راهبا تتوافر
فيه الجمع بين الدين والسياسة، فأنتخبه البابا لهذا المنصب، غيران عناية الله اضرت
رسامته لكي يفوز بما هو اسمى، حيث سيم مطرانا عاما على الكنيسة في مصر باسم (وكيل
الكرازة المرقسية باسم تاوفيلس)، فأقام مع البابا مرقس في الدار البطريركية وشاطره
القيام بجمع مصالح الامة الى ان توفى البابا مرقس فأجمع رأى الكل على اقامة
بطريركا، وقد تمت رسامته في يوم الاحد 16 كيهك 1526 س 1810 م بعد وفاة سلفة بثلاثة
ايام، في عهد الوالي محمد على باشا، وهو اول من وضعت عليه الأيدي في مركز
البطريركية

اتصف
هذا البابا بالتقوى والورع والتقشف والزهد، قليل الكلام مع هيبة ووقار، يقض يومه
منكبا على المطالقه، أو مواظبا على الصلاة من اجل سلام الكنيسة، ويروى احد
المقربين اليه انه احتاج اليه في امر فدخل عليه حجرته فوجده يصلى والدموع مل عينيه
وليس عليه من الملابس الا ما يستره، ومن هنا امر تلميذه بالا يدخل عليه احد وهو
منفرد

لم
يكن يهتم بما كل او بشرب، حتى أنه اشتهى يوما طعاما فاحضروه له،فأمر بإبقائه حتى
انته، ومن ثم اكله مرغما مشمئز النفس تضيفا لنفسه وتبكيتا لها، ولم يكن يلبس عليه
سوى الخشن من الصوف ولا ينام الا على الارض في الصيف وعلى دكة خشب في الشتاء، وكان
يجدل الخوص اثناء فراغه

كان
لا يتعرض الى امر من امور السياسة، ولا يخرج من دار البطريركية الا اذا دعته
الحاجة واذا سار في الطريق لثم على وجهه لثاما اسودا، واذا تكلم كان صوته منخفضا
ولا ينظر الى وجه سامعه، ولم يكن يرغب في حضور الاكاليل في المنازل، واذ دعي لذلك
دعا العروسين لحضور القداس في الكنيسة ويناولهما

 

البطريرك
الدارس:

كان
الانبا بطرس منذ ان كان راهبا محبا للدراسة ومطالعة الكتب على اختلاف انواعها،
فلما تولى مقاليد الرياسة لم يكن للدار البطريركية مكتبة بالمعنى المعروف نظرا لما
تعرضت الكنيسة فى الازمنه السالفة من نهب وتخريب، فأخذ يجمع المراجع التاريخية
والاسفار اللاهوتية والطقسية من جهات متفرقة، حتى حصل منها على مجموعة ثمنية، كان
من بينها عدد من المخطوطات النادرة التى لا تقدر بمال، ولما ازداد رصيده من هذه
المجلدات النفسية اعد لها مكانا فى المقر البابوى يتناسب مع قيمتها، واخذ بنفسه
يرتبها ويرصدها، ووضع لها سجلا خاصا

كما
كلف عددا من مشاهير النساخ بنسخ الكتب الفريدة التى جاء باصولها من دير القديس
الانبا انطونيوس ومن الكنائس الاثرية فى القاهرة، كما كتب عدة مقالات فى التثليث
والتوحيد لتثبيت المؤمنين اضاف هذا البابا الى صفاته هذه صفة الحلم فى الرئاسة
والحكمة فى التصرف وفى الكلام، فاصبح موضع احترام لدى الكل، ورضى عنه محمد على
وبذلك حصل للاقباط على الامن والرفاهية، ونجح الاقباط فى عهده فى الوصول الى
المناصب الادارية الرفيعة واقامة شعائرهم الدينية وباشروا عبادتهم فى حرية وكانوا
يخرجون موتاهم وامامهم الصليب بدون خوف

وكان
فى النوبة 17 ايبارشية ايام ان كان اهلها يدينون بالمسيحية، فلما خضعت لمصر بعد
الفتح العربى ودخلها الاسلام ابدلت بحكومة اسلامية، ولما فتحها محمد على باشا 1820
م كان لا يزال فيها الاف من الاقباط، وعاد الذين تظاهروا بانكار الديانه المسيحية
الى الاعتراف بها، وطلبوا ان يرسم لهم اساقفة، فرشم لهم البابا بطرس اسقفين

حارب
السيمونية ورسم كثيرا من الاساقفة والكنهة، وفى مدته تجددت كثير من الكنائس فى
الوجهيين البحرى والقبلى ورسم 25 ومطرانا للحبشة ومن اشهر الاساقفة فى عهدة:

يوساب
الاخميمى واثناسيوس الغمراوى وتوماس المليجى وسرابامون المنوفى الشهير بابى طرحة

أهم
الاحداث فى عهده:

حدث
ان اشتكى اليه اقباط بلدته الجاولى من قسوة بعد العائلات المسلمة معهم فى التعامل،
فلكى يحل هذه المشكلة فى محبة، استدعى اليه اكابرهم وكلفهم بانتقاء، مائتى فدان من
افضل اراضهم واهدائها لشريف باشا، وكان يرمى من وراء ذلك ان يعين لها الباشا متى
دخلت حوزته مندوبان من قبله ليرعاها ويشرف ايضا على شئون البلدة وبذلك يحسم هذا
الحاكم الموقف بين الطرفين مع اعطاء الاقباط حقوقهم، وكان ان اشار البابا على شريف
باشا بتعيين هذا المندوب وهو قبطى اسمه المعلم بشاى من اسيوط، فوافق شريف باشا على
ذلك واعطى المعلم بشاى 36 فدانا ليعيش فيها من هذه الارض مقابل عمله، وبهذا استطاع
الاقباط ان يعيشوا فى سلام وفى عهده اجرى الله على يديه كثيرا من المعجزات بين
الناس وبين الحكام، منها ان قبل فيضان النيل فى سنه 1525 ش وجعل كل المصريين يصلون
من مسلمين ويهود واقباط، الا انه اقام قداسا والقى بمياة غسل الاوانى المقدسة فى
النيل فارتفعت مياهه.

 

 الا
ان عدو الخير لم يترك البابا فى علاقته الطيبة مع محمد على الى المنتهى، وانما دفع
بعض الاشرار ليشوا به لدى ابراهيم باشا ابن محمد على وكان قائدا فذا فى طريقة لفتح
بلاد الشام فقالوا له ان ما يدعية المسيحيون من ظهور النور على قبر السيد المسيح
فى القدس هو زور وبهتان يصدق ابراهيم باشا هذه الوشاية، وزادوه شكا ان هذا النور
لا يظهر الا على ايدى بطاركه الروم الارثوذكس، ولما كانت ثقة ابراهيم باشا وابيه
بالبابا بطرس كبيرة، استدعاه اليه من مصر وكان حيئنذ فى القدس، فسار البابا اليه،
فاستقبله ابراهيم باشا وحاشية معه، وافهمه بالامر وطلب منه ان يصلى ليخرج النور
على يديه، فأجاب البابا والدموع فى عينيه ان النور يظهر على يدى بطريرك الروم وليس
على يديه وهو يريد بذلك عدم الايقاع بينه وبين بطريرك الروم الارثوذكس وطلب من
ابراهيم باشا ان يكون بطريرك الروم هو المصلى ويحضر هو معهما فرافقهما، وكانت
الكنيسة مكتظه بالمصلين فأمر ابراهيم بإخراج جميع الفقراء والزوار الى الخارج

وكان
البابا واقفا يصلى وهو مقدر سوء العاقبة ان لم يظهر النور، وهو امر ليس فى يده،
وكان قد قضى ثلاثة ايام صائما مصليا مع مطران الروم، وانطلقت اصواتهما بالصلاة
كالمعتاد، وفى الوقت المعتاد انبثق النور فضجوا (النور النور) بصوت كل الجماهير
فذهل ابراهيم باشا وكاد يسقط على الارض قائلا امان بابا امان، وزاد تكريمه للبابا

البابا
والعلاقات الخارجية:

لما
كان محمد على موفقا فى فتوحات شرقا وغربا خشيت الدول الاجنبية من هذا، ومنها روسيا
التى قدرت سوء الموقف لو استمر فى فتوحاته، ففكرت ان تستعين بالامة القبطية فى
الوصول الى اهدافها ضد محمد على باعتبار مسيحيها، فأرسلت اميرا روسيا يعرض على
البطريرك قبول حماية قيصر الروس لشعبه

فذهب
هذا المندوب الروس الى الدار البطريركية ظنا منه انه سيرى رئيس اكبر أمة مسيحية فى
افريقية بحالة تدل على عظمتة، وكانت اخبار هذه الزيارة قد وردت الى البابا من قبل
ولكنه لم يابه،ولما وصله المندوب الروس رأى انسانا بسيطا يحمل الكتاب المقدس بين
يديه يقراء فيه وهو يرتدى زعبوطا خشنا جالسا على دكة خشبين وحوله مقاعد مبعثرة،
ولم يبال به فسألة فى شك هل انت البطريرك؟!

فلما
عرف منه طلب اليه يجلس بجواره، فجعل المندوب يتفرس فيه وهو لا يصدق انه يجالس
البطريرك وبدأ المندوب يسأله لماذا يعيش بهذه البساطه ولا يهتم بمركزة فى العالم
المسيحى فأجابه البابا (ليس الخادم افضل من سيده، فأنا عبد يسوع المسيح الذى اتى
الى العالم وعاش مع الفقراء ولا جلهم، وكان يجالس الخطاه ولم يكن له ابن يسند رأسه،
أما أنا فلى مكان اقيم فيه واحتمى فيه من حر الصيف وبرد الشتاء، لم يكن للمسيح ارض
ولو انه ملك السماء والارض ولم يكن له مخزن فيه مؤوتة، وها انا اكل واتمتع فهل
هناك افضل من هذا؟ فبعد تعجب من المندوب، بدأ يعرض على البابا حاله الاقباط التعسه
وعرض عليه حمايه القيصر للشعب القبطى فاستفهم البابا فى بساطة: وهل ملككم يحيا الى
الابد؟ قال له لا يا سيدى البابا بل هو انسان يموت كما بموت سائر البشر فأجابه
” اذن انتم تعيشون تحت ملك بموت واما نحن تحت رعاية ملك لا يموت وهو الله
” حينئذ ليسع المندوب الروس الا ان ينطرح تحت قدميه واخذ يقبلها وتركه وهو
يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط وقال ” لم تدهشنى عظمة الاهرام ولا ارتفاع
المسلات، ولم يهزنى كل ما فى هذا القطر من العجائب بقدر ما هزنى ما رأيته فى هذا
البطريرك القبطى، ولما وصل نبأ هذه المقابلة الى مسامع محمد على سر جدا وذهب اليه
ليهئنه على موقفة وما ابداه من الوطنية الحقة فقاله له البابا (لا تشكر من قام
بواجب عليه نحو بلاده) فقال له محمد على والدموع فى عينية (لقد رفعت اليوم شانك
وبشان بلادك فليكن لك مقام محمد على فى مصر، ولتكن مركبة معدة لركبك كمركبتى).

+
حصل خلاف بين الانبا سلامة مطران الحبشة وبين ملكها بسبب انه لما فتح محمد على
السودان سنه 1820 م طلب النجاشئ من البابا بطرس رسم الكهنة على الحدود للحبشة
فلبعد المسافات كلف الانبا سلامة بإختيار الكهنة فرسم الانبا سلامة من العلمانيين
الاقباط العدد المطلوب على الطقس القبطى، فلم يرضى بهم الكهنة الاحباش الذين معه
وينصحهم ليعودا الى معتقدهم الصحيح فرفضوا، فهددهم بتطبيق شريعة الكنيسة وعقوباتها،
فحاولوا شكايته لدى البابا للارتفاع بينها فشجعه البابا على موقفه

فدار
الاحباش من ناحية اخرى ليلعبوا بمسألة دير السلطان بالقدس، مستغلين شقاقا وقع بين
الاحباش والرهبان فى الدير، حتى وصلت الى الشجار بالايدى، فأخرج الرهبان الاقباط
الاحباش خارج الدير واغلقوا الباب، فحاول الاحباش الدخول عنوه، فذهبوا الى القنصل
الانجليزى ليشكوا الاقباط، وكانت بريطانيا تكره محمد على والاقباط والمصريين جميعا
فناصرهم القنصل الانجليزى لدرجة انهم ادعوا ملكية الدير وان الذى اسسه هو ملك
الحبش، واوعز القنصل للحبش بأن مرفعوا ظلامتهم الى السلطان العثمانى، وكان السلطان
فى تلك الفترة يكره المصريين فسار منهم مجموعة الى القسطنطينية واراد البابا ان
يحتوى الموقف فارسل مندوبا ثمة الى ملك الحبشة، لأنه اراد ان يذهب هو بنفسه ولكنه
كان شيخا لم يستطيع السفر فارسل بدلا عنه القس داود (كيرلس الرابع فيما بعد) على
اساس انه اذا نجح فى مسعاه يرسمه مطرانا هناك

الا
انه ما ان وصل الى هناك حتى مرض البابا بطرس واوشك على الموت ونصح بان داود هو
الذى سيخلفه فارسلوا اليه يستحضروه من الحبشة فحضر بعد وفاته باكثر من شهرين وتنيح
البابا بطرس الجاولى فى 1852 م

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى