علم التاريخ

الأعياد والاحتفالات الدينية القبطية في القرن الحادي عشر



الأعياد والاحتفالات الدينية القبطية في القرن الحادي عشر

الأعياد
والاحتفالات الدينية القبطية في القرن الحادي عشر

تميز
العصر الفاطمي الذي شغل مساحة كبيرة من القرنين العاشر والحادي عشر بالسلام الذي
شجع العطاء على العلم والفنانين على الفن، فظهرت كثير من الفنون وتشجيع القديم
منها، كما الف المؤلفون الكثير من الكتب، واشتهرت مجالس الادب والعلم وارتفع مستوى
التعليم والحضارة

وقد
نال الاقباط قسط كبير من هذا الاهتمام، فرممت الكنائس القديمة، وانشئت كنائس جديدة،
وزاد عدد الرهبان، ونشطت الخدمة المسيحية الى حد ملحوظ

كما
ظهرا لاقباط في الشوارع والمحافل، بل واظهروا طقوسهم الدينية علانية في غير خفاء
سواء في اعيادهم او في مواسمهما، وزاد اشتراكهم في الوظائف الادارية والمالية

وبلغ
الامر اكثر من هذا، اذ شارك الخلفاء الاقباط احتفالاتهم بمواسمهم وأعيادهم بشكل
رسمي، وشاركت مالية الدولة في ذلك. وكان من الاعياد التي كانت ظاهرة آنذاك: عيد
البشارة وعيد احد الشعانين الذي اشتهر باسم عيد الزيتونه وكانوا يخرجون فيه حاملين
سعف النخيل ويدورون حول الكنائس ومعهم الورود مترنمين بالحان ذلك اليوم الجميلة
والكهنة والشمامسة بملابسهم ولم يوقف هذا التقليد الا الحاكم بأمر الله وكذلك خميس
العهد وكان يسمى خميس العدس او خميس البيض وكانوا يأكلون فيه العدس وبها دون
اخواتهم المسلمين بالبيض،

ويقول
عنه المقريزى ” وسننهم في ذلك ان يملأوا اناء من ماء ويزمزون عليه، ثم يغسل
للتبرك به ارجل سائر النصارى.. وكان في الدولة الفاطمية تضرب في خميس العدس هذا
خمسمائة دينار، فضمل ضراريب تفرق في اهل الدولة برسوم مفردة.. ويباع في اسواق
القاهرة من البيض المصبوغ عدة الوان ما يتجاوز حد الكثرة فيتآمر به العبيد
والصبيان والغوغاء، وينتدب لذلك من جهة المحتسب من يردعم في بعض الاحيان، ويهادى
النصارى بعضهم بعضا، ويهدون الي المسلمين انواع السمك مع العدس المصفى والبيض

 

سبت
النور:

كان
احتفال كبير ان النور يظهر على قبر المسيح بكنيسة القيامة بالقدس فتشعل مصابيح
الكنائس كلها ” وتقبل النذور والتبرعات من أموال ومأكولات وحلوى وملابس.

كما
كان المتبرعون يتسابقون على الوفاء للكنيسة وخدامها بما يحتاجونه من ستائر ولفائف
وسجاجيد وشموع ودقيق ونبيذ، ويخططون لترميم ما يحتاج في الكنيسة الى ترميم، وتنحر
الذبائح لتوزيعها على الفقراء والعاملين في الكنيسة وتكون البيوت كخلايا النحل ما
بين منظف وكاه وخابز وحائك، الكل يتسابقون على النظافة جسما ومكانا استعدادا لليلة
العيد الكبير (القيامة)

 

حد
الحدود:

وهو
اول احد في الخماسين وفيه يبدأ العمل في تجديد آلات الزراعة والصناعة بعد عطلة
(دامت أسبوعين اسبوع الآلام وأسبوع العيد) ويبدءون العمل فى المزارع والحقول، سيما
وان الوقت يكون وقت حصاد القمح والفول والحلبة وغيرها، من الحبوب الأساسية في حياة
القبطي

كما
يبدأ النساج في ترميم نوله واصلاحه، واستلام الخيوط من الغزالين والصباغين الذين
هم كذلك يفتحون مصابغهم وورشهم ومصانعهم بعد هذه العطلة الطويلة وتبدأ الخماسين
المقدسة في بهجة العمل والروحانية، فكسب روحي وكسب مادي ومن الاعياد الهامة التي
كانت تقع في دائرة اهتمام الدولة مع الاقباط

 

عيد
الميلاد:

ويروى
المقريزى ” ولم بزل بديار مصر من المواسم المشهورة، فكان يفرق فيه ايام
الدولة الفاطمية على ارباب الرسوم من الاستاذين المحنكين والامراء المطوفين، وسائر
الموالى من الكتاب وغيرهم: الحاجات من الحلاوة القاهرية والمثار التي فيها السميذ،
وقربان الجلاب، وطمافير الزلابية، والسمك المعروف بالبوري ”

الا
انه عاب على الاقباط ادخال بعض الذين اساءوا الى الذوق العام بالرقص واللعب بالنار
وشرب الخمور


وادركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر اقليم مصر، موس جليلا، تباع فيه الشموع
المزهرة بالاصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى احد من
الناس اعلاهم وادناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس،
ويعلقونها في الاسواق والحوانيت شيئا يخرج من الحد في الكثرة الملاحة ويتنافس الناس
في اثمانها، حتى لقد ادركت شمعه عملت فبلغ مصروفها الف درهم وخمسمائة درهم فضة،
عنها يومئذ ما يتبقى على سبعين مثقالا من الذهب ”

وهكذا
يروى الشيخ تقى الدين احمد بن على المقريزى انه هاشة مما كان يرى ويرصد فيقول ايضا:
” واعرف السؤال في الطرقات ايام هذه المواسم، وهم يسألون الله ان يتصدق عليهم
بفانوس، فيشترى لهم من صفار الفوانيس ما يبلغ ثمته الدرهم وما حوله ثم لما اختلت
امور مصر، كان من حملة ما يطل من عوايد الترف عمل الفوانيس في الميلاد الا قليلا.

 

عيد
الغطاس المجيد:

وهو
معروف لدينا بعيد الظهور الإلهي، لان الثالوث تجلى واضحا في هذا اليوم ولكن
بالنسبة لما كان يدور فيه افراح بسلبياتها وايجابياتها، فتعود الى المقريزى وهو
غير مسيحي وشهد هذه الاعياد، لأنه لم يكتب هذه التفاصيل مؤرخ مسيحي بحجة انها
معروفة له آنذاك، ولم يكن يظن انها ستطلب للمعرفة بعد أيامه

ويسجل
المقريزى فيقول فيه “.. فصار النصارى يغطسون اولادهم في الماء في هذا اليوم،
وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك الا في شدة البرد، ويسمونه يوم الغطاس، وكان له
بمصر موسم عظيم للغاية ”

ويقول
مؤرخ اخر هو المسعودى في كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر ” ولليلة الغطاس
بمصر شأن عظيم عند اهلها، لاينام الناس فيها، وهى ليلة الحادي عشر من طوبة

ولقد
حضرت سنة ثلاثين وثلاثمائة ليلة الغطاس بمصر والاخشيد محمد بن طفج امير مصر، في
داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها، وقد امر فأسرج
في جانب الجزيرة وجانب الفسطاط الف مشعل، غيرها اسرج اهل مصر من المسارج والشمع

وقد
حضر بشاطئ النيل في تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين ومن النصارى منهم في
الزوارق ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على سائر الشطوط، لا يتناكرون كل
ما يمكنهم اظهاره من الاكل والمشارب والملابس والات الذهب والفضة والجوهر والملاهي
والعزف والقصف

وهى
احسن ليلة تكون بمصر، واشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب ويغطس اكثرهم في النيل،
ويزعمون ان ذلك امان من المرحن ونشزة للداء ”

ويقول
مؤرخ ثالث اسمى المسيحي ” من حوادث سنة سبع وثمانين وثلثمائه، منع النصارى من
إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس من الاجتماع ونزول الماء،واظهار الملاهي

وقال
ايضا ” في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للهجرة كان الغطاس، فضربت الخيام
والمضارب والاسرة في عدة مواضع على شاطئ النيل، ونصبت أسرة للرئيس فهد بن ابراهيم
النصراني كاتب الاستاذ برجوان، واوقدت الشموع له والمشاعل وحضر المغنون والملهون،
وجلس مع اهله يشرب.. الى ان كان وقت الغطاس فغطس وانصرف ” منها سنه احدى
وأربعمائة منع النصارى من الغطاس، فلم يغطس احد منهم في البحر

وكان
الرجال يغطسون في النيل والترع ليلا بينما كانت النساء يغطسن في الكنائس في احواض
كبيرة تملأ بالمياه بعيده عن اعين الرجال ومعهم الاطفال والبنات وفى صباح اليوم
الثاني كانوا يشترون الضأن وينحرونه بهجة وفرح ونذور، وتباع الفاكهة في ايام
الفاطميين

وكان
الخلفاء يشاركونهم فرحتهم هذه ويمرون عليهم في كنائسهم وبيوتهم الكبيرة، وكانوا
ينادون بالاتخالط المسلمون النصارى في نزولهم النيل

وكانوا
يأمرون بايقاد المشاعل والشموع على حساب الدولة الفاطمية، وشدد الحراسة في تلك
الليل اثناء الصلوات واثناء الغطس في النيل

ومن
الفواكه التي كانت تؤكل وتوزع على الناس والفقراء النارنج والليمون واطنان القصب
وسمك البوري

ومن
هذا الوصف نرى ان الدولة كانت تشار له الاقباط فرصتهم، الا انه لما زادت الفرصة
الى ان وصلت الى حد المساخر، فكان بالطبع ان تؤخذ الامور بالحزم

 

عيد
النيروز:

ربط
الاقباط بين النيل وعيد النيروز باعتبار ان النيل مصدر الخير في العام كله، فكانت
احتفالاتهم بالنيروز بجوار نهر النيل حيث كانوا يغطسون فى مياهه ويتراشقون بمياهه
كما كانوا يطوفون بالاسواق، في شكل جماعات من اللاعبين والبائعين والحواة ولاعبي
القرود، وكانوا يوقدون النيران على قطع من الخشب على سطح النيل والترع والمجارى
المائية وتنشط حركة البيع والشراء من ملابس حريرية وكتانية وهدايا، ومأكولات وحلوى،
وكانت اشهر انواع الفاكهة في عيد النيروز: البطيخ والرمان وعناقيد الموز واقفاص
التمر القوص، واقفاص السفرجل والهريسة

كما
كانوا يأكلون لحم الدجاج والعنان والبقر وكانت تضرب باسمه بعض العملات من الذهب
والفضة، وكانت الدولة توزعها على اعيان الاقباط، كما كانت توزع الكساوى على اختلاف
انواعها حتى ملابس النساء وعصائبهن الملونة وارتديئهن من الحرير وبعض الحلي

فكانت
تهدى هذه كذلك الى دار الوزارة والشيوخ والاصحاب والحواش ورؤساء العشاريات وكانت
ليلة النيروز تمض بين الصلوات في الكنائس والغطس في النيل او فى الاحواض الملحقة
بالكنائس، وفى الصباح توزع هذه الهدايا

ويركب
فيه امير القاهرة ومعه جمع غفير من المسئولين ويسمى امير النوروز وكانت تصدر
المواسم الجديدة والاوامر الجديدة ويجمع الهبات

وكان
يجتمع المغنون والفلسيقات تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة وهم في ملاهيهم
وترتفع الاصوات بالغناء والدعاء والاكف بالصفين، وكانت تشرب الخمور في الطرقات مما
كان امرا مكروها وسببا في الغاء هذه الاحتفالات فيما بعد وقصرها على صلوات الكنائس

ومن
السلبيات كذلك كثرة الراش بالماء والخمر في الطرقات، وكثرة السكارى والعرايا
وارتكاب الموثبات تحت دعوى اللعب واللهو، كلعبة التصافع بالاقطاع وانقطاع الناس عن
العمل عدة ايام، وازاء هذه المساخر التى دخل ضمن صفوف الاقباط منها الكثير من
الخلفاء واللصوص والداعرين والداعرات مما شوه الاحتفال وجر على المسيحيين الكثير
من السخط واكده وما ان حل عهد الحاكمة بأمر الله الا ومنع جميع هذه الاحتفالات
وجرم من يقوم بها ونالت الكنيسة بسبب ذلك الكثير من اللوم والاخطاء

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى