علم التاريخ

مصر في عهد الدولة العباسية



مصر في عهد الدولة العباسية

مصر
في عهد الدولة العباسية

ولما
كان الأقباط قد ظاهروا آبا العباس على مروان نادى العباسيون بعد استتباب الملك لهم
بالأمان على المسيحيين وكانت نواياهم لأقباط مصر حسنة إلا ان بعد البلاد عن مركز
الخلافة وعدم بقاء الولاة فى مناصبهم جعلهم يستبدون ويعملون فى الناس كيفما شاءوا
وكما كان يفعل الولاة ايام الدولة الأموية وبعضهم لعلمه ان منصبه غير باق لم يكن
يهتم إلا بمصلحته الشخصية.

 

28-
خلافة الخليفة أبى جعفر المنصور سنة 754 م

ولى
عنه بمصر يزيد بن حاتم فأوقع ببطريرك الأقباط البابا مينا الأول اضطهادا عظيما
فساد الأقباط ما لحق برئيسهم من الإهانة وانعكست الحال ثانية فتمرد قبط رشيد وسخا
وغيرهم وجاهدوا بالعصيان وطردوا المستخدمين من بلادهخم وصاروا يديرون اعمالهم
بأنفسهم وأرسل والى مصر جيشا قويا ليحاربهم ويخضعهم ولكن الأقباط استطاعوا ان
يفوزوا بذلك الجيش كله مسموحا لهم ان يتدربوا على القتال ويحملوا الأسلحة لانتصروا
على الجيش الثانى الذى حاصرهم ولكنهم انكسروا بعد ان ثبتوا امام اعدائهم مدة ثبوت
الرواسي حتى اضطروا الى أكل جثث الموتى.

 

29-
خلافة الخليفة هارون الرشيد سنة 776 م

ولى
مصر على بن سليمان فاشتد غضبه على النصارى وعمد الى ما كان يلجاء اليه غيره من
الولاة السالفين وهو هدم كنائسهم وكان من رأى هارون الرشيد ان لا يبقى والى مصر
حاكما لها اكثر من سنة وكان يشدد عليهم بإجراء قواعد العدل والانصاف فاستراح اقباط
فى مدة خلافته الاضطهاد غير انه ينظر اليهم والى بطريركهم بين الرب خوفا من انقضاضهم
عليه فبذل جهده فى التضييق عليهم ولما تولى مصر اخوة عبيد الله ابن المهدى اهدى
الخليفة فتاة مصرية آية فى الجمال فطاب بها قلبه وحدث انها مرضت فحزن كثيرا وبحث
عن امهر الأطباء ليعالجوها فانتدب له عبيد الله يوليانوس بطريرك الاروام فى مصر
وكان طبيبا بارعا فداوى مخطبة الخليفة ولما برنت رغب اليه هارون ان يطلب منه اجرا
فاساله بعض الكنائس القبطية فأجيب سؤاله ونال منه وشيد البابا يوحنا الرابع كنيسة
عظيمة للملاك ميخائيل فاغتاظ منه الاروام وشكوه للخليفة ووجدها الوالى فرصة مناسبة
لفرض غرامة باهظة على البطريرك فدفعها هذا راضيا دون ان يوقف بناء الكنيسة يوما
واحدا.

 

وبلغ
الولاة الذين تقبلوا على مصر مدة سبع سنوات أخرهم يسمي اسحق بن سليمان الذى لما
وصل الى مصر زاد فى خراج المزارعين زيادة أجحفت بهم فخرج عليه اهل الخوف فحاربهم
فقتل كثيرين من اصحاب.. فكتب الرشيد بذلك فعقد لهرثمة بن أعين فى جيش عظيم به فنزل
الخوف فقتلة أهله بالطاعة واذ عنوا فقبل منهم واستخرج الخراج كله.

 

30-
خلافة الخليفة المأمون 813 م

وبعد
موت هارون الرشيد وقع بين ابنيه وقام منهما يطلب بلا خلافة فانتهز مسلمو الأندلس
هذه الفرصة وهجموا على مصر وكثيرون من الأقباط الذين اخناهم الذل ساعدوا
الأندلسيين على اخذ الاسكندرية، ولكن مسلمي الاسكندرية قاموا الأندلسيين واشتبكت
الحرب بين الفريقين مدة أطلق فيها البغاة أيديهم لسلب ونهب الأقباط فهجموا على
البيوت والمنازل فنهبوا ثم دمروا الكنائسومنها كنيسة المخلص واغتصبوا ما فيها من
الأمتعة وسلبوا الأوانى المقدسة وأثموا بالمقدس وغارت قبائل العرب على وادى
النطرون فاجخرجوا أديرته ونهبوها وفتكوا برهبانها وطردوهم فلم يبق منهم إلا القليل
والتى ولآيي مصر بعد ذلك لرجل اسمه عبد الله بن طاهر فأباح لجنوده نهب الأديرة
واحراق الكنائس والتمثيل بعابديها.

 

31-
خلافة الخليفة المتوكل سنة 847 وابنه الخليفة المنتصر سنة 861 م

وولى
الخليفة المتوكل مصر ابنه المنتصر وكانا كلامهما يبغضان الأقباط ومع أنها كانا
يشعران بشدة الحاجة اليهم فى انجاز الاعمال الهندسية والحابية والطبية وغيرهم إلا
انهما عاملاهم بالقوة والجور قاصدين ان يغيروا هيئة مملكتها بمحوهم فاضطر الأقباط
الى الاهمال واجبات دينهم وتراخوا فى خدمة الحكومة.

 

وبلغت
الاستهانة بالأقباط الدرجة التى لم يكتفوا فيها بأن ينهبوا حجارة الرخام والمرمر
الموجود فى كنائسهم ونقلها الى بغداد بتوضع فى قصور الخليفة بل قاموا الى مدفنهم
فى القر نبشوا قبورهم التى كانوا يعنون بتشييدها وأزالوها ولم يبقوا فيها حجر على
حجر.

 

وأمر
الأقباط أيضا ان يجعلوا على أبواب دورهم صور شياطين وقرون من خشب ومنعوا من إشعال
النور فى احتفالاتهم واعراسهم وان لا يطبخوا طعاما على مرآى من الناس كما جرت عادة
الفقراء فى كل بلاد المشرق وان يساووا قبورهم بالأرض وحجر عليهم استعمال الصليب
المقدس فى أحد الشعانين.

 

32-
خلافة الخليفة احمد بن طالون سنة 870 م

لما
علم ان الأقباط هم أرباب الفنون فى مصر طلب اليه مهندسا قبطيا ماهرا فكان ابن كاتب
الفرغانى وطلب منه ان يوصل المياه الى المدينة التى بناها بمصر القديمة.

 

وفكر
بن طالون بعد ذلك فى بناء جامع يكون اعظم ما بني من الجوامع فى مصر الى ذلك الحين
يقيمه على 300 عمود من الرخام فقيل له ان مثل هذا العدد من الأعمدة لا يمكن الحصول
عليه إلا اذا هدمت كنائس ومعابد النصارى واذا كان يوما يسمع القران علم بعدم جواز
استعمال أدوات مسروقة فى بناء الجوامع فشق ثيابة وصاح قائلا: ” انه يستحيل
على تشييد الجامع بدون نهب مواده من الكنائس فأنى ما سمعت من يوم وجودى ان جامعا
بني ان تؤخذ اعمدته من كنائس المسيحيين.

 

ولما
سمع ابن كاتب الفرغانى وهو فى السجن ما كان من رغبته ابن طولون وتردده كتب اليه
عريضه وهو مسجون يفيده انه قادر على اتمام مشروعه ومستعد لتنفيذ مرغوبه بغير
احتجاج لأكثر من عمودين يجعلها فى القبلة.

 

فلما
قرا العريضة تذكره وأمر بإطلاقه من السجن واستحضره امامه وعهد اليه فى بناء الجامع
بالكيفية التى رسمها فشيد جامعا فخما لم يسلب له ولا عامود واحد من الكنائس بل كان
يوجد فى الكنائس قديما حوض للاغتسال فى يوم الخميس العهد فكان المسلمون ينقلون هذه
احواض الى المساجد لتكون لهم (ميضة) للوضوء فوضع المهندس القبطي البارع ميضة جميلة
لجامع ابن طالون وتم الجامع على ما يرام وخلع ابن طالون على المهندس المسكين
باعتناقه الدين الإسلامي فآبى فقطعت رأسه.

 

والغريب
ان ابن طالون بعد ما اضطهد الأقباط وبطريركهم اضطهادا قاسيا طلب فى مرضه الأخير من
أساقفتهم وقسوسهم ان يحملوا الأناجيل ويشتركوا مع رؤساء الدين الإسلامي بعده ابنه
خماروية سنة 884م وكان صديقا للأنبا باخوم أسقف طحا فاحسن للأقباط ورفع عنهم
الجزية وأعطاهم صكا بذلك حتى لا يعود أحد الى مطالبتهم بها، وقيل ان خماروية هذا كان
ميالا للمسيحية والمسيحيين حتى انه طكان يصرف ساعات من النهار واقفا امام صوره فى
كنيسة الأورام بالقصير بهيئة التعبد والخشوع، وكان هو صديقا حميما للرهبان فى
القصير ونظرا لميله ومحبته فى البقاء معهم ابتنى لنفسه غرفة وسط صوامعهم لكى يتمكن
من مشاهدتهم وقت العبادة والتمتع برؤية الصور المقدسة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى