مقالات

من هو الشهيد، جوهر إيمانه وسر ثباته

من هو الشهيد ، جوهر إيمانه وسر ثباته

أن محبة المسيح ورجاء خلاصه العظيم هما جوهر إيمان الشهداء وسر ثباتهم، وكان الشهيد هو التلميذ الحقيقي للمسيح الرب، يتبع آثار خُطى آلامه من أجل المجد العتيد في شركة الحياة المنسكبة في قلبه بالروح القدس منذ ميلاده الجديد في حضن المعمودية، والتي كانت عربون المجد الآتي، الذي يدخله بشهادته الحية للرب، في تقدمه ذاته ذبيحة حية مرضية مقبولة عند الله مُخلصه، بالحب المنسكب في قلبه بالروح القدس المُعطى له في سر قيامة يسوع، بروح التقوى وحياة القداسة، التي نالها من الله بسر الشكر الدائم الذي يقتات عليه في سر الإفخارستيا [ من يأكلني يحيا بي – وأنا أقيمه في اليوم الأخير ] …

من هو الشهيد، جوهر إيمانه وسر ثباتهفالمسيح الرب هو المتألم في شهداءه يُعلن مجده العظيم في داخلهم، مُظهراً للذين هم من خارج، أنه حيثما يوجد حب الآب لا يوجد أي شيء يُخيف، وحيث يوجد مجد المسيح إلهنا لا يوجد شيء يؤلمنا، وحيث يسكن الروح القدس ويفيض نعمة الله ويشكلنا لصورة المسيح لا نخاف الموت لأن الحياة فينا ممتدة للأبدية، لأن حياة الله تنبض في داخلنا، لا كلاماً إنما فعلاً وعلى مستوى الخبرة في حياتنا اليومية، طبعاً أن كنا نحيا بالتوبة والإيمان الحي وثقة الرجاء وبهذا الإنسان الجديد الذي نلناه في سر معموديتنا، والذي يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه، إذ كنا ننظر لوجه الرب في مرآة كلمته المقدسة، ونتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح …

ومن هذه الحياة المقدسة التي نعيشها بإيمان حي لا يلين، تأتي شهادتنا التي تنبع من حياة الله فينا، لذلك لا نندهش من ثبات الشهداء في اعترافهم بالمسيح الرب أمام ولاة هذا الدهر بشجاعة أقوى من حد السيف، وذلك ليس بكونهم أبطال مثلما نطلق هذه الكلمة على أقوياء هذا الدهر، لأن لا توجد بطولة في المسيحية، لأن ليس أحد بطل في ذاته، بل الضعيف هو الذي يقول بطلٌ أنا في الرب، لأني في المسيح يسوع الغالب الموت أستطيع كل شيء لأنه يقويني بروحه الذي أعطاني، لذلك لا نتعجب من مواجهتهم لبغضة الأعداء الذين قابلوها بالمحبة، مما أربك كل من قتلهم بحقد قلبه، بل وجعلوا يد السياف ترتعش أمام جرأتهم وقوة الحياة التي تشع منهم بعيون يبرق فيها نصرة الحياة على الموت، ولا عجب لأن حياة الله منسكبة في داخلهم وهي أقوى من الموت بل تتحداه، وتهزم كل قوته، وذلك لأن الرب قد أفرغ الموت من سلطانه وجرده، حتى أن الموت أُبتُلِعَ لحياة ، لذلك كل شهيد يرى في الموت ميلاد الحياة وحفلة تكريم ينبغي أن تكون في أعظم بهاء، ولم يفت الكنيسة هذا لذلك تحتفل بعيد ميلاد شهداء المحبة يوم استشهادهم الذي هو عينه يوم فرحهم وعُرسهم السماوي، وكان افضل من احتفال ميلادهم بالجسد، لذلك تحتفل الكنيسة فيه بقوة الحياة وليس بالموت، لأن روح الحياة في المسيح يسوع اعتقنا من سلطان الخطية والموت، إذ صار المسيح الرب شخصياً هو قيامتنا وحياتنا كلنا !!!

فعلينا جميعاً أن نتعرف على روح الشهداء ونلبس نفس ذات هذه القوة الغالبة للموت، وننتعش ونتقوى، ونشرب من النبع السمائي الحي الذي لا ينضب، هذا الذي شرب منه كل القديسين على مر الأجيال كلها، نبع ماء الحياة الذي من رب الجنود القدوس البار، المسيح القائم عن يمين العظمة في الأعالي بجسم بشريتنا، لنشهد بدورنا وندخل ونسكن معه في ذلك الحضن الأبوي الذي فُتح لنا كبنين لله في المسيح يسوع، وأخذنا عربونه بالروح القدس الذي يسكن فينا، روح الموعد القدوس، روح التبني الذي يأن فينا بأنات لا ينطق بها صارخا [ يا أبا الآب ] …

لذلك فواجب علينا اليوم أن نمسك في الحياة الأبدية، ونتقوا في الرب وفي شدة قوته، وطوبى لكل من يرقد في الرب شاهداً له بتقديم حياته ذبيحة حية بالحب في كل وقت، مستعداً دائماً لذهابه إليه، أو توقع مجيئه حسب وعدة المبارك الذي يستحيل أن يتغير أو ينحل …

فالنفرح يا إخوتي ونُعيد للشهداء بمسرة عظيمة ووضع الشرائط البيضاء والأنوار وبهجة خلاص الرب وعظمة بهاء مجده في شهداءه، الذين حُسبوا أهلاً لملكوت الله في بهجة آلام الرب في سر قيامته، ولا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم، وعند الموت يخروا صرعى منهارين، لأن لا يوجد في داخلهم سرّ الحياة الأبدية…

وأحب أن أختم هذه الكلمات القليلة بكلمة القديس إغناطيوس الإنطاكي الشهيد التي كتبها في رسالته لأهل فيلبس قائلاً: [ ليعطيكم الله، أبو ربنا يسوع المسيح، الكاهن الأعظم والأزلي، ابن الله، أن تنموا في الإيمان والحق بكل عزوبة، وبمعزل عن الغضب، وفي الصبر، وطول الأناة، والاحتمال، والطهارة. ليمنحنا وإياكم قسماً من ميراث القديسين، وجميع من هم تحت الشمس، من المُقيمين على الإيمان بسيدنا يسوع المسيح، وأبيه الذي أقامه من الموت. صلوا لأجل القديسين، والملوك، والسلطات، والأمراء، ولأجل من يضطهدونكم ويبغضونكم، ولأجل أعداء الصليب، فتظهر هكذا ثماركم، وتكملون في المسيح يسوع ]

فلنكن يا إخوتي ثابتين في التوبة وعهد النعمة، في تمام الصحة الروحية وكمال الإيمان بالمحبة في سيدنا يسوع المسيح، وفي نعمته دائماً مُقيمون، مستعدين ليوم إعلان مجيئه بشهادة حية، مستعدين لبذل حياتنا حتى الدم لأجل اسمه العظيم، قائمين في المحبة ومصلين في الروح القدس كل حين … مجداً للثالوث القدوس آمين

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى