علم التاريخ

نظم الحكم في مصر خلال الفتح العربي



نظم الحكم في مصر خلال الفتح العربي

نظم
الحكم في مصر خلال الفتح العربي

تحدد
مركز مصر السياسى بمقتضى معاهدة بابليون الأولى التى عقدة عقب استلاء المسلمين على
حصن بابليون سنة 520 (641 م) وقد أورد الطبرى ومن نقل عنه من المؤرخين مثل ابن
خلدون والقلقشندى وأبى المحاسن هذا الصلح.

 

 وهناك
نصه: ” بسم الله الرحمن الرحيم ” هذا ما اعطى عمرو بن العاص أهل مصر من
الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شئ
من ذلك ولا ينتقض ولا يساكنهم النوب. وعلى أهل مصر ان يعطوا الجزية اذا اجتمعوا
على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين آلف آلف وعليهم ما جنى لصوتهم.

 

فان
آبى أحد منهم ان يجيب رفع عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن آبى برانية وان نقص
نهرهم من غايته اذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل فى صلحهم من الروم والنوب فله
مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم، ومن آبى وأختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ ما منه أو
يخرج من سلطاننا. عليهم ما عليهم أثلاثا، فى كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما فى
هذا الكتاب، عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين.

 

وعلى
النوبة الذين استجابوا ان يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا ان لا يغزوا ولا
يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردات.

 


شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه ” وكتب وردان وحضر فدخل فى ذلك اهل مصدر
كلهم وقبلوا الصلح “.

 

نرى
من هذا الصلح ان المصريين صاروا أهل ذمة يؤدون الجزية، وان قيمة الجزية كانت تتوقف
على مقدار ارتفاع او انخفاض ماء النيل فى كل عام، كما أنها كانت تدفع على ثلاثة
أقساط فى السنة وفيما يختص بالروم فى هذا الصلح عرفنا فى المقدمة ان أمرهم كان
معلقا بموافقة الامبراطور، ولذا ترك لهم عمرو الخيار فى قبول هذا الصلح أما أهل
النوبة فكانت مسألتهم تختلف عن مسألة الروم اذ كانت النوبة أثناء فتح العرب لمصر
مملكة قوية مستقلة ولربما كانت الاشارة هنا الى من كان يقيم فى مصر من النوبيين.

 

4-
النظام الإداري في حكم مصر خلال الفتح العربي

لما
فتح العرب مصر وجدوا بها نظما قامت منذ أقدام الأزمنة ونمت وترعرعت فى خلال العصور
المختلفة، فقضت عليهم الحنكة السياسية الا يمسوا تلك الأنظمة، بل ابقوا عليها كما
فعل الرومان من قبلهم عندما كانوا يحتلون بلاد راقية فى نظمها متقدمة فى حضارتها.
واكتفى العرب بشغل بعض المناصب الرئيسية، ليشرفوا على الادارة بوجه عام. كان
الخليفة يعين فى مصر واليا يمثله. ويقال للوالى أيضا ” امير مصر ”
وللدار التى يقيم فيها والى مصر ” دار الإمارة “.

 

ونجد
فى أوراق البردى اليونانية اسم أخر للوالى هو سيمبولس وكان الوالى يؤم المسلمين فى
المسجد الجامع فى صلاة الجمع والأعياد بوصفه نائبا عن الخليفة ولذا يطلق عليه أمير
الصلاة، ويقال عن ولايته ولاية الصلاة، واذ كان المسلمين يعتبرون ان امامة الصلاة
مما يختص به الخلفاء، ويطلقون على الخليفة لفظ الامام، كانت امامة الوالى فى
الصلاة نيابة عن الخليفة تدل على عظم سلطة الوالى وعلى رئاسته العليا السياسية فى
الدولة. ولم يكن الوالى مسئولا امام احد عن عمله الا امام الخليفة.

 

وكان
يجمع أحيانا الى سلطته ادارة المالية المعبر عنها بالخراج مما يجعله مطلق التصرف
فى الدولة، وأحيانا يسند الخليفة عمل الخراج الى شخص أخر مسئولا أمام الخليفة
مباشر لا امام الوالى، وكان هذا يحد سلطة الوالى كثيرا اذ يصبح عاجزا عن التصرف فى
الأمور المالية كما يشاء. ولذا كان لعامل الخراج أهمية كبيرة وكثيرا ما يكون
منافسا للوالى مع ان الوالى هو رئيس الولاية بالنيابة عن الخليفة.

 

وكان
بيد الوالى ايضا الحرب أى الرئاسة على الجيش فى الولاية.. فوالى مصر كان يشرف على
شئون الحامية الموجودة فى مصر وكان يقود بنفسه الجيش فى الحملات التأمينية لمصر أو
لصد الأعداء عنها أو يرسل من يقوده نيابة عنه.

 

وللوالى
ايضا الاشراف على الشرطة، وكان مقرها مدينة الفسطاط التى بناها عمرو بن العاص..
وكان الوالى هو الذى يعين صاحب الشرطة كما ورد فى المصادر القديمة مثل كتاب القضاة
للكندى وكتاب النجوم الزاهرة لآبى المحاسن وفى حالات نادرة جدا كان الخليفة هو
الذى يعين صاحب الشرطة هذا كان بمثابة نائب للوالى يؤم الناس فى الصلاة اذا مرض
الوالى، ويحكم الولاية اذا خرج الوالى من مقر ولايته. ولذا نجد ان صاحب الشرطة
كثيرا ما يعينه الخليفة واليا على البلاد اذ ما عزل الوالى أو مات أو تنحى عن أمور
الولاية.. كان أصحاب الشرطة يهتمون بنشر الفضيلة والمحافظة على الأخلاق.

 

ومن
الوظائف الرئيسية الهامة فى تلك الفترة أيضا وظيفة صاحب البريد ولم تكن تلك
الوظيفة قائمة فى عهد الخلفاء الراشدين، انما بدأتها الدولة الأموية ثم تقدم نظام
البريد فى عهد الدولة العباسية.

 

كانت
مصر بعد الفتح مباشرة مقسمة اداريا الى قسمين رئيسين مصر العليا ومصر السفلى..
وهذان القسمان الرئيسيان كانا مقسمين الى أقسام أو كور، ويقال انه كان بها ثمانون
كورة وهذه كانت مقسمة الى قرى. ولفظ كورة مشتق من الاسم اليونانى
XWPA كورة التى لم تكن شيئا أخر سوى الأقاليم المعروفة فى العهد
البيزنطى باسم بجارشى
PAGARCHIE أى أن العرب احتفظوا بنظم البيزنطيين الادارية وكان على رأس
الكورة ” صاحب الكورة ” وهذا اللقب ترجمة مظبوطة للفظ اليونانى بجاركوس
TTAYAQNOS فنجد مثلا قرة بن شريك والى مصر زمن الوليد بن عبد الملك (90 – 96
ه) يرسل كتابا الى سبيل صاحب أشقوه..

 

5-
الجزية والزكاة: النظام المالي في حكم مصر خلال الفتح العربي

الجزية
هى الضرائب المفروضة على الرؤس أما الخراج فهو ضريبة الأرض، ولكننا كثيرا ما نجد
فى المراجع خلطا بين هاتين الضريبتين فلزى الجزية تعنى ضريبة الرؤس وضريبة الأراضى
معا ويلاحظ
VAB BERCHEM ان كلمة خراج يقصد بها الضريبة العقارية وأيضا جزية الرؤس،
وأحيانا تطلق على ضرائب أخرى تختلف فى طبيعتها عن هاتين الضريبتين.

 

بعد
فتح العرب لمصر، واعنى هنا بعد معاهدة بابليون الأولى فرض العرب على أهل مصر
الجزية، وهاك نص ما ذكرة المؤرخون ” فاجتمعوا على عهد بينهم واصطلحوا على ان
يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط دينارين عن كل نفس شريفهم ووضيعهم
ومن بلغ الحلم منهم، ليس على الشيخ الفانى ولا على الصغير الذى لم يبلغ الحلم ولا
على النساء شئ.. واحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفرض عليهم
الديناران رفع ذلك عرفاؤهم بالايمان المؤكدة، فكان جميع من أحصى يومئذ بصر أعلاها
وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا اكثر من ستة آلف نفس وكانت
فرياضتهم يومئذ اثنى عشر آلف دينار فى السنة “.

 

6-
المليكة العقارية وضريبة الأرض (الخراج): النظام المالي فى مصر خلال الفتح العربي

ان
مصر فتحت عنوة وفى الوقت نفسه قبل العرب ان يمنحوا المصريين عهدا فالعرب فى الواقع
كانوا يعتبرون أنفسهم محاربين للروم لا المصريين، كما انه عندما فتح العرب
الاسكندرية سنة 525 عنوة كان فتحها انتصار على الروم وعلى قائد الامبراطور قنسطنز
الثانى ولم يؤثر ذلك فى عهد الصلح الذى أعطاه العرب للمصريين ويؤيد ذلك الرأي ما
ذكر البلاذرى فى رواية له عن عبد الله بن عمرو بن العاص اذ قال:

“اشتبه
على الناس أمر مصر، فقال قوم فتحت عنوة، وقال آخرون فتحت صلحا، والصلح فى أمرها ان
آبى قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرا وادخلها المسلمين، وكان الزبير أول من
علا حصنها، فقال صاحبها لآبى انه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى
واليهود واقراركم الأرض فى ايدى أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها فأن فعلتم بنا مثل
ذلك أرد عليكم من قتلنا وسبينا واجلاننا قال. فانتشار آبى المسلمين فأشاروا عليه
بان يفعل ذلك الا نفرا منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم، فوضع على كل حالم دينار
جزية الا ان يكون فقيرا والزم كل ذي ارض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطى زيت
وقسطى خل، رزقا للمسلمين تجمع فى دار الرزق وتقسم بينهم وأحصى المسلمون فالزم جميع
أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين فى كل عام أو عدم
الجبة الصوف ثوبا قبطيا وكتب عليهم كتابا وشرط لهم اذ أوفوا بذلك ان لا تباع
نساؤهم وابنائهم ولا يسبوا وان تقر أموالهم وكنوزهم فى أيديهم فكتب بذلك الى أمير
المؤمنين عمر فأجازه وصارت الأرض خراج.. ووضع الخراج على ارض مصر فجعل على كل
ضريبة دينار وثلاثة أرداب طعاما وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك الى عمر بن
الخطاب رضى الله عنه ”

 

7-
النقود الإسلامية في مصر:

كان
بين البيزنطيين وبين الدولة الساسانية معاهدة خاصة بالعملة تقضى بان يضرب
الساسانيون نقودا من الفضة فقط وبالا يتخذوا عملة ذهبية سوى العملة الرومية، ولهذا
كانت عملة بلاد الفرس الجارية هى الدراهم الفضية بينما شاعت العملة الذهبية في
بلاد الإسلام التي كانت تحت حكم الرومان من قبل.

 

وكان
العرب فى الجاهلية يتعلمون بالدراهم الفارسية وكانت من الفضة، والدنانير البيزنطية
وكانت من الذهب. فلما جاء الرسول (ص) اقرهم على ذلك، وكذلك فعل من بعده خليفه أبو
بكر الصديق وتذكر بعض المراجع أن أول من ضرب النقود من الخلفاء هو عبد الملك بن
مروان، على ان المقريزى يذكر ان عمر بن الخطاب اقر النقود على حالها الا انه فى
سنة 518 ضرب الدراهم على نقش الفارسية وشكلها غير انه زاد فى بعضها: الحمد لله
” وفى بعضها ” محمد رسول الله ” وفى بعضها ” لا اله إلا الله
وحده “. ولما بويع عثمان بن عفان بالخلافة ضرب دراهم ونقش عليها “الله
اكبر”.

 

وقد
سك معاوية فى خلافته أيضا دراهم ودنانير، ولما قام عبد الله ابن الزبير بمكة ضرب
مدورة، ويقال انه أول من ضرب الدراهم المستديرة كذلك ضرب أخوه مصعب بن الزبير دراهم
بالعراق، ولما قدم الحجاج بن يوسف العراق من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
بطل يلك العملة وقال: ” ما تبقى من سنى الفاسق أو المنافق شيئا.. كذلك كان
العرب يتعلمون بالنقود الأجنبية جنبا الى جنب مع النقود السلامية. الى ان ولى عبد
الملك ابن مروان الخلافة وتمهيدت له الأمور فى الدولة بعد القضاء على منافسيه
والخارجين عليه وفأراد ان يصلح النقود ويوحدها فى جميع المملكة الاسلامية ويستغنى
عن النقود الأجنبية.

 

تدل
قطع ” الاستراكا ” على ان المعاملات بين الأهالى فى مصر قبل الفتح كان
اساسها العمله الذهبية المعروفة بالدينار
TREMISION DENARIUS SOLIDUS
أى أن مصر كانت تتبع قاعدة الذهب ويذهب علماء الاقتصاد السياسى الى القول بان نظام
المعدن الفردى الذهبى لا يمنع استعمال نقود أخرى غير الذهب، وبخاصة الفضة. ويذكر
SALLVAIRE , QVATREMERE ان الكاتب القبطى بشندى PICENDI أسقف فقط الذى
عاصر فتح العرب، كتب كتاب الى أساقفة أمته يقول فيه “، العرب اخذوا النقود
الذهبية المنقوش عليها الصليب المقدس وصور السيد المسيح ومسحوا الصليب وصورة السيد
المسيح وكتبوا محلها اسم نبيهم محمد الذى يتبعون تعاليمه واسم خليفة نبيهم ونقشوا
الاسمين معا على النقود الذهبية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى